الإنسان والشكوى..

بنعيسى احسينات /المغرب

[email protected]

نحن بنو الإنسان، لا نتوقف عن الشكوى..

في الضراء، كما في السراء، على حد سوى..

أجل، فمن طباع البشر، دائم الشكوى والتألم..

مهما انحط قدره، أو علا شأنه بين بني آدم..

يشكو أبدا ودائما، من عدم الرضا والتجهم..

 يشكو عندما يحرمه الزمان من نعم البقاء..

يشكو دوما، ولو على رأسه تاج الأمراء..

يشكو بالفعل، في نعيمه وشقائه على السواء..

يشكو أبدا، مهما كسب في الحياة، ومهما تكبر..

يشكو دوما، مهما طغى ظالما، ومهما تجبر..

ففي جميع الحالات، فهو يشكو حقا، ويتذمر..

وسيبقى الإنسان أصلا، ضعيفا على الدوام..

دائم الضجر، والشكوى، والتألم بين الأنام..

يشتكي بسبب، وبغير سبب طوال الأيام..

فلولا عدم رضاه، لما فارق جنان النعيم..

 بطمع حواء،  ووسوسة الشيطان الرجيم..

وبعصيانه لأوامر خالقه الرحمان الرحيم..

فالشكوى تختلف حقا، فيما بين بني البشر..  

سواء صغر شأنه أو كبر، في مسيرة القدر..

فهي تتلاءم مع وضعه الخاص، بالانتقاء..

فالفقير شكواه أبدا من قلة الحاجة النكراء:

كحاجته إلى عمل، وسكن وماء وكهرباء..

كحاجته إلى طريق، ومستشفى ومدرسة للأبناء..

والغني شكواه دائما وأبدا، من سوء الهضم..

وكذا من الكآبة، ومن الخوف، ومن قلة النوم..

من ضغط دموي، ومن السكري، ومن الأرق.. 

وكذا من السمنة، ومن الوسواس،  ومن القلق..  

همه حقا، جمع الثروة، والعمل على تراكمها..

على حساب سعادته الخاصة، التي يفتقدها..

شكواه دوما من عدم الرضا، على كل حال..

فالسعادة لن تقاس يوما، بما تراكم من الأموال..

فهي بالأحرى  تتجلى غالبا، في راحة البال..

فالفقير بقناعته جد سعيد، في كوخه مع أولاده..

والغني بجشاعته شقي، في قصره مع زوجاته..

فالسعادة لحظات قليلة، يقطفها بنو الإنسان..

تحصل دائما بعد جهد الجد، والكد والحرمان..

لا ثمن لها عند ذوي القلب، والعقل والعرفان..

فهي ومضة سحرية، تفوح عطرا برضا الحال..

لا يدركها إلا القانعون دوما، بالرزق الحلال..

رب فقير قنوع، بات فارغ البطن، وهو سعيد..

والغني بماله الوافر وجاهه، قدره هم وتنكيد..

وبرغم تباعد، مستوى الفقراء عن جل الأغنياء ..

تتباين فقط في الغالب الأعم، في ظاهر الأشياء..

لكن حظهما معا، جد متقاربا، من السعادة والشقاء..

إذا ما نظرنا إليها في الغالب، من باطن الأشياء..

فلو دخل كل منا، طوعا، قلب الآخر، ولو للحظة..

لأشفق عليه نادما، واكتشف خطأ، أحكام مسبقة..

لتخلص يشكل نهائي من الحقد، والحسد والغيرة..

ولوجد نفسه حقا، مخدوعا، وغافلا عن الحقيقة..

فليس في الدنيا نعيم وجحيم، إلا بحكمة المظاهر..

إذ تتساوى الكؤوس، التي يتجرعها بنو البشر..

فإذا الإنسان في الدنيا ابتلاه رب الكون فلحكمة..

لاختبار إيمانه وأفعاله في الحياة بعدل ورحمة..

إنما الدنيا اختبار محق، لإبراز مختلف المواقف..

لا تخضع للمظاهر الخداعة، ولا لصك المخاوف..

 فبالمواقف في الحقيقة، تختلف طبائع النفوس..

تتفاضل بما كسبت، وما تجرعت من الكؤوس..

فلطفا لبني الإنسان التائه، لما تجري به الأدوار..

يشكو دوما ولم يرض غالبا، بما تأتي به الأقدار..

فالحياة، لا تستحق منا كل هذا التكالب والعناء..

ما دمنا سنفارقها حتما، عندما تدق ساعة القضاء..