هل السلمية ثابت أم خيار

سلميتنا أقوى من الرصاص

المنهج السلمي في التغيير في الحركات السياسية الإسلامية ليس مجرد قضية هيكلية تنظيمية وإنما هو تربية فكرية وحركية تمس التنظيم والتعليم والتعامل الفردي أو الجماعي، لأن مقاصد الإسلام الكبرى هي إعطاء الإنسان حق الاختيار وتقرير المصير أيا كان اختياره للدين أو الشريعة التي يطمئن لها؛ إذ “لا إكراه في الدين” (البقرة: 256).

إن التحدي اليوم أمام الحركات الإسلامية هو ترسيخ عدم مشروعية استخدام العنف في الإصلاح والتغيير في المجتمع الواحد، وأن لا سبيل إلا الصبر والمصابرة والمثابرة والمدافعة السلمية في التعامل مع الشأن العام السياسي؛ فلا نملك اليوم أي تجربة تثبت نجاح العنف في تحقيق الإصلاح والقضاء على الظلم والاستبداد على الرغم مما بذل من جهود وسالت من دماء، بل نملك نماذج كثيرة تؤكد أن باب العنف هو المدخل إلى جهنم.

ولكن السؤال الذي يطرح اليوم هل يعني المنهج السلمي الاستسلام للواقع  وانتظار المهدي المنتظر للتغيير والاصلاح،

هل يعني المنهج السلمي تكوين شخصيات سياسية تتعاطي مع الظلم والطغيان بمنطق مدرسة الصبر السلبي الذي لا يقدم الامة خطوة الى الامام،

اننا عندما نتحدث عن المنهج النبوي السلمي الذي احدث ثورة في العقول والحقول وأسس لدولة مدنية قوية استطاعت ان تنتشر على طول وعرض الارض، إنما نتحدث عن منظومة سلمية في التدافع لاتعرف المداهنة والانبطاح بل تجسد معنى النضال السلمي اليومي الذي يفتح الافاق ويحتل مساحات الوعي ويستخدمها لتوسيع الحريات المجتمعية بعيدا عن منطق اسقاط النظام وانما يعتمد منطق تغيير المنظومات المجتمعية التي تشكل الوعي لدى الاطار البشري الذي سيهتف يوما بقدرة المجتمع على التغيير والاصلاح والتقدم،

فهل فكرت قبل أن تهتف بسقوط نظام أن تهتف ببناء قدراتك؟ هل يعي القائمون بمشروع التغيير احتياجاته؟! هل نهدف إلى تأسيس مجتمع قوي ونقاوم سلميا من أجل إزاحة العقبات أمام هذا المشروع؟ أم أننا نحمل مشروعاً سلطوياً يُخضع الشعوب؟

كما قال احد قادة الثورة الواعون بطبيعة مشروع التغيير الحقيقي .

إن الكثير من أحاديث وكتابات القائمين على التغيير تدور حول السلطة ويكتفون بالإشارة إلى سلبية الشعوب وضعف المجتمعات.. ثم يعودون مجدداً للاستغراق في توصيف النظم المستبدة.. وهكذا تبرز حالة من الاستسلام لمفهوم السلطة والكفر بمفهوم المجتمع.

والسؤال هل الهدف هو إسقاط نظام؟

حسناً.. من سيسقطه؟ ولصالح من؟ وعلى أي أفكار سيتأسس النظام الجديد؟!

فإن كنا نكفر تماماً بدور المجتمع؛ فهذا يعني أن مشروعنا هو تحويل مفاتيح السلطة إلينا. لنتحكم نحن في المجتمع الذي قررنا مسبقاً بمفهوم سلطوي أنه سيظل كما هو خاضع. إذن هو خلاف حول من الأجدر بأخذ الإتاوة او الضريبة من المجتمع. نحن .. أم هم؟!

أما إن كنا نؤمن بأن النظام الجديد يلعب فيه المجتمع الدور الأبرز، فنحن بحاجة إلى إعادة تعريف مشروعنا.. من “إسقاط نظام” “إلى “ تقوية وبناء مجتمع”..

وهذا لا يعني الانخلاع من حلم “تغيير النظم المستبدة”، لكننا سنعيد ترتيب المفاهيم في وعينا.. ليتحول “تغيير او اصلاح  النظام” إلى نتيجة طبيعية لـ”مجتمع قوي”.

فلولا ضعف المجتمع لما تسلط المستبدون. والمستبدون يرسخون هذا الضعف في وعي الناس والمناضلين معاً.

لأنهم يدركون أن كل قوة نسبية تضاف للمجتمع هي خصم من رصيد السلطة، وكل نمو في عقل وعضلات المجتمع دلالة ميلاد مشروع فعلي لدى المجتمع.

هي شبكة مفاهيم جديدة نجرؤ من خلالها على قول “سننجح” بدلاً من قول “سيسقطون”..

فالأولى تعول على القدرات والثانية تعول على المعجزات.

هي شبكة مفاهيم جديدة تجعلنا نرى مشروع التغيير من منظور “المجتمع” وليس من منظور “السلطة”.

لنعيد تعريف كل شيء من حولنا، ونعيد قراءة كل الأحداث في سياق آخر، نحكم على كل  حدث من منظور “تقوية المجتمع”.

وبذلك يتحول مشروع التغيير إلى عملية بناء مستمر لمجتمع قوي. حتى وهو يقاوم فإن لديه بوصلة تجعل كل خطوة تصب في هذا الهدف، وكل حيرة حول مسار من المسارات يجيبها سؤال.. هل يصب في تقوية المجتمع ؟

*************

إن التغيير المجتمعي الكلي عبر الوسائل العنيفة لا تعلق له بالدين إلا من زوايا مخصوصة، هي القصد والفقه والأخلاق،

فإذا اتضح لنا هذا الأمر سهل علينا الجزم أن التنظير بوضع نهج تغييري مخصوص يتبنى العنف، أو نفي نجاح مثل هذا النهج بناء على تجربة فردية معزولة أو حتى قطرية، بل حتى لو كانت مبنية على عدة تجارب صدرت بملابسات مخصوصة، فمن المؤكد أنه لا يمكننا الحكم على مثل هذا التنظير سوى أنه تجربة يمكن أن يُستفاد منها لا أنها تنظير علمي جاد .

ومن ثم فلا يمكن قبول أي نتيجة صادرة عنها تكون مصادمة لما ينبغي أن يفرزه أصل النظرية حينما تكون علما مبنيا على مجموعة من ثوابت و متغيرات مؤكدة، و على مجموعة من المقاييس العلمية المعتمدة و المعقدة .

إن التغيير المجتمعي الكلي الذي وُضح له مصطلح الثورة علم ذو أسس و قواعد بعضها ثابت، و بعضها الآخر مرن متغير وفق معطيات كثيرة، و هذه القواعد و الأسس وُضعت بعد خضوعها لخبرات طويلة من الفرضيات و التجريب و التعديل، إلى أن استقرت على الوضع الشمولي الذي وصلت به إلينا، و هذا وضعها العلمي فقط،

وأما وضعها التطبيقي ؛ فهو مبني على معرفة وحكمة وروية شديدة التعقيد حتى أنها قاربت الفن في شدة رضوخها لقوانين حدسية وفطرية ابعد ما تكون في أحيان كثيرة عن العلم .

