كهرباء "سحر البيان" من النصوص إلى النفوس

"شهادات حاسمةٌ"

عباس المناصرة

1- البيان وما أدراك ما البيان:

لا نستطيع أن ندرك فاعلية الأدب وقيمته وأهميته وفعله في القلوب، وتأثيره على حياة الأمم والشعوب، إلا بعد أن نتعرف على ماهيته، التي تكشف لنا عن جوهره وطبيعته، التي تعلل وتفسر الكيفية التي تجعله مؤثراً في النفوس.

وقد نحتاج إلى بعض الجهد، الذي يدلنا على الشواهد المفيدة لنا في هذا الجانب، من مرجعية الأمة: (القرآن الكريم والحديث الشريف) ومن ميراث الأمة الثقافي والنقدي، الذي يسد حاجتنا في جلاء الموضوع ويوصلنا الغاية التي نريد، وهي شواهد كثيرة، نقتطف منها، ونصنفها حسب التسلسل التالي:

1- من شواهد القرآن الكريم:

أ- قوله تعالى: (علمه البيان) (1).

ب- وقوله تعالى: (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين) (2).

جـ- وقوله تعالى: (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) (3).

د- وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً) (4).

2- من شواهد السنة الشريفة (الحديث النبوي):

أ- قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة) (5).

ب- قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم صرف الكلام ليسبي قلوب الرجال أو الناس، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) (6).

جـ- ومن حديثه صلى الله عليه وسلم عن تأثر القاضي ببلاغة المتكلم، نأخذ من الحديث موضع الشاهد في قوله:

(ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض) (7).

د- وقوله صلى الله عليه وسلم مخاطباً معاذ بن جبل رضي الله عنه حين سأله: أو نحن مؤاخذون بما نقول (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم) (8)

3- ومن أهل الذوق والثقافة النقدية والأمثال السائرة نقتطف ما يلي:

أ- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لولا ثلاثة، ما أحببت البقاء في الدنيا: أن أدير الخيل لأمة محمد تغزو بها في سبيل الله، وأن أكابد التهجد في جوف الليل، وأن أجالس أقواماً ينتقون أطايب الكلام، كما ينتقون أطايب الثمر) (9).

ب- من قول للوليد بن المغيرة عن تأثره بالقرآن الكريم حين كان يستمع إليه خلسة أثناء قراءة النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة (إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة).

جـ- قالت العرب في أمثالها:

(كَلْمُ اللسان أنكى من كَلْمِ السنان)(11).

د- قال الشاعر:

لا خيل عندك تهديها ولا مال        فليسعف القول إن لم تسعف الحال(12).

هذه الشواهد التي قدمنا، تشكل حزمة من الإضاءات التي تكشف عن تأثير الأدب في حياة البشر، وحيث يلاحظ الباحث أو الناظر في هذه الشواهد يجد أموراً كثيرة منها ما نذكره على سبيل المثال لا الحصر:

1- ما نجده في الآية الكريمة الأولى، حيث تعلمنا أن البيان نعمة عظيمة من نعم الله سبحانه وتعالى التي يمن بها على الجنس البشري بكامله.

وفي الآية الثانية تذكير بنعمة الإدراك من خلال الحواس، ومنها نعمة العين ثم نعمة البيان من خلال أجهزتها في الجسم (اللسان والشفتين).

وفي الآية الثالثة إشارة إلى أصل البيان، وأنه حاجة نفسية مركوزة في قلوب البشر، وأن موقف الإنسان ينساب من قلبه إلى الآخرين عن طريق اللسان، أو هو بعبارة أخرى كما قال الشاعر العربي:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما        جعل اللسان على الفؤاد دليلاً(13)

فاللسان قلم القلب، وكل ما يجول بصدر الإنسان، لا بد أن يظهر في فلتات لسانه، فقد وصف الله سبحانه وتعالى حال المنافقين بقوله (ولتعرفنهم في لحن القول) (14)

لأنهم يكتمون مواقفهم، ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يقولون كلاماً قلقاً، يتناسب مع مصالحهم وهذا شيء نستفيده من علم النفس القرآني وأثره في كشف مكنونات النفوس والصدور، وكذلك مكنونات النصوص.

وفي الآية الرابعة يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن هذا البيان وهذه القدرة على الكلام والقول أمانة نحن مطالبون أن نتقي الله فيها، ولا نقول إلا القول السديد الذي يرضي الله سبحانه وتعالى. إنها مجرد أمثلة سريعة من بحر القرآن الكريم الواسع عن أهمية البيان في حياتنا.

2- وعندما ننتقل إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، نجد أموراً كثيرة في هذا المجال، ولكننا اقتطفنا هذه الأحاديث لمجرد التمثيل.

وفي الحديث الأول يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن طبيعة البيان وقدرته التي تشبه السحر، لتأثيره في النفوس من خلال ما فيه من جمال أخاذ وحكمة بالغة.

وفي الحديث الثاني، قال (ليسبي قلوب الرجال) وسبي القلوب يكون عن طريق سحر البيان الأدبي وجماله الذي يسيطر على القلوب، وفي الحديث إشارة إلى عظم هذه المسؤولية وخطر من ينحرف بهذه الموهبة عن مقاصدها الشرعية، وما ينتظره من الوعيد.

أما الحديث الثالث فيكشف فيه النبي صلى الله عليه وسلم قدرة البيان والبلاغة في صياغة الحجة والبرهان وقوة الخطاب، وما له من تأثير على القاضي، تجعله يصدر الحكم لصالح من هو ألحن وأقدر في بلاغته التي توصل حجته.

3- أما المجموعة الثالثة من آراء أهل الثقافة النقدية فإننا نجد أن فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يجل البيان ويرفع مقامه، ويجعل من البيان والأدب وسحره إحدى متع الحياة الدنيا، في وسط أقوام ينتقون (أطايب الكلام) كما ينتقون أطايب الثمر.
وهذا الوليد بن المغيرة يقع تحت تأثير الجمال والبيان القرآني، ويكاد يلين قلبه للإسلام حين وصف تأثير القرآن الكريم عليه، بقوله: (إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة..). لولا أن عدو الله أبا جهل استفز فيه عزة الإثم، ليدفعه إلى موقف مغاير، معروف في كتب السيرة حين قال (إنه يفرق بين المرء وزوجه والأخ وأخيه..).

أما المثل العربي المعبر عن الذوق العام عند أهل العربية، فيكشف عن معنى عظيم في أهمية البيان، وهو أن الألم الذي يسببه اللسان، هو أشد مرارة وتأثيراً في النفس من الألم الذي تسببه الرماح، أو يحدثه السلاح في كثير من الأحيان.

وأخيراً وليس آخراً في قول المتنبي ما يفيد أن الكلام الجميل الطيب يؤثر في نفوس الناس، ويغني صاحبه عن تقديم المال والهدايا، إن كان لا يملكها أو غير قادر عليها.

