درب الحج..

الحج ركن مهم في جميع الأديان ويعتمد على تجمع الناس في مكان مقدس والقيام بشعائر أهمها الطواف. كان الحج في الجاهلية يجري في مكة حول الكعبة وفي أماكن متفرقة من بلاد العرب حيث انتشرت كعبات وبيوت للعبادة مثل كعبة نجران في اليمن، ومعبد اللات في الطائف.

لضمان سلامة الحجيج حرّم العرب في الجاهلية القتال في الأشهر الحرم وهي: ذو القعدة، ذو الحجة ومحرم وهي متتالية، ورجب الفرد. وقد ثبتوا الشهور باتباعهم نظام النسيء أو الكبس، فصار الحج عندهم يجري في موسم ثابت.

فلما جاء الإسلام أصبح الحج إلى مكة ركنًا من أركان الإسلام الخمسة، وألغي نظام النسيء فصار الحج يأتي في مواسم مختلفة، فتارة يأتي في الشتاء وتارة في الصيف وهكذا على مدار العام الهجري.

عبر العصور حرص الخلفاء والسلاطين على ضمان وصول الحجاج وحفظ سلامتهم وتسهيل تأديتهم لشعائر الحج، فأنشأوا المحطات وحفروا الآبار في الطرق الرئيسة، وتلقبوا بلقب خادم الحرمين الشريفين.

لدينا معلومات كثيرة حول ما كان يجري في عهد المماليك وفي العهد العثماني:

كان الحجاج يخرجون من بلادهم في قوافل على ظهور الجمال. كل قافلة كانت تسمى ركبًا، كان الوالي يخرج على رأس قوة عسكرية لحماية الحجيج.

ولضمان عدم مهاجمة البدو للقافلة في الصحراء كانت الدولة تدفع لرؤساء القبائل البدوية مبالغ كبيرة من المال تسمى "صُرّة"، وتستأجر جمالهم لنقل الحجاج نظير عدم تعرضهم لقوافل الحجاج ناهيك عن أنها كانت تشتري منتوجاتهم. في عام 1757 لم يدفع والي دمشق الصرّة لرؤساء عرب الصخر والعدوان فقاموا بمهاجمة قافلة الركب الشامي في تبوك ونهبوها وقتلوا نحو عشرين ألف حاج عدا عن الذين ماتوا عطشًا في الصحراء.!

كذلك كانت الدولة ترسل قافلة ترافقها قوة مسلحة لملاقاة الحجاج العائدين في شرق الأردن لتقديم المواد الغذائية والحماية لهم وقد سميت تلك بالجردة.

كانت هناك أربع طرق رئيسية للحجاج عُرفت كل واحدة منها باسم درب الحج:

الأولى: درب الركب الشامي من دمشق إلى إيلات ومنها إلى المدينة المنورة ومكة.

الثانية: درب الركب المصري أو المغربي من القاهرة طريق سيناء إلى إيلات لتتحد مع الركب الشامي.

الثالثة: درب الركب اليماني من اليمن.

والرابعة: درب الركب العراقي وبلاد فارس.

منذ سنة 1250 كان الركب المصري يحمل نصف كسوة الكعبة، والركب الشامي يحمل نصف الكسوة الآخر. لذا سمي الركب المصري بالمحمل المصري والركب الشامي بالمحمل الشامي. عند وصولهم إلى مكة كانوا يقومون بتبديل ثوب الكعبة الأسود. وقد دأبوا على فعل ذلك طوال السنين، حتى أنشأت السعودية عام 1927 مصنعًا خاصًا بالكسوة.

كان الحج يستغرق ثلاثة أشهر يلاقي فيها الحجاج مصاعب شديدة، لذا كانوا يودعونهم بالبكاء والأغاني الحزينة خشية ألا يعودوا إلى أرض الوطن.

في عام 1908 وصل القطار الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة، وكانت له تفرعات تصل حيفا ما سهّل على الحجاج سفرهم إلى الديار الحجازية. لكن عدد الحجاج كان محدودًا، وتوقف العمل في هذه السكة عام 1916 بعد ثورة الشريف حسين حيث خرب البدو أقسامًا منها.

منذ سنة 1979 سمحت الأردن لعرب الداخل بالسفر بجوازات سفر أردنية مؤقتة، فتضخمت أعداد الحجاج، وصار الحج عبادة ونزهة..!

واليوم يعد الحجاج بالملايين من جميع أقطار العالم.

تقبل الله من الحجاج الطاعات والعبادات وأعادهم إلى أوطانهم سالمين.

وسوم: العدد 685