التفسير الموضوعي ومقاصد القرآن الكريم

أ.د. أحمد حسن فرحات

لا شك أن التفسير الموضوعي وثيق الصلة بمقاصد القرآن، ومن ثم جاء هذا البحث ليبين كيف يمكن لهذا النوع من التفسير أن يسهم في بيان مقاصد القرآن، ويكشف عن طبيعة العلاقة بينهما. ويقتضي البحث- في هذه الدراسة- أن نمهد له بمقدمة تعريفية، نخص كلا من التفسير الموضوعي، ومقاصد القرآن الكريم بكلمة موجزة، تبين المراد بكل منهما.

المراد بالتفسير الموضوعي:

التفسير المو ضوعي : مصطلح حديث، لم يعرف في دراسات السابقين. والمعروف في دراسات السابقين: هو التفسير التحليلي: الذي يتناول كل آية عل حدة، فيتحدث عن جزئيات الآية، من معا ني مفرداتها، وما فيها من إعراب، وقراءات، إلى غير ذلك من التفاصيل...   

– أما التفسير الموضوعي:

-فهو  ينطلق من وحدة الموضوع، الذي يجمع بين آيات قرآنية متعددة، من سور مختلفة.

- أو يركز على موضوع معين، تقوم عليه سورة واحدة . فيجعل من السورة موضوعاً واحداً .

 وهو في كل ذلك يلحظ المعاني، ويستنبط العناصر من النص، ويعقد بينها المو ازا نات والمقارنات ، ثم يعيد تركيبها، لتكون أشبه ببحث مستقل ، مقسم إلى أبواب وفصول، ومباحث، وفقرات. بحيث تقوم فيه الفروع على الأصول، وتندرج فيه الجزئيات تحت الكليات ، وترتبط فيه النتائج  بالأسباب ".

- أما النوع الآخر من التفسير الموضوعي، فهو المتعلق بالمصطلحات القرآنية :

حيث يعمد الدارس إلى المفردات القرآنية، التي أعطاها القرآن دلالة خاصة، من خلال استعماله، بحيث يصح أن يقال : إن لهذه الكلمة، أو الصيغة القرآنية: دلالة محددة، لا يصح أن ينقص منها، أو يزاد عليها .

فيتتبع الدارس هذه المفر دات- في سياقاتها التي وردت فيها ، ويتحدث عن معانيها، اللغوية مبتدئا بأصولها الاشتقاقية ، فمعاني أبنيتها الصرفية ، مبينا الفروق في دلالاتها اللغوية . ثم ينطلق إلى بيان معانيها في الآيات القرآنية، التي وردت فيها، مفرقا بين ما ورد بالمعنى اللغوي، وما ورد فيه بالمعنى

الشر عي . ثم يبين الصلة بين المعاني الشرعية، والمعاني اللغوية . ثم يخرج بمفهوم محدد لهذه المفردات ، وبذلك تنضبط مفهومات القرآن، والتي كثيراً ما يقع الخطأ فيها: لنقص الاستقراء، في تتبع الآيات،

 وبيان دلالتها. وتعتبر هذه المصطلحات: مفاتيح لابد منها، لدراسة القرآن الكريم.  

ولا يقصد بالحديث - هنا-: الحديث عن جزئيات الآية اللفظية، كما هو الحال في التفسير التحليلي، وإنما يتحدث عنها كجزء، موضوعي، يتصل بكلٍّ موضوعي.

ومن هنا: فالمفسر الموضوعي: ينطلق للكلام في المعاني مباشرة، ولا يقف عند الألفاظ وتحليلاتها، إلا إذا كان ذلك ضرورياً للمعنى، الذي هو موضع ا هتمامه .

جذور التفسير الموضوعي في دراسات السابقين:

يمكن أن نجد في دراسات السابقين: ما يصح أن يدخل تحت التفسير المو ضوعي- مع شيء من التجوز- وذلك كدراسة: "ماهية العقل" و"فهم القرآن"-عند الحارث المحاسبي-.

ودراسات الراغب الأصفهاني في كتبه:

 " الذريعة إلى مكارم الشريعة" و "تفصيل النشأتين " و" الاعتقادات"، وأمثال ذلك.

ومثل دراسات الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه: " المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى. وكتابه :

"جواهر القرآن". ودراسات ابن تيمية في: " سنة الله"، ورسالته: " في قنوت الأشياء كلها لله عز وجل " وغير ذلك من الدراسات.

المراد بمقاصد القرآن الكريم:

  ويراد بها الأهداف، والغايات، التي يتوخاها النص القرآني، من خلال ما جاء ت به آياته: من التعريف بعالم الغيب- الذي يؤكد وجود خالق واحد لهذا الكون، هو الله. كما يؤكد وحدا نيته تعالى في أسمائه، وصفاته، و أ فعاله- كما يشمل الإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما فيه من دينونة وجزاء.

كذلك يشمل الكلام التعريف بعالم الشهادة، وما خلق الله فيه من مخلوقات متنوعة، كالجبال والأنهار، و ا لمحيطات والبحار، والكواكب والنجوم، والشموس والأقمار. وما بث في هذا الكون العريض من أنواع الدواب، و صنوف النبات. وجعل ذلك كله مسخرا لخدمة الإنسان، الذي استخلفه في هذه الأرض، ليعمرها بمنهج الله. وأن على هذا الإنسان أن يكون عبدا مطيعا لله تعالى، فيما شرع له من الشرائع،

و أنزل عليه من الأحكام، لتستقيم حياته في هذه الدنيا، وليكون خليقا بجوار ربه في حياته الأخرى...

ولابد أن نشير هنا إلى أن هناك مقاصد كلية للقرآن، تضم تحتها مقاصد فرعية متعددة، كما أن هناك مقاصد جزئية كثيرة، أشارت إليها الآيات الكثيرة. وقد تختلف وجهات النظر عند العلماء والدارسين،

 في تصنيف هذه المقاصد، واعتبار بعضها كليا، وبعضها جزئيا.

من مقاصد القرآن في دراسات السا بقين :

سبق أن أشرنا إلى أن بعض دراسات السابقين تصلح أن تكون جذورا للتفسير الموضوعي، الذي عرف حديثا، وإن لم تكن جاءت تحت هذه التسمية. ومن ثم سنعمد إلى اختصار نموذجين من هذه الدراسات:

- أحدهما للراغب الأصفهاني.

-والآخر لأبي حامد الغزالي.

–كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني:

يعتبر كتاب الّذريعة للراغب من الكتب المهمة، ومما يؤكد هذه الأهمية أن الغزالي كان حريصا على استصحابه معه في سفره لنفاسته.

منزلة العبودية، ومنزلة الخلافة عن الله:

يذكر الراغب في مقدمة الكتاب :  أنه ألف هذا الكتاب، ليكون ذريعة إلى مكارم الشريعة، وبين كيف يصل الإنسان إلى منزلة العبودية، التي جعلها الله تعالى شرفًا للأتقياء. وكيف يترقى عنها، إذا وصلها إلى منزلة الخلافة، التي جعلها اللَّه تعالى شرفا للصديقين، والشهداء. فبالجمع بين أحكام الشرع، ومكارمه علمًا. وإبرازهما عملًا، يكتسب العلى، ويتم التقوى. ويبلغ إلى جنة المأوى.