وقديما كان تأثير الأدب على العرب عظيماً، وبخاصة عندما يقف الشاعر أو الخطيب يخاطب الناس في أسواق: (عكاظ وذي المجنة وذي المجاز والمربد...) وغيرها، أو في نواديهم وأعيادهم، والناس أمام الشاعر أو الخطيب على صعيد واحد وبين ناظريه، أما في هذه الأيام، فإن وسائل الإعلام المتطورة، جعلت التأثير أعظم وأوسع، حيث أصبحت قادرة على إيصال خطابك إلى ملايين الناس، وذلك عبر الإذاعات وشاشات الفضائيات، وقد تعددت تقنيات إيصال الأدب إلى الناس، فظهر عندنا: الكتاب والصحيفة والأشرطة بأنواعها، وظهرت وسائل عرض جديدة للآداب والفنون: كالغناء والأناشيد والسينما والمهرجانات والتمثيل والمسرح والحوارات والندوات والمؤتمرات الأدبية والثقافية، وتعقد الضخ الإعلامي والمعرفي الذي يقع تحت ضغط المصالح السياسية، التي أخذت تخضع الأدب لسياسات التقريب والإقصاء، بين شاعر يمثل سياسة المعارضة، أو أديب يناصر سياسات الدولة، وأصبحت البرامج الأدبية والثقافية تعرض في حلقات عديدة متواصلة، تشد الجمهور ويتفاعل معها لفترات طويلة.

وبهذا ندرك بعض ما رمت إليه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي كشفت لنا عن سحر البيان وأثره في النفوس، ونستمع للبيان فنجد من تأثيره العجب العجاب، نرى الحالة الفنية والبلاغية والمواقف التي صاغتها قريحة الأديب: أحياناً تثير فينا الضحك، وبعضها يثير فينا البكاء، وبعضها يثير الحب أو يحرك الكراهية، وبعضها يدفعنا إلى الطرب، وبعضها قد يثير فينا الانقباض، أو يدخل إلى نفوسنا الفرح أو الخوف أو اليأس أو الرجاء. نعم إنها (طبيعة الأدب) تسحر القلوب بأدواتها وأساليبها الجميلة الذكية المحببة إلى النفوس.

2- طبيعة الأدب

إذا كانت وظيفة العلم هي في اكتشاف حقائق المادة وسننها لتسخيرها في بناء حضارة الإنسان، وإذا كانت وظيفة الدين هي في تفسير الحياة وإيضاح مقاصد وجودنا فيها، وضبطها بالتشريع الذي يحمي الحياة من الفوضى، فإن وظيفة الفن والأدب هي في أن يكون الباروميتر الذي يقيس جدوى الحياة من حولنا، من خلال الحقيقة وقيمتها في الشعور ووقعها في نفوسنا من خلال اكتشاف مدى إشباعها لطموحاتنا، وهذه نماذج من الشعر التي تكشف جدوى الحياة من حولنا كما يحس بها الشاعر أثناء موقفه من الأحداث، يقول الشاعر:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً        على أي جنب كان في الله مصرعي(15).

وقول الشاعر:

غير مجد في ملتي واعتقادي        نوح باكٍ ولا ترنم شادي(16).

وقول الشاعر:

لماذا إذا هدأت نجمة الحرب        تعطى الجوائز للهاربين(17)

ولا يمكن معرفة تأثير الأدب من خلال وظيفته، ولكن الذي يصنع هذا التأثير، هي تركيبة الأدب وطبيعته، حيث تلتقي في كيمياء النص مجموعة من العناصر، التي تجعله أشد تعقيداً من المركب الكيميائي، ومع ذلك لا نجد صعوبة في التعرف على هذه الحزم المتداخلة من تلك العناصر، عند التحليل الجاد للنص، فالأدب فيه:

1- 1- (تحرش متبادل بين المبدع وواقعه) عن طريق (الحواس).

2- والأدب فيه (من مرآة النفس وطباعها وأشواقها وإلهاماتها وطموحاتها الكثير) عن طريق (ما يرشح منها) إلى بنية النص.

3- والأدب فيه (إطلالة على الحياة) المحيطة بهذا الواقع عن طريق (التجربة والمراس).

4- والأدب فيه (رؤية فكرية) عن طريق (التحليل والاستيعاب) للواقع المحيط بصاحب النص.

5- والأدب فيه (فهم للحقيقة) عن طريق (الاستدلال والاستنتاج).

6- والأدب فيه (قيمة للحقيقة) عن طريق (الموقف الشعوري) من الحدث المحرك لذلك التحرش.
7- والأدب فيه (تعبير عن الموقف) عن طريق (ما يختزنه الموقف الشعوري للمبدع تجاه الحقيقة التي أدركها بعد فهم النص).

8- والأدب فيه (إدراك لجدوى الحياة من حولنا) عن طريق (معرفة مدى إشباعها لحاجاتنا من خلال معطيات الحال).

9- والأدب فيه (استثمار للجمال في خدمة الحقيقة وعرضها) لأنه يتحول إلى حامل للحقيقة، يوصلها بكل أبعادها المضيئة والمعتمة، الحقيقة بروعتها وجمالها وقبحها، من خلال الرؤية الذاتية للمبدع ومن خلال السياحة الخيالية مع أفانين البلاغة بجناحيها (البياني والنوعي) وحيث ينتشل الأدب الحقيقة من مواطنها في: (الواقع والحياة والفكر والفهم والخيال والقيمة والنفس) ليضعها في مركب جديد ومعرض جديد اسمه (النوع الأدبي) وقد حملت ألوان مواطنها التي قدمت منها، ضمن وظيفة جديدة ونسق جديد اسمه معرض (فن الشعر) أو معرض اسمه (فن القصة) أو معرض آخر اسمه (فن المسرحية) وهكذا مع امتداد الأجناس الأدبية التي تنوف على العشرين نوعاً.

وفي هذه الحالة، لا بد أن يتسلح الأديب بعدة أسلحة معرفية من علوم وفنون كثيرة، لعل من أهمها بعد الثقافة الواسعة وعلوم اللغة، (علوم البلاغة) الجزئية، التي تمكنه من التحكم في سبك الجمل والتراكيب والأبنية اللغوية، مستفيداً من (علوم البيان) في: التشبيه والمجاز والاستعارة والكناية، ومن (علوم البديع) في: المقابلة والتورية وحسن التعليل والجناس والطباق وغيرها ومن (علوم المعاني) في: التحكم بالأفعال والإسناد والربط وأساليب الاستفهام والنداء والنهي والأمر وغيرها، ثم لا بد أن يتمرس في بلاغة (النوع الأدبي) ووسائلها وخبراتها، ونقصد ببلاغة النوع الأدبي هنا، ما تتميز به الفنون الأدبية عن بعضها، أو يغلب على فن منها دون الفنون الأخرى.

