مِنْ لِعْبَةِ الأُمَمِ إلَى عَرْبَدَةِ الأُمَمِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

من امثالنا العريقة"من عنترك يا عنتر..؟قال:ما لقيت حَدْ يصدني"وفي القرن التاسع عشر"تحدث أحد أبرز رموز الفكر النيّر الأستاذ عبد الرحمن الكواكبي يرحمه الله تعالى عن "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"وفي القرن العشرين تحدث المفكر المتألق الأستاذ مالك بن نبي يرحمه الله تعالى عن"القابلية للاستعمار"وقلت سابقاً:"أنَّ أقوال وأفعال بعض المسلمين ربما تكون أخطر على أنفسهم من تآمر المتآمرين"والله تعالي يقول للناس:"قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ"وتحدثت في رسالة سابقة عن(عربدة الأمم) في سياق تَذكّرِ مأساة"لعبة الأمم"وهي عنوان كتاب مايلز كوبلاندMiles) Copeland)وهو ضابط مخابرات وجاسوس أمريكي اشتهر به..وقد فضح في كتابه هذا خطط وزارة الخارجية الأمريكية والبينتاغون الأمريكي ووكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية(CIA)من أجل إضعاف العالم العربي والإسلامي..وتفتيت بلدانهم لصالح التمكين للكيان الإسرائيلي وغيره من الكيانات التي تتطلع الأقليات الدينية والطائفية والقومية في المنطقة لإقامتها على حساب وحدة ومكانة الأمة العربية والإسلامية..ومن أخطر ما جاء في الكتاب قول مايلز كوبلاند:"لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر يشتمنا ويهددنا من شرفة قصر القبة في القاهرة..ونحن في الدور المباشر تحت الشرفة نرسم له الخطط والتوجيهات لإنفاذ ما نريده بالمنطقة ومستقبلها السياسي والأمني..؟؟؟!!!وبهذا تستطيع أن تفهم حقيقة الشعارات الرنانة التي تطلقها إيران الفارسية:"الله أكبر..الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة لليهود..النصر للإسلام"أنا لست مع ظاهرة هوس التفسير التآمري المطلق للأحداث..ولكنني بنفس الوقت لست ممن يتغافلون أو يتجاهلون فعل المؤامرة والتآمر..فالمؤامرة موجودة وهي فاعلة في صناعة أحداث التدافع السياسي بين الأمم..والوعي واليقظة والاستعداد والمهارة من مقومات التآمر المضاد في ساحات القتال والتدافع..أما الجهل والغفلة واللامبالاة والتخلف وعدم الاستعداد والاعتماد على الآخر..فذاك بكل تأكيد من ميسرات تآمر المتآمرين وتحقيق مطامع المستبدين والمستعمرين..وهذا ما عبر عنه مالك بن نبي بعبارة:"القابلية للاستعمار"وقديماً قيل:"المال السايب يشجع الحرامي على السرقة".قال لي أحدهم:ما هو دليلك على أن ما تسميه"عربدة الأمم"هو استكمال للعبة الأمم..؟قلت:وهل أنت مقتنع بوجود لعبة الأمم..؟قال:إلى حدٍ كبير..!قلت:لِمَ الدليل إذاً..؟قال:ليطمئن قلبي..قلت:ليس في السياسة يقين تطمئن له القلوب..فالعمل السياسي يقوم على إتقان فن الممكن..ويتألق بإتقان فنون المهارات..وما أسميه (العربدة السياسية) قوامها اليوم منظومة مهارات تُمارس وتُؤدى تحت مظلة ما يُسمى(الفوضى الخلاقة)مما يجعل الشعوب والأمم على العموم فاقدة الوعي أو تكاد تجاه هول ما يُراد بها ويُمارس ضدها تحت طرقات تكنولوجيا فنون المهارات السياسية..أما الاطمئنان الذي تريده فابحث عنه إن شئت فربما تجده في أطنان الوثائق التي نشرها ويكيليكس وهي منظمة دولية تنشر تقارير سرية من مصادر صحفية وتسريبات إخبارية مجهولة..وتدعي أن لديها قاعدة بيانات لأكثر من 1.2مليون وثيقة للأحداث في حياة الأمم..مما لا تتسع هذه المقالة للخوض في تفاصيلها وتضاريسها المعقدة..ومن جهة أخرى عليك أن تعلم أن من دهاء المتآمرين أنهم يعمدون إلى نشر وثائق تآمرهم القديم بعد أن تبلى وتصبح منتهية المفعول مع تشويه بعض حقائقها وطمس بعضها الآخر..وذلك بقصد إثارة نوع من جدلية التشكيك بشأنها بين أبناء وأحفاد ضحايا مؤامراتهم السابقة..وتركهم حيارى يلهثون وراء فهم ما أصابهم من تآمر قديم..بينما المتآمر يكون قد غادره إلى تآمر جديد مطور وفق خطط ومكايد جديدة..تحسين مهارات تآمره يُعربد في ساحات اللعب التآمري من غير حسيب ولا رقيب..!وعليك أن تعلم كذلك أن مثل هذا الفن في الربط بين القديم والجديد من التآمر لا يدركه ولا يقدر على اكتشافه إلا أهل الدراية والخبرة لقوله تعالى:"وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ"أجل يا أخي..إنَّ الفرق لكبيرٌ وكبيرٌ جداً بين من يلهثُ وراءَ الحدثِ وبين من يَصنعه ويقطفُ ثمارهَ.     

وسوم: العدد 715