وللأسف إن كثيرا من الناس يعييهم الدرس والتدقيق فتستهويهم النتائج الكلية غير الجادة، فيقررون نظرية تغيير يظنون أنها الحق الذي ليس بعده حق، أو يجزمون باستحالة حصول الظفر بالنصر إلا عبر هكذا طريق .

وسواءٌ هذا الذي بدأ في سلك طريق العنف معتمدا على نفسه، أو على تجربة معزولة لها خصائصها الموضوعية كالتجربة الأفغانية أو الفيتنامية أو غير ذلك …

أو هذا الذي جزم بأن العنف لا يمكن أن يكون سبيلا ناجعا للتغيير …

فهذا أو ذاك لا يمكن أن يكون واعيا أو جادا في ما يزعم .

إن طريق الثورة مسلك وعر معقد له تعلق ببناء الكادر والتنظيم والأمن، وله تعلق بالجماهير، وله تعلق بالاطلاع على الواقع الذي تقرر تغييره بتفاصيله التي هي جزء منه كالأمن والاقتصاد والقوة العسكرية ..الخ، وإلى علاقاته الخارجية والتي كثيرا ما تكون الشريان الذي يستمد منه حياته، وإلى الظروف الإقليمية والعالمية …

ونحن أصحاب منهج رباني، له طابعه الخاص الذي يطبع به مفهوم العمل الثوري من دون أن يعدل في جوهره الكوني …

لكنه يضفي عليه خصوصيته في القصد والسياسة وفي قانون المعاملات والأخلاق، وفي الجانب الروحي.

وكم يتملكني الانبهار عندما أقرأ تلك الفقرات التي كتبها سيد قطب رحمه الله عن تلك الطليعة المخلصة الواعية التي سماها القاعدة الصلبة، واستخلص لها تجربتها الصافية الناصعة التي سطرها جو الوحي وهو يتنزل على الجماعة المسلمة الأولى …

ولا زلت إلى اليوم أتعجب كيف أن هذا العملاق قد وضع إصبعه على نقطة البدء الأساسية التي ينبني عليها ما سيلحق …

مثلما أنني لا أنفك أتعجب كيف أننا لا زلنا نرى من يتخطى البدايات، أو يقف عندها وقفة الحائر تتأخر خطاه عن خطى الأحداث فيضحى عاملا مغرِقا في السلب

*********************

سلمية الإخوان

هل تعرقل الثورة؟

د. رفيق حبيب

تجاوزت دول الربيع العربي عدا تونس، مرحلة ثورة التحول الديمقراطي، التي تتمثل في احتجاجات شعبية تقود لتحول ديمقراطي، دون تغيير المنظومة الحاكمة، ثم يكون التحول الديمقراطي وسيلة لتغيير النظام السياسي، قد تنجح أو تفشل أو يتأخر نجاحها.

بعد الانقلابات على الربيع العربي، دخلت بلاد الربيع العربي مرحلة ثورة التغيير، التي تستهدف تغيير المنظومة الحاكمة برمتها، وإحداث قطيعة مع الماضي، وبداية مرحلة تاريخية جديدة، وهو أمر يحدث على مراحل، ومن خلال معارك متتالية.

ثورة التغيير العربية، والتي تشتعل في مصر واليمن وليبيا وسوريا والعراق، تأخذ أكثر من منحى، ومن أهمها منحى الثورة الشعبية السلمية، كما في مصر، ومنحى الحرب الأهلية الشاملة كما في سوريا، وبينهما درجات متفاوتة من الثورة والحرب الأهلية.

ثورة التغيير قد تتحقق من خلال سلسلة من الحروب الأهلية والإقليمية، والتي تدخل فيها معظم الأطراف في حرب متواصلة، حتى تتمكن قوى التغيير من الانتصار في تلك الحرب، على الأطراف الأخرى، خاصة تلك المرتبطة بالأنظمة الحاكمة القديمة.

قد تستمر الثورة شعبية وسلمية في جوهرها الغالب والشائع، وتنتصر كثورة شعبية من خلال الإرادة الشعبية، دون أن يكون انتصارها متوقفا على الانتصار في حرب مسلحة، وبهذا تتجاوز الثورة الشعبية مرحلة الحرب الأهلية الشاملة، وتحقق النصر على منظومة الاستبداد.

هل تتجاوز ثورة الربيع العربي مرحلة الحرب الأهلية وتحقق انتصارها بالثورة السلمية، أم أن الانتصار النهائي لن يكون إلا بحرب مسلحة أهلية؟

هذا السؤال يحدد مسار ثورة الربيع العربي، كما يحدد أيضا المدى الزمني المتوقع لها.

جماعة الإخوان المسلمين تلتزم بشدة بالنهج السلمي، وهي بهذا تختار مسار الثورة الشعبية السلمية، التي تنتصر بإرادة شعبية حرة، ودون أن تنخرط في حرب، أو دون أن يكون انتصارها من خلال حرب أهلية مسلحة.

هل يمكن أن يكون اختيار جماعة الإخوان المسلمين للنهج السلمي، يعرقل الثورة خاصة في مصر؟

خاصة إذا كانت الثورة لن تنتصر إلا بحرب أهلية مسلحة، كما حدث في العديد من الثورات عبر التاريخ؟

فهل سلمية الإخوان تنصر الثورة أم تعرقلها؟

في كل الأحوال، فإن ثورة التغيير تشهد نزاعا اجتماعيا وثقافيا، فهي عملية تغيير كبرى، مما يعني أن الثورة هي معركة تغيير شاملة، لها جوانب اجتماعية وثقافية، تؤثر على مختلف مكونات المجتمع، ولكن ليست كل معارك التغيير مسلحة.

الشاهد أن دول الربيع العربي تشهد أكثر من مسار لثورة التغيير، وأن بعضها أنخرط في حرب أهلية مثل سوريا والعراق وليبيا، وبعضها يقف على أعتاب الحرب الأهلية مثل اليمن، وبعضها مازال بعيدا عن الانخراط المباشر في حرب أهلية مثل مصر.

في كل حالات الثورة، هناك قدر من الحرب الأهلية أو النزاع الأهلي، فلا توجد ساحة تغيير لا يوجد بها نزاع أهلي، حتى وإن كان الاقتتال الأهلي محدودا أو غير مباشر.

ففي مصر قدر من الاقتتال الأهلي، تقوم به مؤسسة القمع ضد الثورة، ونيابة عن مؤيديها.

المسألة لا تتعلق بغياب أو حضور ظواهر الحرب الأهلية، ولكن بمقدار ما يحدث من اقتتال أهلي، فهناك نزاع أهلي حول الثورة، قد يظل في حدود ضيقة، أو يتحول إلى حرب أهلية شاملة، تنخرط فيها معظم مكونات المجتمع.

مصير الثورة واتجاهها لا يتعلق فقط بمقدار ما يحدث من نزاع أهلي، ولكن بعلاقة الثورة بما يحدث من نزاع الأهلي، فكلما كان مسار الثورة مرتبطا بمسار الحرب الأهلية، يصبح انتصار الثورة، هو انتصار في حرب أهلية.

كلما كان انتصار الثورة يتحقق بإرادة شعبية، ومن خلال تجاوز الحرب الأهلية والنزاع الأهلي، كانت الثورة شعبية وسلمية، وهذا هو خيار جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه ليس الخيار السائد في كل بلاد الربيع العربي.

مسارات الثورة

إذا كان تعريف الثورة، أنها فعل من أجل التغيير الشامل، فإن دول الربيع العربي فيها مسار للثورة الشعبية السلمية خاصة في مصر، وتقوده جماعة الإخوان المسلمين، ومسار لثورة الحرب الأهلية خاصة في سوريا، ويقوده تنظيم الدولة الإسلامية.

بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية، تتضح المفارقة في أوضح صورها، فجماعة الإخوان المسلمين ترى أن الثورة شعبية وسلمية، وتنتصر بالإرادة الشعبية المجردة من السلاح،

وتنظيم الدولة يرى أن التغيير يتحقق بالسلاح فقط.

تنظيم الدولة الإسلامية، لا يتبنى فقط نهج تغيير الأنظمة الحاكمة بالقوة مثل تنظيم القاعدة، ولكنه يتبنى أيضا نهج تغيير المجتمع بالقوة، لذا فإن تنظيم الدولة الإسلامية يخوض حربا أهلية مباشرة، من أجل تحقيق التغيير كما ينشده.

قوى الانقلاب على الثورة، وتنظيم الدولة الإسلامية، هما الطرفان اللذان يخوضان حربا أهلية مباشرة ومقصودة من أجل تحقيق أهدافهما.

فقوى الانقلاب على الثورة، تريد القضاء على الربيع العربي من خلال الحرب الأهلية.

تنظيم الدولة الإسلامية، يستهدف القضاء على الأنظمة الحاكمة والقواعد الاجتماعية المساندة لها، من خلال الحرب الأهلية، كما يستهدف القضاء على الربيع العربي ومشروع التحول الديمقراطي، من خلال الحرب الأهلية، ليحقق تصوره التقليدي عن الدولة الإسلامية.

جماعة الإخوان المسلمين تستهدف تغيير الأنظمة المستبدة، ومنظومة الاستبداد والتبعية الإقليمية من خلال الثورة الشعبية، ولكنها لا تستهدف تغيير المجتمعات بالقوة، بل تختار طريق التحول الديمقراطي، لبناء نظام سياسي جديد، وإصلاح المجتمعات

بين مصر وسوريا، يمكن وضع بقية دول الربيع العربي حسب درجة انخراطها في الحرب الأهلية أو الثورة الشعبية، حيث تنخرط ليبيا في حرب أهلية، يليها اليمن بدرجة أقل، ثم تأتي مصر، وهي الأكثر قربا من الثورة الشعبية، وبعدا عن الحرب الأهلية.

يلاحظ ارتباط مسار الثورة بحجم التواجد الجماهيري لجماعة الإخوان المسلمين، ففي سوريا حيث تواجد الجماعة محدود اشتعلت الحرب الأهلية، وفي ليبيا حيث تواجد الجماعة محدود أيضا، أنخرط الفرقاء في حرب مسلحة.

التواجد الواسع لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، جعل اليمن تخوض حرب أهلية من طرف واحد تقريبا، حيث تخوض جماعة أنصار الله الحوثية حربا أهلية، ويشاركها تنظيم أنصار الشريعة المنتمي للقاعدة، وبعض مسلحي القبائل.

رفض حزب التجمع الوطني للإصلاح، الممثل لجماعة الإخوان المسلمين خوض الحرب الأهلية في اليمن، حد من أتساع مساحة الحرب، ولو شارك فيها، لأصبحت حربا أهلية شاملة كما يحدث في سوريا.

مما جعل لإخوان اليمن دورا مهما، في تعضيد مسار الثورة الشعبية في اليمن.

بقدر أنتشار تنظيم الدولة الإسلامية، بقدر ما تتوسع مساحة الحرب الأهلية، لأنه يمثل المقابل الموضوعي للسلطة المستبدة، والذي يستخدم نفس أدواتها، من أجل إسقاطها. لذا تتوسع الحرب الأهلية في سوريا، ثم العراق ثم ليبيا.

المشهد في تونس مختلف، فهي الدولة الوحيدة التي حققت نصف ثورة ونصف انقلاب، فلا الثورة انتصرت في النهاية، ولا الانقلاب أنتصر بالكامل، وأصبح المشهد معلقا بين الثورة والانقلاب، وتواجد الإخوان في تونس أقل من مصر، وأكثر من ليبيا

مشهد بلاد الربيع العربي، يوضح أن مسار الثورة يتوقف على طبيعة تركيب النظام المستبد، خاصة إذا كان له أساس طائفي يمكنه من شن حرب أهلية أوسع، كما في سوريا والعراق. كما يتوقف مسار الثورة على القوى المشاركة فيها، فيبرز تأثير دور الإخوان وتنظيم الدولة.

بين التغيير بالثورة الشعبية، والتغيير بالحرب الأهلية، تتراوح مواضع دول الربيع العربي، بدرجات مختلفة، وكل مسار يحاول تحقيق الانتصار، ليس فقط على قوى الانقلاب على الثورة ومنظومة الاستبداد والتبعية، بل أيضا على المسار الآخر للتغيير.

فهل ينجح مسار الحرب الأهلية، أم مسار الثورة الشعبية، وهل يعرقل منهج الإخوان السلمي الثورة خاصة في مصر؟ وهل سينتصر خيار واحد فقط، أم يمكن أن ينتصر أكثر من خيار في نفس الوقت، في بلاد مختلفة؟

مسار الانتصار

سؤال التغيير التاريخي من أصعب الأسئلة، فرغم أن له قواعد وقوانين عرفها تاريخ البشرية، إلا أنه ليس له مسار واحد معتمد تاريخيا.

فالتغيير يمكن أن يحدث بثورة شعبية سلمية في أغلبها، أو بثورة مسلحة، أو من خلال حروب أهلية.

ما يؤثر على مسار عملية التغيير، هو جملة العوامل والتفاعلات والتداعيات، المصاحبة لعملية التغيير، وطبيعة المجتمعات وكذلك طبيعة الأنظمة الحاكمة المستبدة، وأيضا طبيعة القوى الأكثر قوة على الأرض، ومن جملة تلك العناصر، يتحدد مسار الثورة.

يمكن أن يتحقق التغيير في المنطقة العربية والإسلامية أيضا، من خلال سلسلة من الحروب الأهلية التي تمتد لسنوات أو عقود، ويمكن أن يتحقق التغيير من خلال سلسلة من الثورات الشعبية، التي تناضل لسنوات ضد الاستبداد.

واقع مرحلة التغيير العربي الكبرى، التي بدأت بذورها قبل الربيع العربي، وتحققت شرارتها الأولى مع الربيع العربي، يكشف على أن مسار التغيير في المنطقة العربية متعدد الاتجاهات والمراحل، والتفاعل بين تلك الاتجاهات يحسم مسار مراحل الانتصار.

انتصارات شرارة الثورة الأولى، وإسقاطها لرأس النظام في تونس ومصر وليبيا واليمن، حقق تمدد واضح لخيار الثورة الشعبية والنهج السلمي، وكان الإخفاق في سوريا أولا، سببا في تمادي خيار السلاح والحرب الأهلية.

انتصارات قوى الانقلاب على الثورة، مددت من خيار الثورة الشعبية المسلحة، ثم وسعت من مجال الحرب الأهلية، مما جعل مشهد الحرب الأهلية هو الغالب، وخيار التغيير من خلال الحرب الأهلية يتمدد.

انتصار الخيار السلمي، يحبط الخيار المسلح، وانكسار الخيار السلمي، يعضد الخيار المسلح.

