سلام على بلقيس

محمد عبد الشافي القوصي

[email protected]

أدري أنكم تشتاقون لسماع أخبار "حبيبة" نزار قباني- التي قال فيها:

بلقيسُ يا بلقيسُ .. يا وجع القصيدة!

بلقيسُ كانت أطول نخلات العراق!

كانت إذا مشتْ حلّقت الطواويس فوق رأسها!

لكنني سأخيّب ظنّكم السيئ؛ وأحدّثكم عمن أجلّ وأشرف منها .. ألا وهي (ملكة سبأ)!

إنها الملكة ذات العقل الراجح، والنسب العالي، والشرف الرفيع!

عندما وصلتها رسالة (سليمان النبيّ) لم تتهكّم منها كما فعل النمرود، والفرعون، وأبو جهل. ولم تمزق كتاب النبيّ كما فعل كسرى. ولم تضنّ بمُلْكها كما فعل هرقل!

وبالرغم من عرشها العظيم؛ إلا أنها لم يصبها الغرور والغطرسة، كهتلر، وروميل، وموسوليني، وجورج بوش، وغيرهم من شياطين الدنيا. ولم تدمّر قواتها العسكرية مثل الصاغ الأحمق، الذي كان يردد: سنقاتل .. سنقاتل إسرائيل ومن وراء إسرائيل! ولم تكن مخدّرة بأكاذيب الصهيونية مثل "جولد مائير" و"مارجريت تاتشر" و"أنجيلا ميركل" وغيرهن من الحريم! ولم تكن ديكتاتورية مستبدة كأصحاب الفخامة الأعراب! الذين حوّلوا أوطانهم إلى سجون ومقابر جماعية!   

كيف تعاملت (الملكة) إزاء الأزمة السياسية؟

  هل قامت (الملكة) بعقد صفقة سياسية رخيصة؛ بموجبها تترك (العراق وأفغانستان) غنيمة للآخر؟! هل قامت بتخفيض أسعار النفط؟ هل قامت بتغيير المناهج لمصلحة أورشليم؟ هل فتحت سفارة لإسرائيل في سبأ؟ هل رفعت شعار "سلام الشجعان"؟ هل أفرجت عن الجاسوس "عزام"؟! أوْ قامت بتصدير السكر والفاكهة والحديد والغاز الطبيعي إلى شالوم؟! هل قامت بالضغط على (حركة حماس) وغلق المعابر لترضي غريمها؟! هل أمرت بترجمة الكتب العبرية إلى العربية من أجل الوصول إلى مقعد اليونسكو الذي لا قيمة له؟!  

كلاّ .. وألف كلاّ .. إنها (الملكة بلقيس) التي ذكرها القرآن الكريم في مقام الإكبار والإشادة بذكائها ورجاحة عقلها .. ومن هنا نعلم أنه لا مانع في الإسلام من أن تشغل المرأة أعلى المناصب بما فيها "الولاية العظمى"!

ترى .. ماذا فعلت الملكة؟!

لقد استلمت "كتاب النبيّ" وأثنت عليه ثناءً عطراً .. قائلة لمستشاريها ]يَا أَيُّهَا المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ[ [النمل29 :31].

انظروا إلى (الملكة) لم تستبد بالرأي، بحجّة محاربة "الإرهاب والأصولية" و"التطرف الديني" و"الإسلاميين المتشددين"! بلْ ]قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ[ [النمل :32].

بهذا أرستْ أُسس الديمقراطية الصحيحة .. لذلك لم تقم بإحراق "مجلس الشورى"! لأنها لم تتخذ أية قرارات شائنة، قد تدينها في يوم من الأيام!  

وحتى تتأكد من صدق صاحب الرسالة .. أهو نبيّ حق .. أمْ أنه ملِك متسلّط .. أعدّت اختباراً واحداً فقط؛ وليس كما فعل القرشيون الألدّاء الذين اقترحوا المطالب التعجيزية: 

]وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً[ [الإسراء 90 :93].

  بلْ قامت بإرسال هدية ثمينة إليه .. فإنْ قبلها فهو كحال زعمائنا وساستنا الذين صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه .. الذين يمكن شراؤهم بالدرهم والدينار فلا رسالة لهم ولا قضية في هذه الحياة؛ سوى ملء بطونهم، وإشباع شهواتهم، وسحق مواطنيهم عن آخرهم! 

لكن (سليمان النبيّ) رفض الرشاوى والمقامرة والمغازلة أو الصفقات الرخيصة أو أيّ شكل من أشكال التطبيع مع غير المسلمين!

وقرر أن يقاتل الناس حتى يقولوا (لا إله إلا الله) فإنْ قالوها فقد عصموا دماءهم وأموالهم .. وإنْ أبوا فسَيَروا ما لم يروه .. وسيأتوه صاغرين!

فلمّا تبيّن الحق للملكة العاقلة؛ هرولت نحو شاطئ الإيمان، ومرفأ الإسلام .. رافعةً أكف الضراعة، وهي تقول ]رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ[ [النمل :44].

سلامٌ عليكِ يا (بلقيس)!

إنني لا أجد ما أثني به على هذه الملكة.. سوى أنْ أقول (سلامٌ على بلقيس في العالمين)!