ثم يذكر الراغب أن الفعل المختص بالإنسان: ثلاثة أشياء: 1 - عمارة الأرض المذكورة، في قوله تعالى: (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[2](56)

وذلك هو الامتثال للباري - عز وجل - في أوامره، ونواهيه. 3 - وخلافته المذكورة في قوله تعالى:

 " وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ"[4]  .

ثم يتحدث الراغب عن :

السياسة التي بها يستحق الإنسان خلافة اللَّه تعالى، فيقول: وقد تقدم أن الخلافة تستحق بالسياسة، وذلك بتحري مكارم الشريعة. والسياسة ضربان: أحدهما: سياسة الإنسان نفسه وبدنه وما يختص به. والثاني: سياسة غيره من ذويه وأهل بلده، ولا يصلح لسياسة غيره من لا يصلح لسياسة نفسه. ولهذا ذم اللَّه تعالى من ترشح لسياسة غيره، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وهو غير مهذب في نفسه، فقال:

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )[6]. وصلح لخلافة اللَّه (تعالى): وصار من الربانيين، والشهداء، والصديقين...........

 ولن يستكمل الإنسان مكارم الشرع، ما لم يقم بوظائف العبادات، فتحري العبادات: من باب العدل. وتحري المكارم: من باب الفضل، والنفل. ولا يقبل: تنفل من أهمل الفرض. ولا تفضل: من ترك العدل.....

وأما عمارة الأرض: فالقيام بما فيه تزجية لحياة الناس، وصلاح معاشهم. والإنسان الواحد: من حيث إنه لم يكف أمر معاشه- بانفراده في مأكله، وملبسه، ومسكنه- ولم يكن له سبيل إلى ثباته، في الدنيا: إلا بما يسد جوعته، ويستر عورته، ويقيه من الحر، والبرد،

لم يكن له بد من تحصيل ذلك، من الوجه المباح له. ولذلك قال تعالى:

(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى .وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى)[8] وبقوله: "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا"[10] .......... ويقوي ذلك ما روي: أن التقوى: لا تسكن إلا قلبا نظيفًا. وإلى الطهارتين، أشار بقوله تعالى:

(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)[12] وقال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)[14]....... وهكذا نرى أن الراغب يوجز المقاصد العامة المختصة بالإنسان: بالعبادة، والعمارة،

والخلافة عن الله.

حول كتاب الذريعة:

سبق أن أشرنا إلى أهمية كتاب الذريعة للراغب الأصفهاني، وأن الإمام الغزالي كان يستصحبه معه في سفره. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الغزالي كان دائم النظر فيه، ولا يستطيع الاستغناء  عنه، لا حضرا، ولا سفرا. ولا شك بأن مثل هذ الكتاب جدير بهذه العناية، وهذا الاهتمام. ومن ثم يجب على الدارسين أن يقر ؤ وه قراءة واعية مستوعبة، وأن لا يمروا على ما فيه مرور الكرام.

وقد لاحظت أن الراغب أثناء حديثه عن الخلافة يكاد يقصر معناها على:

" الاقتداء بالباري سبحانه- على قدر طاقة البشر- في السياسة، باستعمال مكارم الشريعة".

ولعل هذا المعنى هو الذي قصده بقوله في كتابه المفردات:

الخلافة : هي النيابة عن الغير: إما لموته، وإما لعجزه، وإما لغيبته، وإما لتشريف المستخلف. وعلى ذلك استخلف الله أولياءه في الأرض...علما أن هناك أنواعا أخر من الخلافة، كخلافة "الخلائف": التي يراد بها: خلافة الأمم المهلكة. وخلافة " الخلفاء" : التي يراد بها خلافة الأمم الصالحة. فعلى الذين خلفوا المهلكين "الخلائف": أن يخالفوهم . وعلى الذين خلفوا الصالحين "الخلفاء": أن يقتدوا بهم. ومن هنا نقول: خلفاء النبي، ولا نقول :خلائف النبي. وقد بينا هذه الأنواع وغيرها في كتابنا : "الخلافة في الأرض"[16])

ليتم التزكية – وسيأتيك مزيد في توضيح ذلك –.

 وكما أن التزكية لها بداية ونهاية . واتصال بتلاوة الآيات، فكذلك الحكمة لها بداية، ونهاية. تبتدئ ببداءة التزكية ، وتتم بتمامها .

-فتلاوة الآيات: تمهيد لما يتبع، من التزكية، والتعليم .

-         وتعليم أصول الدين: خطوة أولى، للتزكية.

-         وتعليم الأحكام: هو الخطوة الثانية لها .

-         وتعليم الحكمة: هو الخطوة الثالثة لها .

-          وبه تمام التزكية، التي تحصل بالعلم، والعمل في هذه الحياة .

فبحسب مناسبة هذه الأمور الأربع، جعل ترتيب الأبواب الأربع :

فالباب الأول : في تلاوة الآيات البينة، والدلائل الواضحة، على إثبات هذه الرسالة، الموعود بها في الكتب السابقة ,- حسب وصفه الأول-:

رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ.

والباب الثاني : في بداية التزكية- وهي الذكر، والشكر، والصبر، والتوكل، والتوحيد، والتفكر، والإيمان، والأمانة، والبر، والتقوى , وذلك حسب وصفه الثاني، وهو قوله تعالى :

وَيُزَكِّيهِمْ

والباب الثالث : في ما كتب الله عليهم من السياسة العادلة ، والشرائع المطهرة ، والآداب النقية، التي تعين على الحكمة، من جهتيها النظرية والعملية . وذلك حسب وصفه الثالث. وهو قوله تعالى :

وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ أي الشرائع .

والباب الرابع : في تحصيل الحكمة، التي تحصل بإكمال الطاعة . وهي الخروج الكلي عن سلطان الشهوات، ببذل النفس، والمال ، ورعاية المواساة، والرفق في المعاملات .

 وحينئذ تنجلي عن النفس: كل غشاوة، وتتزكى عن كل رجس، فتدخل حظيرة القدس ، وتطمئن في حرم الأنس . فتحيا حياة عليا . وهل هي إلا الجريان بما يرضى به الرب تعالى ، حتى تخلص النفس عن أسر الهوى، كما قال تعالى :

" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"[18]) .

هذا ما يقوله الفر اهي . والملاحظ: أن الفر اهي: سلك مسلكا مغايراً، في مراعاة ترتيب: موضوعات السورة، حيث ربطها بدعوة إبراهيم - عليه السلام- . وأن هذا الترتيب: موافق لما دعا به إبراهيم عليه السلام، وقد أفاض في تحليل التفاصيل، التي تؤكد حسن استنباطه .

على حين نجد الدكتور دراز: لم يؤكد على هذه الناحية، التاريخية. وإنما نظر إلى الأمور: نظرة موضوعية، مباشرة، بغض النظر عن الناحية التاريخية .

