أسئلة يسري فودة السبعة ؟

كنت في البداية أتصور أن يسري فودة هو الصحفي رفعت فودة الذي كان محررا بمجلة اكتوبر أيام أنيس منصور ، كان يجيد اللغة العبرية ، وألقى بها سؤالا في حضور السادات ومناحم بيجين رئيس وزراء العدو النازي اليهودي في مؤتمر صحفي بالإسماعيلية ، وقد غضب السادات لاستخدامه العبرية ، وعلمت أنه هاجر بعد ذلك إلى استراليا . اكتشفت أن يسري فودة شخصا آخر يقدم برنامجا في قناة الجزيرة تحت عنوان " سري للغاية " ، وترددت أقاويل عديدة حول طبيعة عمله ومهمته وعلاقته بأجهزة شريرة .

فجأة انقطع ارتباطه بالجزيرة وانتقل إلى بعض القنوات المصرية ، وبرز في أيام الانقلاب وما قبلها بوصفه داعما قويا للحكم العسكري في مواجهة الإرادة الشعبية والحكم المدني الذي يقوم على هذه الإرادة . وكان فودة قد تعرض لحادث سير فأرسل إليه الانقلابيون طائرة نقلته إلى المستشفى لعلاجه .

بعد أن صعد الجنرال إلى سدة الحكم صراحة ووطد وجوده الانقلابي رسميا؛ ترك يسري فودة القناة المصرية التي كان يعمل بها وبقي دون عمل وعثر على نصفه الحلو، حتى تعاقد مع قناة ألمانية تبث بالعربية ، وفي موقع القناة الإلكتروني نشر يسري في 2/7/2016 مقالا وجه فيه سبعة أسئلة إلى قائد الانقلاب اهتمت به النخبة ؛ وكأنه يعتب على صاحبه أنه أحبطه وأمثاله من العلمانيين الذين يرون الديمقراطية مقصورة عليهم وحدهم ولا يجوز لغيرهم من الإسلاميين المشاركة فيها .

تسبق الأسئلة السبعة مقدمة يقارن فيها بين الرئيس مرسي ( الضحية ) وقائد الانقلاب ( الجاني ) ويسوي بينهما ، ثم ينتقل لسرد أسئلته التي تدور حول تأكيد قائد الانقلاب مرارًا وتكرارًا أنه غير طامع في السلطة ثم ثبت له أنها أرادها كلها بين يديه ، وأن ما صدر عن الإسلاميين في رابعة  كان تحريضًا وإرهابًا وعنفًا لا يقبله القانون ولا العقل(!) ومع ذلك كانت هناك سبل أخري غير القتل الذي طال المئات ، أو الآلاف في بعض التقديرات ، وكان يتوجب على قائد الانقلاب وصفها بالمذبحة . و، يحاسب المسئولين عنها ولكنه لم يفعل  حتى اليوم؟ ويستنكر - ونحن معه - أن يقترح أحد الإعلاميين أن يكون يوم 14 أغسطس(يوم المذبحة) من كل عام عيدًا قوميًّا للبلاد، ولم يرد قائد الانقلاب اقتراحه في عينيه.

يتساءل فودة عن ثورة يناير التي مجدها دستور الانقلاب وكرم شهداءها ومصابيها   بينما يتكالب المنافقون وخدم السلطة والحناتير على وصفها بـ "نكسة 25 خساير"، وعلى سبّها وتلويث صورتها وصورة أي فكرة أو شعار أو مطلب أو وجه ارتبط بها دون أن يحرك قائد الانقلاب ساكنا ؟ فهل يؤمن حقًّا بأي من مطالب الثورة الحقيقية التي تعلمها جيدًا فيما وراء مجرد القضاء على مشروع التوريث وتطويع وزارة الداخلية نحو مفهومه هو للثورة؟

ثم إن الجنرال تجاهل التسريبات التي خرجت من مكتبه واستصدر قرارًا من النائب العام بتجريم تناولها إعلاميًّا ، ثم قبل التعاون مع أنظمة دول عربية يعلم أنها سعت منذ اليوم الأول إلى خنق الثورة المصرية الحقيقية ونقلتْ - بتنسيق مع أعداء الثورة في مصر - خطوط المواجهة إلى ملاعبنا نحن حتى صارت سن الرمح في الثورة المضادة؟ ويوجه السؤال إلى صاحبه : لماذا اخترتَ أن "تُطمئن" الصهاينة أولًا على اتفاقك مع دولة عربية في تيران وصنافير  دون أن تعرض الأمر على شعبك أولًا؟ ولماذا لم تقدم لنا ما يفحمنا؟  

