دور العالم في ضبط مسار الحاكم... تجنيد علماء الدين في السياسة يؤدي إلى الإستبداد وضياع الشعوب

الشيخ هاشم منقارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اثْنَانِ مِنَ النَّاسِ إِذَا صَلَحَا صَلَحَ النَّاسُ ، وَإِذَا فَسَدَا فَسَدَ النَّاسُ : الْعُلَمَاءُ وَالأُمَرَاءُ ".

تؤشر بوصلة فلسطين إلى خيارين متوازيين أحدهما يتجه نحو القدس وآخر نحو ( تل أبيب) الأول مقاوم يسير بخطى ثابتة شامخة بالعزة والكرامة والإنتصارات وآخر أطلق عليه زوراً مساراً للسلام وهو بحقيقته مسار إستسلام وتبعية ليس إلا.

في عمق المسألة نرى أن الأول كان فيه العلماء في مقدمة الركب القيادي وفي الثاني استلحق فيه العلماء بالملوك والرؤساء والإمراء،وهذا يدفعنا للحديث عن العلاقة الجدلية الثنائية وضرورة أن يكون العلماء في قيادة قضايا الأمة قبل الملوك والرؤساء والإمراء.

لا سيما أن حديث التطبيع مع العدو اصبح جهاراً نهارا واضحت الشعارات المقززة وكأنها شيئاً مالوفاً على سبيل العد لا الحصر أمثال: "السعودية وإسرائيل.. 'إيران عدو مشترك" حوار بين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ووسيلة إعلام عربية. تصريحات غادي إيزنكوت لموقع يملكه رجل أعمال وصحافي سعودي أثار تكهنات حول ما إذا كان يعني تقاربا قد يصل حد التطبيع بين البلدين.

الأزمات في سورية ولبنان، والتهديد الإيراني لبلاده والمنطقة وكذلك التقارب مع السعودية، مواضيع ناقشها المسؤول العسكري الإسرائيلي في حواره مع "إيلاف"،الذي أشار إلى أن المملكة الخليجية وإسرائيل قد تجتمعان على "عدو مشترك".

إيزنكوت دعا إلى تشكيل تحالف دولي في مواجهة إيران، معلنا استعداد بلاده للتعاون الإستخباراتي مع الدول العربية "المعتدلة" بما فيها السعودية.

ويقول المحلل السياسي الأميركي المختص بالشأن الخليجي ثيودور كاراسيك إن "العلاقات الإسرائيلية السعودية تبدأ في الوقت الحالي بالتوسع العلني".

ويشير كاراسيك في حديثه لـ"موقع الحرة" إلى أن مسؤولين استخباراتيين إسرائيليين وعرباً يعقدون منذ سنوات إجتماعات دورية للنقاش وتبادل المعلومات، "في أعقاب الربيع العربي وظهور تنظيم داعش".

ويضيف كاراسيك أن "هذه الحقيقية غير المعروفة على نطاق واسع تساعد في فهم التقارب الرسمي العلني (بين السعودية وإسرائيل) وعروض تبادل المعلومات حول إيران ووكلائها".

وكان إيزنكوت قد أبدى استعداد بلاده "لتبادل الخبرات مع الدول العربية (المعتدلة) وتبادل المعلومات الإستخباراتية لمواجهة ايران".

ويوضح كاراسيك أن "تبادل المعلومات الإستخباراتية مهم لبدء هجوم غير حركي على حزب الله، وبالتالي تظهر ملامح علاقات علنية في صورة تمهيد لحلف ناتو عربي".

الأخطر من ذلك  مسؤول إسرائيلي يدعو مفتي السعودية لزيارة إسرائيل،حيث وجه أيوب قرا، وزير الاتصالات الصهيوني، دعوة إلى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مفتي المملكة العربية السعودية، لزيارة تل أبيب، وذلك في تغريدة على حسابه في تويتر أمس الاثنين.

وقال الوزير الإسرائيلي في تغريدته إنه يبارك للمفتي العام ورئيس هيئة العلماء السعودية عبد العزيز آل الشيخ فتواه ضد الحرب وضد قتل اليهود، وقولَه إن حماس منظمة إرهابية تضر الفلسطينيين، وإن كلَّ مظاهرات الأقصى دعاية رخيصة.

