كيف سخرت إيران أمريكا في العراق وروسيا في سوريا

سؤال محير كيف تمكنت إيران من تسخير الجيش الأمريكي لتحقيق أهدافها باحتلال العراق عام 2003 ، فقضت على جيش العراق وأسقطت صدام حسين، بعد أن عجزت إيران وحدها عن الانتصار عليه طوال حرب معه دامت ثماني سنوات من عام 1980 ولغاية 1988 رغم ادعاء إيران عدائها لأمريكا واعتبارها الشيطان الأكبر؟ وكذلك محير أيضاً كيف تمكنت إيران من تسخير الجيش الروسي لصالحها في سوريا، بعدما عجزت ايران في حربها في القضاء على الثورة السورية طوال ثلاث سنوات متواصلة من بداية 2013 ولغاية 2015 تاريخ التدخل العسكري الروسي في سوريا، فكيف تمكنت إيران من استخدام أكبر جيشين في العالم لتحقيق مآربها؟ كيف تمكنت إيران من تسخير أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي الناتو، وأكبر جيش في حلف وارسو السابق ليكونا أدوات بيدها وفي تحقيق مشاريعها التوسعية في الوطن العربي والمنطقة؟ وكيف قبلت أمريكا وروسيا أن تكونا أدوات في حرب مذهبية طائفية تقودها إيران في المنطقة، في عصر لا يقبل الطائفية؟ وهل حجة محاربة الإرهاب كانت كافية فعلاً لتورط هذه الدول في خدمة المشاريع الإيرانية العدوانية؟  ومن الأسئلة المحيرة أيضاً: هل ستتمكن إيران من خداع روسيا في سوريا، كما فعلت بأمريكا في العراق فأخرجت أمريكا من العراق عام 2011 لتنفرد بحكمه وحدها، عن طريق استخدامها لتنظيم «القاعدة» في مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق وقتل ما يقارب أربعة آلاف جندي أمريكي، وخسارة ما يقارب ترليون دولار من الخزينة الأمريكية؟ فهل ستفعل إيران ذلك بروسيا أيضاً، بعد أن يحقق لها الجيش الروسي قتل الثورة السورية وتصفيتها؟ وإن كان ذلك مستحيلاً، أو أن المؤشرات الميدانية تقول إن روسيا لن تذهب هذا المذهب في سوريا، لأنها لم تأت إلى سوريا لخدمة إيران وإنما للسيطرة على النظام السوري والمليشيات الإيرانية معه، فروسيا جاءت إلى سوريا بعد استسلام إيران، وتستطيع في أي لحظة تهديد الإيرانيين وبشار بتركهما وحدهما لمصيرهما في سوريا، وهما يعرفان عجزهما عن حماية نفسهما في سوريا بدون مساعدة روسية، فإيران تحت الابتزاز الروسي في سوريا وفي وضع قواعد عسكرية في إيران نفسها. ولذا يمكن طرح سؤال يستبطن جواباً، إن كان ما حصل من استخدام إيران الجيش الأمريكي والروسي لصالحها في العراق وسوريا هو ذكاء من القيادة الإيرانية، بل إن كان كذلك فهو ذكاء خارق حتى تُسخر لأهدافها أكبر جيوش العالم، بل حتى تدفعها لإرتكاب جرائم حرب وإبادات بشرية وتحتل دول دون وجه حق؟ كما فعلت أمريكا بالعراق بأكاذيب أسلحة الدمار الشامل، وكما تفعل روسيا اليوم بسوريا بأكاذيب محاربة الارهابيين، بينما ضحيتها من الشعب السوري البريء فقط. بداية لا بد من محاولة فهم العقلية الإيرانية الحاكمة، فهي من حيث الدستور الإيراني والواقع والتصرفات وثقافتها الاعلامية كلها دولة أو قيادة ذات عقلية مذهبية شيعية أولاً، وطائفية ثانياً، فهي مذهبية شيعية عندما أعلنت بأن ثورتها الخمينية ثورة شيعية اثني عشرية بحسب مواد ثابتة بالدستور الإيراني الحالي، ونص الدستور على رفض تعديل هذه المواد أو الغائها، وأما كونها عقلية طائفية، لأنها لا تقبل غير المواطنين