فكل أديب أو مبدع، له موهبة في نوع من هذه الأنواع يتناسب مع إبداعه وطاقاته في التعبير عن ذاته، فإذا كان (شاعراً) مثلاً استفاد من الخصائص النوعية الغالبة على فن الشعر (كالخيال والعاطفة والوزن..) وإن كان (خطيباً) استفاد من تقنيات فن الخطابة التي تكثر فيه (كضمائر الخطاب والحجة والإقناع والاستعطاف والإثارة) لكسب الجمهور الذي يقف أمامه، وإن كان (قاصاً) استفاد من (الحوار والرمز والاسترجاع والرواية والمناجاة..) في صياغة قصته وإيضاح فكرتها التي يرغب بإيصالها للناس، وكذلك يفعل (المسرحي) مستفيداً من (الحركية والتجسيد والحوار والرمز والمناجاة) وغيرها، وإن كان (كاتباً) للمقالة اتجه إلى: (التسلسل المنطقي للموضوع والحجة والبرهان والإقناع والإمتاع...) لأنه يخاطب جمهوراً غائباً اسمه (القراء).

وهكذا يستفيد الأديب من ثقافته الواسعة وخبراته في الحياة واطلاعه على العلوم والحضارات، ومن تقنيات الأنواع الأدبية والبلاغة والخبرات الفنية لمن سبقه منأنأنك أهل الصنعة ،في صياغة المشروع الجمالي، الذي يحمل مواقفنا ومشاعرنا إلى الآخرين، إنها صناعة معقدة وخطرة، سندرك أهميتها أكثر عندما نتعرف على العوامل والظروف التي تكشف خطرها وعظم تأثيرها في النفس البشرية، من خلال البراهين التي تشهد بعظمة الفنون الأدبية، ونؤكد ذلك من خلال الشهادات التالية:

1- الشهادة الأولى:

( نزول القرآن الكريم بأسلوب الخطاب الأدبي الجامع والمعجز)

جاء القرآن الكريم معجزة الإسلام الدائمة إلى يوم الدين، ليتحدى العقل البشري بكل أنواع الإعجاز: العلمي والثقافي واللغوي والفكري والتشريعي والمنهجي المفتوح إلى أقصى درجات رقيه الممتد إلى يوم الدين...

ونزل القرآن الكريم بصورة الخطاب الأدبي الممتع المعجز الذي يخاطب البشرية في جميع أجيالها وأماكنها.

وفي هذا العصر بالذات، أصبح بإمكاننا القول أنه يسهل علينا التعرف على حكم أخرى مكنونة، وراء الاختيار الرباني لهذا الخطاب الأدبي لكتابه الكريم، وبخاصة بعد أن ارتقت الأمم بفنونها الأدبية، وتعمقت في تحليل هذا الخطاب وتعرفت على أدواته، فأدركت أهميته وعظمته وخطره على أذواق الأمم قاطبة.

وتبين أن الخطاب الأدبي له سمات تميزه على غيره من أنواع الخطاب، التي عرفها العقل البشري، ولعلنا نذكر من سماته الهامة ما يلي:

1- 1- أنه أجمل أنواع الخطاب وأكثرها قدرة على التأثير في النفوس والأخذ بها نحو مدارج الرقي والسمو والتهذيب.

2- الخطاب الأدبي لا يؤثر عليه تقلب الزمان ولا تغير المكان، ولذلك هو أدوم تأثيراً وخلوداً من أساليب (العلم والجدل والخبر) لجفافها وتقلبها، فربما تقرأ الخبر لمرة واحدة، ولا ترغب العودة إليه مرة أخرى.

3- الخطاب الأدبي لا يوقع الملل في النفوس، ولا تمل من تكراره قراءة أو سماعاً وباستمرار؛ لأنه معجون بالجمال والروعة والرقة، التي جبلت النفوس على حبها.

4- يمتاز الخطاب الأدبي بقدرته على إيصال محتواه بسهولة إلى طبقات المجتمع على اختلاف شرائحها ومستوياتها، وذلك ليسر أداته (اللغة) التي يمتلكها الجنس البشري: الغني والفقير والمقيم والمرتحل والبدوي والحضري والجاهل والحكيم والصغير والكبير.

5- وأخيراً وليس آخراً، أليس في اختيار الله سبحانه وتعالى للخطاب الأدبي، حين أنزل به القرآن الكريم مخاطباً البشر، تزكية لهذا الخطاب، وشهادة منه وتعليم منه على أنه أفضل أساليبهم لخطابهم والتأثير فيهم، مما يدل على أهميته وفضله حين نزل الله به كتابه الكريم ويسره للذكر، حتى لا تقع البشرية تحت جفاف الفلسفة ولا جدل النظريات.

2- الشهادة الثانية:

(اكتشاف البشرية لوظيفة الأدب منذ أقدم العصور والحضارات):

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن: (خلق الإنسان علمه البيان) أي أن القدرة على البيان والتعبير عن هموم الذات وعملها وحاجاتها، هي نعمة عامة أسبغها الله على الجنس البشري بكامله دون تفريق، فكل أمة لها بيانها الذي تعبر به عن نفسها، لأنه عطاء رباني شامل، قال تعالى: (واختلاف ألسنتكم وألوانكم) وبعيداً عن المقولات العنصرية الطائشة التي لا تصمد أمام مقولات العلم كمقولة أرنست رينان الفرنسي، التي رأى فيها أن (الجنس الآري) أكثر إبداعاً وموهبة من (الجنس السامي) في البيان والأدب، وقد بنى رأيه هذا على وجود الأسطورة التي تساعد على امتداد الخيال المجنح كما في (الأدب اليوناني والروماني) بينما يرى أن الأدب السامي أميل إلى الصورة الواقعية البلاغية، وربما نسي رينان أن وجود الأسطورة لا يدل على ميزة، بقدر ما يدل على الطفولة الحضارية الساذجة، وليست مؤشراً على العبقرية، وبخاصة أن الصورة الأسطورية ظهرت في آداب الأمم التي انفصلت عن علم الوحي في فترات سحيقة من التاريخ، في آداب الأديان الصوفية الوثنية في شرق آسيا (البوذية والطاوية  والشنتوية والبرهمية) وكذلك في آداب الثقافات الفلسفية الوثنية في أوروبا (اليونان والرومان) وهي حضارات تقترض من بعضها بحكم الأصول المشتركة بين الصوفية الشرقية والفلسفية الوثنية الغربية وظروف الاختلاط في الحروب والتنقل والتجارة والتداول الحضاري.

