مشكلة اختلاط الشعر والاختلاف في نسبته

 

كلية الآداب - قسم اللغة العربية - السنة الأولى

بإشراف الأستاذ:

أحمد راتب النفاخ

1969-1970م

clip_image002_f4054.png

صفحة غلاف البحث كما قُدِّم للعلامة الأستاذ أحمد راتب النفاخ ؒ.

هذا البحث

قصة هذا البحث شابها شيء من الغرابة، أو لنقل شيء من القصّ والرواية، فعندما كنت أدرس في المرحلة الثانوية في ثانوية ابن العميد في حي ركن الدين، تعرفت على عدد من الطلاب ساكني هذا الحي، وتوطدت بيننا أواصر الصداقة والمعرفة، وكانت بيننا زيارات، ومساجلات، وكانوا يتحدثون عن مدرّس للعربية صعب يدرس في الجامعة ، بل أستطيع أن أقول إنه مخيف، كما كانوا يصورون طباعه، ونزقه، وجرأته، وشجاعته، وأنه لا يخاف، ولا يهتزّ له جناح، أو حتى شعرة من رهبة، بل يمضي جريئاً بما يريد، وأنه إن احتاج أن يضرب – هكذا كانوا يقولون – الطلاب فعل، بل قد يتجاوز ذلك إلى ضرب أمثاله – هكذا كانوا يقولون - من أهل التدريس، وباعتبار أنني كنت قد أزمعت أمري أن أدرس اللغة العربية في الجامعة، فلا بد أن ألتقي بهذا الأستاذ الكبير العظيم، لأن الذين كانوا يضفون عليه هذه الصفات، يذكرون أيضاً مدى علمه، ورفعة شأنه باللغة العربية، وأن أقرانه يقرّون له بهذا التفوق، وأنه أفضل من تكلم في الأدب الجاهلي، ورد على كلام الدكتور طه حسين في هذا الموضوع.

وكان من الذين تعرفت عليهم صديق يجلس بجانبي على مقعد الدراسة اسمه علاء الدين أكبازلي ؒ، فقد استشهد فيما بعد، وبلغت بنا العلاقة إلى زيارات دائمة فيما بيننا، فكنت أزوره في بيته، ويزورني في بيتي، وفي أوائل زياراتي له تشرفت بالتعرف على والده، ولم أكن أعلم شيئاً عن والده أو أسمع به، وعرفت وقتها أن اسمه الشيخ أحمد أكبازلي ؒ.

كان التعرف على هذه الأسرة له منعطف مهم في حياتي، حيث أصبحت أعتبر نفسي تلميذاً لهذا الشيخ الوقور، الذي يُشعرك بتواضعه الرائع، وعلمه الغزير، وأخلاقه الفاضلة، وبدأت أحضر له خطبه في صلاة الجمعة، حيث أتَّجِهُ كل ضحى من أيام الجمعة إلى دمشق لأحضر خطبة الجمعة في مسجده، وشعرت بمكانة الشيخ عندما اكتشفت أن أساتذتي من علماء دمشق كانوا يحضرون صلاة الجمعة في مسجده، وكنت كلما التقيت وسلّمت على شيخنا وأستاذنا الكبير الدكتور محمد أديب الصالح ؒ الذي كان يحضر صلا الجمعة عند الشيخ أحمد، يبادرني بالسؤال مازحاً باسماً: جئت لتصلي هنا على السنة، وبدأ أصحابي وأساتذتي في مدينة التل يحضرون معي صلاة الجمعة في هذا المسجد بعدما وصفت لهم كيف أن هذا الشيخ لا يمكن أن يخالف السنة حتى في صلاة الجمعة، فلا يمكن أن تكون خطبته أطول من صلاته، بل كانت دائماً صلاته أطول من خطبته.

إذن تعرفي على أخي علاء الدين ؒ أدى إلى تعرفي على هذا الشيخ الذي عرفت فيما بعد أن أستاذنا العلامة أحمد راتب النفاخ ؒ يجلس أمامه جلسة طالب العلم، ويبدي له من الاحترام والتكريم ما هو أهله.

كما تعرفت في بيت العلم هذا على الأخ الأكبر شهاب الدين ؒ الذي توفي شهيداً فيما بعد، وكان شهاب الدين هذا يدرس اللغة العربية في الجامعة، وكان في السنة الجامعية الرابعة.

وهناك عدد من الطلاب الآخرين، منهم من كان في المدرسة التي أدرس فيها، ومنهم من كان يدرس في مدارس أخرى، كالأستاذ الكبير أحمد المفتي الذي كان متعدد المواهب، وكان معنا في الجامعة يدرس اللغة العربية أيضاً.

أعود لقصة هذا البحث، حيث دخلنا الجامعة، وفي نفوسنا رهبة من الأستاذ (النفاخ)، كما كنا نختصر اسمه، وأول رؤية له كانت في أول أسبوع من الدراسة، حيث كنا ننتظر صدور الجدول الأسبوعي للدراسة، وفي ردهة من ردهات الجامعة التي كانت فيها لوحة الإعلانات ننتظر صدور الجدول، وإذا بالطلبة وعددهم بالمئات يكثر لغطهم وصياحهم: الأستاذ النفاخ، الأستاذ النفاخ، وكان يمر في هذه الردهة، وبعضهم يعرفه، فتجمع عليه الطلاب، وبدؤوا يتدافعون باتجاهه، وكان قرب باب أحد مدرجات الجامعة، فألجؤوه إلى الدخول إلى القاعة، فدخل وانتظر على الباب حتى تدافع الطلاب وملؤوا القاعة، فأقفل الباب من الداخل، وبدأ الأستاذ يتحدث، وكان حديثه ثائراً منفعلاً وبصوت عالٍ يرغو ويزبد، وأذكر مما قال: إن لهذا القسم آدابه، ونظامه، واعلموا أن كل من تسوّل له نفسه بالخروج عن هذا النظام، فسأسحقه بقدمي هاتين.. وتابع كلامه لدقائق معدودة، ثم خرج وتركنا مشدوهين أمام هذه اللغة الغريبة التي لم نعهدها عند مدرسي الثانوية، فكيف بمدرس في الجامعة.

ولما بدأت الدراسة، وانتظم الطلاب في الدوام، كان حظنا من الأستاذ العلامة أحمد راتب النفاخ ساعة في الأسبوع، يدرّسنا فيها الأدب الجاهلي، وشرح لنا كل السنة قصيدة للشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى الي مطلعها:

صحا القلبُ عنْ سلمى وأَقْصَر باطلُه

                                   وعُرّيَ أفراسُ الصِّبا ورواحِلُهْ

وعرفنا عندها أن الشهرة التي اكتسبها أستاذنا أقل من الحقيقة بكثير، وأنه أعلى مما علق بأذهاننا عنه، فلم يكن يحمل دفتر تحضير، أو كتاباً يستعين به كغيره من الأساتذة، بل كان كل شيء يسرده وكأنه يقرأ من كتاب، فيذكر الشواهد الشعرية، وأقوال الأدباء والنقاد، وحتى المحدثين والمفسرين بنصّها تامة غير ناقصة.

ومرة أثناء محاضرته طلب ممن عنده رغبة في كتابة بحث في مادة الأدب أن يحضر إلى المدرج في ساعة محددة، وهناك يعرض علينا موضوعات، فيختار الحاضرون ما يشاؤون منها.

وفعلاً كنت من الذين حضروا هذا الموعد، وكان عددنا قريباً من الخمسين طالباً وطالبة، ووجدنا أن أستاذنا العلامة قد كتب على السبورة عدداً من الموضوعات للبحث، وبدأ يخير الطلاب بالموضوعات التي يختارونها، ثم نظر إلي وقال: أنت اكتب في هذا الموضوع: «مشكلة اختلاط الشعر والاختلاف في نسبته»، وكان كلما تقرر موضوع على طالب من الطلاب، يذكر له المصادر والمراجع التي يحتاجها الطالب في بحثه.

وعندما جاء دوري قال لي: موضوعك لم يطرق كبحث ودراسة مستقلة، وقد كتبت [أي أستاذنا العلامة] عنه في رسالة الماجستير التي كانت عن الشاعر عبد الله بن الدمينة، ولذلك بإمكانك الحضور عندي في بيتي لأعطيك رسالة الماجستير لأنها غير مطبوعة، فقلت إن ديوان عبد الله بن الدمينة عندي، فأنا أعلم أنه في مكتبة أخي، فقال: طبعتُ الديوان دون الدراسة.

وخرجنا وأنا أفكر كيف أصل إلى بيته، ولم يسبق لي أن ذهبت إليه، أو عرفت من يعرفه، وبدأت أسأل عن ذلك من أعرف من أصدقائي الطلاب، حتى سألت الأستاذ الشاعر الموهوب أحمد المفتي، فأجابني ضاحكاً مستغرباً قائلا: أنت تعتبر نفسك تلميذاً للشيخ أحمد أكبازلي، وأولاده علاء الدين وشهاب الدين، ألا تعلم أن الأستاذ شهاب الدين معروف أنه راوية للأستاذ النفاخ، وأن الأستاذ النفاخ يعتبر نفسه طالباً عند الشيخ أحمد، ويزوره في بيته، ويجلس بين يديه جلوس الطالب أمام الشيخ، ويكنّ له كل احترام وتبجيل.

وفعلاً زرت الشيخ أحمد في بيته، ولما دخل الأستاذ شهاب الدين ؒ قلت له: هل أستطيع أن أذهب معك بزيارة للأستاذ العلامة أحمد راتب النفاخ، فضحك وقال: حباً وكرامة.