التعريف بسورة البقرة من كتاب " في ظلال القرآن ":

أما سيد قطب فقد نظر إلى السورة: نظرة أخرى. وذلك من خلال منهجيته الحركية، التي كان ينطلق منها ، إنه يرى في القرآن كله: توجيهات دعوية ، تنطلق من واقع قائم، مخالف لتعاليم الإسلام ، وتهدف إلى إعادة إخضاع هذا الواقع، للدعوة الإسلامية :

"هذه السورة تضم عدة موضوعات :

 ولكن المحور الذي يجمعها: محور واحد، مزدوج: يترابط الخطان الرئيسيان فيه: ترابطاً شديداً

- فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية، في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها - صلى الله عليه وسلم - وللجماعة المسلمة الناشئة، على أساسها، وسائر ما يتعلق بهذا الموقف، بما فيه تلك العلاقة القوية، بين اليهود، والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين، من جهة أخرى ..

- وهي من الناحية الأخرى: تدور حول موقف الجماعة المسلمة، في أول نشأتها، وإعدادها لحمل أمانة الدعوة، والخلافة في الأرض ، بعد أن تعلن السورة: نكول بني إسرائيل عن حملها ، ونقضهم لعهد الله، بخصوصها ، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم - عليه السلام - صاحب الحنيفية الأولى ، وتبصير الجماعة المسلمة، وتحذيرها من العثرات، التي سببت تجريد بني إسرائيل، من هذا الشرف العظيم ..

- وكل موضوعات السورة: تدور حول هذا المحور المزدوج، بخطيه الرئيسيين - كما سيجيء في استعراضها التفصيلي- .

ولكي يتضح مدى الارتباط: بين محور السورة، وموضوعاتها من جهة ، وبين خط سير الدعوة: أول العهد بالمدينة ، وحياة الجماعة المسلمة وملابساتها، من الجهة الأخرى ..

 يحسن أن نلقي ضوءاً- على مجمل هذه الملابسات- التي نزلت آيات السورة: لمواجهتها ابتداء . مع التنبيه الدائم: إلى أن هذه الملابسات- في عمومها- هي الملابسات التي ظلت الدعوة الإسلامية، وأصحابها يواجهونها – مع اختلاف يسير – على مر العصور، وكر الدهور، من أعدائها، وأوليائها على سواء . مما يجعل هذه التوجيهات القرآنية، هي دستور هذه الدعوة، الخالدة. ويبث في هذه النصوص: حياة تتجدد، لمواجهة كل عصر، وكل طور. ويرفعها معالم للطريق: أمام الأمة المسلمة، تهتدي بها في طريقها الطويل، الشاق، بين العداوات المتعددة المظاهر، المتوحدة الطبيعة ..

 وهذا هو الإعجاز: يتبدى جانب من جوانبه، في هذه السمة الثابتة، المميزة، في كل نص قرآني ([20]

وهي عقائد، وأعما ل .  والأعمال: شخصية، ومنزلية، ومدنية.

 فمن العقا ئد : التوحيد، والنبوة، والمعاد. مع دلائلها.

 ومن الأعمال : الصلاة.

ومنها: الحج، والزكاة.

ومنها الصوم، ومكارم الأخلاق. وهي: البر، والمعروف. وخلا فهما المنكر.

 والشهادة بالحق. فهذه أعمال شخصية، ولو بالجماعة.

ثم القسط. ثم التعاون .

فاعلم أنه يتعلق بالتوحيد: بحث الجبر والقدر، ووحدة الوجود . وبا لنبوة : الشفاعة. وبالمعاد: حقيقة الجنة، والنار.

 وبالقسط : المواريث، والنكاح، والمعاملات.

 وبالتعاون: الخلافة، والسياسة، والجهاد.

ثم للأعمال ينابيع في الخلق: كالمحبة، والصبر، والعزم، والتقوى، والعدل .

 ثم بعض هذه الأمور مشتبك ببعضها في الأصول.

 وإن شاء الله تعالى: أتكلم بما فهمت من كتاب الله، في هذه الأمور حسب الحاجة".

وهكذا نرى كيف عبر الفر اهي عن مقا صد القرآن، بقوله: "عيون تعليم القرآن". وجعلها تحتها: العقائد، والأعمال. ثم جعل الأعمال: شخصية، ومنزلية، ومدنية.

أما العقا ئد : فهي شاملة للتوحيد، والنبوة، والمعاد. مع دلائلها.

وكذلك جعل العبادات، ومكارم الأخلاق من الأعمال. وكذلك: القسط. وتحته: المواريث، والنكاح، و المعاملات . و مثله: التعاون. وجعل تحته: الخلافة، والسياسة، والجهاد.

ثم جعل للأعمال ينابيع في الخلق: كالمحبة، والصبر، والعزم، والتقوى، والعدل .

ثم خص الفر اهي مقصد الجهاد بقوله:

الجهاد : زعمت القدماء أن آية السيف نسخت كثيرا من آيات الوعظ المحض. وزعمت شرذمة من متكلمي عصرنا: أنها لم تنسخ، ولم يكن القتال إلا دفاعا عن بيضة الإسلام. وأما جهاد الخلفاء، والصحابة: فما كان إلا كقتال الملوك، ولم يكن في شيء من الجهاد في الدين.

فاعلم- هداك الله وإياي-: أن الله بعث نبينا لما وعد بابراهيم، ووارثا لعهده:

 ( وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود)

وبعثه نبيا خاتما، ومظهرا دينه على الدين كله، وأمره بالوعظ حتى يسمعوا كلامه. ولم يأذن له بالقتال، حتى تتم الحجة، وتبلغ منتهاها.

وأمره إذا باستخلاص الكعبة، ورد الحنيفية، إيفاء لعهد إبراهيم.

 وأذن بالقتال بعد الهجرة. فإن القتال قبل الهجرة: ظلم وفساد. إلا أن يكون حفظا للنفس. فوجب القتال لا للدفاع، بل لفتح الكعبة. ثم لرد الحنيفية في أولاد إسماعيل. وأما بغير ذرية إسماعيل،

فلإ قامة القسط، ورفع الفساد عن الأرض.

 فلا إكراه في الدين لأهل الكتاب، ولكل من ليس من ذرية إسماعيل، وعليهم الجزية.

 وأما ذرية إسماعيل: فمحجو جون، برجل منهم. وهو قلبهم ولسانهم. ولا تظنن النبي رجلا أجنبيا، يرسله الله للوعظ. ولكنه الثمرة اليانعة من شجرة فطرتهم. نشأ من جرثومتهم، وتربى فيهم، من بين غيهم، ورشدهم. ولكن طهارة فطرته: جلبت إليه محاسنهم. ونفت عنه أباطيلهم، حتى كاد أن يضيء ولو لم تمسسه نار.فما هو إلا نقطة قواهم، وقطب رحاهم، وعقل اختيارهم، وقلب إرادتهم.

فبهداية الله إياه: خضعت له تعالى أمته، في ذات نبيهم. كما تخضع الأعضاء:

 إذا خضع له القلب.- وبسط الكلام في بحث النبوة- .