الشيعة الاثني عشرية في المناصب الحكومية العليا للدولة، بمن فيهم المواطنون من أهل السنة، بل لا تعترف بحقوقهم المدنية ولا الدينية، رغم كونهم مسلمين، وشاركوا في الثورة الخمينية، وهم أهل البلاد الأصليين، لأن إيران بقيت على المذهب السني عشرة قرون، وتم تشييعها بالإكراه منذ أربعة قرون تقريبا على يد الدولة الصفوية، بينما أدخلتها الدولة الخمينية والخامنئية في المرحلة الطائفية بامتياز. من أخطر مكونات الدولة الإيرانية المكون الطائفي، وسبب تمسكها بالطائفية بعد وصول الشيعة إلى السلطة السياسية عام 1979، كونها كانت تناضل باسم المظلومية التاريخية، وادعاء الاستضعاف بين الآخرين، أي أن شيعة إيران عاشوا أو عيشوا أنفسهم بعقلية الأقلية المظلومة عبر التاريخ، وهذا جعلهم يعيشون فكرة الاضطهاد الذي عاشه اليهود في العالم وقلدوه، فعاشوا في بلادهم وكأنهم في الغيتو اليهودي في أوروبا، وخطورة هذه العقلية أنها انطوائية ومتزلفة للأقوى دائما، فهي شبيهة بالعقلية اليهودية التي تتزلف الدولة الأقوى دائما لتجد الحماية لنفسها، فكان اليهود يعتمدون على الإنكليز قبل الحرب العالمية الأولى، ولكنهم تحولوا للحماية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، ولذلك ليس غريبا أن تتحالف الدولة الإيرانية الشيعية الطائفية مع أمريكا، عندما فكرت بمهاجمة صدام حسين عند احتلالها للعراق، ولكنها بعد ان فشلت في تسخير الجيش الأمريكي لضرب الثورة السورية لجأت إلى الجيش الروسي وخدعته بالحرب في سوريا، بأطماع لا تستطيع تأمينها له، كما لم تستطع تأمينها لأمريكا في العراق، لأنها تريد استخدامهما لصالحها وليس العكس. إن العقلية الإيرانية الطائفية لا تستطيع التخلي عن التحالف مع أمريكا، ولولا أنها وضعت أمامها عائقاً كبيرا وهو شعار مواجهة «الاستكبار العالمي» منذ انطلاقتها، وعبأت جماهيرها على عداء الغرب ولو دعاية وإعلاما فقط، لكانت من اكثر الدول صداقة لامريكا، وربما اكثر صداقة من إسرائيل نفسها، ولكنها عاجزة اليوم أمام جمهورها العاطفي التراجع عن هذه الشعارات، وأمريكا تدرك أن إيران لا تعاديها أولاً، وتدرك ايضاً أن إيران لا تملك تهديد أمريكا ولا الغرب، لا في الحاضر ولا في المستقبل، لأن القيادة الإيرانية الشيعية الطائفية تفتقد القدرة على تكوين دولة عالمية قوية، فهي عندما حاولت التوسع اصطدمت أول شيء بالأمة الإسلامية التي كان من المفترض أن تتعاون معها، ولكنها عادتها وقاتلتها ودمرت بلادها، وقرارات منظمة التعاون الاسلامي الأخيرة دليل على ذلك، وهذا عجز في قدرتها على القيادة العالمية، ولولا التسهيلات الأمريكية والروسية لما خرجت المليشيات الإيرانية من حدودها الجغرافية الايرانية والعراقية واللبنانية وغيرها إطلاقاً، وحتى الآن لو رفع عن إيران الدعم الروسي، ولو سمحت أمريكا للشعب العربي في سوريا والعراق امتلاك السلاح الذي يحاربون به إيران، لما بقي جندي إيراني واحد فيها، ولقبع قاسم سليماني في إيران ولما خرج منها إطلاقاً، وهذا قابل للحصول في أي لحظة تتغير فيها المعادلات الدولية الراهنة، فإيران بذاتها ليست قوة عسكرية، وإن كانت قوة ميليشياوية، ولا تملك قيادة سياسية واعية، بدليل سقوطها المعنوي والأخلاقي أمام الأمة الإسلامية اليوم، فعجزها