حرائق الغابات .. وحرائق القلوب!

أذكر أن أحد العلماء سُئل بعد هزيمة 67 الفاجعة :

-         كيف ينتصر اليهود وهم كفرة وننهزم ونحن مسلمون ؟

ابتسم الرجل ابتسامة حزينة ، وقال لسائله :

-         لقد انتصر يهودٌ على يهودٍ !

ويبدو أن السائل لم يفهم الإجابة ، فنظر إلى الشيخ ، وكأنه يريد مزيدا من التوضيح ، فقال له :

-         اليهود المنتصرون رفعوا التوراة، وأخذوا بالأسباب ، وعملوا وتدربوا واستعدوا وهجموا، أما اليهود المهزومون فقد أهملوا القرآن وناموا وغفلوا وانصرفوا إلى الطغيان والملذات والتصريحات الفشنك، فحق عليهم قول ربك!

في أواخر نوفمبر 2016 شبت حرائق ممتدة في غابات فلسطين المحتلة ، واستمرت لبضعة أيام ، مما اضطر اليهود الغزاة إلى الاستغاثة بمجموعة من الدول للمساعدة في عمليات الإطفاء والإنقاذ من بينها مصر والأردن وتركيا وروسيا واليونان ...

الحريق كان مثار اهتمام على المستوى الإقليمي والعالمي، وعلى وجه خاص اهتم المظلومون الفلسطينيون والعرب الذين أضيروا باحتلال اليهود الغزاة القتلة ، وراح المتابعون لوسائل التواصل الاجتماعي يعبّرون عن دواخلهم تجاه من قتلوا ذويهم وأقاربهم وسجنوهم وشرّدوهم وخربوا بيوتهم وقراهم ومدنهم ثم احتلوها بعد أن طردوهم . لقد غمرتهم السعادة لأن عدوهم لحقت به خسائر مادية وعاش في رعب لعدة أيام خوف أن تمتد الحرائق إلى أماكن آهلة بالسكان وأكثر حساسية .

كان من الغريب أن ينهض خدام اليهود ليشنّوا حملة ضارية ضد هؤلاء المتابعين البسطاء ، متهمين إياهم بالشماتة في  العدو ، والشماتة لا تجوز في حق أبناء العم القتلة ! ثم تفتح أبواب الصحف الحكومية وصحف اللصوص الكبار صفحاتها لمندبة طويلة التيلة دفاعا عن اليهود الغزاة القتلة ، وإلقاء الدروس على المتخلفين العرب الذين لا يفقهون أصول الأخوة والإنسانية . مع أن الشماتة في الأعداء القتلة أمر مشروع بنص القرآن الكريم . قال تعالى: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين" (التوبة : 14) .

لم يلتفت اللائمون للمتابعين المكلومين إلى أن التليفزيون المصري نعت قتلى اليهود الغزاة بـ (الشهداء) ، وأن وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية نقلت عن مصدر حكومي أن تقديم مصر مساعدات فنية لدعم عمليات الإطفاء الجارية لإخماد الحرائق التي اندلعت في الكيان الصهيوني، يأتي في إطار تقديم المساعدة في مواجهة الكوارث للحد من آثارها الانسانية، وذلك وفقا للأعراف الدولية ( هذه المساعدات الفنية لم نشاهدها في حرائق العتبة والأزهر مثلا!) . وأن معمما شيوعيا ظهر على إحدى الشاشات قائلا : " اليهود الغزاة ليسوا العدو الأول لنا ، وكنت أتمني أن تكون هذه الحرائق في قلب تركيا وقطر ، وساعتها كنا سنشمت ونكبر ونهلل كمان " ؟!

هؤلاء الذين يتجاهلون الوحشية اليهودية ويتمنون الشماتة بأشقائهم المسلمين الذين لم يقتلوهم ولم يذبحوهم ولم يهجروهم ولم يدمروا بيوتهم ويغتصبوا أرضهم ؛ يحتاجون إلى التذكير ببعض جرائم اليهود الغزاة ،وقد أحصى الأستاذ صلاح الإمام 44 مجزرة قام بها اليهود الغزاة عدا جرائمهم في الحروب التي شنّوها ضد الفلسطينيين والعرب ، نذكر بعضا منها  :

1.مذبحة (دير ياسين) : أبريل 1948 / واستشهد خلالها 254 ، وفر أكثر من 30 ألف مواطن فلسطيني .

