الحب الثوري والكلمة الضائعة

الحب الثوري والكلمة الضائعة

أ. تحسين يحيى حسن أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

 هل ممكن أن نصنع من الحب ثورة ، تواجه الجلاد في زمن التخلف والفساد ، فتتحطم جميع القيود والأصفاد ، وتهدم كل الأسوار والأحقاد ؟

 **  **  **  **

تقدم الشاب لوظيفة مدرس في وزارة من الوزارات العربية الشقيقة العزيزة ، واجتاز الاختبار التحريري الأول من اختبارات القبول بدرجة الامتياز ، ولم يتبق عليه إلا الاختبار الشفوي ؛ لتقييم شخصيته ، وعندما قابل مختبريه دار بينه وبينهم الحوار الآتي :

**  **  **  **

المختبر الأول :

ماذا تعني لك كلمة الحب ؟ .

أجاب الشاب بما ياتي :

الحب نهر لا يعرف معانيه إلا من كان عطشانا لمعاني الإنسانية والخير والصفاء والحرية والأمن , وهو بحر يرتشف منه كل ظمآن لمعاني الانتماء والعطاء والبذل والتضحية ، وليس الحب هو الحب الأناني الضيق في لحظته النفعية ، ولا هو حب اللحظة الضائعة في زمن العجز المتخلف .

**  **  **  **

 الحب هو القلب والروح والوجدان قبل العقل واللسان والبنان ، الحب هو كسر القهر ومحاربة الظلم ودعوة عطف وحنان ، على ملايين الأرض المعذبة في كل مكان ، الحب هو عين الوجود الأبدي الظاهر والباطن في عالمي المُلك والملكوت ، الحب هو حبل الوصل والوداد بيني وبينك من أقصى الأرض لأقصاها ، تحطمت أمامه الموانع والحواجز والحدود .

**  **  **  **

 قال له :

 أنت مسكين . فالحب هو اللهو واللعب ، وهو الطعام والشراب ، وهو المسكن والجنس والرفاهية ، وهو أن أكون في البيت رجلا يأتمر الجميع بأمري ، والكل يلتف تحت عباءتي ، الحب هو أن يقف الناس لي تعظيما ، وأن يطروا عليّ ثناءا وتمجيدا .

 **  **  **  **

والحب هو التكتل القبلي فعائلتي وقبيلتي وعشيرتي مصدر عزي وثروتي ،  والحب هو التعصب الحزبي وغيري على باطل .

 **  **  **  **

 والحب هو أن يحيى الحزب الحاكم ولو على جماجم القادة والكوادر والمثقفين وأساتذة الجامعات وأطفال الشوارع وجيوش العاطلين عن العمل ( يا أخي وانا مالي ومال غيري )  فما هو رأيك ؟

 **  **  **  **

أجاب الشاب :

 الحب هو إحساسك العملي المرهف بجيوش الجوعى في السودان وكشمير وفلسطين والعراق ، الحب هو تلاشي الحقد الديني الأعمى .

  **  **  **  **

الحب هو أن نرسمَ لوحةً تزهو فيها خطوطُ الأمل والخير لكل الناس، بالحب نستطيع أن نغير العالم......

 **  **  **  **

تحدث المختبر الثاني قائلا :

أنت أيها الشاب يبدو عليك أنك جاهل فالحب هو سرعة المصلحة وجمع المال ،

وأن أصل لما أبتغي وأريد ، فالحب هو الشقة الفارهة ، والسيارة الفاخرة ، والأراضي الوافرة ، والأموال الطائلة ، فالمهم هو أن أحيى أنا فمائة عين تبكي ولا عيني .

 **  **  **  **

أجاب الشاب : الحبُّ أكبرُ من أن يحدَّه شيء أو تحددّه معالم بعينها، الحبُّ هو الدين، والوطن..الحبّ هو الأم والأب والأخوة في الله..الحبّ هو الإنسان..هو السلام، هو الأرض، هو الأمن، هو الحلم، هو الغد المشرق بالرغم من كل الظلمة التي تجمعُ كل يومٍ قبائلها لتغزو كل بقعة خضراء آمنة..الحبُّ هو العطاء .