واتفقنا على موعد للزيارة، وفعلاً ذهبت مع الأستاذ شهاب الدين، وجلست أمام الأستاذ كطالب مؤدب في قلبه رهبة من هذا العلَم الكبير الشاهق، وأنا أستمع إلى حديثه، ورأيت الفارق الكبير بين أسلوبه في المحاضرات، وأسلوبه في بيته، فقد كان دمث الأخلاق، عنده شيء من روح النكتة، ويتحدث على سجيته الهادئة، ما لم يُثره أمر لا يقبله، أو شخص لا يتحمله، وإلا فهدوؤه عجيب رائع، وكلامه لا يخرج عن الفصيح، وهو كما يقول: إن كثيراً من كلام العامة لا يفهمه، ومع كل هذه الصفات الرائعة فيه، بقيت الرهبة منه في قلبي، ولذلك لم أجرؤ أن أسأله عن الموضوع الذي جئت من أجله، وانتهت الجلسة ونهضنا واتجهنا نحو الباب، وعند الباب قال لي: انتظر قليلاً، ومع أن هذه الزيارة كانت بعد مضي قريب من ثلاثة أشهر من موضوع البحث، حتى استطعت الوصول إليه، فدخل إلى الداخل، ثم عاد وبيده رسالته للماجستير، وهي ليست كتاباً مطبوعاً، وإنما هي مطبوعة على الآلة الكاتبة، ومجلدة تجليداً جيداً، فقال: خذ هذه، واستعن بها على موضوعك.

أخذت الرسالة منه وأنا فرح وفخور، فرح لأنني سأعود إليه على الأقل لأعيد له الرسالة، وفخور لأنني تعرفت على هذا العَلَم الشامخ، والعلامة الرائع، والعالم العظيم، وبدأت أزوره بعد هذه الزيارة كل خميس، وأمضي (السهرة) عنده إلى منتصف الليل أو أكثر، حيث كان يحضرها عدد من الطلاب والأساتيذ والعلماء، والجلوس معه يعطيك من العلوم ما لا تستطيع الحصول عليه على مقاعد الدرس، أو مجالس المشايخ، وكانت من أروع السهرات التي بقيت في نفوسنا، وكنت أصحب في بعض الزيارات بعض الأصدقاء أو الأساتذة الذين يطلبون مني أن أصحبهم لزيارته، فهم يسمعون عنه، ولا يعرفون كيف الوصول إليه، وبقيت مواظباً على زيارته حتى خرجت مسافراً عام 1974م.

هذه قصة هذا البحث الذي تمت كتابته عام 1970م، واطّلع عليه أستاذنا العلامة، ووضع بعض الملاحظات حوله، فصححت ما أشار به، ولكن لم يطلب مني قراءته على الطلاب في مدرج الجامعة لطوله، فكل الطلاب الذي كُلِّفوا بالبحث كانت أبحاثهم قصيرة، وتُقرأ على الطلاب تشجيعاً لهم على البحث والإلقاء، إلا أنه ذكر موضوعي في محاضرة له، وشكرني على كتابته، وأنه لن يطلب مني قراءته لطوله، حيث لا يكفيه وقت المحاضرة المقرر.

حسن حسن فرحات

الرياض

5 رمضان المبارك 1440هـ.

10/ 5/ 2019م.

توطئة

حاولت في هذا البحث أن أطلع على مشكلة من مشكلات الأدب العربي القديم، ولم أكن أتصور أنه سيطول بي البحث إلى هذا القدر، فلقد كنت أتوقع أن المشكلة يسيرة، ولا كبير تعقيد فيها، ولكني مع ذلك خضتها، وما يدفعني إلى خوضها إلا حبي لأولئك العرب الذين غذوني بفكرهم وثقافتهم، ومنحوني – أنا وكل عربي – ما يملكون من طاقة روحية حية، وعاطفة عذبة، وشعور فياض، وروح سمحة، كل هذا جعلني أندفع في عملي دون شعور بالملل أو التعب، ولأول مرة أشعر بقيمة أدبنا العربي العظيمة، وما له من يد على الأجيال العربية إلى أبد الدهر، ولأول مرة أراني أهزأ - من كل قلبي - من أولئك الذين يحاولون الخفض من قيمته، أو يحاولون النيل منه، وإبعاد الناس عنه، وأراني أندفع وراءه لأتشبث به، وأدعو غيري – من أبناء قومي – ليتشبثوا به أيضاً، لكي نبقى محافظين على شخصيتنا وميزتنا، وألا ننساح وراء المد الشعوبي، أو المد الغربي، فنضيع كما ضاع اليونان في الرومان، وكما ضاع الرومان في مَن بعدهم، وتشتتوا حتى ذابوا، ولم يعد لهم إلا الذكر فقط.

قد يعتري الناظر في هذا الموضوع بعض الشكوك حول الأدب العربي، وأنه اختلط بعضه ببعض، وأن فيه منحولاً وضائعاً، ولكن كل هذا لا يؤثر في الأدب العربي شيئاً، أو إن أثّر فتأثيره واهٍ ضعيفٌ، لأن المختلط والمنحول والضائع ليس كل الأدب العربي، وأن هذا المختلط والمنحول قليل بالنسبة للشعر الموجود المحفوظ لدينا، وليس من الحق في شيء أن يدعونا مثل هذا الأمر إلى إنكار الشعر القديم كله أو أكثره، أو إلى الشك فيه، فقد وصل إلينا شعر قديم محفوظ غير منحول ولا مختلط، وليس فيه شائبة.

وإني أرى أن في مثل هذه المشكلة ما يعدونا إلى أن نتمسك بأدبنا القديم أكثر مما لو اِنعدمت هذه المشكلة، يدعونا إلى أن نتمسك به حتى لا تضيع البقية الباقية منه إن أهملناه، وبذلك نكون قد فقدنا قسماً من تراثنا الروحي والثقافي والحضاري، وهذا مخالف لطبائع الأشياء، ومناقض لمبادئنا التي ننادي بها، ونعمل لأجلها.

ومن هنا رأيت أنه لا بد من أن أبدأ بمقدمة، ولو بسيطة أتكلم فيها عن شعرنا القديم وأهميته، ولماذا حافظ العلماء عليه، وكيف صانوه ونقحوه، مما اضطرني أن أبحث في رواية الشعر الجاهلي، وأصور العمل العظيم الذي قام به هؤلاء العلماء على مر العصور، وإن كان ذلك بسطور مقتضبة، بحيث لا أخرج عن دائرة البحث الأصلي، وسبب آخر اضطرني أن أتحدث عن الرواية هو صلة البحث بهذه الفقرة، إذ إن معظم الشعر الذي اختلط كان بسب الرواية، وأثناء حمله من راوية لآخر، ثم قادني البحث إلى التحدث عن مشكلَتَي الاختلاط والنحل، والفرق بينهما، ولماذا يجب علينا ألا نغالي بشكوكنا، ونفورنا من الأدب القديم، ومن هنا شعرت بأني بدأت أخوص المشكلة، وأقترب من البحث الأصلي، ثم وصلت إلى جوهر البحث، ولب المشكلة، فعرضت مظاهر اختلاط الشعر، والاختلاف في نسبته، وبيّنت أنها على شكلين، هما:

1-     اختلاف الرواة في عزو قصيدة ما إلى شاعر معين.

2-  تداخل قصيدتين أو أكثر، على وزن واحد، وروي واحد، وموضوع متقارب فيما بينهما، فمرة تنسب لهذا الشاعر، وأخرى تنسب لآخر.

ثم خضت البحث في أسبابها، وبينت أنه انحصر في أسباب أولها حصل عن طريق الرواية والرواة، ثم عن طريق المغنين وتلفيقهم للأصوات، وأيضاً عن طريق النساخ وصنيعهم عندما يجمعون قصيدتين مختلفتين أو أكثر لشاعرين مختلفين في قصيدة واحدة، فينسبونها مرة لهذا، وأخرى لذاك، وكذلك صنيعهم بسبب التصحيف لتشابه أسماء الشعراء أو أسماء النساء اللاتي تغزل بهن الشعراء، إن كان الشعر في التشبيب.

وبعد أن انتهيت من البحث في أسباب المشكلة، تعرضت لعلاجها، فكان على شكلين: الأول نقد وجوه الرواية وأسانيدها، فبحثت في قضية الإسناد، والثاني في النقد الداخلي، وتحليل النص، وهذا ينقسم بدوره إلى قسمين، حيث نستطيع أن نلم بخصائص الشعراء المكثرين وميزاتهم، وبذلك نستطيع أن نثبت من شعرهم المختلط  كان لهم أم لغيرهم، وأما الشعراء المقلّون فتبقى مشكلتهم قائمة.

أما القسم الثاني، فقد نستطيع أن نفيد من الإشارات التاريخية أو العمرانية أو الأعلام  لنعرف من قائل هذا الشعر، وأيضاً نجد أن هذه الطريقة الثانية عقيم كسابقتها، إذ إن النتائج في كلا الاثنين ترجيحية لا يقينية.

ثم ختمت القول بأنه بِاستطاعتنا أن نلجأ إلى حل آخر عام، وهو تقسيم الشعر إلى زمر ومدارس، فمثلاً زمرة الغزليات، وفيها من المدارس مدرسة عمر بن أبي ربيعة، وزمرة الخمريات وفيها من المدارس مدرسة أبي نواس.

اعتمدت في هذا البحث بشكل رئيس على ديوان عبد الله بن الدمينة تحقيق ودراسة الأستاذ أحمد راتب النفاخ، وأقول بأن طريقة دراسة البحث هي من ذلك الكتاب، وأنني كم حاولت أن أتخلص منها، فلم تنجح هذه المحاولات إلا في مواضع نادرة من البحث، وبذلك لا يكون هذا البحث قد أتى بشيء جديد عدا الاجتهادات الشخصية النادرة في مواضع متفرقة فيه، كانت نتيجة مطالعات في كتب الأدب الأخرى، وبذلك يبقى بحث الأستاذ أحمد راتب النفاخ -على صغره وعمومه- هو البحث الأول والأخير حتى الآن، فهو الذي تحدث عن هذه المشكلة، وإنني أحب أن أقول بأن هذا البحث هو الذي أنار لي الطريق، وسار معي حثيثاً حتى استطعت أن أكتب ما كتبت، وعلى كل حال يبقى عذر هذا البحث، وإن اعتمد على غيره، أنه المحاولة الأولى للكتابة من قبل صاحبه، وإن شاء الله أحاول جهدي أن أقوم في المستقبل بدراسة مستوفاة للمشكلة نفسها، علّها تعطي الأدب العربي نتيجة مرضية، ولها قيمتها.

