إسرائيل الهشة

من العبارات التي وصف بها عجز إسرائيل الواضح في مواجهة الحرائق التي  شبت في شمالها ووسطها ؛ أن هذا العجز كشف هشاشتها نقيضا للصورة التي حرصت دائما على رسمها لنفسها ؛ صورة الدولة القادرة على مواجهة كل مفاجىء من الأخطار  بكفاءة وسرعة . انكشفت هذه الهشاشة في طول المدة التي استغرقتها مواجهة هذه الحرائق  ، وفي اضطرار إسرائيل للاستغاثة بأكثر من دولة ، وفي التنفيس عن عجزها وإحباطها بصب غضبها المتقد على مواطنيها الفلسطينيين ، واتهامهم بإضرام نصف هذه الحرائق . ويتأكد كبر عجزها في مواجهتها حين نسترجع جهودها الكبيرة التي لا تتوقف في إعداد جبهتها الداخلية لما هو أخطر وأسوأ من هذه الحرائق : حين تطلق عليها آلاف الصواريخ  في أي حرب في شمالها أو جنوبها مثلما تتوقع . ما سيحدث في حالة الحرب سيكون أضعاف هذه الحرائق في خطره ومشكلاته . وأثارت القناة العاشرة الإسرائيلية خلال الحرائق هذه القضية متسائلة : " ماذا سيحدث لو قصف حزب الله منشآت الأمونيا في خليج حيفا ؟! " . الحقيقة المستخلصة من التاريخ القصير لهذه الدولة في المنطقة أن هشاشتها تستبين سريعا متى واجهت أي خطر حقيقي جدي ، ومن جودة حظها ورداءة حظنا أن أكثر حروبها معنا لم تبين هذه الهشاشة لسوء الإعداد العربي وانتفاء الجدية الجماعية الصادقة في التصدي لخطرها واستكبارها المستعلي . وحين اكتسب الإعداد العربي قدرا مناسبا من الجدية والصدق استبانت هشاشتها سريعا . ونقف موجزين عند أظهر مواقف الجدية العربية في مسيرة مواجهتها :

الأول : حين هاجمها الجيشان المصري والسوري في السادس من أكتوبر / تشرين الأول 1973 في جبهتي سيناء والجولان ؛ فقد تصدعت خطوطها الدفاعية الحصينة ، وأخفقت هجماتها المضادة أمام الجيشين في الأسبوع الأول من الحرب ، وقرر موشيه ديان  وزير دفاعها حينئذ أن يظهر في التلفزيون الإسرائيلي ليعلن هزيمتها ، ومنعه القادة الإسرائيليون من ذلك ، وقرر في موقف ثانٍ الانسحاب الفوري من سيناء لمواجهة خطر الجيش السوري على إسرائيل ذاتها بحكم القرب الجغرافي ، وقلب التدخل الأميركي والغربي  في القتال ، وإمدادات السلاح الأميركية التي كانت تصل مباشرة إلى جبهة القتال مثلما حدث في سيناء ؛ مسار الحرب لصالحها . 

الثاني : في حربها مع حزب الله في يوليو / تموز 2006 قاتلت أكثر من ثلاثين يوما دون أن تحقق أيا من أهدافها المعلنة والمضمرة ، وضرب حزب الله بصواريخه جبهتها الداخلية ، وفكر مليون من سكانها بعد ما واجهوه في الحرب من رعب وغياب أمان في الهجرة منها لولا أنها ضغطت على الدول المستهدفة بالهجرة لمنعهم ، وذكر الرئيس الأميركي بوش الابن في كتاب له بعد خروجه من الرئاسة  أنه أنقذها من هزيمة محتمة أمام حزب الله حين دفع مجلس الأمن لإصدار قرار وقف نهائي لإطلاق النار .

الثالث : في عدوانها الأخير على غزة ، في صيف 2014  ، تطرفت إلى أقصى درجات العنف والشدة في القتال ، وفشلت مع ذلك طوال 51 يوما في صنع أي اختراق كبير في البر ، ولو استطاعت لاندفعت إلى شاطىء غزة في ساعات الحرب الأولى مثلما حدث في حرب 1967 التي لم تكن حربا من حيث سهولتها بالنسبة لها بسبب خواء الجبهات العربية التي حاربت فيها . والآن ، ها هي تُشَل وترتاع في مواجهة ما أصابها من الحرائق ، وتستغيث بمن يغيث . ندرك أن لها نقاط قوة ، لكن هذه النقاط لا يفعلها إلا الضعف العربي الذي ليس له موجب سوى انعدام الجدية والصدق في مواجهة هذه الدولة التي زرعت نبتة شيطانية سامة في أرض لا صلة لمستوطنيها بها .

وسوم: العدد 696