تجديد الخطاب .. والراقصة الشهيدة!

يستغل المخادعون الماكرون حالة السيولة المصطلحية لتمرير أفكار شيطانية تخدم مخططاتهم الوحشية في حربهم الضروس ضد الإسلام ومؤسساته وعلمائه. ومذ قام أعداء الحرية والكرامة بإلقاء إرادة الشعب في صندوق الزبالة وإعلان السيادة لصندوق الذخيرة، راحوا يصطنعون مجموعة من علماء السوء وعباد الدنيا ليروجوا لما يسمى تجديد الخطاب الديني، ويستغلون مراوغة المصطلح ( الخطاب ) ليلقوا في روع العامة أنهم يقصدون أسلوب الدعوة وطريقة الوعظ، بينما يريدون المعنى الأصلي للخطاب وهو المضمون أي تغيير الدين وثوابته وفي مقدمتها الجهاد لرد العدوان والاحتلال. لأن تلك رغبة صليبية يهودية تهدف إلى القضاء تماما على الأمة الإسلامية ودينها ووجودها ..

لم يكن غريبا أن يفتعل أحدهم خصومة غير مفهومة مع عقبة بن نافع أو صلاح الدين الأيوبي أو خالد بن الوليد لأن هؤلاء رموز للجهاد والانتصار وسحق المعتدين من الروم وغيرهم . على شماعة تجديد الخطاب الديني تُعلّق كل خطايا الحكام الفشلة، وتُرفع راية التنصّل من الهزائم العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وتُلقى التهم على عباد الله المسلمين بأنهم سبب الإرهاب والعنف والتخلف.

واقرأ إن شئت ما يقوله أسامة الأزهري في إحدى الندوات بشهر رمضان الماضي عن حاجة المجتمع إلى تجديد الخطاب الديني بوصفه مطلبًا رئيسيًّا لنهضة الأمة، وبخاصةً بعد "التردي الملحوظ في مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية"، حسب تعبيره. هل يدري صاحبنا معنى الخطاب الديني ودلالته الأصلية؟ إنه يرى أنَّ التخلف الحضاري الذي أصاب المجتمع فرض الحاجة الماسة إلى خطاب ديني قوي ومستنير لمعرفة كيفية مواجهة كل هذه الإشكاليات(؟) هل يدرك مولانا المقصود بالاستنارة عند أصحابها الغربيين؟ ثم ماذا يقصد بالإشكاليات ، وهل تعلم في الأزهر الشريف أن هذا الجمع ومفرده من الكلمات الفصيحة أو إنه كان يردد ما يقوله الماركسيون المعادون للإسلام في كتاباتهم المنحرفة؟

 الشيخ أسامة الأزهري له تصريحات عديدة وكثيرة في مجال تجديد الخطاب وكلها تتناغم مع ما يطلبه الانقلاب العسكري الدموي الفاشي ولا تتفق مع صحيح الدين الحنيف، فله مثلا أن يهاجم الإخوان وغيرهم كما شاء، وله أن يتضامن مع آل سعود فيما يسمى محاربة الإرهاب ومنابعه الفكرية ، وله أن يحلم أن مصر ستعود منبرا للعالم (؟)، ولكننا نسأله وهو يحلل عقلية التطرف في ثماني خطوات : هل وضعت يدك على أسباب التطرف الحقيقية ، وهل تستطيع الجهر بها في ظل طموحاتك الدنيوية؟

لن أتطرق إلى ما نسب إليه من حديث الوحي الذي يتنزل على الجنرال "حبيب الله وخليفته في الارض". المتوجه دائما نحو القبلة في كافة قراراته؛ الذي لم ير في حياته حاكما مثله يخاف الله ويدافع عن شرعته، ويطلب من المصريين أن يحافظوا  عليه من الاشرار وأهل الشر في البلاد سواء من الداخل أو من الخارج!