ثم من جهة الظاهر: فانحازت رياسة العرب إلى قريش. والرياسة الدينية إلى عبدالمطلب، ومنه إلى النبي، ولذلك كان يقول النبي :

  أنا ابن عبدالمطلب                     أنا النبي لاكذب

   ثم هو الداعي إلى ملة أبيهم، وعهدهم القديم. فالمخالف: هو الباغي، والمفسد القا طع .

ولا يكون الجهاد: لرفع الفساد من الأرض، إلا بعد أن يرفع الفساد، من بين المجاهدين.

 فلا يستحق له إمام ولا متبعوه: إلا بعد أن يكونوا قائمين بالقسط.

ولا يجو ز القتال لأحد في داره، إلا بعد الهجرة، كما ترى في قصة إبراهيم، وآيات الهجرة.- انظر المقدمة على الهجرة - وحالات النبي.

فإن الجهاد من غير الملك المطاع: بغي وعدوان، وفتنة، وإهانة للمعروف. ولا يؤذن للقتال إلا بعد القوة، -كما ترى في قصة شعيب- :

" وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا".

  فا لجهاد واجب بشرائطه الثلاث، إلى يوم القيامة. وليس للإكراه في الدين، ولا للفساد، ولا للبغي. ولكن شهادة الحق واجبة التبليغ، وبالمجادلة الحسنة ".

وهكذا يقدم الفر اهي رؤيته للجهاد ومقاصده، وأن النبي-صلى الله عليه وسلم-إنما هو استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام، ووارثا لعهده، وأمره إذا باستخلاص الكعبة، ورد الحنيفية، إيفاء لعهد إبراهيم.

 وأذن له بالقتال بعد الهجرة. فإن القتال قبل الهجرة: ظلم وفساد. إلا أن يكون حفظا للنفس. فوجب القتال لا للدفاع، بل لفتح الكعبة. ثم لرد الحنيفية في أولاد إسماعيل. وأما بغير ذرية إسماعيل،

فلإ قامة القسط، ورفع الفساد عن الأرض".

ونكتفي بما ذكره الفراهي-هنا- علما بأن له رؤية واضحة في عمود السور القرآنية إجمالا، وما تتضمنه كل سورة من المطالب. والتي يريد بها المقاصد الجزئية. وذلك في كتابه " دلائل النظام".

-أثر التفسير الموضوعي في بيان مقاصد القرآن.

لاشك أن للتفسير الموضوعي بألوانه المتعددة، أهمية كبيرة كانت الدافع الأساسي لوجوده، فإذا كان التفسير التحليلي: ولد تاريخياً لتلبية حاجة قائمة؛ فكذلك التفسير الموضوعي: لم يفرض نفسه على الساحة المعاصرة من فراغ . وإنما الحاجة الماسة- في سياق الحاضر، والمستقبل- هي التي دفعت إلى ميلاده، ووجوده.

وتظهر أهميته وفوائده:

- في جمع الآيات المتفرقة - في القرآن - ذات الموضوع الواحد، لينظر إليها في وحدتها الجامعة، حيث تتضح أبعاد الصورة، من جميع جوانبها. فتبدو كل آية- ضمن هذا المجموع- لبنةً في البناء،  وعنصراً في التكوين، تؤدي غرضاً متصلاً، بالكل الذي يجمع بينها.  فيظهر الترابط بين أجزاء الصورة، وكأنها أعضاء في جسم حي. كل عضو: يؤدي وظيفته، ويتكامل مع وظائف الأعضاء، الأخر.

- إن الهداية القرآنية- التي هي الهدف من نزول القرآن-: إنما تتضح أبعادها

 الكاملة، وعناصرها الفاعلة. ووزن كل عنصر فيها، بالنسبة لبقية العناصر،

من خلال هذه الصورة الجامعة، والتي تنعكس بعد ذلك تصوراً متوازناً، للقيم الإسلامية، الأمر الذي سينعكس بعد ذلك: سلوكاً سوياً، في سلوك المؤمنين، باتجاه الهدف المنشود، والغاية المرجوة .

- ثم إن التفسير الموضوعي بجمعه للآيات الموزعة، ذات الموضوع الواحد في مكان واحد، يسهل على الناس: سبيل المعرفة، ويجعلهم أقدر على تصور واجباتهم، التي يتطلبها منهم الإسلام، سواء في علاقاتهم مع الله، أو مع الأهل، والأقرباء، أو مع غيرهم  من أفراد المجتمع وفئاته. وكذلك في علاقاتهم مع الآخرين، من غير المسلمين.

- كذلك فإن هذه التصورات، التي تنشأ من خلال الصورة الكاملة، تجعلنا أقدر على مواجهة المشكلات، والتحديات المعاصرة، التي تأتينا أيضاً بأطروحات عامة، جامعة، ولا تأتينا بجزئيات متناثرة، من هنا وهناك .

- ثم إن التفسير الموضوعي، يكشف لنا عن المناسبة الحقيقية، التي تربط بين الآيات، وذلك بعد أن نتعرف على المحور الأساس، الذي تلتقي عنده عناصر السورة، وجزئياتها. فلا نتكلف الربط بين الآيات، لأنها كلها ترتبط بالمحور. فإذا كان اكتشافنا للمحور صحيحاً: أصبح الترابط بين الآيات تحصيل حاصل.

- كذلك فإن التفسير الموضوعي: يحل لنا كثيراً من المشكلات التي تظهر لنا في بعض النصوص، والآيات، نتيجةً لعدم رؤيتنا لمحور السورة وموضوعها الأساس، فإن ملاحظة وحدة الموضوع والمحور، ومراعاة تسلسل المعاني في السورة: كفيلان بإيصالنا إلى جادة السلامة، لحل الإشكال.

- أيضاً فإن التفسير الموضوعي كفيل لنا، بتصحيح بعض الأخطاء، التي وقع فيها بعض المفسرين، نتيجة عدم إدراكهم وحدة الموضوع، وإغفالهم سياق الكلام.

- إن التفسير الموضوعي مع أهميته وفوائده، فهو يكشف لنا جانباً من إعجاز القرآن، حين تجمع آياته المتعددة، من سوره المختلفة، فيعطينا تلك الصور الرائعة، من الدراسات القيمة، التي لا تفاوت فيها، ولا اختلاف. ولا تشاكس فيها، ولا تناقض. مما جعل العلامة بديع الزمان النورسي يعتبره نوعاً من الإعجاز المعنوي، ويرى أن كتبه إنما تمتاز بهذا الجانب الهام.

نماذج من دراساتي في التفسير الموضوعي:

ولعله من المناسب-هنا- أن نذكر بعض النماذج لما سبق أن كتبناه في التفسير الموضوعي، ليكون دليلا تطبيقيا على التوجه الذي أردنا تأكيده من الناحية النظرية.

وسنستعرض في ما يأتي أربعة نماذج:

- النموذج الأول : تلخيص لما جاء في دراسة ثلاث آيات متشابهات-آيات الصابئين-

-النموذج الثاني: دراسة لمصطلحي: الفقير، والمسكين، في القرآن.