ودعا الوزير الإسرائيلي مفتي السعودية لزيارة إسرائيل قائلا إنهم سيستقبلونه “بحفاوة”.

وقد نسب إلى المفتي آل الشيخ  أنه قد أفتى بعدم جواز القتال ضد إسرائيل وإمكانية التعاون مع الجيش الإسرائيلي للقضاء على حزب الله في إجابته عن سؤال أحد المتصلين بشأن الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى في شهر يوليوز الماضي خلال مشاركته في برنامج على قناة محلية.

تغيرات مثيرة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ويبدو أن المحرك الإقليمي الأبرز لهذه التغيرات هو القيادة السعودية الجديدة بالتعاون مع الرئيس الأمريكي ترامب. والعلاقة مع إسرائيل هي محور التغيير المحتمل القادم في الشرق الأوسط.

وراجت مؤخراً الكثير من الفرضيات والإشارات إلى قرب التوصل لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلى أساسه سيكون هناك تطبيع كامل بين الدول العربية والإسلامية وإسرائيل.السعودي  انور عشقي ، الذي زار إسرائيل مؤخراً، يقول إن "المملكة ستتجه للتطبيع مع إسرائيل بعد تطبيق المبادرة العربية".

المغرد الشهير على تويتر مجتهد أشار إلى أن ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، يريد تهيئة الشارع السعودي لأي اتفاق محتمل مع إسرائيل: ويمتد التعاون بين الجانبين إلى المجال الإقتصادي أيضاً، بحسب إيلي نيسان، الذي أشار إلى احتمالية فتح السعودية مجالها الجوي قريباً أمام الطيران المدني الإسرائيلي.

أن الله سبحانه قد أمر في كتابه بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولى الأمر من المؤمنين، كما قال تعالى‏:‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأولى الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ ‏‏‏‏.

وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه، وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام،فلهذا كان أولوا الأمر صنفين‏: العلماء – والأمراء.

العلماءُ هم حفظةُ العلم ونقلته، وهم الأدلَّاءُ على طريق الله، ولذلك عظَّم الله فضلهم، وأجزل لهم الثوابَ والعطاءَ في الدنيا والآخرة، ووصفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنهم الورثةُ لعلوم الأنبياء، فبيَّن أَنَّ «الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ» الذي به يَصلحُ أمرُ الدنيا ويُنالُ به نعيم الآخرة. فهذا العلمُ هو الميراثُ الذي أصابَهُ أهلُ العلمِ وطلَّابه، فأنعم به من ميراث، وأكرم بتحصيله من منقبةٍ وفضلٍ، فالعلماءُ هم أئمةُ الناسِ بعد الأنبياءِ، وهم أحقُ الناسِ بالطاعةِ بعد طاعته سبحانه وطاعةِ رسلهِ وأنبيائهِ عليهم صلوات اللهِ وسلامهِ. فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، رضًا بما يصنع، وإنَّ العالِم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنَّ فضل العالِم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارًا، ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر».

لهذا كان للعلماء دورٌ عظيمٌ في تثبيت قلوب المسلمين، وجمع صفَّهم، وبثِّ الهدوء والطمأنينة في روعهم، سيَّما في أزمان الفتن، وأوقات الهرج، فللعلماء دورٌ كبيرٌ في توضيح ما أُشِكل على الناس، وردِّ مُخطئهم، وانْتشال من وقع منهم في الفتنة والغي والبغي، وليس لأحد من غير العلماء القدرة على هذا الأمر؛ لما يميزهم من فضيلة "الوراثة لعلم النبوة" بما تتضمنه من صفاء العلم وسلامته وصلته بمعين النبوة الصافي وهذا الدورُ لم يكن ليقتصر على مظهرٍ واحدٍ، وإنَّما تنوع بتنوع الفتن، فإن كانت الفتنة فتنة قتالٍ وحروبٍ وهرجٍ ومرجٍ، خرجَ العلماءُ منتصرين لفسطاط الحق، مبصِّرين الناس بصاحب الحق، والواجب علي الأمة حيال هذه الفتنة، وإن كانت الفتنة فتنة مالٍ نرى العلماءَ أبعد الناس عنها، زاهدين في عطايا الملوك وهِباتهم، وكل ما له صلة بهم، وهكذا الحال تجاه كل فتنة تعرض على المسلمين،غير أن أشدَّ الفتن إهلاكًا للمسلمين على مرِّ تاريخهم كانت فتنة الحكم، لهذا جاءتْ النصوصُ المحذرة من تولي المناصب، سيَّما منصبي القضاء والولاية، وكثر تحذير العلماء بعضهم البعض من الدخول على الحكّام والرضا بمجالسهم، أو قبول مناصبهم وتولي أعمالهم. وتبعًا لذلك كثرت النصوص المحذرةُ من علماء السلاطين، والداعيةُ العلماء إلى تركِ مجالسةِ الحكامِ في غير حاجة، لما للملك والملوك من فتنةٍ وهذا الأمر ليس على إطلاقه، وإنَّما يتقيد، بمدى صلاح العالِم وصبره على فتنة السلطان، والغاية من الدخول عليه، كما يرتبط بصلاح السلطان وعدله وورعه.