ثم على عدد من المصادر والمراجع أذكرها في نهاية البحث.

      

الشعر العربي القديم

إن أية أمة تبحث عن آثارها وتاريخها، كيف لا وهذه الآثار وهذا التاريخ هما أصل هذه الأمة، وهما غذاؤها الروحي والعقلي، وإن أية أمة لا تأتيها الثقافة الخاصة إلا عندما تعود إلى تاريخها لتكتبه، وتثبته وتحفظه من أيدي بعض المغامرين والمغالين الذين يمدون أيديهم ليدنسوا هذا التاريخ (وليحوروا فيه) حسب أهوائهم، وحسب غاياتهم ومقاصدهم.

وإذا عدنا إلى أدبنا القديم، فإنما نعود من أجل هذه الأشياء، فهو من تراثنا، ومن غذائنا الروحي والثقافي، وما العرب القدماء إلا آباؤنا وأجدادنا، عاشوا على هذه الأرض، ومنحوها من حبهم وجهادهم، وبذلهم الشيء الكثير، فلا غرو إذا مددنا أيدينا إلى هذا التراث لنحقق فيه، وندقق ونفصل، ولا نزعم أن الأدب القديم لم يُدرس قبل هذا العصر أو القرن أو الجيل، فالأدب يُدرس ويُنقح منذ كان، ولقد عمل العلماء العرب جاهدين لحفظه وصونه، حتى استطعنا نحن أن نقرأه، وأن نطلع عليه، وهذا العمل الذي قام به العلماء، إنما هو عمل بدأ منذ بدأ الشعر تقريباً، وإن لم يكن في البداية عملاً علمياً حقيقياً؛ حيث كان يعتمد على الرواية والحفظ دون التدوين، وعندما ظهر الإسلام، ونصره الله في ربوع الجزيرة العربية، وأنزل القرآن الكريم على محمد e بهر العرب بأدبه، (وسحرهم) بصياغته، ولأول مرة يقف العرب عاجزين عن التحدي الذي جاء به القرآن عندما قال: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 88، 89]، وأيضاً: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23].

أمام هذا التحدي الصارخ للعرب أمراء البيان، وأصحاب البلاغة، لم يقف أحد، ولم نسمع بأحد منهم، لا في القديم، ولا في الحديث أنه تحدى القرآن وعارضه، فأصدر كتاباً، أو فصلاً،  أو قولاً يثبت خطأ دعوى الآيات، بل كان العكس، فقد وقف العرب حائرين مشدوهين من تأثيره وبلاغته، ولتعنتهم كانوا يصفونه مرة بالسحر، وأخرى بالشعر، وثالثة بأنه تعاويذ كاهن، ومع كل ذلك فقد سُحروا به، وكثير منهم آمن به لسماعه، ونحن هنا لا نريد التحدث عن إعجازه، فكتب كثيرة ظهرت في هذا الموضوع، ولكننا نريد أن نصل من هذا إلى نتيجة، وهي ليست جديدة، ولكننا محتاجون إليها، فنضطر إلى ذكرها، وهي أن المسلمين عندما قرؤوا هذا الكتاب، وجدوا أنه كتاب عربي فصلت آياته وأحكمت، وأنه لم يتعدَّ لغتهم وبلاغتهم؛ ولذلك عندما بدأ العلماء المسلمون يشرحون للعامة القرآن الكريم، رأوا أن فيه مواضع لم يدركوا معناها، أو لم يغوصوا إلى جوهرها، فأخذوا يستوحون الشعر الجاهلي؛ ليصلوا إلى ما يريده القرآن الكريم، وكتب الأدب القديمة ذكرت من هذا الوجه أمثلة كثيرة، وأكبر مثال على ذلك حادثة عن ابن عباس([1])؛ عندما اختلف أعرابيان على بئر، فاقتضيا إليه، فقال أحدهما: أنا فطرتها، فعرف عندها ابن عباس t أن معناها أنه حفر البئر على خير مثال، فعرف معنى الآية التي تقول: ﴿فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر: 1].

إذن فانصراف العرب للأدب القديم كان من عهد قريب به، وإن كان الانصراف في البداية سبباً لفهم القرآن، إلا أنه تطور بعد ذلك عندما درس الأدب لنفسه، وخاصة بعدما ظهرت المدرستان الكوفية والبصرية، وهاتان المدرستان قدمتا للأدب خدمات لا تقدر، ففيهما بدأ العلماء يدرسون الأدب، وينقحونه، ويميزون الصحيح من المنحول، ثم يدونونه، فألّفوا المختارات والدواوين والأخبار والنحو والصرف والبلاغة ... إلى غيرها من علوم العربية، وقد امتدت هذه الدراسات إلى فترة طويلة حتى ما بعد القرن الخامس الهجري.

وإن ضاع أكثر كتب الأدب، وذهب ما ذهب من أدبنا القديم؛ فإنه لا يزال بين أيدينا موارد ومناهل ضخمة يعتمد عليها في دراسة هذا الأدب دراسة علمية حديثة، تعتمد على دراسة الأقدمين، ولا نستطيع أن ننكرها، أو نغفلها حقها، فالقدماء وإن أخطؤوا في بعض الأحيان، أو فاتهم أشياء، إلا أن دراساتهم تظل هي العماد الأول، كيف لا وبعض الدارسين القدامى عاصروا جاهليين، أو أخذوا عمن عاصر جاهليين([2]) كأبي عمرو بن العلاء مثلاً، وعلى هذا فنحن مضطرون أن نقبل دراسات الأقدمين، وأن نقبل حتى نتائج هذه الدراسات، ولو بشيء من الحذر، إلا أن المهم أن هذه الدراسات هي العماد الأول والأخير لكل ما نعرف عن هذا الأدب الجاهلي، وقد قيض الله لهذا الأدب علماء ثقات، قاموا مخلصين بدراساتهم الأدبية، حتى استطعنا أن نتصور هذا الأدب كما لو كنا في عصرهم تقريباً، فنحن عندما نقرأ (الأصمعيات)، أو (المفضليات) مثلاً، يغمرنا هذا الشعور، ونعجب بهذه الأعمال التي قام بها آباؤنا، ونحار أمام المشقات التي تكلفوها، وأتعبوا أنفسهم من أجلها، حتى حفظوا لنا تراثنا لنشعر دائماً بالصلة معهم، ونملأ ذخرنا الروحي بالذي جادت به قرائحهم.

رواية الشعر الجاهلي

لم يصل إلينا من الشعر الجاهلي إلا القليل، فقد قال أبو عمرو بن العلاء: «ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير»([3]).

ونحن إذا أردنا أن نتبين كيف وصل إلينا هذا الشعر الجاهلي، اضطررنا أن نبحث في قضية رواية الشعر الجاهلي، وهذا البحث لا نستطيع نحن أن نستفيض فيه كثيراً؛ لأن المجال هنا لا يتسع لذلك، ونحن هنا لا نطّلع على هذه المشكلة في هذا المقام إلا لأنها تتعلق مباشرة بموضوعنا الأصلي، وهو اختلاط الشعر والاِختلاف في نسبته، وهذا له علاقة قوية جداً بموضوع الرواية؛ لذلك أرى أن أتكلم عنها ولو بشيء يسير، علّنا نلقي بعض الأضواء على المشكلة لئلا نغوص بها فجأة وبدون تمهيد، فنشعر بالهوة والفجوة.

كانت الكتابة موجودة في العصر الجاهلي، ولكنها في نطاق ضيق، فلم يكن للتدوين([4]) من سعة الانتشار ما يتيح وجود نسخ كثيرة من الديوان الموحد تفي بحاجة العامة، ولكن كانت للشعر طرق خاصة أهم من الكتابة، حتى استطاع أن يصل إلى أيدي المدونين من العلماء، فدونوه وكتبوه بعد أن نقحوه ومحّصوه، وإذا أردنا أن نعود إلى تاريخ الرواية في الشعر الجاهلي، وجدناها تبدأ من الجاهلية نفسها، فالشاعر الجاهلي سابقاً كان ينشر قصيدته أمام أفراد قبيلته، وهؤلاء يحفظونها ويقومون بإذاعتها  بين القبائل الأخرى لانتشارها، وكان بعض الشعراء ينشدها في سوق عكاظ «قال الأصمعي: كان النابغة يُضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها»([5])، ومن سوق عكاظ كان الكثيرون يسمعون هذه القصائد، ويرويها الذي يسمعها لمن لم يسمعها.

وهناك طريقة أخرى لرواية الشعر، وهي طريقة الرواية، فقد عرف بعض الشعراء بأنهم رواة لغيرهم من الشعراء، وقد ذكر ابن قتيبة عدداً من هؤلاء الرواة، فذكر عن زهير أنه كان راوية لأوس بن حجر([6])، وأن الحطيئة كان راوية لزهير([7])، وذكر أيضاً أن الأعشى راوية المسيب بن علس([8])، وأن عَبيداً صاحب الأعشى راويته([9])، ولم يكن الأمر مقصوراً في رواية الشعر الجاهلي على هاتين الطريقتين، فهناك طرق أخرى كثيرة، فمثلاً كان الشعراء الصعاليك يروون شعر بعضهم؛ لأنهم أصحاب صنعة واحدة، ونستطيع القول بأن العربي بطبعه محب للشعر، فإذا سمع شعراً واستجاده حفظه، وأخبر به غيره، فلا ريب أن العلماء المدونين كان لديهم رصيد كبير من حَفَظَة الشعر ورواته، حتى استطاعوا أن يقدموا لنا هاته الدواوين الضخمة للشعر الجاهلي.

وفي عصر الإسلام تقدمت رواية الشعر كثيراً؛ حيث أصبح المفسرون بحاجة إلى هذا الشعر لتفسير كتاب الله، فقد كانوا يحفظون منه الكثير، «قال العائشي: كان عمر بن الخطاب ؒ أعلم الناس بالشعر»([10])، وقد كان e يستنشد الشعر كثيراً، ومثله بقية الصحابة.