وكلما مر الخيار السلمي بأزمة أكبر، تحول الخيار المسلح من نهج التغيير بالقوة، إلى نهج الحرب الأهلية التي تغير المجتمع نفسه بالقوة

كأن الخيار المسلح يملأ الفراغ الذي يتسبب فيه تراجع الخيار السلمي، وتقدم الخيار السلمي يملأ فضاء التغيير والمجال السياسي. فالخيار السلمي، هو الخيار الطبيعي إذا كان متاحا، واللجوء للخيار المسلح، لا يكون إلا بغياب فرص الخيار السلمي.

عندما يكون التغيير متاحا بالعمل السياسي، لا يكون هناك مجال للثورة، وعندما يكون التغيير متاحا بالتحول الديمقراطي، فلا مجال لثورة التغيير، وعندما لا يكون التغيير متاحا إلا بالثورة الشعبية، فلا مجال لطريق آخر، وعندما لا يكون هناك فرصة للتغيير إلا بالحرب الأهلية، فلا مجال لطريق آخر.

قد تكون القاعدة التاريخية، هي تلك التي تجعل الحرب هي ضرورة وليست مجرد اختيار، فعندما تكون هناك مسارات مفتوحة غير الحرب، فاللجوء للحرب لا يكون إلا من طرف لا يجد قبولا مجتمعيا، سواء كان سلطة مستبدة، أو مشروع متطرف.

المشهد بعد الانقلاب على الربيع العربي، يشير إلى أن الموقف في مصر له دور مركزي في مسار ثورة الربيع العربي، فإذا أحبط الحراك الثوري السلمي في مصر، فإن خيار الحرب الأهلية سيكون الخيار الوحيد.

إذا انزلقت مصر في حرب أهلية واسعة أو شاملة، فإن خيار الثورة الشعبية السلمية يتراجع لصالح خيار التغيير من خلال الحرب الأهلية.

وإذا تراجع حضور جماعة الإخوان المسلمين في مصر واليمن، سوف يصعد خيار الحرب الأهلية الشاملة.

إذا انخرط إخوان اليمن في حرب أهلية، فإن احتمالات استمرار الثورة الشعبية السلمية تقل، ويتزايد دور الحرب الأهلية كوسيلة لفرض التغيير.

إذا فشلت تجربة إخوان تونس في الحفاظ على نصف ثورة ونصف انقلاب، وحدث انقلاب شامل، فإن خيار الحرب يتقدم.

مسار الربيع العربي إذن، يتراوح بين تمدد للحرب الأهلية على حساب الثورة، أو تقدم للثورة على حساب الحرب الأهلية، فإذا تمددت الحرب الأهلية دخلت المنطقة في عقود من الحروب، قبل أن يتضح أي أفق للتغيير التاريخي.

استمرار مسار الثورة الشعبية السلمية، يجعل خيار التغيير الثوري الشعبي حيا، مما يجعل الحرب الأهلية تحدث كنتيجة لمعارك التغيير، دون أن تكون هي معركة التغيير الرئيسة، فتبقى الثورة هي معركة التغيير المركزية.

استمرار الحرب الأهلية كتوابع لمعارك التغيير الثوري، هو مشهد تاريخي معتمد، وبقاء مسار الثورة الشعبية بدرجات مختلفة، يرهن الانتصار بانتصار الإرادة الشعبية، وليس الانتصار في حرب أهلية، مما يجعل انتصار الثورة يوقف الحرب الأهلية في النهاية.

في الحروب الأهلية لا يوجد نصر كامل أو هزيمة كاملة، ولكن توقف الحروب الأهلية عندما يدرك الجميع عدم إمكانية استمرارها، وهو ما يدفع الجميع للقبول بوقف الحرب، ولكن يبقى هناك طرف أقوى يفرض خياره في الثورة الشعبية عندما تنتصر، تفرض خيارات عامة الناس التي استطاعت أن تحقق الانتصار على منظومة الاستبداد والتبعية، وتنتصر خيارات الثورة على أي خيارات أخرى، ولكن يكون انتصار الثورة، ليس انتصارا بالسلاح.

خيار الثورة الشعبية السلمية، يقلل التكلفة الاجتماعية، أي يحد من الجراح الاجتماعية التي تعقب مراحل التغيير، ولكنه لا يتجنبها بالكامل، وخيار الحرب الأهلية، ينتصر من خلال تعميق الجراح الاجتماعية، بغلبة طرف على آخر في المجتمع.

الإخوان والثورة

الدور المركزي لجماعة الإخوان المسلمين في ثورة الربيع العربي، أدى إلى تعضيد خيار الثورة الشعبية السلمية، خاصة في مصر، كما حمى هذا الخيار بدرجات مختلفة في بقية دول الربيع العربي، مما جعل خيار الثورة الشعبية لا ينكسر.

مع بقاء خيار الثورة الشعبية في مصر، وسط حالة من الحروب الأهلية في دول الربيع العربي الأخرى، تشكل مشهد الربيع العربي، بأنه أساسا ثورة شعبية، تسبب الانقلاب عليها في اندلاع حروب أهلية، ولكن الربيع العربي لم يتحول إلى ثورة حرب أهلية.

قدرة جماعة الإخوان المسلمين على الحفاظ على مسار الثورة السلمية في مصر، وتعظيم دورها وتأثيرها وفاعليتها، يحد من فرص تحول الربيع العربي، إلى مرحلة حروب التغيير الأهلية، مما يحدث توازن بين تطور مسارات الربيع العربي في البلدان المختلفة.

إذا استمرت جماعة الإخوان المسلمين في حماية مسار الثورة الشعبية بنجاح، فإن مشهد الربيع العربي سيصبح مشكلا من عدة معارك، وحروب أهلية، تدور حول مسار الثورة الشعبية الرئيس، حتى تتقدم الثورة الشعبية، بقدر يمكنها من السيطرة على مسار التغيير، وإيقاف الحروب الأهلية.

خيار جماعة الإخوان المسلمين السلمي، يعضد الثورة الشعبية على حساب حروب التغيير الأهلية، وبقدر ما تتمكن الجماعة من تعضيد فاعلية هذا الخيار، يصبح التغيير رهنا بالثورة الشعبية، وليس الحروب الأهلية.

إذا تسبب الخيار السلمي لجماعة الإخوان المسلمين، في تراجع تأثير الحراك الثوري في مصر، أو فقدانه للتأثير، فسوف يتوسع خيار الحرب الأهلية، فنجاح جماعة الإخوان في تعضيد خيار الثورة الشعبية، يعتمد على استمرار وفاعلية الحراك الثوري في مصر خاصة.

*****************

على من يكذب الانقلابيون في مصر ؟!

على الحلواجي- الجزائر

إن الرهان في الصراع المصري صار قائما على مدى إثبات تهمة “ الإرهاب والعنف” في” جماعة الإخوان” أو نفيها، فكل الدماء التي سالت مبررها كذبة “إن هؤلاء يحملون السلاح ويخربون منشآت الدولة والكنائس..”

ويأتي ذلك في التقارير الرسمية المختلفة للسلطة الانقلابية والناطقين باسمها وفي أخبار إعلامها بمختلف وسائله، ويبدو أن هذه الفرية هي عماد الخطة الانقلابية بدليل إغلاق القنوات غير الموالية للانقلابيين وبالذات الإسلامية كخطوة موازية لاختطاف الرئيس المنتخب د.مرسي (فك الله أسره) حتى لا يجد الكذب حواجز مانعة من الانتشار.