فقد وصلنا من بيان الأمم السابقة، ما يدل على أنها اكتشفت جمال الأدب وتأثيره في النفوس، وحيث قامت بتوظيفه في حياتها: الدينية والفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية، وإذا نظرنا إلى ما وصلنا من منتج الأدب نجد نموذجاً مما صاغته الهند في حكمتها لمواجهة استبداد ملوكها، في قصص على لسان الحيوان ترجمها عبد الله بن المقفع في (كليلة ودمنة) ووصلنا من الثقافة الهند فارسية قصص (ألف ليلة وليلة) وتمّ حديثاً الكشف عن مسرحية (جلجاميش) من آداب حضارة الرافدين، وكان الرومان أهل أدب واشتهروا ببلاغتهم في فن الخطابة، ومن أمثال ذلك قصة (يوليوس قيصر) حيث قام الشريف الروماني بروتيس بقتل صديقه (يوليوس قيصر) إمبراطور روما، وألقى خطبة هي غاية في سحر البيان، تمكن من خلالها من استمالة الجماهير لصالحه، ضد الإمبراطور المقتول حتى أنه أشمتهم بموته، ثم جاء دور القائد أنطونيوس، الذي ألقى خطبة في تأبين قيصر، تمكن من خلالها من قلب الشعور الجماهيري ضد القاتل، وحيث انقلب السحر على الساحر، وتدافعت الجماهير العمياء تريد حرق بيته عليه، وقبلهم كان اليونان كذلك في ملاحمهم الشعرية (الأوذيسة والإلياذة) التي يعتبرونها إنجيل الثقافة الأوروبية وغيرها من المسرحيات المشهورة عندهم.

ثم جاء دور العرب على مسرح الحضارة البشرية حين اكتشفوا تأمير الأدب على نفوسهم، وبذلك وظفوه في حياتهم اليومية، فأصبح حديث سمرهم في نواديهم وأسواقهم وأعيادهم، وتناقلت مجالسهم روائع الشعر والخطابة والقصص والأمثال والحكم.

وبحكم انتشار التعليم، وبروز دور المؤدب (المعلم) بدأ التوجه إلى اختيار النصوص الجميلة في تعليم الصغار، وتهذيبهم، وتواصوا في حلقات العلم بحفظ نصوصه، وقد وردت أقوال كثيرة عن الخلفاء والعلماء يوصون المؤدب ويدلونه على كيفية الاختيار لمادة التعليم والتهذيب، كقول عمر رضي الله عنه في كتابه لأبي موسى الأشعري يوصيه فيه (مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق ومكارم الرأي)(18)، وهذه السيدة عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها- تحث على طلب الشعر وتعلمه وروايته ومما كانت تقول: (رووا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم) (19) وهكذا تفاعل العرب مع البيان وسحره وتنافسوا على ذلك في أسواقهم (عكاظ وذي المجنة وذي المجاز والمربد) وجعلوا لذلك حكاماً يحكمون بين الشعراء، من خلال المستوى الفني العام، وبذلك ظهر بينهم ما يسمى بالنقد الفطري، أما النقد المنهجي الذي تعمق في فهم طبيعة الأدب فقد تأخر إلى العصر العباسي، وهكذا ظهر النقد والتذوق الجمالي للأدب وتم توظيفه في تهذيب النفوس وتربية الذوق العام لأبناء الأمة، وهو أمر يذكرنا أن الذي يصنع وظيفة للأدب إنما هو المجتمع، وليس الأديب المنتج، وذلك من خلال القراءات المتعددة والمتباعدة من قبل المجتمع وأفراده ومؤسساته للنصوص الأدبية المختلفة.

3- الشهادة الثالثة

طبيعة الأدب (سلاح الأدب):

يستطيع المتابع للتأثير الذي يصنعه الأديب (المنتج) على ذوق القارئ أو السامع (المتلقي) مستثمراً (سحر البيان) الذي يأسر القلوب ويسيطر على المتذوقين، يجد أن الأديب يستعمل عدة أساليب منها: أسلوب التزيين والتحبيب أو أسلوب التجميل والتشجيع، وقد يكبر الصغير أو يصغر الكبير لأهداف بيانية وقد يستعمل العكس من أساليب: التقبيح والتنفير والتكريه والاستهجان أو التحريض ضد أشياء أخرى. من خلال ما ذكرنا من البلاغة (الجزئية أو النوعية) ويوظف صناعة الجمال البلاغي المقنن، حيث ينمي هذا الجمال مشاعر الإنسان في اتجاه معين، من خلال المتعة الفنية، والإيحاء بالتدريج ودون جدل أو نقاش، وإنما يتعمد الإمتاع الذي يجر المستمع خارج الخط الذي ألفه، عن طريق السياحة الخيالية، وإذا استمر تحت تأثير هذا الإيحاء مرة بعد مرة، سهل عليه الخروج عن الخط عملياً، بعد أن يتم تدريب خياله على الخروج والتمرد ذهنياً ونفسياً ومع التكرار يزيد ترسيخ هذا التأثير.

والأديب لا يتسلح بمنطق الجدل الذي يتسلح به المفكر والعالم والحكيم، وهو منطق قد يقنع وقد لا يقنع، وإنما يستعمل منطقاً خاصاً به هو (المنطق البياني) الذي يقوم على فرضيات، التشابه والمقارنة والتقريب والحذف والتعديل والإضافة والاستثناء في أبنية الصورة الفنية لرسم الإيحاء الذي يحدث التأثير، ولنا في تحليل هذا البيت من الشعر نموذج يوضح هذا المنطق البياني ويقربه إلى الأذهان، وذلك من خلال قول الشاعر:

قد خلفتني جريحاً وهي قائلة: تأملوا كيف فعل الظبي بالأسد(20).

حيث عقد الشاعر مقارنة بين (الفتاة والظبي) و (الرجل والأسد) وحذف لفظي المشبه به (الفتاة والرجل) وأبقى العلاقة قائمة بين (الظبي الجميل) و(الأسد القوي) وحيث يتغلب (الظبي على الأسد) فيوقعه طريحاً، إنه الجمال الذي يصرع القوة، فمع أن الحقيقة تقول: إن الأسد هو الذي يصطاد الظبي لضعفه، إلا أن البلاغة صنعت من مخالفة الحقيقة، وقلبها رأساً على عقب، حالة جديدة من الانزياح الدلالي للمعاني، أدت إلى كشف حقيقة مخبوءة هي: أن الضعيف الذي يملك الجمال وروعته أقوى من القوي المحتاج إليه بالفطرة، وذلك من خلال منطق الجمال وسلاحه الفتاك الذي يتغلغل في النفوس فيفعل فيها الأفاعيل، وذلك عندما يكون بأسلوب فني غير مباشر حيث استعمل الشاعر أسلوب (القناع الفني) عندما اختبأ هو وحبيبته وراء قناع (الظبي والأسد) مما أضفى على هذا الانزياح مسحة من الإقناع لصالح هذا (المنطق البياني) الجميل الذي يختلف عن المنطق العقلي وأساليبه.

كذلك نجد عندما نتابع قصيدة، أو شريطاً لقصة معينة، حيث تجد نفسك تتأثر وتتربى وتتفاعل دون أن تدري، وذلك عن طريق تفاعلك مع سلوك شخصيات هذه القصة حباً أو كرهاً وحيث تنمو مشاعرك تجاه هذه النماذج سلباً أو إيجاباً ومن الأمثلة الواضحة على هذا الأمر، ما قام به كتاب (اليسار واليمين) في الفن الروائي الذي امتد إلى أفلام السينما العربية في القرن الماضي، حيث قاموا بتشويه نموذج (عالم الدين المسلم أو الشيخ المسلم) حين رسموه في رواياتهم بصورة الإنسان الأبله البليد الجامد، لتنفير الناس منه، وعزله عن المجتمع ظلماً وعدواناً، ونصرة لثقافاتهم العلمانية، ومحاربة للإسلام والمسلمين(21).