- النموذج الثالث: دراسة عن مفهوم الهداية، والإضلال في القرآن .

-النموذج الرابع : دراسة مجملة لمقاصد سورة الكهف.

ولنبدأ بالنموذج الأول : 

-تأويل ثلاث آيات متشابهات –آيات الصابئين-:

وهذه الآيات الثلاث هي:

- آية البقرة: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (62)

-وآية المائدة: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (69)

-  وآية الحج: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (17)

ويبدو للوهلة الأولى أن هذه الآيات الثلاث مكررات، وأنها من قبيل المتشابه اللفظي، الذي تمتاز فيه آية البقرة عن الآيتين الأخريين بزيادة" فلهم أجرهم عند ربهم".

وتمتاز فيه آية المائدة عن الآيتين الأخريين بتقديم "والصابئون" على" النصارى"، وجعلها مرفوعة بالواو.

كما تمتاز آية الحج بزيادة "المجوس، والذين أشركوا" عن الآيتين الأخريين.

وإن الدراسة الموضوعية للآيات الثلاث مجتمعة كشفت لنا عن مقصد كل آية، وعن حكمة اختلاف ترتيب الطوائف فيها، كما بينت خصوصية مجيء" والصابئون" مرفوعة بالواو. وفيما يلي إيجاز لذلك:

-تذكر الر واية الصحيحة لسبب نزول آية البقرة أن سلمان الفارسي لما وصل المدينة المنورة، ذهب للقاء النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه خرج من بلاده فارس باحثا عن الدين الحق، وأنه نزل مع الرهبان وعاش معهم، وأنهم كانوا يبشرون به، ولو أدركوه لآمنوا به. فما مصيرهم عند الله ؟

فجاءت آية البقرة مبينة هذا المصير: " فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

فآية البقرة إذن في المبشرين بالنبي قبل البعثة، والذين لو أدركوه لآمنوا به. وهذه الطوائف كلها جاءت منصوبة معطوفة على اسم "إن". فليس فيها مشكلة إعرابية.

-أما آية المائدة فقد جاءت في سياق الذين أدركوه من هذه الطوائف، ولم يؤمنوا به. ويبدو ذلك واضحا من الآيات السابقة للآية، والآيات اللاحقة لها.

أما مجيء" والصابئون" بالرفع فقد ذكر النحاة فيها وجوها متعددة، وسيبويه اعتبرها مقدمة من تأخير، وتقدير الكلام حسب رأيه:

" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. َوالصَّابِئُونَ كذلك".

ولا يخفى ما في هذا التقدير من التكلف، وتقطيع الكلام.

أما القول الذي رجحناه فهو أن خبر "إن" محذوف يفسره المذكور. وتقدير الكلام:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ هَادُوا والصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

وهذا يفيد أن الذين آمنوا – وهم أمة محمد-لا خوف عليهم ولاهم يحزنون. أما بقية الطوائف:

 وَالَّذِينَ هَادُوا والصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا" أي: دخل في الإسلام

" فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". لأنه لم يعد مقبولا من هذه الطوائف بعد مجيء النبي إلا الدخول في الإسلام، والإيمان بما جاء به.

فالكلام من باب عطف الجمل، لا من باب عطف المفرد ات.- وحذف خبر "إن": كثير في القرآن، وفي كلام العرب-. ولما كان الرفع لا يظهر على" الذين هادوا "، ولا على " النصارى" فقد جاء ت :

" والصابئون" بينهما، لتبين أن ما قبلها مرفوع، وما بعدها مرفوع. وهذا هو المسوغ لجعل الكلام جملتين لا جملة واحدة.

-أما آية الحج فقد أ ضافت إلى الطوائف السابقة:" المجوس" و" الذين أشركوا" لأن الحديث هنا يتناول الفصل بين الطوائف كلها يوم القيامة.

وهكذا نجد كل آية من الآيات الثلاث تمثل مرحلة ز منية معينة. فآية البقرة: قبل البعثة. وآية المائدة: بعد البعثة. وآية الحج: يوم القيامة. وبذلك ينتفي التكرار.[22]) .

قال أبو جعفر النحاس-في كتابه: الناسخ والمنسوخ- في معنى: " الفقراء والمساكين " في هذه الآية :

اختلف في ذلك أهل التأويل، والفقهاء، وأهل اللغة، وأهل النظر، فقالوا في ذلك أحد عشر قولا ً :

الأول – روي عن قتادة – قال:

الفقراء الذين بهم زمانة . والمساكين : الأصحاء المحتاجون.

الثاني – قاله الضحاك – قال:

الفقراء : فقراء المهاجرين . والمساكين : من لم يهاجر.

الثالث – قال به عكرمة – قال:

الفقراء : من اليهود والنصارى . والمساكين : من المسلمين.

الرابع – قاله عبيد بن الحسن - :

المساكين : الذين عليهم الذلة والخضوع . والفقراء : الذين يتجملون ويأخذون في السر.

الخامس – قاله محمد بن مسلمة - :

المسكين : الذي لا شيء له . والفقير : الذي له المسكن والخادم.

السادس – قاله الشافعي – قال :

الفقير – والله أعلم - : من لا مال له، ولا حرفة تقع منه موقعاً، زمناً كان أو غير زمن، سائلاً كان أو متعففاً. والمسكين : من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعاً، ولا تغنيه، سائلا ً كان أو غير سائل

-السابع-قاله أبو ثور-

الفقير: الذي له شيْ. والمسكين: الذي لا يصيب من كسبه ما يقوته.

-الثامن-قاله أهل اللغة :

- المسكين: الذي لا شيْ له. والفقير: الذي له شيْ لا يكفيه. قال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ فقال: لا. بل مسكين. وأنشد أهل اللغة:

أمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ **  وفقَ العيالِ فلمْ يتركْ لهُ سبدُ ([24]) .

هذا ما ذكره أبو جعفر النحاس من أقوال على سبيل الإيجاز والاختصار، ولو ذهبنا نستقريْ كل ما قيل في الفقير والمسكين لوجدنا أقوالا أخر ذكرتها كتب أحكام القرآن وكتب الفقه، و المقصود هنا بيان مدى تعدد الأقوال وكثرتها، لا استقصاء كل ما قيل.

ثم نجد أن الفقهاء ينقسمون إلى قسمين في الفقير والمسكين: أيهما أحوج من الآخر:

- فبعضهم يرى أن " الفقير " أشد حاجة من " المسكين" من قبل أن الله تعالى بدأ به، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم- وبهذا قال الشافعي والأصمعي.

- وذهب أبو حنيفة إلى أن المسكين أشد حاجة، وبه قال الفراء وثعلب وابن قتيبة لقول الله تعالى:

"أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ"

وهو المطروح على التراب لشدة حاجته. وأنشدوا:

أما الفقير الذي كانت حلوبته          وفق العيال فلم يترك له سبد

ويقول ابن قدامة: ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء، ليدل على أنهم أهم، وقال تعالى:

" أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا" ([26]).

