ربيعُ شرقنا إسلامي... وللغرب خريفه القاني

ربيعُ شرقنا إسلامي...

وللغرب خريفه القاني

الشيخ حماد أبو دعابس

رئيس الحركة الإسلامية

بضعة أشهر بعد انطلاق الثورة التونسية ها هي أولى ثمراتها، انتخابات حرة تعدّدية وديمقراطية. الأحزاب بالعشرات، والبرامج الانتخابية تشمل كل ألوان الطيف، ونسبة الناخبين المرتفعة دليل على رغبة المواطنين بتلمُّس آثار ثورتهم وتذوُّق أوائل ثمراتها، ولأول مرّة في تاريخ عالمنا العربي المعاصر يخرج المواطنون لانتخابات حقيقيَّة، نتائجها غير معروفة سلفاً، وللجميع فرصتهم في المنافسة النزيهة على أصوات الناخبين ،مع ثقتهم بان كل صوت يؤثِّر. وقد اتضح بعد فرز النتائج بان حزب النهضة الإسلامي المعتدل يتصدَّر قائمة الأحزاب التونسية، حيث حصد قرابة ال40% من مجموع الأصوات، وبالتالي ما يتناسب مع هذه النسبة من مقاعد المجلس التأسيسي المكلَّف بإعداد دستور البلاد الجديد، وقيادة تونس للمرحلة القريبة القادمة. والى جانب ذلك فقد أعلن الحزب الإسلامي التونسي عن نيته إقامة حكومة ائتلافية، تضم مختلف التوجهات الإسلامية والعلمانية، ضمن مشروع الدولة المدنيَّة الحديثة.

وإذا كانت هذه نتائج انتخابات تونس التي شملت خلال فترة ابن علي تغييباً شبه كامل لدور الإسلاميين، وإقصاء كليَّاً لقياداتهم في المنافي والسجون، إضافة إلى حرب معلنة على الإسلام وقيم الإسلام ونمط الحياة الإسلامية،فان الأمر يبشِّر بإذن الله تعالى بربيع إسلامي مشرق، ونتائج أكثر حسماً لصالح الإسلاميين في كل من مصر وليبيا، ومن ثمَّ اليمن وسوريا، وكل بلد عربي تجري فيه انتخابات حرَّة ونزيهة. إنها الفطرة الحقيقة لشعوب منطقتنا التي تدين بالإسلام وتعتبره مصدر كينونتها وعزتها وهويتها وثقافتها. ولذلك فان هذه الشعوب عندما تنال فرصتها الحقيقية لتقرير مصيرها فإنها تميل إلى انتخاب من يمثِّل دينها وقيمها وأخلاقها وأصولها الإسلامية. لينتقل التحدِّي بعد ذلك إلى تلك المنظومات الحزبية والحركية الإسلامية: هل ستكون عند حسن ظن شعوبها، وهل هي على قدر التحدِّي؟ هل أعدَّت البرامج وتهيَّأت كما ينبغي للمهمات العظام والتحديات الجسام؟.

نحن من جانبنا كحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني كلنا رجاء في الله وتضرُّع إليه أن يوفِّق إخواننا في الحركات الإسلامية في عالمنا العربي أن تكون عند حسن ظنّ شعوبها بها، وان ترتقي إلى مستوى طموحات الأمة وأهدافها العُليا .فان النقلة من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة ليست بالأمر الهيِّن، مع أن التجارب الايجابية التي سبق إلى انجازها الأخوة في تركيا وفي ماليزيا وفي غزة، تعتبر رصيداً لجميع الإسلاميين ينبغي الاستفادة منها ونقل الأنسب إلى ظروف كل بلد إسلامي مع مراعاة خصوصيات كل شعب من شعوب الثورات العربية المنتصرة.

وعلى مصر تنعقد الآمال الكبار

الصورة الوضيئة والقراءة العصرية الراقية التي قدَّمها الأستاذ محمد خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، في لقاء متلفز مع قناة الجزيرة، تبعث إلى الطمأنينة بأنَّ ارض الكنانة وبلد الإمام الشهيد حسن البنَّا التي صدّرت للعالم بأسره فنون الدعوة وأصول العمل الإسلامي، قادرةً بإذن الله تعالى أن تكون أستاذا عظيماً لكل شعوب المنطقة في إقامة النظام السياسي العصري، والدولة المدنيَّة الرائدة للعالم العربي والمؤثرة إيجابا في حركته الدؤوبة نحو العدالة والحرية والسيادة الحقيقية.

فقد أفاد الأستاذ الشاطر إلى توقع تصدُّر جماعة الإخوان المسلمين جميع الأحزاب في مصر وحصولها على الأغلبية البرلمانية، ومن ثمَّ أكد على رغبته في إقامة حكومة ائتلافية تشمل كل مركبات الشعب بما فيهم الأقباط. وأكَّد كذلك على أن لدى الجماعة الرؤية الثاقبة لآليات النهوض بمصر اجتماعياً وسياسيَّاً وتنمويَّاً واقتصاديَّاً. مع الاستفادة من كل التجارب الناجحة للدول التي استطاعت أن تنتقل نقلات نوعيَّة كبيرة في التاريخ المعاصر مثل الصين والهند وماليزيا وتركيا والبرازيل. والإخوان في مصر يُدركون تماماً عظم الآمال المعقودة عليهم في جميع العالم العربي والإسلامي. فهم حريصون جداً على بناء مصر القويّة، التي تصلح لقيادة الأمة واستعادة مكانتها بين الأمم.