كما أن الأديب المنتج يعرض قدراته ضمن (النوع الأدبي) الذي يتقنه لتنمية استعدادات المتلقي: (القارئ والسامع والمشاهد والمتعلم والباحث والجمهور والمجتمع..) النفسية وإيقاظها في الاتجاه الذي ترمي إليه القصيدة أو القصة أو غيرها بمراميها الفنية والفكرية حتى تنجر نفسية هذا المتلقي مع المتعة الفنية إلى مقاصده التي يريدها، فهو لا يستعمل الجدل ولا النقاش ولا البرهان ولا الدليل، بل يغرق النفس في متعة التلقي، تلقي الفكرة والانجذاب لها حتى تصبح هذه المتعة في النفس مقام الضواغط التي تجبر النفس وتغريها بالانزلاق معها بسهولة ويسر، وهذا معنى قوله تعالى (يتبعهم الغاوون) أي ينجرون نحو الغواية والضلال ويسيرون وراءهم، تحت تأثير سحر البيان، وبخاصة الناس الذين لا يملكون التحصين والوعي الكافي، فالفارغ فكرياً هو أسرع استجابة وتأثراً، بحكم أنه لا يملك مصل المناعة الذي يحميه من الوقوع تحت تأثير البيان الذي يأسر القلوب بسحره، وحاله يشبه حال مجنون ليلى حين قال:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى        فصادف قلباً خالياً فتمكنا(22)

لقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم تأثير البيان بتأثير السحر حين قال (إن من البيان لسحراً) وأظن أن هذه المقاربة  بين البيان والسحر تقوم على أن البيان يخاطب مخيلة المتلقي أولاً ثم يوسع مساحة المتعة لدى النفس ويحركها للتفاعل معه عن طريق الأبنية الفنية، وكذلك السحر أيضاً يقوم على مخاطبة مخيلة الفرد أو الجمهور من خلال خفة يد الساحر وخدعه، فيوقع في مخيلتهم توهم الحدوث، وانظر لقوله تعالى: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم) (23) لترى دليل ذلك من القرآن الكريم، فسحر البيان والسحر المصطلح عليه، كل منهما يقوم على نشاط (المخيلة) التي توهم بالتحقق، وهو ما وقع لموسى عليه السلام حين خيل إليه ذلك، قال تعالى (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) (24).

فأنت تعيش في الأدب مع مخيلة يحركها أو يصنعها البيان وذلك حين يفتح هذا الأدب ثغرة في مخيلة المتلقي يوسعها ويغذيها بالأبنية الفنية المتلاحقة، التي تغرق النفس في متعة التلقي والتفاعل والتأثر، إنه أشبه بتيار كهربائي من سحر البيان يسري من النص إلى النفس، بينما المسحور يقع تحت تأثير الساحر وخدعه وألاعيبه والفارق بينهما كبير وواضح، فسحر البيان فيه الحلال ما دام في حدود القول السديد وفيه الحرام، بينما السحر العادي فيه مصادرة لعقول الناس وإرادتهم وحكم الشرع فيه أنه من السبع الموبقات، وفي نهاية الأمر لست بحاجة إلى الإيغال في ضرب الأمثلة، فالشعراء والأدباء وأصحاب القصة والمسرحيون والمغنون والمنشدون الذين يخدمون النص وفنونه، هم أقرب إلى قلوب الناس من أصحاب الجدل والنقاش في العلم والفقه والفكر، وأصحاب الخطاب السياسي والاجتماعي والإصلاحي لأن هؤلاء يرمون بسهمهم في العقل فهيهات أن يصيب أو أن يقنع إلا بحجة أو دليل أو برهان، أما الأديب فيصوب سهمه نحو النفس فيصيب بحق أو بغير حق، فإن كان من أهل التقوى حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وجمل الحق في أعينهم وحرضهم على الثبات عليه، وإن كان من أدباء الضلال، دغدغ عواطفهم وحرك مكامن الهوى والرغائب وأوقعهم في الضلال وحببه إليهم.

والفارق بين أديب يدعو إلى الحق، وأديب يدعو إلى الباطل كالفارق بين (الملك) الذي يذكر النفس بالخير ويلهمها إياه، (والشيطان) الذي يوسوس لها بالشر، خدمة للباطل وصداً عن سبيل الله.

4- الشهادة الرابعة

(الأدباء من صناع الحياة):

لقد استفادت التيارات الثقافية التي انتشرت في القرن الماضي (القومية والعلمانية والليبرالية واليسارية) من الأدب في الساحة العربية، فنشرت كثيراً من أفكارها عن طريق الشعر والرواية والمسرح وغيرها من الفنون، وامتصها المجتمع بسهولة ويسر، لأنهم سوقوها من خلال الأدب وجماله وقربه إلى نفوس الناس، ونسي الدعاة أو تأخروا في إدراك قيمة الأدب وخطره، وبخاصة حين تتحول القصيدة إلى أغنية يرافقها الإيقاع الجميل والطرب الجاذب الذي يشد الناس إلى .....، أو تتحول القصة أو الرواية أو المسرحية إلى شريط سينمائي يعرض في دور الخيالة أو يبث عبر أثير الإذاعات أو شاشات الفضائيات، حيث يتفاعل معه الجمهور وتشاهده ملايين الناس في حلقات متتابعة، تزيد من التعلق الجماهيري به وتؤكده عن طريق إطالة العرض؛ مما يساعد في انتشار الأفكار والمذاقات الفنية بطريقة سريعة تسر لها النفوس وتستمتع بها، ولإدراك أهمية ذلك، ننقل إليكم شهادة الداعية الإسلامي المعروف الأستاذ (محمد أحمد الراشد) حيث يضع هذا الرجل المنظر فيها الأدب والأدباء في الموضع المناسب والقيمة اللائقة بهم، حين يعتبرهم وبحق من صناع الحياة وبناة الحضارة، في المدينة الفاضلة التي يحلم بها كل مسلم وكل إنسان، وفي كتابه المعروف (صناع الحياة) يقول الأستاذ الراشد:

ومنهم شعراء الدعوة وجودهم ضرورة من الضرورات؛ لأن بعض الناس أهل عقلانية، ولذلك نقنعهم بالمنطق والتأصيل والقواعد والمحاكمات الفكرية، وأما السواد الأعظم لا يمكن تحصيل ولائهم إلا بالمجازات والأخيلة والسياحة في الأقاصي البعيدة للمعاني والأمثلة والاستعارات والمترادفات، وإذا كان تأثير المفكر والمفتي علمياً، فإن تأثير الشاعر أخلاقي من جهة وهمميُّ من جهة أخرى، يحبب للنفوس البذل ويوجد فيها الاستعداد لركوب المصاعب، وبخاصة إذا نشر شراع الدعوة وقت هبوب الرياح، فينزل الشعراء ليضرموا حرارة التحدي ويغرسوا روح الهدم والبناء.

