غابةٌ بِلا بَوّابْ

من وحي كليلة ودمنة

طريف يوسف آغا

[email protected]

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

يُحكى أنَّهُ في سالِفِ الزمانْ

كانتْ هناكَ غابةٌ بِلا بوّابْ

الداخلُ إليها لايَدري أخارِجٌ

ويَهوى حكامُها قَطّعَ الرِقابْ

***

ماكانَ للغابَةِ مَلِكٌ ولكنْ رَئيسْ

لايُصدِرُ الأوامرَ ولايَملكُ أيَّةَ أملاكْ

وقلبهُ كانَ دوماً على أهلِ غابتهِ

إنْ استمعتَ إليهِ وكأنكَ تستمِعُ لِمَلاكْ

***

وكَلَّفَ ضَبٌ بمهمةِ نائبهِ

بالكادِ تسمعهُ وبالكادِ تراهْ

طوبى لغابةٍ للضَبِّ فيها مَنصِبٌ

وإنْ كانَ لايُصدِقُ ذلكَ سِواهْ

***

وكانتْ للغابةِ حكومةٌ ولا كل الحكوماتْ

مِنْ أصحابِ الآذانِ والألسِنَةِ والألقابْ

آذانهُمْ طويلةٌ ولايسمعونْ وألسنتهُمْ أطولُ ولايتكلمونْ

وأطولُ مِنْ هذهِ وتِلكَ مايملكونَ مِنْ أذنابْ

***

وزيرهمْ الفيلُ ابتلعَ قارةً بأكملِها

وقالَ ياإخوانْ هلْ مِنْ مزيد؟

وهوَ كانَ دومَ يُصِرُّ أنَّ الأفيالَ تطيرُ

ثمَ طارَ فعلاً معَ نِظامهِ العتيدْ

***

والوزيرةُ الشوحة صارَ لها مرجوحة

وظنَّتْ أنَّ كثرةَ الزعيقِ سَتُفيدْ

وأنَّها إذا ما قفزتْ في الهَواءِ

سَيُبقي السُكانُ في أيديهمْ سَلاسِلَ الحديدْ

***

وظنَّتِ الخنازيرُ أنَّها إذا ماكذبتْ

ففي النهايةِ سَيُصدقُها الجميعْ

وظنَّ جُرذانُهمْ، ولأنَّهمْ جُرذانٌ

سَتُنجيهمْ مهاراتُهمْ مِنْ طوفانِ ذلكَ الربيعْ

***

طُرِدَ ثُعبانُهمْ مِنْ جامِعَةِ جيرانِهمْ

ونصحوهُ أنْ يَغسِلَ لِسانَهُ بالصابونْ

واستُدعيتْ ثعابينُهمْ في غاباتٍ عظمى

وقيلَ لهمْ "نحنُ لما تفعلونَهُ صاحونْ"

***

كانَ للغابةِ مفتيٌ وشَيخٌ يبدو عليهما الوقارْ

وكِلاهُما مِنْ فصيلةِ البومة

الفتاوى عندهُما كانتْ جاهِزةً بالقِنطارْ

ولكُلِ واحدٍ على رأسِهِ لفةٌ مَبرومة

***

ولمجلسِ الغابةِ اختاروا مجموعةً مِنَ العَلَقْ

لاتعيشُ إلا على مَصِّ الدماءْ

ليسَ لها وجوهٌ ولاحتى مَلامِحْ

وماذا يهمُّ وثمنُ الكرسي الدولارُ والولاءْ؟

***

وأُسنِدَ أمنُ الغابةِ لقِطعانِ الضِباعْ

والكلُ يَعرفُ أنَّ الضِباعَ ماخُلِقتْ لتُحارِبْ

في السِلمِ تمشي خلفَ النمورِ

وفي الحربِ تراها تسبقُ الأرانبْ

***

وما أكثرَ ماكانَ يوجدُ الجرادُ في غابتنا

ماكانَ يتركُ لغيرهِ لاأخضرَ ولايابسْ

واحدٌ مِنها كانَ قرابةَ الرئيسِ فكانتْ

تأتيهِ الحِصَصُ وهوَ على كرسيهِ جالسْ

***

لا أحدَ كانَ يجرؤ ولا حتى على الكلامْ

فنظامُ قريبهِ كانَ على نَفَسِ السُكانِ كابِسْ

ليسَ للجرادِ، كما تعلمونَ، حزبٌ ولادينْ

فالكلُ شَريكٌ والكلُ للشَعبِ ناهبٌ وحابسْ

***

ولكنْ هذا القريبُ كانَ وجهَ البَسطَةِ

فباقي الأقاربْ كانوا مِنْ فصيلةِ العقاربْ

يَنهبونَ ويَسرقونَ كقريبهمْ ولكنْ

القتلُ في قاموسِهمْ فرضٌ وواجبْ

***

وماكانَ أكثر مِنَ الحُمُرِ الوحشيةِ

الذينَ يخلطونَ بينَ الصَهيلِ والنَهيقْ

وهناكَ غرابٌ يدَّعي أنَّهُ حكيمُ أسنانٍ ووطنيةٍ

ولكنهُ يَقِضُّ مَضاجِعَ الغابةِ بالنَعيقْ

وهذا ضِفدعٌ يقولُ أنَّهُ عالِمُ سِياسةٍ

ولكنهُ يملأُ الدنيا ليلَ نهارَ بالنَقيقْ

أما هذهِ فحرباءُ أصبحتْ عجوزاً شَمطاءَ

تبحثُ عنْ عروضٍ بدأتْ أمامَها تضيقْ

***

وما أكثر ماكانَ لغابتنا حلفاءٌ في الخارجِ

وخاصةً مِنْ أصحابِ اللِحى والعَمائِمْ

كانوا يفعلونَ ما تفعلهُ الأفاعي

ويختبئونُ في ريشِ الحَمائِمْ

***

وكانَ يترددُ على الغابةِ دِبٌ عجوزٌ

يَظنُ أنَّهُ مازالَ في سِنِ الشَبابْ

غزا الجَرَبُ ماتبقي عليهِ مِنْ وَبَرٍ

وعلا الصَدأُ مابَقىَ لديهِ مِنْ مَخالِبٍ وأنيابْ

***

وتنينٌ طالما ضيَّقَ قلبَهُ قبلَ عينيهْ

لهُ في اللعبِ بالنارِ مَهاراتٌ ومَواهبْ

ولهُ تاريخٌ حافلٌ بسَفكِ الدماءِ

وإنْ رأيناهُ أحياناً في قُفطانِ راهبْ

***

هذهِ غابةٌ كانتْ ومازالتْ أشبهُ بالكوابيسِ

مَنْ قصدَها فكأنَّهُ لنفسِهِ يُعاقبْ

أرضُها سُجونٌ وأشجارُها مشانقْ

وأمطارُها مِنْ رصاصٍ وريحُها دومَ ناحِبْ