سوريَّا واليمن .... لا بدَّ من نجاح الثورات ولكنَّ الثمن باهظ

وأمام إصرار الشعبين اليمني والسوري على إسقاط النظامين القمعيين الشموليين الذين يحكمانهما، وبعد مرور قرابة العشرة شهور على انطلاق ثورة اليمن وتسعة لثورة سوريا ،فان الشعبين ما يزالان يدفعان فاتورة الدم الباهظة في الطريق لتحصيل أهدافهما النبيلة والعظيمة. وان شعباً يخرج بالملايين إلى الساحات والميادين على مدار كل أيام الأسبوع والشهر لا بدَّ سيحقِّق انتصار ثورته، ودحر حكامه الطواغيت الظلمة،ولا بُدَُّ سينتزع حريته وكرامته من أنياب جلّاديه إن آجلاً أم عاجلاً. وحين تُتاح لهم الفرصة في إدارة شؤونهم وتقرير مصيرهم وانتخاب قيادتهم فنحن واثقون كذلك ،بان مستقبل الشعبين الثائرين ومثلهما الشعب الليبي البطل لن يرضوا غير الإسلام لهم منهجاً، ولن يرضوا غير أخلاق الإسلام وقيمه ومنهجه لهم دستوراً ومرجعيةً، لتعود للشعوب عزَّتها وهويتها وكرامتها باذن الله تعالى.

أمَّا إسرائيل والغرب فلن تدوم هيمنتهما على شرقنا

المشهد الذي بدت فيه إسرائيل مستعجلة تحثّ الخُطى من اجل إتمام صفقة تبادل الأسرى مع حماس ثم مع السلطات المصريَّة من اجل استرجاع كل من جنديها الأسير في غزة ومواطنها المحتجز في مصر، ينبئ بأن إسرائيل تتخوَّف من انتقال السلطة في مصر إلى أيدي الإخوان المسلمين وحينها قد يصعب إتمام مثل هاتين الصفقتين. لقد بدأت إسرائيل تقرأ المتغيِّرات في منطقة الشرق الأوسط على الأقل فيما يخص غزة والعلاقات مع مصر. ولكنَّها ما تزال تعربِد على مستوى التعامل مع ملف القدس والدولة الفلسطينية العتيدة.

والى جانب ذلك فان الأزمة الاقتصادية والديون التي تطبِق على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وما يصاحب ذلك من احتجاجات واسعة، إلى جانب الدور الأمريكي الخافت في ليبيا، ورغبتها في الانسحاب من العراق كلُّها تشير إلى تراجع قدرة الغرب على تقرير مصير منطقة الشرق الأوسط في المستقبل. ولكن ذلك كلّه مرهون بأداء الشعوب العربية. فان هي ظلَّت ممسكة بزمام أمرها ماضيةً في صناعة حاضرها ومستقبلها، فسوف تنتصر على جلّاديها وأنظمة الاستبداد التي قهرتها وكبتتها في الماضي. وعندها فإنها ستملك القدرة والإرادة على رفض الهيمنة الأجنبية، وستكون جديرة بطرد الغزاة والمحتلِّين وتطهير البلاد وتحرير العباد من ارجاس الاحتلال وبراثن أهل الجشع والاستغلال من أمريكان وأوروبيين وإسرائيليين.

إلى أين تتجه السعوديّة بعد وفاة سلطان

وفاة ولي العهد السعودي الأمير سلطان تضع نظام المملكة السعودية في حالة تأهُب وترقُّب .فإلى جانب وفاة ولي العهد فان الملك عبد الله البالغ من العمر سبعة وثمانين عاماً والنائب الثاني الأمير نايف ثمانيني ايضاً وكلاهما في حالة صحية لا يحسدان عليها، الأمر الذي يؤجِّج معركة الخلافة والصراع على السلطة بعد انتهاء دور الصف الأول من القيادة السعودية، فمن المرجّح أن يبدأ الصراع بين أبناء العمومة أبناء فيصل وخالد وفهد وعبد الله وسلطان. وكلُّهم أقران. إن التحدي الأكبر أمام المملكة السعودية هو في إيجاد آلية متفق عليها بين جميع القرناء، فان تعذَّر ذلك،فقد يؤول الحال في المملكة إلى اضطرابات أشدُّ وأنكى من الثورات العربية في دول الجوار. إن أي خلل في استقرار المملكة السعودية سيؤثِّر قطعاً على جميع دول المنطقة وسيعجِّل بزوال بقية الأنظمة الخشبيَّة، ليكتمل بذلك ربيع العرب والمسلمين. وما ذلك على الله بعزيز.