شريعة القمح

في البداية 

غيمة بيضاء 

وحيدةُ سمائها وأسمائها

وحيدةُ  النداء

حطَّت على عنقي

حملت أنفاسها إليه

تلمّسته 

واستقرّت في الأنفاس 

الهاربة من خجلها 

الملسوعة بطعم الحب الفاقع

هبطت على غابة الصنوبر 

شمّت ما فاح من أساريرها 

وتمتمت بالسرِّ 

حتى تورّد الخدر

هناك في السرّ 

باست أصابعي العشر 

فانشقّ الصدر عن محارة خرساء 

تأبى على الغيمة إلّا ريعان اللؤلؤ

تفتح قوسين صغيرين 

تحضنه

كي ينضج 

يومها 

( رأيت الله في تلك القبل .. ! )

في البداية 

كان حبيبي عشباً أخضر 

سنبلة

تطعمني حبّات قمحها

حبّة ... حبة

هناك 

منذ ذلك العالم القديم

العالم الذي لا يؤمن إلا بشريعة واحدة 

“ شريعة القمح “ 

هناك

حيث أغاني الرعاة البدائية 

تتفشّى في فضاء البريّة 

مثلما 

جزر من النجوم

تتناثر في الليل السحيق 

ولا تذوي 

هناك

كان حبيبي شلالا ًعتيقاً 

ينهمر في ذاتي الموحشة 

يقرّب نفسي القصيّة

يزرعني في كريّاته الحمراء 

يضمّ قصب ناياته إلى صدري 

يسكنني بحره

طفلة مشاغبة

تنتقي ما تشاء من أسماك قلبه 

تغمس نعناعها بموجه المتلاطم

وتطيّب ريق الوقت 

بعذب السلافة

في البداية 

أنامل غيمة بيضاء 

على مزاجها 

عزفتني 

وزّعت موسيقاها على صدري 

نثرت ريشها لأغادر حدودي صوبها 

هناك 

حيث السماء 

حكايات جديدة 

حيث السراديب 

ذاكرة مخمورة بظل ِّالخائفين 

حيث القلب 

سفينة بلا ميناء  

بحّارتها سكارى دائماً 

هناك 

حيث الأرض 

ميّاسة بكائناتها المتعبة 

والتراب 

ذاك التراب الأحنّ 

صدرٌ نفركه 

فلا تقوّضه الغيبوبة

في البداية 

كنّا شجرة مفزوعة من هذا العالم 

من بقايا الريش الذي غطّانا 

نبتنا 

كما قصيدة جامحة 

كان يسميها التورّط في التنفّس 

وكنت أسميها 

قمراً 

آخذاً بالميلان صوب خرير الماء 

يحضنه 

ليجعل شجر الصنوبر 

أغنيته الأبديّة

في البداية 

كانت الجبال وعرة 

والمدن البعيدة 

قفصاً ضيقاً لا يناسبنا 

ونحن هلالان 

يسطعان من زاويتي الأرض 

شجر التين يشعشع بيننا 

سِفْر الروح كائن معجون بالجوع والعطش 

والصلصال موجع 

كناّ كــ فرسي رهان جامحين 

نركض في كل الاتجاهات 

إلا جهتينا

في البداية 

عرّتنا عوامل التعرية 

الحرب / الريح / المسافة النائية 

سلبتنا اللغة المباغتة 

أكلت الغربة أصابعنا 

شربت لساننا 

يبّستْ خطواتنا

ذبنا في عرينا 

وصرنا محاق

في البداية 

كانت النهاية موجودة 

ونحن .. عماء

وسوم: العدد 700