وعليه فإن نجاح المؤيدين للشرعية وفي مقدمتهم “جماعة الإخوان” – بالرغم من كل الخسائر البشرية المؤلمة- مرهون بمدى إثبات سلميتهم وإظهارها للعالم، ولهم في ذلك عدة وسائل منها:

- تمسكهم الفعلي وبكل صرامة بخيار السلمية وعدم ردّ الفعل.

- الحرص على تنقية صفوفهم والتحرّز من الأخطاء وفضح الحيل والدسائس.

- شحن خطاباتهم وتكثيف بياناتهم بما يؤكد سلميتهم.

- تسخير أقصى طاقاتهم الإعلامية – صوتا وصورة وكتابة- في إبراز الحجج المفندة للاتهامات الموجهة إليهم والمؤيدة لصدقية خيارهم السلمي.

- تنظيم مختلف النشاطات والفعاليات الفنية والإبداعية وغيرها التي تكرس الانطباع بسلميتهم في الأذهان والتفكير في القيام باللفتات الرمزية التي تخدم هذا الهدف مثل”رفع الأيدي” الذي يفعلونه في المظاهرات..

وحتى التي تصعب على النفس في هذه الظروف مثل ما يقترحه عليهم “أ. الراشد” في كتابه الأخير “الردة عن الحرية” وهو” تعليق الزهور على فوهات بنادق الجيش و على خوذاتهم و صدورهم، وتسليمهم رسائل عاطفية تبدي حبنا لهم كحراس للوطن والشعب “ (ط2 ص66).

- دعوة الجهات القضائية والحقوقية والجمعيات المختصة للتحري والتحقيق والاستعانة بهم في هذا الاتجاه...وغير ذلك من الوسائل المتاحة...

إن كل جهد يبذل في هذا الإطار له أجره كنوع من الجهاد نظرا لأن الهدف الذي يعمل على تحقيقه هو نفسه هدف الجهاد الأصل وهو إحقاق الحق والتمكين للمشروع ؛

كيف لا وإثبات السلمية لمؤيدي الشرعية يعني تجريم الانقلابيين أمام الشعب وأمام العالم كله وبالتالي انهزامهم، وإلا فهم المظلومون وكل ما يفعلونه إنما هو رد فعل مبرر و لا ذنب لهم.. فيحققون بذلك ما يلهفون وراءه من اعتراف الدول و ينالون رضا معظم الشعب فيسحقون معارضيهم.

ولا شك في أن “الإخوان” مدركون لهذه الحقيقة ويعملون في اتجاهها، ولا أدل على ذلك من المقولة المشهورة للمرشد “ سلميتنا أقوى من رصاصهم”.

من هنا يأتي هذا المقال مساهمة في إثبات سلمية “ الإخوان المسلمون” وتأكيدها، وهو في الوقت ذاته تنفيس وتخفيف من الغيظ والشعور بألم الظلم والإهانة والاحتقار ( الحقرة) الذي يحصل في نفوسنا ونفوس كل الأحرار والنزهاء كلما رأينا وسمعنا الكذب الذي يذاع وينشر بكل وقاحة من أجل محاولة إثبات تهمة الإرهاب في “الإخوان” دون مراعاة لأدنى معايير الإنسانية، بالرغم من وضوح الحقائق جلية أمام الجميع، عملا بالنظرية القائلة: “ إن الكذب إذا تكرر بإلحاح يصير قناعة في النفوس وكأنه حقيقة.”

ولابد في البداية من الإشارة إلى أن المعلومات التي ستذكر مهما كانت بسيطة ومعلومة لدى الكثيرين  فأن نشرها وتعميمها وإعادة تداولها بمختلف الوسائل يعدّ من واجبات الوقت، كدعاية إيجابية مضادة بمعلومات صحيحة تمسح كذب الانقلابيين حتى لا يصير قناعات ثابتة في أذهان الناس.

1- من الخصائص المنهجية للجماعة: أول الناطقين بتكذيب الانقلابيين في اتهام “جماعة الإخوان” بالإرهاب هو خصائص الجماعة نفسها، وهو ما يعرفه العام والخاص وما تتميّز به جماعة “الإخوان المسلمين” عن بقية الفصائل الإسلامية الأخرى، ويعرف الجميع أن التخلي عن تلك الخصائص هو من نواقض الانتماء للجماعة، ومن بينها على الأقل: الاعتدال واجتناب استعمال القوة والتدرج.

- الاعتــــدال:  وهو البعد عن التطرف في الاتجاهين ومنه عدم التشدّد في الأحكام والممارسة، ويتصل بهذا المعنى العام للاعتدال الحذر والتحرز من مخالفة النصوص الشرعية ذات الوعيد الشديد وخاصة فيما يتعلق بالدماء وما شابهها؛

فالإخوان المسلمون شديدو الحذر من مثل معنى قوله تعالى: ]..مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [ (المائدة: 32) وقوله ]..وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا.. [( النساء: 93)

ومن مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم “لزوال الدنيا أهون عند الله من دم امرئ مسلم “ ومثله « من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما” وقوله لمن قتل من نطق بالشهادة ظنا منه أنه قالها خوفا من السيف:” كيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “.

وفي آثار مؤسس الجماعة وخلفائه علمائها ومفكريها أكثر مما يحصى ويحصر من أدلة على اعتدالها ويمكن اختصار ذلك وضغطه في عنوان كتاب مشهور للمرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي ـ رحمه الله ـ وهو “دعاة لا قضاة” وفيه ردود على فكر التكفير والهجرة وقتال المسلمين.

- اجتناب استعمال القوة: من خلال الكلام عن الاعتدال عند “الإخوان” تبرز خاصية أخرى فرعية من خصائصهم وهي تبنيهم مع خصومهم وأعدائهم داخل مجتمعهم “مذهب ابن آدم الأول” الذي جاء في القرآن الكريم على لسانه: ]لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ [( المائدة:28) وعليه فهم عاملون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحدث الفتن ويحصل التقاتل بين المسلمين “كن عبد الله المقتول... ولا تكن عبد الله القاتل”

وقد سمعنا هذا الحديث بالذات وما في معناه من كلام يردد على منصة “رابعة” وغيرها على الهواء مباشرة ..لأن ذلك من القناعات الأصيلة في الجماعة التي غرسها فيها المؤسس ـ رحمه الله ـ الذي قال بصراحة ووضوح في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان فرعي “الإخوان والقوة والثورة”:

“... وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها، وإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت على هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح عاجل وعلاج سريع لهذه المشاكل فسيؤدي ذلك حتما إلى ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال وإهمال مرافق الإصلاح”.

- التدرج والمرحلية: من كان العنف واستخدام القوة من منهجه وقناعته لم يكن في مقدوره الصبر والانتظار لتحقيق أهدافه على مراحل بل يعمد لتنفيذ كل شيء في لحظة واحدة مصادما بذلك نواميس الكون.

ولم يكن ذلك أبدا من خصائص “جماعة الإخوان” وإنما كان التدرج وكانت المرحلية من أبرز خصائص منهجهم

و”التدرج والمرحلية” من المفردات السياسية والدعوية التي جرت على ألسنة العامة من الناس الذين تعلموها من “الإخوان” وممثليهم في كل الأقطار من خلال مقولاتهم وأدبياتهم وذلك ثابت في مدوناتهم؛

وقد جاء في رسالة المؤتمر الخامس أيضا كلام مطول حول “ التدرج في الخطوات” ننقل منه ما يخاطب المؤسس به المتحمسين من الإخوان حتى يقتنعوا بضرورة الصبر على المراحل وعدم حرقها بعنوان “مصارحة” حيث يقول:

” إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده. ولست مخالفا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها، إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات...”.

