لا تلعب إلا عندما ندعوك للّعب يا بني

عبد القادر صيد

[email protected]

 كم من مرة خيروه بين أن يغني للصمّ و يرقص للعميان فكان يرفض و بكل شدة ، و لكن عندما أصروا فضّل بكل أريحية أن يرقص على الحبال من أعلى بناية و يغني بلا حبال صوتية أصعب المقامات و لكن أمام الأصحاء... منذ ذلك الوقت احترف التزحلق على وريقات الورود وبدأ في فرز رزم النور التي تطل عليه من نافذة صدره ، لا ينتهي من فرز خيوط منه حتى تتعقد أخرى ، كم هو الفرز مضن ! مثل لعبة المربعات الملونة هو ..و لذلك كان يتنقل برشاقة بين هذه وهذه إلى أن أشبه فكره إلى حد كبير سجّادة رجل يسرع في صلاته لا أثر لجبهته عليها .. اتهموه ظلما بترك الصلاة .

 لم يكن يطيق إلحاحهم الوقح الذي يلاحقه ، فكان يقفز إلى قفصه الصدري ،صحيح أن الذي يقفز من القطار لا تلاحقه المحطات و لكن ستبقى تلاحقه رحلته ..مسكين هو العصفور الذي يعيش في حي يمارس أسياده تربية العصافير ،إذا نسي مالكه باب القفص مفتوحا فإن العصفور لا يختار الحرية و إنما يختار سيدا آخر.. ما أكثر الأسياد الذين يريدون التسلي بأنين الشاعر!.. كذلك كانت تعبث به هذه الأوهام لا تعتقه إلا لوهم آخر قد يكون أشد شراسة..

 لا سجن ألذّ من سجن ينسجه الإنسان بخيوط أوهامه ..كطفل صغير لم يجد من يلاعبه فاتخذ من الحائط خصما ، يقذف نحوه بالكرة بكل ما أوتي من قوة ..كأنه يمتحن قوته الذاتية ويختبر صلابة الحائط ،ثم يتحداه و يراوغه و لا يتوقف حتى يزعج صاحب الحائط فينهاه عن عبثيته! هي حركات لابد منها قبل أن يسمح الكبار لأبنائهم بالخروج للّعب معه .. المميزون دائما يتدربون و يستعدون قبل استيقاظ أبناء الجيران .. تصطدم الكلمات بالصفحات كما تصطدم الكرة بالحائط .. جُعل الحائط للستر و هذا المهووس يريد أن يكشف عنهم ستر الله، قد يتهدم حائطهم من خلال لعبته البغيضة هذه..

ـ لا تلعب إلا عندما ندعوك للّعب يا بنيّ ..هكذا قال له أحد الكبار.