حضرة الدكتور المكوجي : هييييييه!!

حضرة الدكتور المكوجي : هييييييه!!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

من اللهو الخفي الذي تفرزه عبقرية الانقلاب مطلع كل صباح : إتحاف الأنام بفكر اللئام ! هذا الفكر يعمل وفق منظومة القمع والتشتيت . القمع لإسكات كل من يعارض الحكم العسكري بكل  الوسائل ، بدءا من القتل بالرصاص الحيّ حتى تكميم الأفواه والحرمان من أبسط حقوق الإنسان . والتشتيت بإشغال الناس حول مجموعة من القضايا المتعلقة بالإسلام يكون  أبطالها ممن توجههم الأجهزة الأمنية ، أو تستخدمهم بطريقة وأخرى لإلهاء الناس عن المشكلات الحقيقية التي تمثل لهم  تحديا . ذاق الناس وما زالوا كل ألوان القمع الانتقامي الرخيص في المياين والشوارع والمدن والقرى ، والجامعات والمدارس والبيوت والمساجد ، وصارت المداهمات لا تتو قف والمحاكمات الانقلابية لا تنتهي والإعدامات بالجملة وصلت إلى ما يزيد عن 1200 حكم بالإعدام ، بالإضافة إلى آلاف المؤبّدات والسنوات  ، فضلا عن عشرات  الآلاف من المحبوسين احتياطيا إلى ما لانهاية . ولا تكاد تخلو ليلة من اقتحامات مروّعة بالسلاح لمنازل من يُشَكّ في ولائهم لأتابك عسكر الانقلاب! 

ومع القمع ينسى الناس أن ثورة اسمها يناير عام2011 قامت لتحرير الناس والإسلام من بطش استبداد قاتل جثم على صدور العباد والبلاد ستين عاما وألحق بهم العار والهزائم والتخلف والزحف في ذيل الأمم. لا حديث إذا عن ديمقراطية أو حرية أو كرامة إنسانية أو عدالة اجتماعية. لا أمل في مجلس نيابي حقيقي أو انتخابات حرة أو حكومة صالحة محترمة . لا أحد يعرف ماذا يراد به أو إلى أين المسير ؟

وفي مقابل القمع يعمل التشتيت الذي تشرف عليه الأذرع الانقلابية – عوضا عن العمل ضد أعداء البلاد الخارجيين – على شد انتباه الناس إلى قضايا بعينها ، بعضها مفتعل تماما ، وإن كان الهدف منها مواصلة الحرب على  دين الأمة في محاولة لشيطنته واستئصاله ، مثل ما يروج عن الإرهاب الإسلامي، والتطرف والتشدد ، والظلامية ، ثم الدعوة إلى مايسمى الثورة الدينية  - وكأن الإسلام كهنوت يمنح صكوك الحرمان والغفران ويمنعها – وفي هذا السياق تأتي دعاوى تنقية كتب التراث وتجديد ما يسمى الخطاب الديني ، وخلع الحجاب ، والاجتهاد الذي يقدمه الجهل المستنير ، وحرق الكتب الإسلامية على أنغام بلادي بلادي !

يعمل التشتيت على تجاهل المشكلات اليومية التي يضج منها الناس ، وكانت هذه المشكلات قبل أن تتفاقم ذريعة الانقلابيين للإطاحة بثورة يناير ، والرئيس المنتخب والدستور الذي وافقت عليه الأمة في انتخابات حرة نزيهة ، فلاحديث الآن عن مشكلات الخبز ولا الوقود ولا البوتاجاز ولا الغلاء ولا البطالة ولا توقف المصانع  ولا انهيار السياحة ولا مأساة الزراعة ولا متاعب الصرف الصحي ولا أزمات العلاج والدواء ولا تردي التعليم ولا تأخر الجامعات عن نظيراتها في العالم ولا ... ولا ...

أحدث تقليعات التشتيت ما أطلق عليه منح الدكتوراه الفخرية لبعض الأشخاص بطريقة غير طبيعية أو مقنعة ، مما دفع المكوجي السابق والمطرب (؟) اللاحق شعبان عبد الرحيم أن يطالب بالدكتوراه الفخرية ، لأنه كما يقول خَدَم مصرَ ، وليس أقل من غيره في استحقاق هذه المنحة أو الدرجة أو الجائزة .