والشاهد في هذا كله أن هذه الخصائص الثلاث وحدها الراسخة والمتأصلة في جماعة الإخوان فكراً وممارسة كافية لتنفي عنهم نفيا قاطعا تهمة الإرهاب وإلا ما بقيت جماعة تسمى “الإخوان المسلمين” لأن انتفاء الخصائص هو انتفاء لما خصصت به من خلال التوثيق المذكور الذي لا يصمد الكذب معه لحظة واحدة.

من التــــــــــاريخ:  قد يقول قائل إن ما سبق ذكره هو مجرد فكر وكلام نظري فحسب أما الفعل في الواقع فهو شيء آخر بيد أن أحداث التاريخ تثبت أن جماعة الإخوان محققة لفكرها على أرض الواقع وعاملة به  بالفعل وثابتة عليه على مر الأيام منذ تأسيسها إلى اليوم رغم المحن التي اعترضتها بسببه سواء من الحكام أم من المتنطعين من داخل صفها أم من الجماعات المخالفة لها في المنهج السلمي الوسطي المعتدل.

ولا يتسع المجال هنا للتوثيق التاريخي النصي بل لسنا في حاجة إليه مادامت الذاكرة الجماعية لعموم المثقفين ـ ومنهم الانقلابيون أنفسهم ـ تحفظ كبريات الأحداث التاريخية التي مرت بها الجماعة.

فبعد عودة “الإخوان” من حرب فلسطين اغتيل المرشد المؤسس (في 12 فبراير 1949) واعتقل العدد الكثير من أعضاء الجماعة ولاسيما رموزها وتوالت الاعتقالات والإعدامات في صفوفهم في مراحل الحكم المتعاقبة وكان ذلك كافيا لكي يجعل الجماعة تعيد النظر في منهجها السلمي وتتحول إلى “مقاومة قتالية” ولكنها لم تفعل.

هذا كله يدّل على أن الإخوان لو كانوا سيحيدون عن السلمية لحادوا أثناء المحن التي مرّت بهم عبر التاريخ، ولكن السلمية خيار راسخ في قناعاتهم  حتى وهم يعانون المحن، وحتى وهم  دون قيادة في الفترة التي عاشوها بلا مرشد للجماعة بعد اغتيال المؤسس – رحمه الله – لمدة ثلاث سنوات.

وقد أثبتت الأيام صحة التوجه الإخواني السلمي المجانب لاستخدام العنف والقوة ولكن الانقلابيين لم يعترفوا لهم بذلك... فهل يجدي نكرانهم وكذبهم شيئا مع كل هذه الحقائق التاريخية.

من العقل السليم والسياسة الحكيمة: ليس من المعقول أبدا ولا من الحكمة السياسية أن تتبني جماعة دعوية سياسية مثل “الإخوان” استعمال القوة والقتال وهي على هذه الحال من الإمكانيات والخصائص

وفي هذه الظروف والأوضاع السياسية والقانونية التي تمنع التسلح ولو افترضنا أن ذلك من منهجها أو كان القتال مشروعا، أي إن المواجهة المسلحة بهذا الشكل  لجيش نظامي مجهز بالعدة والعدد يعني الانتحار‼

والجماعة تدرك جيدا أن ما وصلت إليه من قوة سياسية وانتشار جماهيري ما كانت لتصل إليه لو لم يكن منهجها سلميا يعتمد الصبر والمصابرة والثبات وطول النفس، فهي جماعة ناضجة راشدة ولها من الخبرة والتجارب ومن المفكرين والمنظرين ومن الناصحين المخلصين ما يجعلها بعيدة عن كل رعونة وتهور مما يدل على أن اتهامها بالعنف هراء لا قيمة له ولا معنى ولا يصدقه عاقل‼

ومن الكلام الذي يدل على صحة ما نقول ما قاله مؤسس الجماعة ـ رحمه الله ـ  قديما وهو يتكلم عن استخدام القوة :

"... والثورة أعنف مظاهر القوة، فنظر الإخوان المسلمين إليها أدق وأعمق، وبخاصة في وطن كمصر جرّب  حظه في الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون." (رسالة المؤتمر الخامس)

وحديثا يقول أحد كبار المنظرين لها بعد هذا الانقلاب بالذات: "إنما شرط مواصلة النجاح: الحفاظ على سلمية المظاهرات والنشاط السياسي، وهو ما طلبه فضيلة الأستاذ المرشد وأركان قيادة الدعوة والحلفاء من علماء السلف ورجال الأحزاب، فك الله أسر السجناء منهم، والمفروض أن لا نبالغ في طاعة هذا الخيار فقط، بل أن يوقن الجميع أنه الخيار الوحيد الصائب اللائق لمصر هذه الأيام في هذه المرحلة"

(الراشد ـ الردة عن الحرية ط2 ـ ص 66).

من الواقــــــــع: إن الواقع المعيش هو الميدان الذي يجري فيه كل شيء وبالتالي فهو أقوى شاهد بالأدلة المادية على حقيقة ما يقال.

وبالنظر إلى ما يجري في الواقع نسمع من كذب الانقلابيين العجب العجاب...

لا أظن أننا في حاجة إلى التمثيل لإثبات وجود هذا النوع الفظيع من الكذب  مادام كل الناس يسمعون ويشاهدون يوميا ما لا يحصى ولا يعد منه، ولكن لا بأس بذكر بعض النماذج:

- قالوا: إن “الإخوان” يحملون السلاح والآليات الثقيلة في الميادين.

ويقول الواقع: إن الاعتصامات والمسيرات ظاهرة للجميع وأيادي المتظاهرين فيها مرفوعة إلى الأعلى، ولم ير أحد شيئا مما يقولون عند فض الاعتصامات  وتحرك المسيرات.

-  قالوا: لقد  قتل من الشرطة أعداد كبيرة..

والواقع  يقول: إن إطلاق النار يأتي دائما من جهة واحدة ولا يظهر على فاعليه وجود مواجهة وتبادل له  مع جهة أخرى كما لا يوجد ضحايا بالزي النظامي من بين الأعداد الكثيرة المشاهدة بالزي المدني، والقناصون من فوق العمارات واضحة أزياؤهم.

- قالوا: المحاصرون في مسجد الفتح يحملون السلاح.. ولذلك كان العساكر من خارجه يطلقون النار على أعلى الصومعة بدعوى وجود من يرميهم منها.

والواقع يقول: المحاصرون كانوا في الشارع وهم فارون بأجسادهم احتماء بالمسجد، ولو كان لهم سلاح لاستعملوه من أول الأمر ولم ينتظروا كل ذلك الوقت(24سا). ثم لما خرجوا من المسجد  لم يكن معهم أي سلاح ولم يبق في المسجد شيء.

- قالوا: المتظاهرون أحرقوا الكنائس.

والواقع يقول: الكنائس كانت تحرق وقوات الأمن حاضرة تشاهد فلِمَ لمْ تحمها لو لم يكن الفاعلون موالين لها؟

- قالوا: ابنة محمد البلتاجي لم تمت، وأبوها يتاجر سياسيا بدمها...

فبكى الواقع ولم يقل شيئا لأن الشاهد قد غاب...‼

- قالوا: (بالخط العريض على الصفحة الأولى من صحيفة عريقة): الرئيس الأمريكي “أوباما” عضو في جماعة الإخوان المسلمين..