إن رواية الشعر لم تنته عند عصر الخلفاء الراشدين، بل تابعت وسارت حتى وصلت إلى عصر التدوين، فقد كان الحطيئة راوية زهير([11])، وتتلمذ هدبة بن خشرم للحطيئة، وصار راويته، وتتلمذ جميل بن معمر لهدبة، وروى شعره، وتتلمذ كثير عزة لجميل، فأصبح راويته، وكان ذو الرمة راوية للراعي([12])، وشعراء عددهم غير قليل أولئك الذين كانوا رواة([13])، وليس من الضروري أن يكون الشاعر راوياً لشاعر واحد، وإنما كان بعضهم يروي لشعراء كثيرين، ونستطيع القول بأن أكثر شعراء القرن الأول الهجري رووا الشعر الجاهلي وحفظوه.

وما أن يطل القرن الثاني للهجرة حتى يظهر رواة علماء بالشعر، وهؤلاء الرواة منهم من دوّن الشعر ونقّحه وصحّحه، وميّز المنحول من الصحيح، وقد قام هؤلاء العلماء، ومن جاء بعدهم، بعملهم على أتم وجه، واتبعوا تقريباً([14]) طريقة رواية الحديث الشريف؛ حيث اتبعوا الإسناد.

وتسلسلت الدراسات الأدبية إلى ما بعد هؤلاء الرواة العلماء، ولكنها التزمت الإسناد، وإن لم يكن الإسناد متواتراً، وقد كان الإسناد يصل إلى الطبقة الأولى من العلماء الرواة أمثال حماد، وأبي عمرو بن العلاء، والمفضل الضبي وغيرهم.

وعلى كل حال، نستطيع أن نقول بأن هاتين المرحلتين كانتا جديدتين على الأدب العربي، ففيهما بدأت الرواية تأخذ شكلها العلمي، فلا يقبل الراوية إلا الشعر الذي تثبت صحته، فهذا ابن هشام يقول في بداية سيرته: «وتارك بعض ما ذكر ابن إسحق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله e فيه ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سبباً لشيء من هذا الكتاب، ولا تفسيراً، و لا شاهداً عليه! لما ذكرت من الاختصار، وأشعاراً ذكرها لم أر أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته، ومستقصٍ -إن شاء الله تعالى- ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له والعلم به»([15]).

فظاهر من كلام ابن هشام أن العلماء لم يأخذوا كل شيء يرِدُهم، بل كانوا يحققون ،ويمحّصون، كما فعل أصحاب الحديث الشريف، وهذه المرحلة تلت تماماً مرحلة سابقة هي سببها، فقد كان خلفاء بني أمية يأتون بالرواة والقصاص ليقصوا عليهم من أخبار العرب وأيامهم وأشعارهم، فكان بعضهم يضع الشعر وينحله، فانتبه العلماء لذلك، وساروا في طرقهم الخاصة في البحث والتنقيح.

وتأتي المراحل الأخيرة، وهي مراحل طبقات العلماء المتأخرين الذين أخذوا الدواوين والمختارات التي جمعها العلماء الأوَل، فإما أن يضيفوا إليها أشياء جديدة أخذوها عن علمائهم ومشايخهم، وإما أن يضعوا عليها شروحاً من هؤلاء العلماء، ولذلك وصلت إلينا هذه الدواوين والمختارات متعددة، وهي تتقارب وتتباعد حسب أصحابها الذين توارثوها، فنحن نجد أن الأصمعيات التي طبعها وليم أبو الورد تختلف كثيراً عن الأصمعيات التي طبعها شاكر وهارون([16])، وقد ذكر هذا الأخيران في مقدمة التحقيق كثيراً من الخلاف والفروق بين الطبعتين، وقالا: «فالظاهر أنه طبعها عن نسخة سقيمة لا يوثق بها»([17]).

هذه لمحة موجزة عن الرواية في الأدب العربي، وقد حاولت أن أختصرها إلى أبعد حد، حتى كدت أن أجعلها كوّة صغيرة جداً، وذلك حتى لا أنحرف عن المقصد الأساس، وهو اختلاط الشعر والاختلاف في نسبته.

وبعدما سبق نستطيع أن نطل من هذه الكوّة -على صغرها -على بحثنا الرئيس، ونستطيع أن نسير به خطوة خطوة، لعلنا نطّلع على شيء لم يبحث بحد ذاته في موضوع منفرد قبل اليوم، اللهم إلا ذلك البحث الذي كتبه لأستاذ أحمد راتب النفاخ في كتابه عبد الله بن الدمينة، وبذلك يكون بحث الأستاذ أول من فتح باب هذه المشكلة، فبيّنها، وما هو خطرها، وبيّن أسبابها وعلاجها، ونحن هنا إذا أردنا أن نكتب عنها لم نجد بين أيدينا إلا هذا الموضوع، ثم هناك الحوادث المنفردة، والكلمات والجمل الضائعة التائهة بين تلافيف الكتب القديمة؛ حيث أشاروا إليها من قريب أو بعيد، حسب العرض والسياق.

الاختلاط والنحل

قد يبدو للباحث من أول وهلة أن الاختلاط والنحل شيء واحد، وأنه لا فرق بين كليهما، ولكن عندما يتعمق الباحث قليلاً يجد الفرق بين الاثنين واضح، ويقول الأستاذ أحمد راتب النفاخ في كتابه عبد الله بن الدمينة: «فإن قضيتنا هذه، أي اختلاط الشعر، أوسع مدى، وأكثر تعقيداً، وما قضية النحل والانتحال، في بعض صورها، إلا سبب من أسبابها، كما سنذكر بعد قليل»([18]).

إذن فالنحل قسم من اختلاط الشعر والاختلاف في نسبته، والاختلاط أمر كبير طرأ على قسم لا بأس به من أدبنا القديم، وبذلك أرانا مضطرين أن نبحث في هذه المسألة المهمة حتى نستطيع أن نطمئن إلى أدبنا، وأن نفيد من دراستنا في ذلك.

هاتان المسألتان خطيرتان جداً على الأدب العربي، إن غالى الباحث فيهما أو أهملهما، فلا بد من البحث في أمرهما، ولكن -كما أقول- بدون مغالاة، أو بتحفظ، فهما لم تدخلا في شعرنا القديم كله، وإن دخلتا في قسم لا بأس به منه.

لقد بحثت قضية النحل والانتحال، وبحثها أكثر من كاتب ومؤرخ آداب، وقد غالى فيها بعضهم حتى وصل إلى حد إنكار الأدب الجاهلي كله تقريباً، أو إلى إنكار أكثره، فيقول: «فأول شيء أفجؤك به في هذا الحديث هو أنني شككت في قيمة الأدب الجاهلي، وألححت في الشك، أو قل ألحّ عليّ الشك، فأخذت أبحث وأفكر، وأقرأ وأتدبر، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقيناً، فهو قريب من اليقين، ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهلياً ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام»([19]).

وهو لا يكتفي بهذا الإنكار، بل إنه ينكر أعمال العلماء الأول كلها، فهو لا يعترف بما قال القدماء([20])، ويقول: «بأنهم لم يفرقوا بين عقولهم وقلوبهم... فإن نحن حررنا أنفسنا إلى هذا الحد، فليس من شك في أننا سنصل ببحثنا العلمي إلى نتائج لم يصل إلى مثلها القدماء»([21]).

هذه المغالاة -كما أرى- ليس هدفها العلم والحق، كما يزعم صاحبها، بل هدمها – إن بحثنا في الأمور النفسية- الابتكار لشيء لم يصل إليه أحد، أو بصورة أوضح هدفها الزعامة باسم العلم، وباسم العقل المجدد، فصاحبها يزعم أنه يريد أن يتوصل إلى نتائج لم يصل إلى مثلها القدماء، ترى هل إذا كان القدماء توصلوا إلى حقائق، هل لنا أن ننحرف عنها؛ لأنها قديمة؟ ألا نقبل ما قاله القدماء إن كان علماً وحقاً؟ أم نحن نريد ألا نكون مقلدين، وألا نقبل أفكاراً قديمة، سواءً أكانت باطلاً أم حقاً؟

إذا كان الهدف كذلك، فنقول بأن هدف صاحب البحث العلمي ليس هو العلم، وإنما هو الظهور والفساد -إن صح علم النفس وصحت نظرياته-.

هذه المغالاة قد تدمّر الأدب، وتمحو لنا عصراً كاملاً من عصور الأدب العربي -إن تبعناها-وهو العصر الجاهلي، ونحن لا نقول هذا الكلام دفاعاً، أو لأننا نحب أن يكون لنا أدب جاهلي، ولكن الحق هو الذي يقول هذا، لماذا نحن نرفض الحق، ونقول بأنه ليس لنا أدب جاهلي؟ ولماذا نرفض الحق ونقول بأننا نريد أن نصل إلى نتائج لم يصل إليها القدماء؟ لماذا لا نقول: نريد أن نسير على طريق الحق، فإن وصلنا إلى شيء قاله القدماء قبلناه، وإلا فما كان خارجاً على الحق من القدماء رفضناه، أو بعيداً عن العلم أبعدناه وأنكرناه؟.

ولكن يأبى نفر من الناس إلا أن يركب رأسه وغروره، ليثبت لنا أنه اطلع على أقوال مستشرقين أمثال مرجوليوث، وهوار، ليثبت لنا أنه أخذ من الحضارة الحديثة بسبب، ولا يهمّه إن كان هذا المستشرق قد بحث بأسلوب ظاهره علمي، وفلسفته غربية حاقدة على الشرق، أو إذا كان بحثه بأسلوب غير علمي ترافقه الفلسفة الحاقدة! نحن إذا أردنا أن نسير في الصراط المستقيم علينا أن لا ننظر في أيدي الأوروبين ماذا يحملون فنحمله إن كان حقاً أم باطلاً، علينا أن نأخذ ما يوافق طبائعنا، وندع ما يخالف، لا أن نأخذ كل ذلك جملة، فنقول كما قال صاحبنا نفسه: «أن نسير سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب»([22]).