إن فحصاً بين شباب الدعوة عن ذوي القابلية الشعرية، والتقاط عدد منهم وتدريبهم وتشجيعهم هو من الأولويات الواجبة..

وكتاب القصة من صناع الحياة، وقد برع في هذا الباب اليساريون ودعاة الانحلال، وأحدهم يكفيه أن يدس في القصة جملة لتستقر في قلب القارئ البريء، فيعتقدها، ومن تراكم الجمل والكلمات عبر نشر قصصي واسع، يتركب المعنى الكبير، وهذا شأن الشعراء أيضاً وعموم الأدباء، وقد روى محمد محمد حسين – رحمه الله– في كتابه عن (الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي الحديث) كيف تم الانحراف الضخم عن المعاني الإسلامية، على هذا النمط خلال مئة سنة كذلك نحن، ليس شرطاًَ أن نقص كل قصة الإيمان في رواية واحدة، وإنما نودع المعنى بعد المعنى، وندع التراكم يحدث الثقل.

إن حملة أدبية إسلامية يجب أن تردف العلم والتأصيل، وعلينا أن نفهم التكامل الحاصل بينهما، ولا بد أن يقوم في أنفسنا المعنى التكليفي الواسع، لحقيقة كوننا نروم صنع الحياة وتجديد دماء حضارة عريقة، وبناء أساس علمي شامل ذي محيط من العواطف الموزونة، ومثل هذه المهمة الجبارة، لا تكفيها فورة موسمية، ولا حفنة شعارات أو ترداد هتافات، وإنما هو تلقين الموازين والغرس والسقي قطرة قطرة) (25).

5 - الشهادة الخامسة

(الأدب والثقافة سياج الأمة حول نفسها):

يمكننا القول وبكل تأكيد أن خصائص الأمم والحضارات لا تتشابه مع خصائص المادة؛ لأن خصائص المواد ثابتة لا تتغير، بينما خصائص الأمم والحضارات قابلة للثبات والتغير والتحول؛ لأن الكائن الإنساني يملك من مواهب العقل والإرادة والفهم ما يجعله يقبل بحالات من التغير أو التحول أو يبدي حالات من الثبات والمقاومة لأي تغيير ينتهك كيانه أو مصلحته، ومن المناسب أن نضرب مثالاً يقرب الحالة ويوضحها:

(فنحن لو أحضرنا زجاجة، وملأنا ثلثها الأول ماء وثلثها الثاني زيتاً وتركنا الثلث الثالث فارغاً لمساحة الحركة والخض، واصطف أهل الأرض طابوراً لخضها، ومرّت عليهم الزجاجة الواحد تلو الآخر، وقام بخضها حتى يتعب ثم يعطيها لمن يليه، ثم ننظر إلى الزجاجة لنكتشف عند آخر فرد منهم، أن الماء بقي ماء وأن الزيت بقي زيتاً، ولم يتنازل أي منهما عن خصائصه رغم اختلاط أجزاء الماء والزيت أثناء عملية الخض تلك) (26).

وكذلك خصائص الأمم، فإنها تختلط وتتفاعل وتتعارف وتتآلف أثناء معارض الحراك الحضاري المستمر في: السلم والحرب والعلم والسفر والمعاشرة والزواج والجوار والتجارة والمخالطة على اختلاف أنواعها، ولكن بفارق واحد هو أن المادة لا تملك عنصر الإرادة الذي يحدث الرضا بالتغيير أو يقاومه، بينما الإنسان يخالط جميع الأمم، ويعود إلى خصائصه وذاته متمسكاً بها إذا رغب، ومتنازلاً عنها إذا اقتنع بالتحول، فالإنسان لا يتنازل عن خصائصه إلا بإرادته، وغالباً لا يختار التحول عنها إلا إذا اقتنع أن ثقافته قائمة على الباطل، تماماً كما فعل أهل الجاهلية عندما جاء الإسلام فأسلموا، أو أن يشعر بالهزيمة والضعف كما حصل للثقافة الإفريقية أمام الثقافة الأوروبية الغازية، أو أن يعيش تحت التذويب القسري والقهر المستمر، بل والإبادة والملاحقة كما حدث لأهل الأندلس وللهنود الحمر.

ومع ذلك يملك الإنسان أن يحتمي بثقافته ويجعلها درعاً يتقي بها التشرذم والضعف والهزائم، إذا كان واثقاً من حقائقها التي لا تقهر ولا تهتز، تماماً كما حصل للثقافة الإسلامية فقد قامت أوربا بابتلاع حضارات وثقافات كثيرة فهضمتها وتمثلتها وحولتها إلى رصيد للحضارة الأوروبية، ولكنها عندما حاولت ابتلاع الثقافة الإسلامية وجدتها كالجمرة الملتهبة التي لا يمكن ابتلاعها، وقبلهم حاول المغول ذلك فلم يفلحوا، بل هضمتهم معدة الحضارة الإسلامية وتحولوا إلى مسلمين (27).

والأدب والثقافة من أهم أسلحة الأمم في الدفاع عن نفسها فإذا كانت الجيوش العسكرية تحمي الحدود وتدفع الأعداء عن الأمة، فإن جيوش المثقفين من: العلماء والفقهاء والباحثين والمفكرين والشعراء والأدباء والنقاد، هي التي تحمي عقول أبناء الأمة من الاختراق والاحتلال الثقافي والأفكار الهدامة المعادية للأمة، وذلك أمر يحاوله الأعداء باستمرار ودون توقف. والمثقف الحقيقي من أبناء الأمة هو الذي استوعب ثقافتها وانتمى إليها وهو المدافع الأول عن تلك الثقافة في أوقات الشدة، يتماسك عند الضعف، ويحارب الخور والهزيمة واليأس، ولا ينهار عندما ينهزم السياسي أو العسكري أو الاقتصادي؛ لأنه ينظر إلى الأحوال المحيطة بأمته من خلال (حقائق الثقافة) المستمدة من مكونات الأمة: (الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا ثم الأدب والثقافة والإنسان والمصالح الدائمة...)

وحيث يتشكل (منظارها الثقافي) من تلك الحقائق لأن الثقافة هي مجموعة من الخبرات والمناهج والحقائق التي تفسر بها أي أمة من الأمم الحياة من حولها، ومن خلال هذا المنظار تصبح لها (الرؤية الكاملة) والمتكاملة التي تشرف على عمليات: الإبداع والإضافة والحذف والتعديل في ساحات الحضارة وميادينها المختلفة، بما يتلاءم مع ذوقها الذي صاغته رؤيتها للحياة من حولها.

وثقافة أي أمة هي عبارة عن مصطلح يحتوي في داخله: (العقيدة والمناهج والخبرات والإضافات التي أفرزتها في تفسير الحياة بها) وتبرز من خلالها دورها ومنجزها الحضاري الذي تميزت به على وجه الأرض بين الأمم.