فضحك الواقع...!!

وعندما يلتقي الضحك والبكاء فتلك هي الفتنة العمياء التي تجعل الحليم حيران..

وكل قارئ له أن يزيد من هذه “المضحكات المبكيات” لأنه قد يعلم من أمثلتها مالا يعلمه الكاتب، وله أن يحكم بصدق الانقلابيين أو بصدق الواقع!.

وبعد  سيل الشواهد الواردة من المحاور السابقة (وهي: خصائص الجماعة، التاريخ، المنطق والحكمة، الواقع)؛ نعرض فيما يلي شواهد المحاور الباقية في موضوعنا قبل مقاربة الإجابة على السؤال المطروح في العنوان.

1ـ من الشعب:

الشعب هو حقل تجربة الانقلاب الظالمة  وهو المستهدف بتنفيذ كل مخططاتها لاسيما الكذب الذي يراد به تحويل الرأي العام لتأييد الانقلاب وقبول الأمر الواقع، ولكن لا يمكن أبدا أن يصدق الشعب ما يقولون.. فكيف يصدق ذو عقل إذا قيل له عن اللون الأبيض أنه أسود وهو ينظر إليه؟! وكيف يصدق الشعب كلاما مخالفا لما يقع أمام عينه فيقال له عن الشيء أنه موجود وهو لا يراه، وعن الفعل قد حدث أمامه وهو لم يحدث؟

كيف يصدق ـ مثلا ـ أحد أفراد الشعب حين يقال له: إن فردا من أسرتك أو أحد جيرانك قد قتل في المساء بسبب أنه “إرهابي يحمل السلاح” وهو يعرفه، في الصباح وطيلة حياته من قبل، أنه لا علاقة له البتة بما يقولون، وقد يكون امرأة وليس رجلا...؟!

وهذا المثال ينطبق على الآلاف بل الملايين من أفراد الشعب، ما دام كل قتيل يعرفه المئات من الأقارب والجيران والزملاء..‼

وكيف يصدق الشعب الذي يعرف جماعة الإخوان منذ ميلادها بخصائصها المنهجية والأخلاقية الراهنة والتاريخية، حين يقال له: إنها صارت حركة إرهابية.. بين عشية وضحاها؟!

إن طبيعة الأشياء ترفض أن يصدّق الشعب شيئا من هذا إلاّ أن تكون طبيعة المجتمع البشري الذي يخاطبه الانقلابيون قد انقلبت هي الأخرى إلى طبيعة غير معتادة‼

ولابد من التنبيه هنا إلى الفرق بين “عدم التصديق” و”التعبير عنه” فعدم التصديق يخضع لقواعد طبيعية، يحدث تلقائيا في الذهن لمجرد سماع ما يخالف الواقع، بينما التعبير عنه يخضع لعوامل مادية ومعنوية أو مصلحية ونفسية فلا يحدث إلا إذا وافقها...

ومن هنا نستطيع الحكم بأن الشعب في قرارة نفوس أفراده لا يصدق تهمة “إرهاب الأخوان”

ولكن مواقفه من “الإخوان” تختلف بين مؤيد ومعارض،

ومن المؤيدين من لا يستطيعون التعبير علناً بالتحرك خوفا من السلطة عن مصالحهم وعن حياتهم خاصة بعد استعمال الرصاص الحي.

ومن المؤكد قطعا أنه لو أتيحت الفرصة للشعب ليعبّر عن تكذيب الانقلابيين فيما يقولون بطريقة أخرى غير التحرك والتظاهر تكون خفية ونزيهة كالاستفتاء أو سبر الآراء ـ مثلا ـ لكانت النتيجة بالأغلبية الساحقة، يقول فيها الشعب كلمة الحق النابعة من الضمير البشري الخالص الذي يرفض الكذب بالفطرة وهي: “لا إرهاب في الإخوان”‼

2ـ من الإعلام:

مهما كثر إعلام الانقلابيين الكاذب فإن الإعلام الحيادي الموضوعي الصادق موجود أيضا بمختلف وسائله وأنواعه، وهذا الأخير هو الغالب بإذن الله لأن “الزبد يذهب جفاء”؛

وأهم معيار للصدق والموضوعية هو عرض الحقائق والوقائع كما هي والسماح لكل طرف بعرض أفكاره بحرية، وهذا ما لا نجده في إعلام الانقلابيين، ودليل الكذب هو الخوف من الحرية ومصادرة الرأي الآخر، ولذلك لا نجد الطرف المؤيد للشرعية يسمح له بالكتابة أو الكلام في منابر الانقلابيين إلا لغرض محدد أو بعد استعمال “المقص”،

ولذلك أيضا كان أول ما بدأ به الانقلابيون هو توقيف بث القنوات التابعة لأصحاب الشرعية ثم ملاحقة ومضايقة القنوات المحايدة  بتهمة “إحداث الفتنة في المجتمع المصري”..

والفتنة عند الانقلابيين هي نقل الصورة أو الخبر أو الرأي الذي لم تنقله وسائل إعلامهم...

الفتنة عندهم ـ مثلا ـ عندما تنقل وسائلهم صورة المسيرة من جانب الرصيف الذي يوجد عليه أفراد قلة متفرقون، وتنقلها وسائل أخرى من وسط حشودها القوية؛ ومثلها عندما تنقل هذه الوسائل صور القناصة واضحة بالزي النظامي فوق البنايات و صور المتظاهرين تحتهم رافعي أيديهم إلى الأعلى، في حين لم تكن وسائلهم الكذابة قد نقلت ذلك.!!

إن وسائل الإعلام عديدة ومتنوعة (سمعية وبصرية ومكتوبة والكترونية..) والتقارير والتحقيقات الموضوعية التي تنشر الحقائق، (لاسيما في المصادر الغربية) كالتي تكلمت بحيادية عن مذبحة “الحرس الجمهوري” ومجزرتي “رابعة والنهضة”، أشهر من أن ينقلها هذا المقال الذي لا يتسع بطبيعته للتوثيق الأكاديمي والملاحق.. وكلها تؤكد أن الإرهاب عند الانقلابيين وليس عند “الإخوان”.

ومن أراد التأكد أكثر من مدى فضح الإعلام لكذب الانقلابيين عليه أن يتأمل في النت المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ليرى كيف أنه إذا توفرت الحرية والتلقائية تظهر الحقائق ويكشف الزيف...‼

ولا نتكلم هنا عن كثرة المؤيدين للشرعية فحسب، حيث يقال إن جهات معينة (ذات صلة بالإشراف على الانترنت) قد ضجّت من كثرة نشر شعارات “رابعة” التي اصفرّت بلونها الصفحات الالكترونية، ولكننا نتكلم بالذات عن تأكيد “سلمية الإخوان” في مختلف الانتاجات الإعلامية التي تصب في اتجاه ما يهدف إليه هذا المقال والتي تقول كلها للانقلابيين بلسان الحال أو بلسان المقال: لا قيمة لكلامكم‼

3ـ ومن أنفسهم أيضا:

إن الكذب واقع من الانقلابيين بالفعل وبلا شك وهم يعرفون أنهم يكذبون، فيتكلمون ولا يصدقون أنفسهم، ويحسون أنهم ليسوا على حق، ولذا تظهر في أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم مالا يخفى عن ذي عقل أنه دليل على كذبهم .. وهذا هو المهم هنا، ومن هذه الأدلة:

التناقض في التصريحات والمواقف:  ومن أمثلته:

- اتهام الإخوان بالتخابر مع حماس مقابل قولهم: الإخوان موالون لأمريكا، و أوباما عضو في جماعة الإخوان !! بمعنى أن أوباما مع حماس ضد إسرائيل !!  .

