حيَّ على... خير العمل

هنادي الشيخ نجيب

[email protected]

 شبابنا الكرام، إذا كانت الحياة أمل، يصاحبها ألم، ويفاجئها أجل، إذاً ألا يصبح من المنطقي منّا أن نغتنم الفرص الثمينة؛ التي- بدورها- لا تأتي لأشخاص غير مستعدّين لاستثمارها؟!!

 على أننا -أيها الشباب الكريم- وبينما نغرف من مَعين هذه المواسم المباركة ما يبلغ بنا الدرجات وتتضاعف به الأجور والحسنات-؛ لا ننسى أنّ (عمل الخير هو خير العمل)، وأنّ الشمولية في الفهم والأداء هما بيت القصيد في كلّ ما نقوم به من قربات وعبادات..

 وإليكم- قرّاءنا الشباب- عيّنة من ذلك الوعي الشمولي، والتعبير النبيل الفضفاض في تأدية الشعائر؛ على أن نتمعن في ما بين السطور لنطبّق العبرة في شهر ركن الإسلام الخامس!...

 خرج الإمام عبد الله بن المبارك* إلى الحج، فاجتاز ببعض البلاد، وكان معهم في القافلة طائر، فمات هذا الطائر وأُمر بإلقائه على مزبلة، فإذا بجارية قد خرجت من دار قريبة وأخذت ذلك الطائرالميت ثم لفّته وأسرعت به إلى الدار، فتبعها ابن المبارك وسألها عن أمرها، فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا قوت إلا ما يُلقى على هذه المزبلة، وقد حلّت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال فظُلم وقُتل، فأمر عبد الله بن المبارك بردّ الأحمال وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟، قال: ألف دينار، فقال ابن المبارك: عُدَّ منها عشرين ديناراً تكفينا حتى نعود إلى ديارنا، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجّنا هذا العام، ثم رجع.*

 إنّ كلمة أفضل هي مفتاح القصة ومحورها...

 نعم شبابنا، هذا هو توجّه الذين فهموا أن الدين ليس معناه أداء الحقوق المترتبة على الفرد فحسب، بل يتجاوز ذلك بأشواط بعيدة بعيدة...إن لُبّ الدين أن نتتبّع ما يتوجب علينا تجاه أفراد مجتمعنا، والالتفات إلى بقية أعضاء الجسد -الذي ندّعي أننا ننتمي إليه- المتآكلة بالأوجاع والآلام، المحرومة من أبسط مظاهر الحياة الكريمة...

 وطالما أن الفرصة لا تزال مؤاتية، لم لا نجول بأبصارنا وقلوبنا عن أيماننا لنرى المهدَّدين في أمنهم، المحارَبين في كرامتهم، وننظر عن شمائلنا لنعاين المضطهدين على أرضهم، المحرومين من حريتهم، ومن فوقنا الخائفين المظلومين، ومن تحتنا الجوعى والعطشى المقهورين... وكثير من بني جلدتنا من المتألمين المحاصرين...

 شباب الفتوة والعزيمة...ما علينا في هذا الموسم المبارك إلا أن نفهم كما فهم ابن المبارك، فنخلع عن رؤوسنا قبعة الجمود، ونعرّي قلوبنا من لباس الجحود، ونتحوّل من الاستهلاك المادي الفردي المقيت، إلى الإنتاج الأخلاقي الجماعي الشريف، ونترك مظاهر الأثرة والأنانية وحبّ الذات لنرتقي إلى فضاءات الإيثار والمواساة... في شهر يجمع الناس من أقطار الأرض على قلب رجل واحد يحملون رجاء واحداً: أن يعفو الله عنهم، ويغفر لهم، ويستخدمهم لعمل الخير، ويؤتهم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة... والوعد بالإجابة من رب الأرض والسماء، يغري بمداومة اللقاء بعد العودة إلى الأوطان في محراب العبادة ونفع العباد.. وكل حج وأنتم بالخير أرقى وأسعد...

*هو الإمام الحافظ الفقيه الزاهد الشجاع الكريم، قيل في قدره إن الصحابة لا يُفضّلون عليه إلا صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي عام 181هجرية.

 *وردت هذه القصة في كتاب البداية والنهاية.