أظن أن طه حسين -في هذا المقام- فعل ما أبعده في كتابه في الأدب الجاهلي- مع أن هذا الكتاب (مستقبل الثقافة) بعد كتابه في الأدب الجاهلي- حيث يقول هناك: «يجب ألا نتقيد بشيء، ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح، ذلك أنا إذا لم ننس هذ العواطف، وما يتصل بها، فسنضطر إلى المحاباة، وإرضاء العواطف، وسنغل عقولنا بما يلائمها، وهل فعل القدماء غير هذا؟» ([23]).

هنا أرى أن طه حسين استعمل عواطفه، ولم يستعمل عقله وعلمه، وأنا لا أتصور أن العقل والعلم يطالب الإنسان بما يحمد ويعاب، وما يحب وما يكره، وبالخير والشر، والحلو والمر، ولكن المغالاة هي التي اضطرته أن يقول هذا، سواء أكان كلامه في بحث عاطفي، أم في بحث علمي.

أرى أني قد استطردت بالقول عن طه حسين، وانتحاله واحتياله، ولكنها على كل حال مفيدة من جهتين: فهي تعرض لنا المغالاة باسم البحث العلمي مع نتائجها، وأيضاً تعرض لنا المغالاة عند البحث في أمور عاطفية أكثر منها عقلية.

وأرى أيضاً أن من الأفضل أن ندع هذه المغالاة؛ لأنه قد تبين لنا ضررها، وأن نسير في طريقنا، لا يدفعنا فيها إلا الحق، والحق وحده، وسيبقى الأدب الجاهلي، ويبقى تدريسه، ويبقى ذخيرة للعرب وتراثهم، وأحد مناهل ثقافتهم.

والاختلاط في الشعر -كما قال الأستاذ أحمد راتب النفاخ- أهم وأخطر من قضية النحل والانتحال، ولذلك يجب على الباحث هنا أن يكون حذراً، وإلى أبعد نقطة في الحذر، وأن النتائج التي قد تصل بأي باحث في هذه القضية أرى أنها ظنية أكثر منها يقينية؛ لأن مواد الدراسة معدومة كما سيتبين لنا عندما نخوص في المسألة.

مظاهر اختلاط الشعر

إن هذه الظاهرة ليست موقوفة على الشعراء الجاهليين والإسلاميين، بل تعدت حتى ما بعد عصور التدوين، ووصلت حتى أواخر القرن الثالث الهجري، مثلاً حدث اختلاط في أشعار أبي العتاهية (211هـ)، وأبي نواس (198هـ)، ومسلم بن الوليد (208هـ)، حتى وصلت إلى أيام البحتري (284هـ)؛ حيث نازع أبا جعفر الشطرنجي في أحد عشر نصاً بين قصيدة ومقطعة تنسب لكل منهما، وهي أيضاً لم تقتصر على شعراء الحواضر، بل تعدتهم إلى شعراء البادية.

إذا وصلت هذه المشكلة حتى ما بعد عصور التدوين، فكيف بها قبل الإسلام؟ من الأولى هنالك والأعقل أن تشيع أكثر من عصور التدوين وما بعدها، ونحن نكاد نلاحظ أنه لم يخل فيها ديوان من دواوين الجاهليين.

وإذا كانت شملت شعراء الحضر، فكيف بشعراء البادية؟ وشعراء الحضر تتيسر لهم سبل كثيرة لحفظ شعرهم من الاختلاط والاختلاف.

ذاً فهذه المشكلة تكاد تغطي عدداً من دواوين شعرنا القديم، وتتسع، وهي في هذا كانت على شكلين اثنين، هما:

أ‌-            اختلاف الرواة في عزو قصيدة ما إلى شاعر ما.

ب‌-   أن تتداخل على ألسنة الرواة قصيدتان، أو مقطعتان فأكثر لشاعرين أو شعراء مختلفين، ويروى ذلك على أنه قصيدة واحدة تنسب لهذا مرة، ولذاك أخرى.

إن هذين الشكلين هما البارزان في هذا الوجه، والضرب الأول منها أكثر شيوعاً من الثاني، وأوسع مادة، وأكثر شواهد على ما أظن، وهذا ما دعا سيبويه ألا يذكر أسماء ناظمي شواهده، وفي ذلك يقول صاحب الخزانة: «وإنما امتنع سيبويه عن تسمية الشعراء؛ لأنه كره أن يذكر الشاعر وبعض الشعر يروى لشاعرين، وبعضه منحول لا يعرف قائله، لأنه قدُم العهد به، وفي كتابه شيء مما يروى لشاعرين، فاعتمد على شيوخه ونسب الإنشاد إليهم»([24]).

ونحن إذا بحثنا في كتب الأدب عن شواهد لهذين الشكلين، وجدناها مفعمة بها، ومن الأمثلة على ذلك قصيدة مطلعها:

لا وأبيك ابنة العامر

 

يّ لا يدّعي القوم أني أفرّْ

قال عنها صاحب الخزانة إنها لامرئ القيس، ثم قال بعد أن أورد هذا البيت: «وأثبت هذه القصيدة له (أي لامرئ القيس) أبو عمرو الشيباني وغيره، وزعم الأصمعي في رواية عن أبي عمرو بن العلاء أنها لرجل من أولاد النمر بن قاسط، يقال له ربيعة بن جعشم، وأولها عنده:

أحار بن عمرو كأني خمرْ

 

ويعدو على المرء ما يأتمرْ»([25])

وأورد المبرد في كامله: «قال الشاعر، وهو أمية بن أبي الصلت:

يوشك من فر من منيته

 

في بعض غراته يوافقها

من لم يمت عبطةً يمت هرماً

 

للموت كأس والمرء ذائقها

قال أبو الحسن: هذه الأبيات أربعة، وهي لرجل من الخوارج قتله الحجاج»([26])، ثم أورد البيتين.

وأورد صاحب الخزانة هذا البيت:

جزى ربه عني عدي بن حاتم

  جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

ثم قال: «وهذا البيت لأبي الأسود الديلي يهجو به عدي بن حاتم الطائي، وزعم ابن جني وغيره أنه للنابغة الذبياني»([27]).

وأورد أيضاً هذا البيت:

أَخُو رَغَائِبَ يُعْطِيهَا وَيُسْأَلُهَا   يَأْبَى الظُّلاَمَةَ مِنْهُ النَّوْفَلُ الزُّفَرُ

وقال عنه إنه من قصيدة أبياتها أربعة وثلاثون بيتاً لأعشى باهلة، ثم ينقل كلاماً من أمالي المرتضى في القصيدة، وهو: «وهذه القصيدة من المراثي المشهورة بالبراعة والبلاغة، قال:  وقد رويت أنها للدعجاء أخت المنتشر، وقيل لليلى أخته، قال: ومن هنا اشتبه الأمر على عبد الملك بن مروان، فظن أنها لليلى الأخيلية»([28]).

وأما الأمثلة عن الضرب الثاني: فما رواه القالي في أماليه قصيدة لسلمة بن يزيد يرثي أخاه لأمه قيس بن سلمة، وقد علق عليها أبو عبيد البكري في التنبيه فقال: «وقد خلط أبو علي ؒ في هذا الشعر، فأدخل فيها أبياتاً من قصيدة الأبيرد المشهورة التي يرثي به أخاه بريداً، وهي من قوله:

فتى كان يعطي السيف في الروع حقه  ............................

إلى آخرها.

وروى بعض الرواة أن خنساء باتت ليلة تنشد بيتين من أول هذا الشعر ترددهما، وتبكي أخاها صخراً وذلك بعد الإسلام، وهما:

أقول لنفسي في الخلاء ألومها

   

لك الويل ماهذا التجلد والصبر

ألم تعلمي أن لست ما عشت لاقياً

   

أخي إذا أتى من دون أكفانه القبر»([29])

     

وأورد صاحب الخزانة البيت التالي:

لئن كان برد الماء حران صادياً

 

إلي حبيباً إنها لحبيب

ثم قال: «نسب المبرد في الكامل بيت الشاهد إلى قيس بن ذريح، وذكر ما قبله كذا:

حلفت لها بالمشعرين وزمزم

 

وذو العرش فوق المقسمين رقيب

لئن كان برد الماء حران صادياً

  .................  البيت

ونسبه العيني إلى كثير عزة، وقال: هو من قصيدة أولها:

أَبى الْقلب إِلَّا أم عَمْرو وبغّضت

 

إليّ نسَاء مَا لَهُنَّ ذنُوب

حَلَفت لَهَا بالمأزمين وزمزم

 

وَللَّه فَوق الحالفين رَقِيب

لئن كان برد الماء حران صادياً

  .................  البيت

وَالصَّحِيح مَا قدمْنَاهُ، والبيتان من شعر غَيره دخيل، وَالله أعلم([30]).

وقد أورد الأستاذ أحمد راتب النفاخ شواهد عديدة على كلا الضربين([31]).

وهذه الأمثلة التي قدمناها إنما هي رموز صغيرة للمشكلة، فالناظر في كتب الأدب كالأغاني، وخزانة الأدب، والتنبيه لأبي عبيد البكري وغيرها، يجد من الأمثلة ما لا حصر له حول هذا الصدد، وقد يلاحظ الباحث أن أكثر  هذه الأمثلة إنما تتجه نحو أصحاب الغزل من عشاق البادية، وزعماء حركة النسيب فيها، كعروة بن حزام صاحب عفراء، وهو أحد العشاق الذين قتلهم العشق، وقيس بن ذريح الكناني صاحب لبنى، وهو أحد عشاق العرب المشهورين بذلك، ومجنون بني عامر الذي طبقت قصة حبه لليلى وأشعاره فيها الآفاق، وجميل بن معمر صاحب بثينة...([32]).

«والجامع بين هؤلاء أنهم عاشوا في بيئات بدوية متشابهة، وعانى كل منهم تجربة غرامية ألهبت عواطفه، فكان النسيب غالباً عليهم، بل إن منهم من لم يقل في غير النسيب، ولما كانوا يصدرون في شعرهم عن بواعث عاطفية واحدة، ويصورون أحوالاً نفسية متشابهة، وكان اللاحق منهم يروي شعر من سبقه، ويتأثر به، كان من ذلك أن تقاربت مذاهبهم في نسيبهم، ووقع في أشعارهم ما وقع من تداخل واِختلاط»([33]).