ـ المزايدة في إدعاء الوطنية بالخوف على الوطن من إرهاب الإخوان مقابل علاقاتهم المفضوحة مع إسرائيل العدو الأكبر للوطن، بالإضافة إلى مدح الإعلام الإسرائيلي لقادة الانقلاب.

• الارتباك والتلعثم:  وذلك يظهر في حينه على وجوه المتكلمين وألسنتهم لا سيما عند التصريحات الكاذبة بعدد القتلى وعدد الأسلحة المضبوطة بحوزة “الإخوان”...

وقد ذكر الإعلام أكثر من مرة وصف “الارتباك” في التعليق عن خطابات قائد الانقلاب؛ ومازال الشباب يتداولون في هواتفهم وعلى صفحات الفيس بوك تلك العبارات المشهورة التي “أيّده” الله بها فأنطق الحق على لسانه حين قال وهو يكرر ويؤكد بالحرف الواحد: «.. هذا أمر لا يرضي الله، والذي لا يرضي الله نحن موجودون معه، ندعمه ونؤيده..» وعلم النفس يقول : “فلتات اللسان تعبّر على اللاشعور”‼..

•  الانشقاق والتردد:  إن الانشقاقات وحالات التردد والتصريحات المتعارضة بين الانقلابيين التي تظهر من حين لآخر أو تتناقلها وسائل الإعلام شاهدة أيضا على علاقاتهم المبنية على الباطل ومنه الكذب وتلفيق التهم للأبرياء بالإرهاب وغيره، الأمر الذي لا يقوى البعض منهم على تحمّله لما في نفوسهم من بقايا قيم بشرية فطرت عليها أو تعودتها في غير هذا الظرف وهذه البيئة، فيكشف أمرهم بالمظاهر المذكورة ..

هذه بعض الدلائل على أن الانقلابيين لا تصدقهم حتى نفوسهم وضمائرهم... وهذا هو عين الفشل والإخفاق ولو بعد حين، لأن أساس النجاح والانتصار يبدأ من داخل النفس حين تؤمن بما تعمل له وتصدق ما تقوله، وأين هذا في حالة الانقلابيين؟!.. (ولعل بعض القراء يضيفون أدلة أخرى في هذا الشأن في تعليقاتهم الالكترونية على الموضوع إثراء وتدعيما له).

4 ـ “وكــفى بــالله شــهيدا”:

على افتراض أن كل الشواهد الدالة على براءة الإخوان صارت غير مقنعة لأن الانقلابيين استطاعوا طمسها بالكذب، فإنهم لا يستطيعون الكذب على الله “علاّم الغيوب” الذي « يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» (غافر:19) ثم إن كذبهم لا يغير من الواقع شيئا وسيبقى الإخوان أبرياء  والله سبحانه وتعالى شاهد على براءتهم “وكفى بالله شهيدا “‼

نعلم أن شهادة الله على أفعال العباد وأقوالهم وتمييز صحيحها من خطئها وصادقها من كذبها أمر لا يظهر للبشر بشكل قطعي لا يختلف فيه اثنان إلا يوم القيامة “يوم تُبلى السرائر” « يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا فَيُنَبِّئهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّه وَنَسُوهُ وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد  »(المجادلة:06) ولكن نعتقد جازمين أيضا أن الله العدل سبحانه وتعالى الذي قال: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»(محمد:7) سيؤيد عباده المؤمنين الصادقين العاملين في سبيله ويفضح الكذابين الظالمين في الدنيا قبل الآخرة، إن عاجلا أو آجلا.

على من يكذب الانقلابيون ؟

هذا هو السؤال المطروح في العنوان والذي يعني: ما هي الفئة البشرية التي يفترض هؤلاء أنها ستصدقهم بعد كل الشواهد المذكور التي تؤكد كذبهم ؟..

ولا بد من التنبيه إلى أن الكلام هنا عن “ التصديق” لا عن “التأييد”. فالتأييد قد يحصل ولو مع عدم التصديق ومع العلم بالكذب، بدافع المصلحة والعصبية أو أي دافع آخر، بمعنى أن المؤيد يدخل في زمرة الانقلابيين أنفسهم الذين لا يهمنا هنا تصديقهم من عدمه ..

فباستثناء هؤلاء وبناء على الشواهد السابق ذكرها فإن “الذي لا يعلم كذب الانقلابيين ويمكن أن يصدقهم” هو الذي لا تتوفر فيه أية صفة من الصفات الآتية:

1- معرفة طبيعة جماعة الإخوان وخصائصها .

2- العلم بتاريخها الذي يؤكد ثبوت هذه الخصائص فيها.

3- استعمال العقل وفقه السياسة التي تسير عليها الجماعة.

4- معايشة الواقع الذي حدثت فيه أحداث الانقلاب وفض الاعتصامات، وتجري فيه المظاهرات حاليا.

5- الاندماج في الشعب (المصري) وعدم العزلة عنه.

6 - متابعة الإعلام الموضوعي الصادق.

7 - معرفة الانقلابيين وسماع كلامهم وملاحظة دلائل الكذب عليهم وعلى تصرفاتهم.

8-  درجة من الإيمان بالله تجعل صاحبه يتحرى الأدلة لتمييز الصدق من الكذب عند الفتن، وتجعله يهتم بأمر المسلمين؛ وتكفي عند غير المؤمن أن يكون حرا من الأحرار ونزيها ليرى الحقائق على طبيعتها.

 فكل من توفرت فيه ولوصفة واحدة من هذه الصفات عُصم من تصديق كذب الانقلابيين، ونكاد نجزم بأنه لا يوجد من يُعدم هذه الصفات جميعها ولا توجد فيه أية واحدة منها ولو بنسبة ضعيفة، ولكن مع ذلك نقترح على المعنيين أنه:

لا بد من العمل على توعية الجماهير أكثر من خلال هذه الصفات الحائلة دون تصديق الانقلابيين واتخاذها محاور عمل ومستهدفات أنشطة دعوية وإعلامية كثيفة بما يناسب كلا منها من آليات لتعميم نشرها بعمق وقوة حتى يبرأ “الإخوان” من تهمة الإرهاب نهائيا إلى أن يقول “ الحجر والشجر”: الانقلابيون كذّابون ǃǃ

« وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » (الروم: 04)

ملاحــظة: تجدر الإشارة إلى أن الكذب والتشويه بالإشاعات وتلفيق التهم هو المنهج المتبع ضد الإسلاميين في كل مكان ولا شك أن هناك مخططات وأجهزة خاصة مأجور أفرادها ومفرغون لهذا الغرض، ودليل هذا ما نعيشه في الواقع و نسمعه ونقرأه في مختلف وسائل الإعلام كلما ذُكر اسم رمز إسلامي، ولننظر – مثلا- إلى صفحات  الفيس بوك، وإلى تعليقات القراء حول مواضيع الصحف، لنعرف الحقيقة ǃǃ وعليه يجب أن يكون المعنيون في مستوى الحدث ويعوا دورهمǃǃ

وبالله التوفيق.

والله أكبر ولله الحمد

وسوم: العدد 698