للعلماء دورٌ مهمٌ في ضبط مسار الحاكم، ومراقبة أحكامه وما يصدر عنه من قرارات، وما يصدره من أحكام وآراء، بحيث لا تَخْرج عن النسق المشروع، ولهذا ما ضلَّ حاكم سمع لأهل المشورة من العلماء المخلصين، وما سدَّد الله خطى من أهان العلم واضطهد أهله، ونحَّاهم عن مجالسه، أو قرَّب من لا خلاقَ لهم ممن باعُوا ضمائرهم، وتهاونُوا وتساهلُوا، ورضُوا بعيش الحكامِ، وأكلُوا من طعامهم، واستحلُوا جوائزهم.

ولهذا جاء التحذير النبوي من الدخول على الأمراء وأهل الحكم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولستُ منه، وليس بواردٍ عليَّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يُصدِّقهم بكذبهم، فهو مِنّي، وأنا منه، وهو واردٌ عليَّ الحوض» (سنن الترمذي: (4/525/2259)، مسند أحمد: [3/24/11208]).

أن جور الحكام بسبب ما يحدثه الناس من ذنوب ومعاصي، وإن من أهم أسباب دفع الجور والظلم هو الرجوع إلى الله

إن اختلاف الدول بين بعضهم أمر طبيعي فمن الطبيعي أن تنشب حرب بين دولتين وبعد فترة من الزمن يقوم الصلح بينهما، لكن الأخطر في الأمر أن يتم تجنيد علماء الدين في هذا الصراع. إن تجنيد علماء الدين في السياسة لهو مؤشر يحمل دلالات خطيرة تؤدي إلى استبداد الساسة وضياع الشعوب فالعالم هو الممثل الشرعي للدين وهو يصدر أحكاماً عن رب العالمين وأحكامه تكون محل ثقة عند الناس، ولكن عندما يلعب الساسة بعلماء الدين فإن هؤلاء العلماء يتحولون إلى ممثلين عن ساستهم فيصدرون أحكاما ويصبغونها بالشرعية ويخدعون الشعوب بأنها صادرة عن الله.

عندما يلعب الساسة بعلماء الدين يصبح التكفير والتفسيق أمرا سياسيا وليس حكماً شرعيا صادرا باسم الشرع فيكفرون ويفسقون حسب المواقف السياسية وليس حسب الأحكام الشرعية.

إن علماء الدين ينبغي أن يكونوا مؤثرين في الملوك والقادة لا متأثرين بهم، وعندما يشعر الساسة بوجود علماء ربانيين صادقين يراقبون تصرفاتهم وأعمالهم فلن يجرؤوا على القيام بأعمال استبدادية مجنونة تهلك البلاد والعباد لأنهم يعلمون أن أفعالهم وحركاتهم محسوبة عليهم وسيحاسبون عنها، ولكن عندما يغفل العلماء عن هذه المهمة الشريفة وهي مهمة الرقابة ويتحولون إلى لعبة بيد ملوكهم وساساتهم عندها سيستبد الملك باسم الشرع وستكون العاقبة وخيمة على الملك والعالم والشعب، ولذلك كان من أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فضيلة الشيخ هاشم منقارة (رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الإسلامي عضو جبهة العمل الإسلامي وإتحاد علماء بلاد الشام)

وسوم: العدد 748