لن أسأله عن قتل الآلاف في الميادين والاغتيال في البيوت والطرقات ، ولن أذكره بمباركته القتلة الذين سفكوا الدماء في رابعة والنهضة ، ودعوته للناس كي يشاركوا في التظاهر ضد الرئيس الشرعي محمد مرسي والانقلاب عليه ، ولكني أساله : هل نحن تحت حكم الشريعة ودماء الأبرياء تسيل أنهارا؟ وهل الشهداء لا يستحقون منه لمسة عطف مثل الكلب الذي صافحه وداعبه؟

أعلم أن الأزهري يقتدي بمفتي العسكر شوقي علام الذي زعم أن مصر تحكمها الشريعة وليس تل أبيب وواشنطن وموسكو. ولكن هل الشريعة تحكمنا مع فقدان العدالة بين المصريين وتوحش الفساد المقنن ولوعة الناس بحثا عن شريط دواء لمريض وكيلو سكر أو حفنة أرز تملأ بطون الصغار؟ هل الشريعة التي تحكمنا هي مثال الخطاب الديني المطلوب؟ إن مفتي العسكر يدلل على وجود الإيمان في مصر بغضب العامة عندما يساء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يهان الدين، ولكن السؤال يبقى قائما هل مصر تحكم بالعدل الذي هو الأساس الأول للشريعة ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى .. ) بينما الظلم يملأ أرجاءها، والقهر يعشش في نواحيها ، والرعب يتسرب في خلايا الشعب المظلوم؟

هل تجديد الخطاب الديني يعني وصف الجنرالات بالأنبياء وتشبيههم بالصحابة وتنزيههم عن الأخطاء والخطايا كما أفتي علماء السوء؟ وهل يتفق التجديد مع اقتحام المساجد وإغلاقها وتوحيد الخطبة وملاحقة المصلين؛ بينما الكنائس تصدح أجراسها ليل نهار ولا تغلق دقيقة واحدة؟

هل تجديد الخطاب الديني يسوّغ إنفاق ما يزيد عن مائة مليون جنيه من عرق الفقراء والمحرومين في خطب وندوات لتغيير ثوابت الإسلام واتهام كل متدين بالظلامية والرجعية والتشدد والتطرف؟ هل يفعل الصليبيون واليهود ذلك مع من يصفونهم هناك باليمين المتطرف؟ وهل التجديد يعني تحليل سماع الأغاني الشعرية وتحريم الأغاني الدينية كما أفتى السيد مجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي العسكر؟

هل التجديد يكون بمشاهدة الراقصات في التلفزيون كما أخبرتنا  مفتية الانقلاب بالأمر الواقع آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، حين قالت: "لو شعر الإنسان أن نظراته للراقصة تؤذيه نفسيًا أو غير ذلك فلا حرج أن ينسحب أما إذا سعد لتواجده فلا حرج أن يكمل مشاهدته للفيلم". ووضحت: "لو الراقصة بترقص في مضمون الفيلم مفيش مشكلة، ومفيش فيلم بيخلى من الرقص والغناء"؟ وما رأيكم في التجديد الذي يرى أن "الراقصة شهيدة" وضرورة "تطليق الزوجة الإخوانية" و"إلغاء الأذان في مكبرات الصوت؟

هل نحن أمة تمضي في طريق السلامة أم تسير في طريق الندامة ؟ هل الدين الحنيف هو العقبة في سبيل تقدمنا وإصلاح أحوالنا وبناء مستقبلنا وتوحيد أمتنا، أم الاستبداد والظلم والفساد والفشل العظيم؟

كان الأمر غريبا أن يتولى الشيوعيون وأشباههم من خدام اليهود والبيادة مسألة تجديد الخطاب الديني الإسلامي – لا أحد يشير إلى الخطاب المسيحي أو اليهودي أبدا- ولكن الأغرب أن تتولى بعض العمائم الموالية للعسكر الاستجابة للرغبة الشريرة في هدم ثوابت الدين بدلا من الوقوف ضد هذه الرغبة ومقاومتها بالعلم والفكر والمنطق السديد! كيف يسمحون لترويج مقولة إن المسلمين يعتدون على العالم ويمثلون الإرهاب الذي تجب مقاومته؟

لاريب أن هناك من علماء الدين من يرفض تلك الدعوة الخبيثة التي تستغل سيولة المصطلحات لتمريرها والترويج لها. وهؤلاء يحاولون في حدود إمكاناتهم الدفاع عن الإسلام، ولكن صوتهم يضيع في زحمة الضجيج الذي يحدثه علماء السلطان وفقهاء الشيطان!

الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم. 

وسوم: العدد 703