2.مذبحة (نصر الدين) : أبريل 1948 / أبيدت القرية بأكملها ولم يبق إلا 40 فلسطيني هم من تمكنوا من الفرار .

3.مذبحة (صالحة) : مايو 1948 / استشهد خلالها 75 مواطنا فلسطينيا .

4.مذبحة (اللد) : يوليو 1948 / استشهد خلالها 250 مواطنا فلسطينيا .

5.مذبحة (الدوايمة) : أكتوبر 1948 / استشهد خلالها أكثر من 250 ، ورموا بالكثير منهم في آبار البلدة أحياء ..

6.ومع نهاية أكتوبر48- تحول 900 ألف فلسطيني إلى لاجئين ، وتم تدمير أكثر من 400 قرية فلسطينية .

7.مذبحة (شرفات) : فبراير 1951 / استشهد فيها 11 شهيدا ، وشرد باقي أهالي القرية .

8.مذبحة (بيت لحم) : يناير 1952 / استشهد فيها 10 شهداء .

9.مذبحة (قلقيلية) : أكتوبر 1952 / دمرت القرية بأكملها وشرد أهلها .

10.مذبحة (قبية) : 24 أكتوبر 1952 / دمر خلالها 56 منزلا ، و استشهد فيها 67 شهيدا .

11.مذبحة (غزة) : فبراير 1955 / استشهد خلالها 26 شهيدا .

12.مذبحة (كفر قاسم) : أكتوبر 1956 / استشهد خلالها 48 شهيدا .

13.مذبحة ( خان يونس) : أكتوبر 1956 / و استشهد فيها أكثر من 100 شهيد .

14.مذبحة ( قرية السموع) : نوفمبر 1956 / و استشهد فيها أكثر من 200 شهيد.

لقد استثمر اليهود القتلة الحرائق في الزعم أنها من تدبير عرب 48 كي يفلتوا من دفع تعويضات للمتضررين ، مع أن العربي لا يحرق نفسه ، وإن كان بعض العرب دفعتهم العاطفة وحب المقاومة إلى المشاركة في ترديد هذا الزعم الذي تنفيه طبيعة الحرائق التي صنعتها قلة الأمطار وجفاف الهواء وهبوب رياح شرقية قوية .

ثم إن القتلة اليهود على وسائل التواصل الاجتماعيّ راحوا يرددون "الموت للعرب" ويُناشدون حكومتهم بحرق القرى العربيّة والمساجد داخل الخّط الأخضر ، وأخذ وزير الأمن الداخليّ يُطالب بهدم بيوت مُضرمي النّار المفترضين ، وأعلن السفاح ليبرمان: "الحرائق مفتعلة وسنرد بتوسيع المستوطنات!".

نسي من يتعاطفون مع حرائق فلسطين المحتلة أن هناك قلوبا تحترق منذ ثمانين عاما ولم تنطفئ حتى الآن . إنها قلوب الآباء والأمهات والزوجات والأبناء والبنات والأشقاء والشقيقات والعمات والخالات التي اشتعلت حزنا على قتل اليهود الغزاة ذويهم بوحشية ، وقهرهم بلا رحمة ، وتعذيبهم بلا شفقة ، واغتصاب بيوتهم وأرضهم ، حيث لم يبق لهم إلا الريح والمطر والصقيع والوطن المستباح ، ولم يتصوروا أن يأتي يوم يعبر فيه القتلة اليهود عبر صفحتهم الرسمية على موقع "فيسبوك " : "باسم الكيان الصهيوني الغاصب حكومة وشعبا نشكر الحكومة المصرية على المساعدات التي قدمتها لدولة الكيان لخمد الحرائق التي نشبت في البلاد ونؤكد دائما وأبدا أن التعاون المستمر يبني الشعوب وأن الصديق دائما وقت الضيق"!

الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: العدد 698