وفي الوقت الذي قد يخضع فيه السياسي أو العسكري أو الاقتصادي أو الاجتماعي لمرجعية (المصلحة) تحت ضغط الزائل والمؤقت، فإن المثقف لا يعترف إلا بمرجعية (الحقائق الثقافية) لأنه لا يكترث بالمصالح العارضة التي تزول بزوال ضعف الأمة.

أما إذا تم اختراق عقل المثقف وفقد منظار حقائق الثقافة، أو أصبحت موازينه غائمة، فمعنى ذلك أنه ليس من الأمة وإن ولد فيها لقوله تعالى:

(ومن يتولهم منكم فإنه منهم). أي من الأعداء، الذين باع ولاءه لهم.

ويرى بعض دعاة الثقافة، أن من الحكمة أن يستقل الثقافي عن السياسي، بحيث يحصل السياسي على المرونة التي تخدم المصلحة، وحتى يتمكن الثقافي من المحافظة على ثوابت الأمة، دون ضغط من السياسي أو استبداده في كثير من الأحيان.

وأكثر ما يهمنا في هذا الموضع هو أن نفصل قضية الأدب وفاعليته بصفته أحد أهم مكونات الثقافة، داخل كيان الأمة، ولأنه يمتلك من المؤثرات أموراً كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

1- الأدب يعيد صياغة الذوق الجمالي للأمة في مقولات فنية تعبر عن ذاتها، وبه تنمو لحمة التماسك بين مكوناتها، فتجري الأخوة والمودة في عروقها، ويتآلف ذوقها الجمالي العام والأخلاقي وحتى ذوقها الاستهلاكي في مجموع أفرادها.

2- ومن داخل المنتج الأدبي، الذي تعبر به الأمة عن ذاتها الثقافية، تستخرج الأمة من الدرر التي صاغتها عقول مبدعيها، نماذج التربية الممتعة، للصغار والكبار لأن الأدب يمثل التعلم الممتع الجذاب المعجون بالجمال، المؤثر في النفوس، الذي يرتبط فيه التعبير بالتفكير من خلال الترابط بين الوسيلة والهدف في الفنون الأدبية المختلفة.

3- وللأدب دوره التعبوي الكبير في وعي الأمة ورفع هممها نحو الإنجاز والإبداع عن حب واختيار، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يمكن حصرها في الواقع اليومي والمعاشي والتاريخي والسياسي، فقد اتخذت الأمم حديثاً ما يسمى بالنشيد الوطني والقومي وكذلك المهني، لما له من أثر في التربية وصقل الانتماء، وقديماً كان العرب ينشدون ويحدون ويغنون في سفرهم وترحالهم، لأن الغناء والحداء يطرد الملل عن النفوس ويشيع فيها الحيوية والنشاط، ولهذا أصبح لكل مهنة أناشيدها المعروفة والمفضلة، وقد اشتهر عن عمر رضي الله عنه قوله: (الغناء زاد الراكب) لأنه زاد النفس الفعلي في السلم والحرب. ومما ورد في السيرة النبوية الشريفة، ومن أخبار الأدب وأثرها في الحرب النفسية قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه، التي مطلعها:

قضينا من تهامة كل وتر        وخيبر ثم أجمعنا السيوفا

تخيرها ولو نطقت لقالت        قواطعهن  دوساً أو ثقيفا

وكان وقع هذه القصيدة وأثرها الكبير أن جاءت قبيلة دوس تعلن إسلامها، وكذلك قصيدة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه (أقسمت يا نفسي لتنزلنهْ) التي عالج بها حالة التردد التي اعترته لحظة الدّخول في المعركة.

ومن المعروف أن أكثر الناس رغبة في السماع ومتابعة الشعر والغناء والإنشاد هم الفئات العاملة في المجتمع كالعمال والمسافرين والمقاتلين والسائقين بل والناس في أفراحهم ومناسباتهم، لما للأدب من دور عظيم في التغني بمنجزات الأمة وتعميق روح الصمود والتحدي والثقة بمنهجها ومسارها.

4- وللأدب دوره العظيم في صناعة حالة (التوازن بين الإنسان والحياة)، وذلك من خلال تفريغ الطاقات القلقة في نفس الإنسان، عن طريق الإشباع التعبيري الذي يجده الإنسان في المتعة الأدبية، ويتجلى ذلك ويتضح حين يتناسب (مقال الأديب المنتج) مع (حال المتلقي: القارئ أو السامع)، فالمحب يفرغ مشاعره القلقة عن المحبوب بقصائد الغزل التي تتناسب مع حاله، والكهل الذي مل من الحب والغزل وبدأ يميل إلى فهم حكمة الحياة يجد ضالته في قصائد الحكمة والنفس التي تشبع رغبته وميوله، والمجاهد يستمتع بقصائد الجهاد والاستشهاد وغيرها، والغريب يجد متعته في قصائد الحنين إلى الأوطان، والمظلوم يستمتع بقصائد مواجهة الظالم أو هجائه أو فضحه أو تحقيره وقل مثل ذلك في بقية الفنون الأدبية كالقصة والمسرحية والخطبة والمقالة وغيرها، وهذا التوازن أصبح جزءاً من صناعة الطب النفسي العلاجي في عصرنا، حيث استعملت القصيدة والقصة والمسرحية وغيرها في هذه المعالجة وإليك هذا الخبر الذي ورد في إحدى الصحف عن هذه الأنشطة العلاجية تأكيداً لما نقول:

جاء بعنوان (الشعر –وسيلة علاجية للاكتئاب):

بريستول (إنجلترا) – رويتر – نصحت دراسة أجراها أطباء بريطانيون الذين يعانون من القلق والاكتئاب بقراءة الشعر بدلاً من تناول العقاقير، وقالت صحيفة (ديلي تلغراف) أمس إن الأطباء المشاركين في الدراسة في جامعة بريستول وجدوا أن بضعة سطور من أشعار وورد زورث أوكيتس أو براوننغ يمكنها التغلب على احتياج المريض للعقاقير، وقالت الصحيفة إنه في بلد يصل فيه الإنفاق على الأدوية المضادة للاكتئاب إلى أكثر من (80 مليون جنيه إسترليني) سنوياً، فإن هذه الوصفة الأدبية يمكن أن توفر على خدمات الصحة الحكومية أموالاً كثيرة، وقال الدكتور الكسندر ماكارا رئيس الرابطة الطبية البريطانية عن الدراسة: (أعتقد أن الشعر أفضل من أي أدوية، فهو وسيلة علاجية تماماً مثل الموسيقى، لكن صناعة الأدوية، قد لا يعجبها ذلك بالطبع) (28).