أسباب اختلاط الشعر والاختلاف في نسبته

-1-

في بداية حديثنا تطرقنا إلى بحث الرواية في الشعر القديم، ذلك لنلقي ضوءاً على الطريق الذي سار فيه الشعر القديم حتى وَصلنا، ونحن الآن سنزيد هذا الضوء قوة وإشعاعاً وإلماعاً لتتضح لنا علامات غابت عنا أثناء السير في المرة السابقة، وهذه العلامات هي المرتكزات التي سار عليها الشعر القديم حتى وصل إلينا بعضه مهزوزاً، وآخر مغموزاً، وثالث صحيحاً واضحاً.

ولقد قلنا في البداية بأن طريق الشعر القديم إلينا كان قبل عصور التدوين بواسطة الرواية، مع أن الكتابة كانت موجودة([34])، ولكن الرواة أبوا إلا أن ينشدوا الشعر إنشاداً، ويذيعوه بين الناس والقبائل عن طريق الرواية الشفهية، ومن أجل ذلك قال جرير:

وعاوٍ عوى من غير شيءٍ رميته

 

بقافيةٍ إنفاذها يقطرُ الدما

خروجٍ بأفواهِ الرواةِ كأنها

 

قرى هندوانيٍّ، إذا هزَّ صمما

وتحدثنا بطون الكتب أيضاً عن العلماء الذين نقحوا لنا الأدب القديم ودرسوه وحفظوه أنهم لم يستعينوا بالكتب، وإنما كانوا يستعينون بذاكرتهم، ويروي ثعلب في أستاذه ابن الأعرابي: «شاهدت ابن الأعرابي، وكان يحضر مجلسه زهاء مئة إنسان، كل يسأله أو يقرأ عليه، ويجيب من غير كتاب، قال: ولزمته بضع عشرة سنة ما رأيت بيده كتاباً قط، وما أشك في أنه أملى على الناس ما يُحمل على أجمال، ولم ير أحد في علم اللغة، والشعر أعلم منه»([35])، ومثله أبو علي القالي([36])، وكذا أكثر الطبقة الأولى والثانية من العلماء والرواة.

فإذا كان الطريق الذي وصل إلينا بواسطة الأدب القديم، وصفاته هذه، فلا بد أن يوجد فيه هفوات وفجوات، ونحن لا نستطيع أن نقر تماماً بأن الرواية الشفهية توصِل لنا الأدب سليماً من كل تشويه، فلا بد أن يكون قد طرأ عليه شوائب تؤثر فيه، وخاصة مانحن بصدده، فلا يعقل أن يكون هذا الراوية قد أملى كل ما أملاه سليماً مئة بالمئة كما حفظه، فمن البديهي مثلاً أن يلتبس عليه اسم باسم، أو بيت ببيت، أو حادثة بحادثة، فهؤلاء العلماء أملوا من حفظهم -فعلاً- كتباً تحمل على أجمال، «ومهما بلغ الإنسان من جودة الحفظ واتقانه، فإنه لا يؤمن أن يلتبس عليه اسم باسم، أو يُدخل شعراً في شعر، أو خبراً في خبر([37])، وقد كان هؤلاء العلماء أكثر ما يأخذون عن أعراب كانوا يفدون على الحواضر، وهؤلاء الأعراب لا نستطيع أن نجزم بأنهم كانوا حفظة بالشكل المطلوب، وهم كانوا يهتمون بالشعر أكثر مما يهتمون بالشاعر، ونحن لا نستطيع أن نجزم بصدقهم أيضاً، ففيهم كذابون وملفقون، وقد ذكر ذلك المبرد في كامله، ونقل عنه السيوطي في مزهره فقال: «ويلحق بهذا أكاذيب الأعراب، وقد عقد لها أبو العباس المبرد باباً في الكامل، فقال: حدثني أبو عمر الجَرْميّ قال:

أهَدَّمُوا بيتك لا أبا لكا

 

وأنا أمشي الدّألى حوالكا

فقلت لمن هذا الشعر؟ قال: تقول العرب: هذا يقوله الضب للحسل أيام ما كانت الأشياء تتكلم» ([38])،  وروى المبرد في هذا الباب: «وأنشد المازني للأعشى، وليس مما روت الرواة متصلاً بقصيدة:

فصدقتهم وكذبتهم

 

والمرء ينفعه كذابه»([39])

وروى أيضاً: «قال الأصمعي: قلت لأعرابي كنت أعرفه بالكذب: أصدقت قط؟ قال: لو لا أنّي أخاف أن أصدق في هذا لقلت لك: لا»([40]).

إذن، فقد كان الأعراب يكذبون على الرواة، ويضعون لهم الشعر أو يخلطون، إلا أننا نستطيع أن نستنتج من النص الأخير أن هؤلاء الرواة كانوا على علم بذلك، وكانوا يعرفون الكاذبين من الأعراب، وإن كان مثل هذا النص يدفع هذه الشبهة، إلا أنه لا يقوم بها إلى مقام اليقين، فلا نستطيع أن نجزم بأن أكاذيب الأعراب كلها عُرفت، بل نبقى حذرين من رواياتهم، عدا الذين ثبت توثيقهم وصدقهم، وهم بعد هذا، إن كانوا أمناء، قد ينسبون الشعر مرة لهذا، ومرة لذلك خطأ، فيذكر الراوية في كل مرة لواحد حسب ما سمعه، وبذلك يختلط الشعر بعضه ببعض، ويظهر الاختلاف في نسبته لأصحابه.

هذه هي الظاهرة العامة لأسباب الاختلاط، ولكن هناك أسباباً عديدة تكون وراء هذه الظاهرة، وسأستعرضها مجملة، وإن كنت قد نقلت عناصرها مع شواهدها من ديوان عبد الله بن الدمينة، عدا بعض الشواهد التي استخلصتها بنفسي من مراجعها المثبتة في الحاشية.

-2-

1- قد تشتبه قصائد متحدة بالوزن والقافية والمناسبة على بعض المتقدمين، فمرة ينسبونها لهذا، وأخرى للآخر، أو يخلطون فيما بينها، وإن كان هذا لم يخف على المتقدمين، ومن الأمثلة على ذلك:

أ‌-       أورد أبو الفرج في أغانيه أبياتاً لجميل أولها:

سقى منزلينا يا بثينَ بحاجرٍ

 

على الهجرِ منّا صيفٌ وربِيعُ

ثم قال: «من الناس من يدخل هذه الأبيات في قصيدة المجنون التي على روي وقافية هذه القصيدة، وليست له»([41]).

ب‌-   وقد استدرك أبو عبيد الله البكري في تنبيهه عندما ذكر أبياتاً لسلمة بن يزيد يرثي بها أخاه لأمه قيس بن سلمة، أولها:

أقول لنفسي في الخلاء ألومها

 

لك الويل ماهذا التجلد والصبر

الأبيات...، قال أبو عبيد في استدراكه: «الصحيح أن أخا هذا الشاعر لأمه المؤمن بهذا الشعر هو مسلمة  بن مغراء، وقد خلط أبو علي ؒ في هذا الشعر، فأدخل فيها أبياتاً من قصيدة الأبيرد المشهورة التي يرثي به أخاه بريداً، وهي من قوله:

فتى كان يعطي السيف في الروع حقه ...... إلى آخرها

وروى بعض الرواة أن خنساء باتت ليلة تنشد بيتين من أول هذا الشعر، ترددهما وتبكي أخاها صخراً، وذلك بعد الإسلام([42]).

ج- أورد صاحب الخزانة البيت التالي:

رَأَيْت النَّاس مَا حاشا قُريْشًا

 

فَإنَّا نَحن أفضلهم فعالا

ثم قال: «وهذا البيت قال العيني، وتبعه السيوطي: إنه للأخطل من قصيدة له، وقد راجعت ديوانه مرتين، ولم أجده فيه، ورأيت فيه أبياتً على هذا الوزن يهجو بها جريراً، ويفتخر بقومه فيها، وليس فيها هذا البيت»([43]).

د- ومثال آخر أورده نقلاً عن كتاب عبد الله بن الدمينة، وهو: «أورد العباسي في معاهد التنصيص أبياتا من عينيته، ثم قال: «وهي من قصيدة طويلة يخلطها الناس كثيراً بقصيدة لمجنون ليلى؛ لأنها توافقها في الوزن والقافية»([44]).

2- ولعل من الأسباب الأخرى هي الأسماء التي ترد في أبيات النسيب، فقد كان كثير من الشعراء يُعرَفون بأسماء من شببوا بهن، كالمجنون وليلى، وقيس ولبنى, وكثير عزة, وجميل وبثينة, وعروة وعفراء, ... ولورود مثل هذه الأسماء خلال الأبيات، كان الرواة ينسبون النص حسب اسم المرأة المذكور, مثال ذلك ما أورد الأستاذ أحمد راتب النفاخ نقلاً عن ابن قتيبة أنه نسب قصيدة لأبي صخر الهذلي إلى مجنون ليلى لورود اسم ليلى في مطلعها:

لليلى بذات الجيش دار عرفتها

 

وأخرى بذات البين آياتها سطر

بب

3- قد يكون من أهم الأسباب لاختلاط الشعر هو سبب الانتحال, فقد كان الشعراء يُغِيرون على بعضهم كثيراً، وينتحلون أشعار بعضهم.

‌أ-         روى أبو الفرج بإسناده عن الحسين بن الضحاك، قال: لما قلت قصيدتي:

بدلت من نفحات الورد بالآء

أنشدتها أبا نواس, فقال: ستعلم لمن يرويها الناس لي أم لك؟ فكان الأمر كما قال, رأيتها في دفاتر الناس في أول أشعاره»([45]).

ب- أورد أبو الفرج أيضاً بيتين، قال إنهما لجرير, ثم قال: وقد أخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب الصائغ قال: «حدثنا عبدالله بن مسلم بن قتيبة: أن هذين البيتين للمعلوط, وأن جريراً سرقهما منه, وأدخلهما في شعره»([46]).

وأورد أيضاً «أن جماعة تذاكروا أمر السيد الحميري، وأنه رجع عن مذهبه في ابن الحنفية، وقال بإمامة جعفر بن محمد، فقال ابن الساحر راويته: والله ما رجع عن ذلك، ولا القصائد الجعفريات إلا منحولة له قيلت بعده»([47]).