وكان يستعيذ من الفقر....، ولأن الفقر: مشتق من " فقر الظهر"  فعيل بمعنى " مفعول": أي: مفقور.... والمسكين: : " مفعيل " من السكون، وهو الذي أسكنته الحاجة. ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن...." .

وهكذا كل فريق ينتصر لرأيه بأدلة، ويرد أدلة الفريق الآخر، وتبقى القضية معلقة في ذهن القاريء وربما يميل أهل كل مذهب إلى التمسك برأي مذهبهم دون المذهب الآخر.

ولا شك بأن كل فريق يحاول أن يجد تأييدا لرأيه من بعض الآيات القرآنية أو من الأحاديث النبوية، أو من أقوال علماء السلف، ولكن ذلك كله لم يحسم الأمر، ولم يحل المشكلة،

وبقيت القضية تحتمل القولين.

ولو أننا طبقنا منهج التفسير الموضوعي واستقرأنا استعمال القرآن للكلمتين فماذا نجد:

- نجد قوله تعالى

" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ" 26-وقوله تعالى :

" وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ" (34)

- وقوله تعالى:

" وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ" (44)[28])  

-وقوله تعالى :

" وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ" (3) ([30])   

-وقوله تعالى:

" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا" (8) إِ ([32])

- وقوله تعالى:

" أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ" ([34]) 

ويلاحظ في هذه الآية تقدم لفظ "البائس" على الفقير، وذلك ليبين مقدار الفقر الذي أصابه، والذي يجعله في مرتبة " المسكين".  فكأن البائس الفقير يساوي المسكين.

والذي لا شك فيه أنه يمكن استعمال إحدى الكلمتين مكان الأخرى على سبيل التجوز، وعند انفراد إحداهما عن الأخرى، في الذكر. أما عند اجتماعهما فلا بد من التفريق بينهما، كما هو الشأن في هذه الآية.

والفقير: أعم من المسكين، لأنه المحتاج مطلقا، وعلى هذا يمكن أن يعبر بالفقير عن المسكين على هذا الأساس، والمسكين أخص من الفقير، لأن المراد به: المحتاج إلى الطعام، والكساء، من الضروريات .

وبناء على هذا يكون قوله تعالى:

" إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ" أفرد فيه "المساكين" بالذكر بعد " الفقراء " من باب عطف الخاص على العام، تأكيداً لأهميتهم وشدة حاجتهم، وذلك كما في قوله تعالى:

" تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ "([36]

النموذج الثالث:

الهداية.. والإضلال.. في القرآن

يعتذر كثير من الناس عن عدم التزامهم بالإسلام وقيمه وتعاليمه ، بأن الله لم يهدهم

          وأنه لو هداهم كما هدى غيرهم لكانوا قائمين بواجبات الدين وتكاليفه ، وربما استشهدو ا على ذلك بقول تعالى:

" يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء  " – النحل : 93-

وبذلك يلقون باللائمة على ماهم فيه من بعد عن الإسلام ، على الله سبحانه وتعالى ، ويظنون بذلك أنهم أقاموا الحجة على الآخرين ، وأراحوا أنفسهم من تبعة الشعور

بالذ نب الذي يمكن أن يؤرق حياتهم ويجعلها جحيما لا تطاق.

ولا شك بأن مثل هذا السلوك إن دل على شيء ، فإنما يدل على سطحية في التفكير ، ورغبة في التفلت من مسؤولية الالتزام ، وما يمكن أن يترتب عليه من قيام بأعباء التكاليف ، وبعد الاستجابة للرغبات والأهواء.

وباديء ذي بدء نقول لهؤلاء : إن مقولتكم هذه ليست شيئا جديدا أبدعته عقولكم ، او أدت إليه معرفتكم وعلومكم ، حتى تفرحوا به وتفتخروا !! فلقد سبقكم إلى ذلك مشركو مكة الذين كانوا يعبدون المللائكة ، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله :

"وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ"  - الزخرف 19- 20

كذلك بين في آية اخرى أن مثل هذه المقولة سيحتج بها الناس في المستقبل كما احتج بها السابقون ، قال الله تعالى :

"سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ  "

-الأنعام -148- .

ويلاحظ أن كلتا الآيتين تشيران إلى أن مثل هذا القول لا يستند إلى علم ولا تقوم به حجة ، ومن ثم فالقائلون به قائلون بالخرص والتخمين ، والمتبعون له متبعون للظنون والأوهام :

"ما لهم به من علم إن هم إلا يخرصون ".

أما العلم الذي تقوم به الحجة وينقطع به العذر ، فهو ما أخبرنا الله سبحانه في كتابه من أنه فطر الناس جميعا على الإسلام والتوحيد حيث قال سبحانه وتعالى :

". فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ."- الروم: 30 -

فبينت هذه الآية القرآنية أن جميع البشر فطروا على توحيد الله ودين الحق ، فلم يميز الله ابتداء بين أناس وأناس ، بل إن الهداية الفطرية شملت الكون كله بكل ما فيه كما تشير إلى ذلك آيات أخر في القرآن الكريم :

"قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى." طه : 50  ،

"الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ . وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ." الرحمن 5-6

إلا أن الفارق بين الإنسان وبين مخلوقات الكون الأخر، هو ما خص الله به الإنسان من العقل والتمييز والقدرة على الاختيار بحيث يتقلد عهدة التكليف ، ويكون أهلا لتحمل المسؤولية ، والتعرض لخطر الثواب والعقاب :

"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا   وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ  "- الأحزاب : 7-

وهذه الهدابة الفطرية للإنسان ، كما تشمل معرفة فطرية بالخالق الواحد ، كذلك تشمل معرفة جبلية مجملة بالخير والشر، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ."- البلد : 10 "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا  " الشمس : 7-8

"إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا   "- الإنسان :3- .

وهكذا نرى من خلال هذه النصوص العدالة الإلهية تتجلى واضحة للعيان ، إذ تجعل الهداية الفطرية عامة للناس جميعا من غير تفريق ولا تمييز ، بل إنها تجعله أمرا   مشتركا بين مخلوقات الله جميعا ، ولما كانت هذه الهداية من عمل الله ، ولا يد للمخلوق فيها ، لم يرتب الله تعالى عليها مسؤولية ولا حسابا.

غير أن هذه الهداية الفطرية ليست هي كل ما أعطاه الله للإنسان ، بل أعطاه بالإضافة إلى ذلك ما يؤكد به هذه الهداية ، فوهبه العقل والحواس ، وجعله قادرا على التفكير والاستنباط ، وتحصيل العلم والمعرفة :

"وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ."- النحل :78-

ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل لقد تولى الله هذا الإنسان بلطفه ورعايته ، فلم يتركه إلى عقله وحواسه، وبخاصة أن هناك أمورا كبيرة تستعصي على العقل والحواس . ومن ثم فقد أرسل إليه رسله ،

وأنزل عليه كتبه ، وبين له الخير والشر ، والحق والباطل ، وجعل ذلك كله في دائرة كسبه واختياره ، وطوع إرادته وحريته . ورتب على ذلك كله مسؤولية الثواب والعقاب قال تعالى في شأن الرسل :

"رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ   " النساء: 165

وقال :

"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ." الإسراء : 15

وقال في شأن المهملين لما أعطاهم الله من وسائل المعرفة المؤدية إلى الهداية حكاية لقولهم يوم القيامة : ".وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ   " الملك 10-11

وإذا كان الله سبحانه قد أعطى الهداية الفطرية للناس جميعا لا يشذ عنها أحد ، فقد جعل الهداية الشرعية مقصورة على بعض الناس دون بعض كما تشير إلى ذلك الآيات القرآنية :

". يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء   ."- النحل : 93 –

ومن ثم يثور التساؤل عن العدالة الإلهية في مثل هذه الهداية والإضلال .

ونقول في الإجابة عن هذا التساؤل :

إن الله سوى بين المخلوقات البشرية بما منحهم من هداية فطرية ، وبما منحهم من الحد الأدنى من المواهب العقلية المؤدية لهذه الهداية ، وبما أنزل عليهم من الكتب والرسالات .

وهذا الحد الأدنى المشترك بين البشر كاف في تحصيل ذلك. ومن ثم نرى مؤمنين مهتدين من أصحاب الحد الأعلى، ومن أصحاب الحد الأدنى ، ذلك أن الأمر هنا ليس مرتبطا بدرجة العقل والذكاء ، وإنما هو مرتبط بالاستجابة لنداء العقل، أو عدم الاستجابة لهذا النداء.

كذلك تتم هذه الهداية الشرعية من الله كما يتم الإضلال ، وفقا لموقف الإنسان من الهداية الفطرية التي جبل عليها ، فالذي يستجيب لنداء الفطرة بما يوافقه ويؤكده من العقل والشرع، هو الذي يهديه الله ، والذي لا يستجيب لنداء الفطرة ويخرج عليه بمخالفته للعقل والشرع هو الذي يضله الله ، وذلك موافق للسنة الإلهية:

 ". إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ." الرعد : 11 –

 وبناء على ذلك تكون الهداية الشرعية من الله ثوابا معجلا في الدنيا للذين أكدوا الهداية الفطرية باستجابتهم لنداء العقل والشرع ، كما يكون الإضلال عقوبة عاجلة في الدنيا ، لمن أداروا ظهورهم لنداء الفطرة، وخرجوا على مقتضياته بعدم استجابتهم لمنطق العقل والشرع :

". إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ،. خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ."- البقرة : 6-7-

فالختم على القلوب والأسماع ، والغشاوة على الأبصار، هي العقوبة المعجلة في الدنيا على الكفر . والعذاب العظيم: هو العقوبة المؤجلة إلى يوم القيامة .

فالختم إذن لم يكن سببا للكفر، وإنما هو نتيجة له . وكما أكد ذلك بقوله في آية أخرى:

 " بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ."- النساء : 155 –

أي كان الطبع على القلوب بسبب الكفر .

وهذا الذي انتهينا إليه يوضح المراد بقوله :

" يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء.."- النحل : 13 –

فالذي يشاء الله إضلاله : هو ذلك الإنسان الخارج على هدايته الفطرية، المبتعد عنها بعدم تأكيدها بمنطق العقل والشرع ، وإنما يحاول إخفاءها وطمسها بالاستجابة إلى أهوائه وشهواته ومعاصيه ، والتي يغلبها على منطق عقله وأوامر شرعه.

والذي يشاء الله هدايته: هو الذي يؤكد تلك الهداية الفطرية ، باستجابته لمتطلبات العقل ويقترب من الله بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه.

وقد أشار الله تعالى إلى هذا المهتدى بقوله ":  قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ." الشمس : 9 ".

كما أشار إلى ذلك الضال بقوله : " وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ." الشمس : 10

ومما يؤكد صحة هذا التفسير للآية ما جاء في كثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الهدى والإضلال :

ففي مجال الهدى المترتب على فعل الخير جاءت هذه الآيات :

"   وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا " العنكبوت – 69

"  يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ " المائدة – 16

"   اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ" الشورى – 13

"  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ" يونس – 9

" وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ " محمد – 17

"  وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ   " النور – 54

" قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ  " الرعد – 27

وفي مجال الإضلال المترتب على فعل الشر من الكفر والفسوق والظلم والشرك جاءت آيات كثيرة نجترئ منها بهذه الآيات :

"  فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" البقرة – 26

" وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" البقرة – 264

" وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " المائدة – 108

"  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ" - الزمر – 3

"  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ " غافر – 28

"  فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " الصف-5

ومن كل ما تقدم نرى أن الهداية والإضلال يتمان بفعل الله ومشيئته ، ولكن جزاء وفاقا لعمل الإنسان ، وموقفه من منح ربه وعطاياه . ومن ثم فعلى الإنسان

أن يتحمل مسؤولية عمله واختياره ، وألا يلقي باللائمة على غيره :           

"  قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ " يونس – [38]        

وهكذا تبدو لنا سورة الكهف وحدة موضوعية متماسكة، تظللها البشارة والإنذار عموما، ثم نرى البشارة والإنذار يلوحان في تفاصيل المشاهد والمواقف. كذلك نرى السورة نزلت تجيب عن أسئلة المشركين التي أشار بها اليهود المعاصرون للنبي، والتي أرادوا من ورائها التعرف على صدق النبي فيما جاء به من الوحي الإ لهي- في شأن أصحاب الكهف، وشأن ذي القرنين-. وهي في نفس الوقت تلبي مطالب الدعوة الناشئة في صراعها مع المجتمع الجاهلي، وتعد المؤمنين المستضعفين قبيل الهجرة، بما تحقق لأصحاب الكهف المستضعفين الذين بعثهم الله بعد نومهم الطويل، وقد زالت دولة الشرك. كما تعد المؤمنين المستضعفين في زمن النبي-صلى الله عليه وسلم بالتمكين في الأرض كما مكن الله لذي القرنين، الذي آتاه الله من كل شيء سببا يوصله إلى غايته، فبلغ مطلع الشمس ومغربها. وهكذا مكن الله لأمة الإسلام في الأرض حيث انتشرت رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.

خا تمة :

وفي نهاية هذ البحث لابد أن نؤكد على النقاط الآتية:

-إن التفسير الموضوعي-بأنواعه- طر يق لابد منه لمن يريد الوصول إلى مقاصد القرآن.

-هناك دراسات كثيرة معاصرة في ا لتفسر الموضوعي، وبخاصة في ميدان المصطلحات القرآنية.

- غير أنها ليست كلها على المستوى المطلوب، ومن ثم تتفاوت جودة وضعفا، فلا بد من القراءة الناقدة.

-عقدت ندوات، و أ قيمت مؤتمرات للتفسير الموضوعي ، بقصد المد ارسة، والتقويم، والتطوير.

-أقيمت مشروعات للتفسير الموضوعي من قبل بعض الكليات بهدف إيجاد تفسير كامل للقرآن.

