الإسلام في أفريقيا الحلقة (23)

عفيف إفريقية وصالحها

أبو علي شقران بن علي الفرضي

كان أبو علي رجلا صالحا ضرير البدن والبصر، وشهد له أهل زمانه باستجابة الدعوة. وكان مؤاخياً للبهلول. وكان عالماً بالفرائض، وله فيها كتاب لم نجد عند علمائنا عن شقران غيره. روى عنه سحنون وعون بن يوسف وكان سنه نحو سن بهلول، وقد تغيّر وجهه وظهر به الجزام.. فكان ذلك بيديه ورجليه فراضاً حتى مات. رحمه الله .

ويقال أن سبب ظهور الجزام في وجهه - كما روت كتب التراجم - أن أبا بكر أحمد بن محمد المتعبد قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن خراسان، قال: كان شقران بن علي من أجمل الناس، فهويته امرأة، فذكرت شأنها لعجوز فقالت لها: أنا أجمع بينكما. فمر شقران يوماً بالموضع، فقامت إليه العجوز فقالت له: يا ولدي، لي ولد قد أحرقت قلبي غيبته، وقد جاءني كتابه، فأحب منك أن تقرأه لي، فأجابها إلى ذلك، فقالت له: يا سيدي، له أخت بها من الوجد عليه مثل ما بي، فإن رأيت أن تلصق إلى الباب فتسمع أخته كتابه ! فقال: نعم، فأتاها إلى الباب ففتحته ودخلت وقالت له: يا سيدي، إنها لا تخرج وهي وراء الباب الوسطاني، فإن رأيت أن تتقدم إلى الباب الأوسط وتقرأه لها، فإن الله تعالى يكمل أجرك. فتقدم شقران إلى الباب، فبادرت العجوز وغلقت الباب البراني، وفتحت الجارية الباب الأوسط، وضربت بيدها في أطواق شقران وقالت له: قد وحلت. وراودته عن نفسه. فلما رأى أن البلاء قد نزل به أراد ملاطفتها ليتخلص منها، فقال لها: ولا بد من ذلك ؟ فقالت: لابد من ذلك ! فقال لها: أعطيني ماءً أتوضأ به، فأعطته ماءً فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم قال: (اللهم إنك قد خلقتني كما شئت، وقد خفت الفتنة على نفسي، وأسألك يا ربي أن تغير خلقتي وتصرف شرها عني)، فخرج وقد تغير وجهه وظهر به الجذام، فلما رأت ذلك منه دفعته في صدره وأخرجته من الدار، ووقاه الله شرها. فكان ذلك بيديه ورجليه فراضاً حتى مات رحمه الله، فإنه اختار بلاء الدنيا على بلاء الآخرة.

وقد حدث أبو عيد الملك مروان بن نصرون المتعبد، قال: بلغ ذا النون أن بالمغرب رجلاً متعبداً يقال له شقران يخرج من أربعين يوما إلى مثلها. فأتاه من مصر، فسأل عنه، فقيل له: الساعة دخل. وليس يخرج إلى أربعين يوماً. فأقام ذو النون على بابه أربعين يوماً، فلما تمت خرج، فلما رأى ذا النون قال له: من المشرق أنت ؟ قال: نعم. قال: ما الذي أقدمك بلادنا ؟ قال: بلغني خبرك فأتيت إليك لتعظني، لعل الله أن ينفعني بكلامك. فقال له: يا فتى، سح في الأرض، واستعن بأكل العشب على أداء الفرض. ولا تقبل من أحد صلة ولا قرضاً، فإذا خشيت أن تقترض فاستعن بالذي عليه تعرض. ثم دخل فأقمت على بابه أربعين يوماً، فلما خرج بعد انقضائها قال له: ما انتفعت من الموعظة بشيء ؟ قال: أردت الزيادة، قال: لست من أهلها وسأنقصك ! يافتى، كل من كد يمينك مما عرق فيه جبينك، ولا تأكل بدينك، فإن خفت أن يضعف يقينك فاستعن بالله معينك، ولا تأكل بدينك، فإن خفت أن يضعف يقينك فاستعن بالله معينك. أعلم أن لي ولك غدا ًموقفاً بين يدي الله عز وجل، فاتق الله ولا تشكِ من يرحمك إلى من لا يرحمك. ثم دخل فأقمت على بابه أربعين يوماً، فلما خرج قال: ما انتفعت بالموعظة ؟ قلت: أردت الزيادة. قال: لست من أهلها، وسأنقصك ! يا فتى: أرض بما قسم الله لك تكن من أزهد الناس، واتبع ما أمرك الله به تكن من أعبد الناس، وانته عما نهاك الله عز وجل عنه تكن من أورع الناس، ثم هم بالدخول، فجذبت ثوبه وقلت: زودني منك زاداً ينفعني الله تعالى به. قال: فدس في يدي شيئا كهيئة الدينار أو كهيئة الدرهم، فنظرت فإذا هو اسم من أسماء الله تعالى. قال: فما سألت الله عز وجل به شيئا إلا أعطاني إياه.

وقال أبو محمد الحسن بن أبي العباس الأجدابي: فذكر أن ذا النون وجد في الرقعة التي دفعها إليه شقران: (يا دائم الثبات، يا مخرج النبات، يا سامع الأصوات، يا مجيب الدعوات).

(قحط الناس عندنا بالقيروان، فجاء قوم إلى شقران وأنا عنده جالس فقالوا: يا أبا علي، ادع الله يسقنا، فقد ترى ما الناس فيه من الجهد والغلاء. فشد إزاره على وسطه، ورفع يديه بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، وجعل يقول في دعائه: عزيمة مني عليك، اسقنا الساعة الساعة ! قال: فأرعدت السماء، وأبرقت وأمطرت. قال حمدون: فخرجنا من عنده نخوض في الماء إلى أنصاف سوقنا).

قال أبو عثمان: قال لي سعيد الصيري: صدق حمدون، كنت أنا حاضراً ذلك.

وطوى الموت عابد إفريقية وصالحها سنة (186هـ/802م)، وقد أناف على السبعين سنة ودفن بباب سلم، وقبره مشهور رحمه الله .

وسوم: العدد 697