ج- ونقل الأستاذ أحمد راتب النفاخ عن ابن سلام: «قال ذو الرمة يوماً: لقد قلت أبياتاً إن لها لعروضاً, وإن لها لمراداً، ومعنى بعيداً, قال الفرزدق: وما قلت؟ قال: قلت:

أحين أعاذت بي تميم نساءها    ....................... الأبيات

فقال له الفرزدق: لا تعودن فيها, فأنا أحق بها منك! قال: والله لا أعود فيها، ولا أنشدها أبداً إلا لك! فهي في قصيدة الفرزدق».

وعلى كل حال فهذه السرقات والغارات التي كانت بين الشعراء لم تخف على العلماء، بل أوردوها، و دونوها في كتبهم، وعرفوا مواضعها.

ثم هناك طريقة أخرى للسرقة والانتحال، كتغير قوافي القصيدة، أو إحداث تبديل طفيف بين كلماتها, وقد أورد الأستاذ أحمد راتب النفاخ مثالاً على هذه الطريقة نقلاً عن كتاب الشعر والشعراء: «كان الكميت شديد التكلف في الشعر, كثير السرقة, قال امرؤ القيس بن عابس:

قف بالديار وقوف زائر

 

وتأيّ إنك غير آيس

يب

الأبيات ...

أخذه الكميت كله، وغيّر القافية، فقال:

قف بالديار وقوف زائر

 

وتأيّ إنك غير صاغر([48])

4

4- قد يصل الشعر إلى الرواة مغفلاً من النسبة، فيضع الرواة نسبته إلى من يرجّحون، وقد أورد أبو الطيب اللغوي في مراتب النحوين عن سعيد بن هريم البرجمي، قال: «حدثني من أثق به أنه كان عند حماد, حتى جاء أعرابي فأنشده قصيدة لم تعرف, ولم يدر لمن هي؟ فقال حماد: اكتبوها, فلما كتبوها وقام الأعرابي, قال: لمن ترون أن نجعلها؟ فقالوا أقوالاً, فقال حماد: اجعلوها لطرفة»([49]).

وقد يحدث مثل هذا عند الشعراء لذين اشتهروا بغرض جيد, فمن المعروف مثلاً أن أمية بن أبي الصلت كان يذكر كثيراً الجنة والنار, والجن والملائكة, وقصص الأقوام السابقة، وفي شعره ضرب من التوحيد, فأصبح الرواة ينسبون إليه كل الشعر الذي يروى وهذه صبغته, قال صاحب الخزانة: «كان النابغة (يقصد الجعدي) يذكر في الجاهلية دين إبراهيم والحنيفية، ويصوم ويستغفر فيما ذكر الرواة، وقال في الجاهلية كلمته التي أولها:

الحمد لله لا شريك له

 

من لم يقلها فنفسه ظلما

وفيها ضروب من دلائل التوحيد، والإقرار بالبعث، والجزاء والجنة والنار، وصفة بعض ذلك: على نحو شعر أمية بن أبي الصلت، وقد قيل إن هـذا الشعر لأمية بن أبي الصلت، ولكنه قد صححه يونس بن حبيب، وحماد الراوية، ومحمد بن سلام، وعلي بن سليمان الأخفش للنابغة الجعدي»([50]).

ومثل هذا وقع في شعر الغزلين، وخاصة الذين نحوا منحى عمر بن أبي ربيعة, وشواهد هذا كثيرة, وقد أورد صاحب الخزانة الشاهد التالي:

يَا مَا أميلح غزلاناً شدن لنا

 

من هؤليائكن الضال والسمر

ثم قال: «وروى العباسي في معاهد التنصيص عن بعضهم أنه من أبيات لبعض الأعراب، وذكرها في الدمية للباخرزي أنه أول أبيات ثلاثة لبدوي اسمه كامل الثقفي.

ثانيها:

بِاللَّه يَا ظبيات القاع قُلْنَ لنا ... ................. البيت

وثالثها:

إنسانة الْحَيّ أم أدمانة السَّمر

 

بِالنّهْي رقصها لحن من الْوتر

وقال العيني: إنه من قصيدة للعرجي، ومنها:

بالله يا ظبيات القاع......................... البيت

وهذا البيت قد روي للمجنون، ولذي الرمة، وللحسين بن عبد الله، والله أعلم»([51]).

وفي الأغاني بعد ترجمة جعفر بن الزبير قال أبو الفرج: «قال الزبير: ولجعفر شعر كثير قد نحل عمر بن أبي ربيعة بعضه, ودخل في شعره، فأمّا الأبيات التي ذكرت فيها الغناء، فمن الناس من يرويها لعمر بن أبي ربيعة، ومنهم من يرويها للأحوص وللعرجيّ، وقد أنشدنيها جماعة من أصحابنا لجعفر بن الزبير»([52]).

وحدث هذا أيضاً عند شعراء الصحابة y, فقد اختلط شعرهم ببعض فيما قالوه رداً على المشركين, فقد روى ابن إسحق في السيرة أبياتاً لحسان يرد بها على هبيرة بن أبي وهب أولها:

سُقْتُم كِنانَةَ جَهْلاً مِنْ سفاهَتِكُمْ

 

إلى الرّسُولِ وَجُنْدُ اللهِ مخزيهَا

قال ابن هشام: أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك»([53]). 

5- ومن هذه الأسباب أيضاً تشابه أسماء الشعراء بالنطق، أو بالرسم, وقد حدث هذا عند الرواة الأُول, فقد وجد لدينا أسماء كثيرة متشابهة, ومثال نأخذه من الخزانة على هذا السبب: «وهذه الأبيات لرجل من بني قريع (بالتصغير) وهو قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، كذا في حماسة أبي تمام وحماسة الأعلم، وعينه ابن جني في إعراب الحماسة، فقال: هو المعلوط بن بدل القريعي.

وفي حاشية صحاح الجوهري في مادة (حظ) هي للمعلوط السعدي»([54]).

وأورد أيضاً هذا البيت:

عزمت على إِقَامَة ذِي صباح

 

لأمر مَا يسوَّد من يسود

وناظم هذا البيت أنس بن مدرك الخثعمي كما ذكرنا، وهو جاهلي، وصحفه ابن خلف في شرح أبيات سيبويه بأوس بن مدرك»، وفي نفس الصفحة قال: «ونقل ابن خلف عن الجاحظ: أن هذا البيت لإياس بن مدركة الحنفي، وهذا غير مناسب، فإنهم نقلوا أن قائل هذا البيت خثعمي لا حنفي»([55]).

وأيضاً هذا المثال من ديوان عبد الله بن الدمينة: «وقد وقع شيء من هذا القبيل أيضاً في بعض ما عرف إلى غير ابن الدمينة مما نسب إليه, فأبو هلال العسكري يعزو البيتين (58-57) من القصيدة (50-الديوان) لعبد الله بن محمد الفقعسي في جملة أبيات, على حين يغزوها ابن الشجري مع الأبيات ذاتها لمحمد بن عبد الملك الفقعسي»([56]).

ويلحق بهذا -بالطبع- قضية التصحيف، والمثال على ذلك الشاهد الذي نقلناه قبل قليل عن الخزانة فيما يتعلق بـ(أنس بن مدرك, وأوس, وإياس).

6- ومن هذه الأسباب أيضاً أن ينسب الرواة الشعر إلى من رواه, فمما روى القالي في أماليه خبراً بإسناده إلى مجالد بن سعيد أنهم كانوا عند الشعبي، فتناشدوا الشعر, فقال الشعبي: أيكم يحسن أن يقول مثل هذا، وأنشدنا أبياتاً أولها:

أعيني مهلا طالما لم أقل مهلا

  وما سرفاَ مِلآن قلت ولا جهلا

قال مجاهد: «فكتبنا الشعر ثم قلنا للشعبي: من يقول هذا؟ فسكت، فخيل إلينا أنه قائله»([57]).

وظاهرة أخرى من أسباب الاختلاط تتبع هذه الفقرة هي نسبة الشعر إلى أولاد الشعراء، والاختلاف بينهم وبين آبائهم, قال البغدادي: «وهذا البيت أول أبيات أربعة لعلقمة بن عبدة، وهي ثابتة في ديوانه، وقد اقتصر أبو تمام في الحماسة على البيت الأول والثاني، وهو:

وقد يعقل القل الفتى دون همه

   

وقد كان لولا القل طلاع أنجد

     

ونسبهما لبعض بني أسد، ونسبهما في مختار أشعار القبائل لابنه، وهو خالد بن علقمة بن عبدة، ونسبهما بعضهم لابن ابنه وهو عبد الرحمن بن علي بن علقمة بن عبدة، ونسبهما الأعلم الشنتمري في حماسته لحميد بن سجار الضبي»([58]).

وأورد أيضاً البيت التالي:

لا أَرى المَوتَ يَسبِقُ الموتَ شَيءٌ

   

نَغَصَ المَوتُ ذا الغِنى وَالفَقيرا

     

ثم قال: «وهذا البيت من قصيدة لعدي بن زيد وقيل لابنه سواده بن عدي والصحيح الأول»([59]).

وأورد أبو الفرج صوتاً أوله:

رُبَّ ليلٍ ناعم أحييتُه

 

في عفافٍ عند قبّاءِ الحشَى

ثم قال: «الشعر للمهاجر بن خالد بن الوليد فيما ذكر الزبير بن بكار، وذكر أبو عمرو الشيباني وخالد بن كلثوم أنه لابنه خالد بن المهاجر»([60]).

ويلحق هذه الفقرة أيضاً تلك الأشعار التي رواها الأعراب، والتي يكون هؤلاء الأعراب قد حفظوها عن غيرهم, وتُعزى هذه الأشعار إليهم، وخاصة عندما يروي الأعراب شعر البادية الذي كان شائعاً فيما بينهم، وعندما يسمع الرواة  القصيدة من لسان أعرابي يعرفه يعزوها إليه، وإن كان لا يعرفه يقول إنها لأعرابي، كما حدث لأبي علي القالي في أماليه([61]).

