الاتجاه نحو سورية من جديد

د. عامر البوسلامة

[email protected]

لما قامت هذه الثورة الشعبية المباركة، القوية العارمة الشاملة، في منتصف الشهر الثالث من عام ألفين وأحد عشر، ثورة الكرامة، ثورة الحرية، ثورة البحث عن حقوق الإنسان، ثورة إثبات الذات من خلال المطالبة بقيم العدل، الذي هو جماع الحسنات، ورد الظلم الذي هو جماع السيئات.

ونتيجة هذا، استحر القتل، في أبناء الشعب السوري، وبدأ النظام – كعادته في التعامل مع القضايا – بشن حملة همجية عشوائية، حتى وصلنا إلى الحال التي هي عليها الآن، من محنة عظيمة، وكارثة كبيرة، ومصاب جلل، حيث مئات الألوف من الشهداء، وأضعافهم من المعتقلين، والجرحى والمعوقين، مع ملايين اللاجئين والمهاجرين، داخل سورية وخارجها، ويكتمل المشهد بملايين البيوت المهدمة، وتعطيل شبه كامل لكثير من مرافق الحياة.

ويكتمل المشهد المدهش، بتخاذل دولي مريع، يتفرج على الحدث كأنه فيلم سينما، يعرض بأرقى صور الإخراج المروج، وفي صالة فارهة، تشعرك بضرورة الاستمرار.

مع تكامل طائفي خطير، يقوده نظام إيران، ومن معهم من أذنابهم، إضافة إلى التعاون الروسي، مع نظام الجريمة في سورية.

كل هذا وشعب سورية، صامد صابر محتسب، معنوياته عالية، لا يعرف اليأس، وثباته لا يوصف، وصور تضحياته، ستكون دروساً، تتعلم منها الأجيال.

                             *******************

في هذا الجو الملتهب بالأحداث، تحرك علماء الأمة، وعلى رأسهم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفي المقدمة منهم، الدكتور الشيخ العلامة، يوسف القرضاوي – بارك الله فيه – ليصدروا الفتاوى المكافئة للحدث، وقرروا وجوب مناصرة الشعب السوري، والوقوف إلى جانبه في محنته، والتأييد له في مشروعه المشروع.

ومن هذه الفتاوى، هذه الفتوى:

( الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:

فإن ما يجري في أرض الشام من أحداث دامية مؤلمة، من قتل للأنفس، وهدم للبيوت، وقصف للأحياء السكنية، وقتل للشيوخ والأطفال والنساء، وانتهاك الحرمات، واعتقال وتعذيب وإعدامات، يستلزم تجديد العهد لدعم هذا الشعب الأبي الصامد المظلوم، ودعم المبادرات الجادة لنصرته، وأمام هذا الواقع المرير الذي استمر سنتين، فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يدعو ويؤكد على ما يلي:

أولايدعو الاتحادُ جميع المسلمين والعربَ، وشرفاء العالم، إلى إنقاد الشعب السوري المظلوم وأن يتحملوا مسؤولياتهم أمام ما يتعرض له من قتل ممنهج، وتشريد، وتدمير، وهتك للحرمات، وتخريب للديار، واستعمال للأسلحة الفتاكة، لإحداث أكبر قدر ممكن من الإيذاء والضرر بهم، من قبل النظام الظالم وأعوانه، (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد). ولذلك يفتي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بوجوب نصرة هذا الشعب المظلوم، بكل الوسائل المتاحة للأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، الدالة على وجوب نصرة المظلومين، وحرمة نصرة الظالمين، بل حتى الركون إليهم{ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمْ النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ }]هود، 113[.

1 جمادى الأولى 1434هـ  

الموافق:13/03/ 2013م.).

وكان هذا موقف كثير من علماء الأمة، والروابط والجمعيات العلمائية، على مستوى العالم.

وكان من نتائج هذا أن هبت الأمة، لتقوم بواجب المناصرة، وبمهمة الإسناد، وقدموا الكثير، من الذي يشكرون عليه. ( ومن لا شكر الناس، لا يشكر الله ).

واليوم وبعد دخول هذه الثورة عامها الرابع، وبحكم التعقيدات المتشابكة الكثيرة، التي تحيط بالمشهد، وتلفه بلفافات مريرة، وبألوان مختلفة، لا بد من التأكيد من جديد، على واجب الأمة، بل هو آكد مما مضى بحكم العوامل المحيطة، والتطورات المقلقة.

( ومن لم يهتم بأمر المسلمين، فليس منهم).

من هنا، كان لزاماً على الأمة، أن تعيد الكرّة من جديد، بلا خوف ولا وجل، ولا حسابات مفرطة، لمناصرة هذا الشعب المنكوب، حتى يقف على أقدامه، ويحقق مشروعه الكبير، الذي يصب في صالح الأمة وخيرها، في نهاية المطاف.

خصوصاً، وأننا لا نطالب بشيء خارج إطار القانون، ولم نطلب من أحد أن يحضر بنفسه، أو أن يكلفها ما لا تطيق.

ورغم أن جراحات كثيرة، فتحت في جسد الأمة هنا وهناك، لكن لا يجوز أن يطغى حدث على الآخر، ويكون ذلك من خلال التنسيق والتعاون، حتى تمضي قافلة الإسناد، وتحقق المناصرة لكل القضايا العادلة.

فلا تنسوا شعب سورية، من صالح دعائكم، وتذكروا أن من مقتضيات المناصرة، الدعم السياسي، والمهرجانات والوقفات، ومطالبة الحكومات بالمواقف القوية، شعب يباد، وأمة من الناس يحرقون، فأين صدقاتكم وزكواتكم – نحن على أبواب رمضان – حتى تسد بعض المطلوب ؟؟!! وفي المال حق سوى الزكاة، وكل هذا من الواجبات الشرعية، التي لا يجوز التقصير فيها.

كما أن الجهاد بالمال واجب، فكذلك جهاد الكلمة، وجهاد القلم، والجهاد من خلال وسائل الإعلام، فالإعلام جيش جرار، له محاسن كبار، ونواتج عظمى في مناصرة الأخيار، ومقاومة الفجار.

وعلى عاتق العلماء، ورثة الأنبياء، تكون المهمة الكبرى، بكل تفاصيلها، وسائر شعبها، ومفرداتها كافة.

(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً)

وفي الحديث الصحيح، عن  يَحْيَى بْن سُلَيْمِ بْنِ زَيْدٍ ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ بِشْرٍ مَوْلَى ابْنِ مَغَالَةَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , يَقُولانِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ، وَتُسْتَحَلُّ حُرْمَتُهُ ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ ، إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ " .