ارحل... قاتل أبي

ارحل... قاتل أبي..!

هند سليم شمالي

ارحل فقد قتلت ذلك الضوء المذاب في الأفق لحظة الغسق ..

و سرقت مني الخدر الناعم الذي يسري مع الدم في عروقي ..!

و قطعت جذع النخلة التي كنت أسند إليها ظهري ..!

ارحل .. فقد تآكل قلبي .. كحيطان الوطن الذي دمرته يداك ...وفقد انتماؤه لأي لون سوى السواد والحزن الكبير!!

ارحل فالخوف في بلادي تمدد ... والدماء تسير في الشوارع حتى نهايات الوداع .. والأشلاء تطايرت أشياؤها فوق الأشياء ..!

ارحل  فالبسمة اختفت عن الشفاه .. وعيوني ما زالت تذرف دموعاً حارقة تلهب الوجنات ..

وفؤاد قلبي من ألمه ذاب ، وفي مرابعه أوقدت اليتم والبكاء ..

لوثت أزهار الربيع .. ويتمت البراعم .. وقتلت ورداً كان يمدنا رحيق الحب والود على حياء ..

ارحل فالوطن لم يكن هادئاً ...

شبابه يشاطرون دوي الصرخات في السجون ... و دمعات الثكالى كما تشاطر الحواري ساكنيها ..!

هتافهم هادراً ... ساخطاً .. متوعداً لك ولكل الذين رسموا الطريق لضياع ذرة تراب من الأرض .. وكل الذين رسموا السدود في طريق الأحرار ... وعرقلوا خطاهم بأوخم العواقب !!

ارحل فالشباب سيقذفون موجات غضبهم .. هائجة .. قوية .. تكنس كل الفساد ... والعملاء .. وتقتحم جدار الصمت .. وجدران أخرى كانت تنز عفونة رجالك ..!

ارحل .. فالوطن قرابينه شيوخ ونساء وأطفال ..! وقلوب ترفع الأكف بالدعاء كلما أهل عليها وجهك المظلم ... اللهم اكفنا شره .. وانتقم منه ..!

ارحل .. فأنا أقول لك .. أبي الذي قتله في سجن ظلمك لم يمت ... إنها إغفاءة صغيرة .. يعقبها ميلاد!

فهذا الوطن عنيداً .. عاقاً .. لا يقيم وزناً لصلوات المنافقين وإن خشعوا !

.. يقتحم صمت المتفرجين .. ويهز جذع الخلاص والتحرير ... وإن تساقط الدماء المعتق أشهرا .. وإن تجلد شبابه بسياط اللوعة والرهبة ..

وطني هذا الذي أعشقه رغم نكباته ...! وطني هذا الذي أعشقه رغم مآسيه وظلم حاكمه ..

ارحل .. فوطني ملتقى الأحرار ... وشريان الحياة الذي يمدنا بالثوار ...

ارحل .. فوطني .. هيجانه مدمر ..! وحدها أشجار الزيتون التي تستطيع أن تقف في وجه العاصفات الثقال ..

وطني .. لم يعد يحوي شباباً ساهماً شارداً .. وطني بعد اليوم حر بشبابه .. عزيز برجاله .. كريم بنسائه وطني كله رجال أبطال ..!

ارحل .. فلن تكون أكثر خوفاً عليه من أولئك الشباب الذي سيجوا حدوده بأجسادهم ..نشروها كأزهارٍ تفوح .. وتوزعوا كمفردات نثرت على صفحات بيضاء يقرأها الفاتحون .

أيها الوطن .. افرد جناحيك اليوم فلا قيود ..

امنع عنهم لفح الظلم وسياط وسدود ..

أيها الوطن .. تمتمات جدي تساقطت من شفتيه المتهالكة .. وعشق الأرض المتوهج في قلبه  دفن معه في قبره وكتب على شاهده ...مقهور ..!

أيها الوطن الحزين ... بعد اليوم لن نكتب إلا قصائد الفرح والعشق الذي لا يستكين ...

أيها الوطن الحزين ... سنقيم مهرجاناً في بيادرنا الخضراء .. وسنغطي بالياسمين كل مساحات القهر والحرمان ..

وسنكتب في فضاء الروح ... الله أكبر ... الله أكبر .. الله أكبر ... عشتِ يا فلسطين ..