جريدة الدستور الأردنية 16/2/1994

5- كثير من الناس لا يكترث بالثقافة ولا بالأدب، ويعتبرهما شيئاً ثانوياً من سقط المتاع، لأنه لم يدرك خطر الجهل الثقافي والأدبي في حياته، ولذلك بخل هذا قد انعكس على نفوس الأدباء والمثقفين وأوجد عندهم حالة من الشعور بالمرارة وأنتج لديهم نصوصاً حادة في هجاء هذا الجهل الثقافي والأدبي، ومن هذه النصوص، ما قاله شاعر مهجري في هجاء لجنة للتحكيم لم تكن على المستوى المطلوب، حين حكمت بالفوز لنصوص ضعيفة، على ما قدمه لها الشاعر من نصوص قوية، فقال يكشف جهلها:

لو كان شعري شعيراً        لاستطيبته       الحمير

لكن   شعري  شعورٌ        هل للحمير شعور(29)؟!

وهذا أحد الناشرين يصف إهمال الثقافة والأدب في بلد عربي بقوله (إنهم يفضلون رزمة الفجل على رزمة الكتب) (30) وعلق آخر قائلاً: (إنك لو قدمت لحمارك المهذب وردة فإنه لا يشمها بل سيقضمها بأسنانه، لأنه لا يتعامل مع عناصر الجمال فيها وليس له بصيرة بها، وجميع مواهبه محصورة في إشباع المعدة).

هذه الحالة من المرارة، سببها أن بعض الناس يعتبر أن صرف الأموال في ميدان الأدب والثقافة مغرماً، وكلفة ليس من ورائها مغنم اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي سريع، لأنهم ينظرون إلى الربح المادي السريع، ولا ينظرون إلى المصالح العليا الضخمة الدائمة، التي يقوم الأدب والثقافة بتأسيسها أو حمايتها أو حفظها والإبقاء عليها في رصيد الأمة ومنجزها الحضاري، الذي يتكرر في ممارساتها اليومية. هذه العقول التي تقيم الأدب والثقافة بميزان القرش والدينار، لا تدرك أن الاستثمار في الثقافة والأدب سوف يربي في الأمة السلوك اليومي، الذي تطل به على الحياة من خلال عقيدتها ومنظارها وقيمها، كما أنه يوضح لها سلوكها وأهدافها ومقاصدها، وبذلك تسير الأمة نحو أهدافها بوضوح واتزان، بعيداً عن أمراض الخوف والضعف والتقوقع والهزائم النفسية والاجتماعية، لقد ألف الله سبحانه وتعالى بين قلوب أبناء الأمة عن طريق عقيدتها القائمة على التوحيد، وهي التي صنعت لهم ثقافة التماسك والأخوة والتآلف تحت راية العبودية لله، فأصبحوا بنعمته إخواناً، قال تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) (31).

فالأدب والثقافة بحاجة إلى استثمار كبير وتنمية وتعميق حتى تستقر في طباع الأمة وسلوكها، ويقبل بها طبعها، وعند ذلك تبدأ الأمة بقطف ثمار الثقافة والأدب في توحد فهمها ومنظورها للحياة، فيؤدي ذلك إلى استقرار أوضاعها، ونضوج ذوقها وثقتها بنفسها، مما يؤدي إلى استثمار كنوزها، وتفتح مواهبها، واستقلال شخصيتها، وهيبة الأعداء لها، وانبهار المخالفين لها بتفردها وتميزها، لأن صرف الأموال والجهود في بناء الذوق العام للأمة، فيه توحيد للفهم، وهذا يساعد على اختفاء القيم السلبية التي تنبت: الكذب والنفاق والخداع والخيانة والأنانية والصراع، والتي ننفق كثيراً من أموالنا على بعضها دون وعي منا، وإنبات لقيم: الحكمة والصدق والثقة والشجاعة والمواجهة والجرأة والحوار المهذب بدلاً منها، وفي هذه القيم توفير للجهود والأموال التي تذهب هدراً في إشباع تلك التوافه.

لقد نسي كثير من الناس أن اختلال الذوق الثقافي العام لدى أبناء الأمة، يؤدي إلى التشرذم وضياع الجهود، وقلة القيمة بين الأمم، مما يجعلنا بقعة استثمار متخلفة، تستفيد منها كل الأمم، إلا نحن نفقد أنفسنا، لأننا كدنا أن نفقد البوصلة التي توجه وعينا، والثقافة التي توحدنا، مع أننا نملكها ونحملها بين أضلعنا، وفي تلافيف عقولنا، ولكننا لا نملك الاستفادة منها؛ لأنها معطلة في نفوسنا ومؤسساتنا ومناهجنا، تماماً كحال الجمال المسافرة في الصحراء، التي وصفها المعري بقوله:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما        والماء فوق ظهورها محمول

ومصيبة المصائب أن تخترق ثقافة الأمة وأدبها باستيراد المشارب المتعددة من الشرق والغرب حتى نصل إلى صناعة التلوث الثقافي الذي يفتت وحدة الأمة، لتفترق الأذواق وينبت الاختلاف والتمزق والعصبيات، وتترك (مرجعية الأمة وثقافتها) وتسود (مرجعية الهوى والمصالح والصراع وعقد الانتفاخ وثقافتها) ليذوق بعضنا بأس بعض، لا قدر الله سبحانه وتعالى. 

              

الهوامش

1- سورة الرحمن 4.

2- سورة البلد 9،8.

3- سورة الفتح 11.

4- سورة الأحزاب 70.

5- ضعيف السند صحيح المعنى.

6- سنن أبي داود – باب الإيمان.

7- متفق عليه/ البخاري (2/299/300) مسلم (1713).

8- رواه الترمذي/ حسن صحيح.

9- عمر بن الخطاب/ كتاب أطايب الكلام علي جاد مطر.

 10 – سيرة ابن هشام.

11- مجمع الأمثال الميداني.

12- المتنبي/ الديوان.

13- للأخطل/ الديوان.

14- سورة محمد 30.

15- خبيب بن عدي.

16- أبو العلاء المعري/ الديوان.

17- عز الدين المناصرة/ الأعمال الشعرية.

18- العمدة ج1/11.

19- التجديد في الشعر/ عدنان النحوي/ ص117.

2020- يزيد بن معاوية/ أحلى عشرين قصيدة حب/ فاروق شوشة.

21- انظر للتوسع نجيب الكيلاني (كتاب الإسلامية والمذاهب الأدبية) فصل خصام بين الفن والدين مكتبة النور/ طرابلس/ ليبيا.

22- مجنون ليلى.

23- سورة الأعراف 116.

24-سورة  طه 16.

25- محمد أحمد الراشد/ كتابه (صناعة الحياة) دار المنطلق ص32.

26- من محاضرة للمؤلف عن الثقافة ألقيت في دورة للمعلمين عام 2007/ مدرسة سحاب الشاملة للبنات.

27- انظر للتوسع مقالة (حوار الحضارات بين الوهم والحقيقة)/ د. رعد الحيالي ص16/ مجلة الآفاق/ عدد 7/ جامعة الزرقاء الأهلية.

28- جريدة الدستور/ عمان/ 16/2/1994.

29- شاعر مهجري لبناني.

3030- مقابلة مع صاحب دار العودة بيروت نشرت في مجلة الثقافة العربية.

31- سورة آل عمران 103.أ