شعبان مواطن مصري كان يمارس مهنة المكوجي البلدي أو مكوجي الرِّجْل . وهي مهنة شريفة لأنها الطريق إلى اللقمة الحلال . ثم بدا له أن يغني في الأفراح على طريقته الشعبية ، يؤدي كلاما يجذب الجمهور الشعبي ، ويتفاعل مع لازمة معينة ( هيييييه !) صارت عنوانا عليه ، واستطاع محترفو الكسب الترويج لظاهرة شعبان وحققوا من ورائها ربحا عظيما ، وسوّقوا الرجل بعد أن نقلوه من المستوى البسيط إلى مستوى المطرب الذي يتقاضى أجورا عالية ، ويسعى إليه جمهور متنوّع ، وانتقل إلى أداء كلمات سياسية تؤثر في قطاعات عريضة مثل :" باحب عمرو موسى واكره إسرائيل !" . وعرف شعبان طريقه إلى القنوات التلفزيونية والصخف والمنتديات والمناسبات،وصار في مرمى الاستفتاءات الصحفية والإعلامية كي يجيب عن أسئلة في القضايا العامة التي لا يفقه من أمرها شيئا !

مؤخرا قال شعبان : إنه أولي من أميتاب باتشان بالدكتوراة الفخرية !  وأضاف: "أنا بتخانق كتير وبتشتم علشان مصر"، وتابع: "رجلي اتكسرت علشان مصر، وغنيت كمان للمؤتمر الاقتصادي!".

كانت أكاديمية الفنون قد منحت أميتاب بيتشان الممثل الهندي الذي حل ضيفا على مصر الدكتوراه الفخرية واحتفت به وحجزت له في فندق فخم ، وهو ما أثار حفيظة شعبان الذي رأى أنه لا يقل عن الممثل الهندي !

حضرة المكوجي السابق والمطرب اللاحق يستحق بمفهومه الدكتوراه الفخرية والإقامة في فندق فخم ، فلا أحد أفضل من أحد في بلد الانقلابات والقمع والتشتيت إلا أهل الفن وصناع الفتن والبابا تواضروس ؛ المرشد الأعلى للانقلاب !

الدكتوراه الفخرية نوع من التكريم يمنح عادة لرؤساء الدول الأجنبية والزعماء العالميين وأصحاب الإنجازات العلمية والأدبية الكبري ، ولكن الأمور المنقلبة جعلت أميتاب باتشان وهو ممثل؛ يحصل عليها في زيارة دفع ثمنها المواطن المصري بدءا من تذكرة السفر حتى الإقامة في الفندق .هل هناك مسوغات دبلوماسية أو سياسية أوحتى  سياحية تجعل أكاديمية الفنون تمنح الرجل هذه الدرجة ؟

ثم هل هناك مسوغات لمنح هذه الدرجة لبعض أهل الطبل والزمر في الخليج ؟

وهل إقامة احتفالية «مصر تفخر بعروبتها» بالمركز الثقافى الأكاديمى "سيد درويش" بالهرم تفرض منح تلك الدرجة العلمية الرفيعة بالجملة بحضور عدد من الوزراء وسفراء الدول العربية والأجنبية والشخصيات العامة؟

الأدهى من ذلك منح بابا الكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية الدكتوراة الفخرية من إحدى الجامعات المصرية ، ولا ندري ما المسوغات التي دفعت هذه الجامعة لمنحه هذه الدرجة ؟ هل لأنه قاد النصارى ضد الشرعية وشارك في الانقلاب على الإرادة الشعبية مدعيا أن الشعب المصري يرفض النظام الإسلامي؟ ثم تأييده لقتل الآلاف من المسلمين في رابعة وأخواتها، وتهنئته للقتلة بالبرقيات التي لا تُخفي التعصب البغيض والحقد الأسود ؟ هل يكافأ بالدكتوراه الفخرية على القتل الجماعي وسفك دماء الأبرياء الذين أُحرقوا وحملتهم الجرافات وألقت بهم في سيارات الزبالة ؟ هل تأييد القتلة وتهنئتهم تعبير عن الحكمة وسماحة القلب وقوة الشخصية كما وصفته الجامعة المانحة؟

من المؤسف أن تكون الدكتوراة الفخرية مثل حرق الكتب والتهجم على الإسلام وعلمائه طريقا من طرق التعبير عن الركوع للبيادة من دون الله!

الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!