هذه الأسئلة السبعة مضامينها مقبولة من جمهور الشعب المصري الذي يتوق إلى الحرية والكرامة والعدل ، ولكن الأستاذ يسري فودة ينسى بدهية أولية يعرفها كل من له أدني علاقة بالفكر والثقافة والتاريخ ، وهي أن الحكم العسكري ، أو الحكام العسكر لا يسمحون بشيء اسمه الحرية أو الكرامة أو العدل في أثناء ممارسة حكمهم . إنهم يريدون شيئا واحدا فقط اسمه السمع والطاعة والتنفيذ. لليمين در ، لليسار در ، ولا شيء بينهما . لا مكان للديمقراطية ولا المعارضة ولا التخطيط العلمي ولا صندوق الانتخابات ولا تداول السلطة ولا الاعتراف بالآخر وخاصة إذا كان هذا الآخر مسلما يمثل الأغلبية الساحقة من الشعب المصري !

يلاحظ إصرار يسري فودة على إدانة المصريين المسلمين إدانة قاطعة ، وتسأل عن السبب لأنهم في رابعة قاموا بالتحريض والإرهاب والعنف الذي لا يقبله القانون ولا العقل ، ونحن نسأله أي تحريض وأي إرهاب وأي عنف ، من جانب قوم اعتصموا سلميا في ميدان من الميادين رفضا لجريمة السطو على إرادة الشعب والسلطة بقوة الدبابة وصندوق الذخيرة والتشهير الإعلامي الكاذب الذي كان يسري واحدا من أذرعه بوصفه من الكارهين للتصور الإسلامي في الحياة والسياسة والمجتمع ؟

إن المعتصمين لم يرفعوا سلاحا ، ولو كانت معهم مائة بندقية آلية فقط مثل التي يملكها أهل الصعيد ما استطاعت قوات الانكشارية أن تقترب من الميدان ولفرت معها الشجاعة الخارقة على المدنيين العزل ! أذكّر يسري فودة أن الدابودية والهلالية في النوبة جنوب البلاد حين تقاتلوا بعد الانقلاب واستخدموا السلاح لم تستطع الانكشارية ولا قوات الجيش أن تقترب منهم وتركوهم للتفاهم القبلي ، وما لحقه من جهد بعض العمائم الحكومية .

بالطبع يستحق يسري فودة الشكر على اهتمامه بمذبحة رابعة وما سبقها وما تلاها وبحثه عن محاسبة القتلة الذين ذبحوا الأبرياء الآمنين ، ولكنه للأسف لم يبحث عن محاسبة الذين سطوا على إرادة الشعب وصوت الاقتراع واستطاعوا بصندوق الذخيرة وماسورة الدبابة أن يخطفوا الرئيس المنتخب ويتغلبوا على صندوق الانتخابات ، ويقتلوا الآلاف ومازالوا ، ويعتقلوا أكثر من ستين ألفا من أشرف الناس وأفضلهم خلقا وسلوكا ولا نزكي على الله أحدا ، وأعلاهم علما ومعرفة وثقافة ووعيا بمستقبل البلاد وحاضرها وماضيها ، ثم أدخلوا البلاد في دوامة من الخراب والضعف والبؤس يعلنها أنصار الانقلاب العسكري قبل رافضيه!

يعلن يسري فودة أن محمد مرسي فقد شرعيته لأنه اعتدى على الدستور واستحوذ على السلطة لنفسه بإعلان دستوري فرعوني، ولأنه لم يعد رئيسا لكل المصريين ، ويرى أن الأمر نفسه ينطبق على الجنرال لأنه حول الدستور كله إلى حبر على ورق وصادر المجال العام كله من حياة سياسية أو مدنية أو إعلامية إلا فيما يوافقه ، لأنه لم يعد رئيسًا لكل المصريين عندما تواطأ - في أقل تقدير - مع مذابح لجانب من شعبه قبل أن يتحول إلى قمع جانب آخر والتنكيل به - حتى اليوم . وأظن أنه يظلم محمد مرسي كثيرا الذي أتاح لكل الناس حرية غير مسبوقة لدرجة أنهم كانوا يسبونه أمام بيته ويضعون البرسيم على عتبته ، ولكنه ما مسّ أحدا منهم بسوء . خطأ محمد مرسي أنه فرط في حقه ، وتصور أن اللئام يمكن أن يؤثر فيهم الكرم ولكنهم تمردوا . أذكر فوده وشيعته : الحكم العسكري لا ينجب ديمقراطية ولا حرية ولا عدالة .

الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: العدد 682