هو في منهج تفكيرها الطائفي. هذه العقلية الإيرانية الطائفية وجدت فيها أمريكا قابلية للاستخدام، وبالأخص لتحقيق فكرة الفوضى الخلاقة في العالم العربي تحديداً، أي ان المسألة ليست مسألة ذكاء من القيادة الإيرانية، وإنما هي تنازلت عن مشروعها النووي الوهمي مع أمريكا والغرب مقابل السماح لها بالتمدد الجغرافي في البلاد العربية عسى أن تتمكن من نشر مذهبها الطائفي بموافقة وتأييد أمريكي وغربي، وبالأخص أنها بذلت جهودا مضنية لإثبات ان المذهب السني يحمل بذور الارهاب في عقائده وفكره ومذاهبه الفقهية، وهو ما دفع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون إجراء دراسات حول جذور العنف والارهاب في فكر اهل السنة بحسب التشويه الايراني الطائفي، وعلى أساس الدعاية الايرانية من أن فكر أهل السنة فكر ارهابي تتدخل امريكا في السياسات التعليمية والاعلامية في البلاد العربية، وتضع السياسات التعليمية فيها مقابل مساعدات اقتصادية وغيرها. لقد نجحت إيران في خدمة أمريكا بنشر الفوضى المدمرة، وقتلت من العرب والمسلمين أكثر من أربعة ملايين إنسان في العقدين الماضيين، وشردت أكثر من خمسة عشر مليونا، وكانت نهاية ذلك وصول إيران إلى طريق مسدود في توسعها، دون أن تتمكن من السيطرة والهيمنة على العراق أو سوريا أو اليمن، وكل ما تستطيعه الآن هو مواصلة إطلاق النار والقتل التدمير فقط، ومنذ سنتين أخذت إيران تستخدم العناصر العربية والأفغانية الشيعية في القتال، وتسحب عناصرها الفارسية الايرانية، وبالأخص كبار الضباط والجنرالات، أي أن القيادة الإيرانية أصبحت تدرك الآن أنها متورطة في قتل شعبها وقتل المسلمين في العراق وسوريا، وأن أمريكا وروسيا لم يكونا من الغباء، بحيث تأتي جيوشهما إلى احتلال العراق وسوريا خدمة لإيران، أو تسليم إيران البلاد العربية على طبق من ذهب، ولئن جاز ان يقال ذلك عن الجيش الأمريكي في العراق بدرجة ما، فإن الجيش الروسي قام بتهديد المليشيات الإيرانية بالقصف إذا عارضت الأوامر الروسية، كما حصل يوم 15/12/2016 لتنفيذ اتفاق روسيا مع المعارضة السورية لرحيل المدنيين من حلب، أي أن روسيا لن تنسحب من سوريا لصالح إيران، لأن روسيا جاءت بعد استسلام ايران في سوريا وليس وهي منتصرة فيها، فإيران دخلت الحرب في العراق لتحصد نتائج الاحتلال الأمريكي في العراق، ولكنها أكثر عجزا من أمريكا لتحصد نتائج حربها في العراق، بينما روسيا دخلت سوريا لتحصد نتائج الحرب الإيرانية وهي قادرة، أي روسيا، أن تحصد نتائج حرب إيران في سوريا، وبذلك تخرج إيران خاسرة في النهاية في العراق وسوريا سياسيا، فهي لن تستطيع التمدد السياسي ولا الاستقرار فيه، بينما تستطيع ان تواصل استنزاف شعبها واقتصادها في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرها، ولكن لصالح القوى الغربية والروسية فقط، لأن أمريكا لن تسمح لها أن تكون قوة إقليمية في المنطقة، وبالتالي فإن إيران أخطأت في سياستها التوسعية في العراق وسوريا ولبنان، وهي الآن في حالة مأزق عسكري واقتصادي وسياسي كبير داخل بلادها، لأنها خرجت لتبتلع جسما أكبر من حجمها، وليس أمامها إلا محاولة العودة إلى الانطوائية المذهبية والجغرافية في بلادها، فهذا قدرها رغما عنها.

وسوم: العدد 703