 **  **  **  **

قال له مختبر ثالث : هذا من قبيل الخيال أو أنه حديث الضعفاء، أو مرسى الذين مازالوا يحلمون بزمن الزنبق والنعناع ،  فالحب هو النفط العربي وهو استخراج الغاز والبحث عن المعادن ، وهو النهضة الصناعية والثورة التكنولوجية وطفرة المعلومات ، وعلم الحاسوب والأقمار الصناعية ، والفن في تصنيع وترويج تجارة السلاح .

 **  **  **  **

قال الشاب :

الحب هو مركبُ الباحثين عن وطنٍ للأمن والأمان، عن وطنٍ تكون فيه القلوب كلُّها قلبا واحدا لا يتحمّل عذابَ طفل ولا امرأة، ولا عذابَ شيخ ولا مكروب...هو الصفح حتى عمّن ظلمك، حتّى عمّن طعنك أو رمقك بوخزة..حتّى عمن يبخل عليكَ بمشاعره أو ببسمةٍ صغرى.

 **  **  **  **

تكلم الرابع :

الحب هو نضال على شاكلة نضال غاندي (حتى بلاش منه) فاليوم هو يوم الإيواكس والشبح وعابرات القارات ، فليس لنا من الأمر إلا الكلمة الطيبة ، ويجب ألا نغضب أصدقاءنا : أمريكا وفرنسا وبريطانيا وأوروبا ودول الغرب .

والحب هو العقل الغربي الذي يستخرج النفط لنا من خلال شركاته ، ويبني لنا السدود والفنادق والبنية التحتية والفوقية .

 **  **  **  **

 الحب هو أن أتخلص من خصمي السياسي فأقتله وأنكل به ، من أجل انتمائه السياسي الذي أزعجني كثيرا ، ولو حتى على لحيته .

 **  **  **  **

 الحب هو السلام في القضاء على بؤر التوتر في العالم والتي يقودها المتخلفون ، الذين يريدون أن يعيدوا التاريخ إلى الوراء ولا يعجبهم نظام العولمة ، ولا رائدة الديمقرلطية وحقوق الانسان في العالم .

**  **  **  **

الحب هوالأمم المتحدة حامية الأمن والسلام الدوليين ، وهو الحكومات العربية التي تسهر على راحة وسلامة مواطنيها ، ثم تابع قائلا بعد أن صمت قليلا :

 أنا من جميل طباعي ليس لي أعداء ، ولا يكرهني أحد ، متساهل مع كل شيء إلا مع من أراد أن يسحب البساط من تحت أرجلي ، ويسلب مني مصالحي ، والحب في نظري هو أن أتناول طعام الغداء في لندن ، وطعام العشاء في سويسرا ، فأنت وأمثالك تعيشون في عوالم التيه .

 **  **  **  **

قال الشاب المسكين والأسى يعتصر قلبه ألما يتمتم في نفسه : ما علموا بأن التيهَ هنا هو عَوْدٌ مخضرٌّ يعرف ملامح طريقه .

 **  **  **  **

 أجاب متحمسا : الحبّ أيها السادة هو لمسة ٌحانية على رأس طفل يتيم، يروي غليل عطشه الحنان، الحبُّ هو حمامةٌ بيضاء تهدي هديلها كل صباحٍ للبؤساء، للمعذّبين، لكل من صارت له الدمعةُ شرابا مُرّا يرتشفه كلما زارَ حزنٌ أعزلُ عقاربَ ساعته..الحبُّ هو بسمةٌ تنثرها هنا وهناك، دون أن تذكر لمن أهديتَها، حتى لا تجرح إحساس أحد...