-غير أن هذه الجهود كانت جماعية لمتخصصين وغير متخصصين، فلم تحقق الغاية المنشودة.

-إن الجهود الجماعية لن تحقق الهدف المرتجى من هذه الدراسات، لأنها تعمد إلى جمع المادة الموجودة.

-بينما المطلوب : جهد حقيقي فردي قائم على التدبر والتفكر والتبتل، ليصل الدارس إلى المكنون طي الحروف والكلمات.

ملحق: يتضمن دراسات التفسير الموضوعي-لصاحب البحث-.

ولمن أراد مزيدا من الدراسات التطبيقية، في مجالات التفسير الموضوعي، وما يترتب عليها من إسهامات في تبين مقاصد القرآن، فإننا نحيله إلى الدراسات التي سبق أن نشرناها بالعناوين التالية:

1- القرآن ومعركة المصطلحات، نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- العدد الأول- السنة الثانية: عام 1389 هـ.

2- الأمة في دلالتها العربية والقرآنية، نشرته الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض عام 1979 م، وطبع في دار عمار في عمان عا1983 م.

3- - معاني المحكم والمتشابه في القرآن-نشرته مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية- العدد الخامس- عام 1986 م.ثم طبع في دار عمار.

4- الخلافة في الأرض- طبع في دار الأرقم- في الكويت عام 1986 م.ثم  طبع في دار عمار.

5- فطرة الله التي فطر الناس عليها، طبع في عمان عام 1987 م، طبعته دار البشير . ثم طبع في دار عمار.

6- الذين في قلوبهم مرض- طبع في دار البشير-عمان، عام 1987 م. . ثم  طبع في دار عمار.

7- افتتاحيات مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الكويت- من العدد السابع، حتى العدد السابع عشر- من عام 1986 م- 1990 م.

8-"سنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول" - مجلة كلية الدراسا الإسلامية والعربية في دبي- العدد الثامن- عام 1994م- وصدر  عن دار عمار عام 1999 م .

9- مصطلح الفكر الإسلامي- صدر عن دار عمار سنة 2003 م- وسبق نشره في مجلة كلية الآداب في فاس - عدد خاص- بعنوان: الدراسات  المصطلحية والعلوم الإسلامية سنة 2001 م-.

10-معاجم مفردات القرآن- موازنات ومقترحات- قدم لندوة :"عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن وعلومه"  المنعقد، بمجمع الملك فهد بالمدينة المنورة سنة 2000 م .

11- نحو منهجية موحدة لتفسير القرآن، نشر ضمن بحوث:  مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي انعقد في الجامعة الإسلا مية  في ماليزيا- كوالالمبور-عام 2003 م.

12- أثر المصطلح القرآني في التداخل والتكامل المصطلحي في العلوم الشرعية، نشر هذا البحث في مجلة الأحمدية- دبي- العددالعشرون عام 2005م

13- الإسلام والحضارة : فصل- ضمن كتاب الفكر الإسلامي- لجامعة الإمارات، عام 2003 م.

14-تأملات في سورة الرحمن-مجلة الأحمدية-دبي- العدد 3-1999م

مراجع البحث

التفسر الموضوعي –تحت الطبع-         لأحمد حسن فرحات

الذريعة إلى مكارم الشريعة                 للراغب الأصفهاني

الكلمات                                 لبديع الزمان سعيد النورسي

جمهرة البلا غة                            لعبد الحميد الفر اهي

جواهر القرآن                             لأبي حامد الغزالي

الخلافة في الأرض                        لأحمد حسن فرحات

دلائل النظام                              لعبد الحميد الفر اهي

فاتحة نظام القرآن                         لعبد الحميد الفر اهي

في ظلال القرآن                           لسيد قطب

مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة          العدد الأول -1389ه

مجلة الشريعة الكويتية                     ا لعدد-12-عام 1988

مجلة الشريعة الكويتية                     العدد-16 - عام1990

مجلة الشريعة الكويتية                     العدد-17 - عام1990

مقومات التصور الإسلامي             لسيد قطب

نظام القرآن                            لعبد الحميد الفر اهي

الناسخ والمنسوخ                      لأبي جعفر النحاس

النبأ العظيم                             لمحمد عبد الله دراز

6-هود:61

-      الذاريات:56-7

-      8- الأعراف:129

9-الأنعام:179

10-البقرة:44

11-الحجرات:12

12-طه:118-119

13- النور:26

14-الأعراف:58

15-الحجرات:3

16-المدثر:4-5

17-الأحزاب:33

18- المائدة:6

19-البفرة:222

20- انظر: الخلافة في الأرض

( 1 ) جمهرة البلاغة للفراهي : 50 بشيء من التصرف .

( 1 ) الكلمات : 512 .

( 2 ) الكلمات : 513 .

( 1 ) مقومات التصور الإسلامي : 65 - 68 .

( 2 ) الشورى : 52  .

( 3 ) دلائل النظام : 46 .

(2) سورة البقرة : آية 129 .

17- سورة الأنفال : آية 24

18-نظام القرآن : 46 – 50 باختصار

(19) في ظلال القرآن : 1 / 30 -31 .

20- فاتحة نظام القرآن للفرا هي

تأويل ثلاث آيات متشابهات للباحث-21

22-سورة التوبة: 60

() قال ابن قتيبة في أدب الكاتب :1 / 8 " " الفقير، والمسكين " لا يكاد الناس يفرقون بينهما، وقد فَرَق الله تعالى بينهما في آية الصدقات فقال جل ثناؤه:" إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ" -التوبة : 60 -وجعل لكل صنف سَهْمَاً، والفقير: الذي له البُلْغة من العيش، والمسكين: الذي لا شيء له، قال الراعي:

أمَّا الفقيرُ الَّذي كانتْ حلُوبَتُهُ ... وَفْقَ العِيالِ فَلَمْ يُتركْ لهُ سَبَد

فجعل له حَلُوبة، وجعلها وَفْقاً لعياله، أي: قوتاً لا فَضْلَ فيه- البيت للراعي النميري- وهو في ديوانه:1 / 56 .

([24])ينظر الأقوال التي قيلت في «الفقير» ، و«المسكين» في تفسير الطبري : (14/ 305 - 308) ، ومعاني النحاس : 3/ 223 ، وزاد المسير : 3/ 456 ، وتفسير القرطبي : (8/ 168 - 170).

([26]) أخرجه الترمذي في سننه : 4 / 577 ، حديث 2352 , وابن ماجه في سننه : 2 / 1382 ، حديث 4126 وأرده الألباني في الصحيح : 1 / 29 .

([28]) سورة الفجر : آية 18 .

([30])سورة المجادلة : آية 4 .

([32])سورة المائدة : آية 89 .

([34])سورة الحج : آية 28.

([35]) سورة القدر : آية 4 .

36-افتتاحية مجلة الشريعة الكويتية-العدد/16/مارس/1990

مجلة الشريعة الكويتية-العدد/16/مارس/1990 افتتاحية-42

 افتتاحية مجلة الشريعة الكويتية-العدد:12-شهر12-1988- 39

وسوم: العدد 816