 **  **  **  **

الحبُّ هو دارٌ يؤُمُّها المشتاقونَ للَمِّ شعثِ أحلامهم التي اغتيلتْ أو التي سُرِقَتْ في زمنٍ لا يتقن لغةَ الورد..الحبُّ هو السكينة، هو شمس الأمل التي يرجوها كلُّ منْ نزفتْ روحه، وأُهرِقَتْ كل دموعه، حزناً على توائم روحه بفلسطين والعراق، وببقاع العالم المعذّبة، وهم يرشفون كلّ يوم، بل كلّ لحظة وحين، جِرارَ العذاب والمعاناة والأسر، وبالرغم من ذلك هم يصبرون، وينقشونَ ثقتهم بالله على قلوبهم المفعمة بالإيمان والعزيمة والتصميم، ويحفرون على أرواحهم بسمةَ الثقة بالغد: "كلّ شيء سوفَ يكون جميلا بإذن الله"، هكذا يغنّون، وبهذا يترنّمون، وكلما سقط منهم واحدٌ يبتسمون، لأنهم يعلمون أنه ماضٍ إلى لقاء الرحمن، والمسكُ يحفُّه، ورضا الرحمن يحرسه من كل جانب..يبتسمون، لأنهم يعلمون أن الحبّ َالذي ألَّفَ بين قلوبهم: حبَّ الله وحبَّ الأرض، وحبَّ بعضهم البعض، سيُثْمِرُ بساتين من العنب والورد والسلام والحرية، وسيقطفون جناها حين يشاء الرحمن..الحبُّ هو سلاحُهم، هو الغِمْدُ الذي يستلُّونَ منه قلوبهم الصغيرة فرَحاً، الكبيرة حزنا ومسؤولية وكرامـة.

 **  **  **  **

الحبُّ لهم شمسٌ ينتظرون طلوعها بين الفينة والأخرى وهم مؤمنون بأنها ستشرقُ يوما...لأن الإيمان يفعل بالنفس كما يفعل الغيثُ بالأرض الكريمة، وفلسطين والعراق وكل البلاد المعذّبة قلبٌ واحد، وأرضٌ كريمة وحّدَها الجرح ووحَّدَها الإيمان ووحّدَها الحبّ ..فكيف بعد هذا كله، يقولون بأنّ الحبّ هو حديثُ الضعفاء؟؟؟؟!!!!
قدْ تكفكف وردةٌ واحدةٌ آلامَ الكون كله..وردةٌ واحدةٌ يمكنها أن تكونَ سلاحا ضدّ أزمنةِ الرماد..

**  **  **  **

تحدث مختبر آخر :

 هذا حديثُ التائهين بدروبِ الحلم فالحب عندي هو مغازلة صبية يانعة ، أتبادل معها حظ اللحظة الحمراء ، أوأن أشعل سيجارة مع فنجان قهوة ، حتى ولو كانت سيجارة من النوع الآخر (.....) ، فالرأس اللي ما فيه كيف حلال قطعه .

 **  **  **  **

والحب هو أن أصبح طبيبا ، ثم أفتح عيادة لعلاج المرضى ، وأجري العملية الواحدة بألف من الدولارات الأمريكية ، حتى لو كان مرتب الموظف مائة دولار ( يا أخي وأنا مالي )

 **  **  **  **

والحب أن أكون مدرسا لدروس خصوصية كي أكمل بناء الطابق الرابع ( مش أنا بأتعب )

 **  **  **  **

أجاب الشاب :

الحب هو الرحيق الفيّاح يشم رائحته كل من يبحث عن فجر يلامس قلبه إشراقة نور خيوط الشمس...

 **  **  **  **

الحب رسالةُ مسؤوليةٍ، فهل نستطيع أن نقومَ بها جميعنا على الوجه الأكمل؟..لكنْ ينبغي أولا أن نكون كلنا يداً واحدة وقلباً واحدا ووطنا واحدا لاتفرقُه الأهواء..ولتكنْ "رسالةَ ورد" إلى العالــم الغارقِ في سباته...

ولا يضيرُ القلةَ منا إذا بدأتْ حتى وإن اعترضها الليل رافضا..فأولُ الغيث قطر...والنصرُ مع الصبر...

الحب باقة ورد ومطر فقدمها يا أخي ولا تبخل بها .

جاء دور المتحدث السادس :

حديثك حديث السطحي الساذج :

 اذهب فلا مكان لك عندنا هنا ، فهناك من هو أحق منك بهذه الوظيفةّّ!!!