-3-

نستطيع بعدما قدمنا من أسباب لهذه المشكلة أن نذكر معها أيضاً سببين آخرين, وهذان السببان يختلفان عما سبق من أسباب، إذ لا شأن لهما بالرواة, وأول هذين السببين:

1-      يتعلق بالمغنين، فهؤلاء المغنون كانوا يلفقون الأشعار، أو يخلطونها ببعضها لتلفيق الأصوات، فيأخذها الناس عنهما أنها قصائد كاملة، هكذا قالها أصحابها، والأمثلة على هذا السبب كثيرة جداً، وحسبنا أغاني أبي الفرج الذي جمع فيه أصوات المغنين، وكثير من هذه الأصوات فيها التلفيق والاختلاط، ومن هذه الأمثلة:

ذكر أبو الفرج في أغانيه([62]) صوتاً أوله:

ولما أنْ دنا منّا ارتحالٌ

 

وقُرِّب ناجياتُ السير كُومُ

ثم قال: «ذكر الزبير بن بكار أن هذا الشعر كله لأبي المنهال نفيلة الأشجعي، قال: وسمعت بعض أصحابنا يقول إنه لمعمر بن العنبر الهذلي، والصحيح من القول أن بعض هذه الأبيات لابن هرمة من قصيدة له يمدح بها عبد الواحد بن سليمان مخفوضة الميم، ولما غنى فيها، وفي أبيات نفيلة، وخلط فيه ما أوجب خفض القافية غير إلى ما أوجب رفعها»([63]).

وأيضاً أورد أبو الفرج([64]) صوتاً فيه أبيات من قصيدة ابن الدمينة الكافية، ثم قال: «الشعر لابن الدمينة بعضه، وبعضه ألحقه المغنون به»([65]).

2-      وأما السبب الثاني فهو من صنيع النساخ الذين قد يجمعون قصيدتين في قصيدة واحدة، أو على العكس، أو يضعون شروح العلماء المتأخرين مع المتن، فيختلط الشعر بعضه مع بعض، فيعزى مرة لهذا، وأخرى لذاك، وإذا أردنا الأمثلة على ذلك، فحسبنا أن نرجع إلى مقدمة الأصمعيات للأستاذين أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، ونقارن بين طبعتهما وطبعة من سمى نفسه (وليم بن الورد)، فهما أولاً يقولان عنه: «إنه طبعها عن نسخة سقيمة لا يوثق بها»([66])، ثم بدآ بإعطاء الأمثلة عن أخطائه، وعن الفروق بين الطبعتين، ومن هذه الأمثلة:

«الأصمعية: 21 عندنا ص 79-81 في 17 بيتاً، لعمرو بن الأسود، وهي عنده قصيدتان لشاعرين: 68، 67 ص66-67 في 16 بيتاً، البيتان الأولان منسوبان لعمرو بن الأسود، والأبيات 4-17 منسوبة لأبي الفضل الكناني!! وحذف بين القطعتين البيت: 3»([67]).

وأيضاً مثال آخر: «الأصمعية: 34 عندنا ص 121-122 في 10 أبيات لعمرو بن معدي كرب، وهي عنده كذلك برقم 15، ولكن مع نسبتها لدريد بن الصمة»([68]).

علاج المشكلة

بعد أن عرضنا المشكلة، وتبينا خطوطها الرئيسة، كان لا بد من أن نلجأ إلى علاجها، إذ كيف نذكر المشكلة، ونعرضها عرضاً مسهباً، ثم نقف منها موقف المتفرج، أم كيف نقول: إن هناك شعراً اختلط بعضه ببعض، فلم نعد نعرف أهو للشاعر الفلاني أم لشاعر آخر، ثم نرضى بهذا الخلط؟.

كل هذا يدعونا لأن نلجأ إلى طرق ووسائل توصلنا إلى نتيجة في أمر هذا الشعر الذي اختلط حتى نطمئن إليه، أو نكاد نصل إلى درجة قريبة من اليقين، إن لم تكن اليقين كله.

وفي علاجنا لهذه المشكلة لجأنا إلى وسيلتين، قد تفيداننا على هذا العلاج، أو قد تسهلان الطريق لباحث آخر، أو للبحث نفسه في المستقبل إن شاء الله.

هاتان الوسيلتان هما:

1-   طريقة نقد وجوه الرواية، وأسانيدها.

2-   طريقة النقد الداخلي.

إن هاتين الطريقتين قد تتممان بعضهما؛ لأنه لا غنى عنهما عند البحث عن أصول الشعر الجاهلي ومصادره، فهما ضروريتان، ولا يستطيع أن يستغني عنهما الباحث الأديب إلا أننا  لا نستطيع الجمع بين كلا الاثنين في كل المواضع، فنضطر إلى أن نلجأ للتي تخدمنا في بحثنا، وخاصة أن كل واحدة منها عبارة عن مسألة غير تامة، وإنما هي على كل حال قد تساعدنا، أو تسلط ضوءاً على خيوط العلاج.

* * *

1-      إذا أردنا البحث في الطريقة الأولى يطرأ على ذهننا هذا السؤال: هل لروايات الأدب أسانيد؟ أم وصلت إلينا مهملة من السند؟ وهل هناك تراجم للجرح والتعديل لأصحاب هذه الأسانيد؟

عندما تكلمنا عن الرواية في بداية البحث قلنا إنها كانت تنتقل بواسطة الحفظ، وليس بواسطة الكتابة، وظلت هكذا حتى وصلت عصور التدوين، فدونها العلماء في مؤلفاتهم ومختاراتهم، وإذا عدنا إلى كيفية هذه الرواية، وهل كانت تحمل الأسانيد أم لا، وجدنا أن هناك بعض الأسانيد وصلت إلى العصر الجاهلي، أو حتى الشاعر الجاهلي نفسه، يقول الجاحظ: «كانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية»([69]).

ويقول الدكتور ناصر الدين الأسد: «أما القسم الأول، فهي أخبار مسندة يرتفع إسنادها إلى الشاعر الجاهلي نفسه»([70]).

ويقول أيضاً: «فأبو عبيدة إذن كان يروي بعض ما يرويه عن أعراب أدرك آباؤهم الجاهلية، وقد مر بنا قبل قليل في الصفحة السابقة أن المفضل يروي عن رجل يروي عمن أدرك الجاهلية»([71]).

وأيضاً: «ويروي أبو عبيدة في سند متصل إلى الجاهلية: قال أبو عبيدة، حدثني عبد الحميد بن عبد الواحد بن عاصم بن عبد الله ... قال، حدثني أبي عبد الواحد، وعمي صفوان، عن أبيهما عاصم بن عبد الله، عمن أدرك شأس بن زهير قال ...»، «ثم يورد خبرًا عن شأس»([72]).

هذه الأمثلة تدلنا على أن أخباراً أو أشعاراً وصلت أسانيدها إلى عصر الجاهلية، أو إلى الشاعر الجاهلي نفسه، كما روى المفضل خبراً عن امرئ القيس وعلقمة بن عبدة وشعراً لهما([73]).

ولكن كم هي الأخبار والأشعار التي وردتنا في سند متصل؟

هذا ما يشكك في قيمة هذه الطريقة؛ لأن الأسانيد التي رويت في أمثال هذه الأخبار قليلة جداً، تكاد تكون نادرة بالنسبة للدواوين الضخمة التي وصلتنا للأدب الجاهلي.

ولكننا نستطيع القول بأن جل الأدب الجاهلي وصلنا بسند تصل إلى الطبقة الأولى من الرواة، أو إلى الطبقة الثانية، وأما ما قبل هاتين الطبقتين، فالسند منقطع إلا في النادر كما قلنا، ولكن ما هو الدليل على ثقة أصحاب هذه الأسانيد، فالعلماء الأولون لم يؤلفوا لنا كتباً في تجريح وتعديل الرواة، كما فعل أصحاب الحديث الشريف، لأن الحديث له من قيمته الدينية ما يجعل أصحابه يكتبون كل شيء عمن روى الحديث لئلا يقعوا في المنطقة الحرام، وخاصة أن النبي e قال: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)([74])، هذا ما دعا أصحاب الحديث أن يتبعوا في تدوينهم الطرق العلمية الدقيقة التي لا تدع مجالاً للشك حتى يطمئن المسلمون إلى صحة مصدر أساس من مصادر التشريع الإسلامي، ألا وهو السنة النبوية.

ولكن أين للأدب مثل هذه الطريقة حتى نطمئن له، «فليس للرواية الأدبية إذن علم للسند ونقده، بل ليس للرواية الأدبية سند كالسند الذي عرفه الحديث النبوي، وقصارى السند في الأدب -حين يوجد- أن يكون دليلًا على أن الراوية قد لقي العلماء، وأخذ علمه من أفواههم في مجالس العلم، ولم ينقله من صحيفة»([75]).

وقد حاول بعض العلماء المتقدمين أن يقوم بنقد الأسانيد كما فعل أبو الفرج في بعض المواضع، فهو يقول مثلاً: «فأمّا الأبيات التي ذكرت فيها الغناء، فمن الناس من يرويها لعمر بن أبي ربيعة، ومنهم من يرويها للأحوص وللعرجيّ، وقد أنشدنيها جماعة من أصحابنا لجعفر بن الزبير، وأخبرني بذلك الحرمي، والطوسيّ، وحبيب بن نصر المهلّبي، وذكر الأبيات، وأخبرنيه عمّي عن ابن أبي سعيد، عن سعيد بن عمرو، عن أم عروة بنت جعفر مثله، قال ابن أبي سعد: قال الحزاميّ: الناس يروونها للعرجيّ، وأمّ عروة أصدق»([76]).

في هذا النص نجد نقد السند في جملة: «أم عروة أصدق»، ولكن ما الدليل على ذلك؟ لا نعلم، وهل ما يتعلق بالأسانيد يقيم الأود، أو يمسك الرمق؟

هذا ما نريد أن نقوله، هو أن هذه الطريقة هزيلة لا تفيدنا إلا في بعض المواضع، ولكن هذه الإفادة لا تعدو نصوصاً نادرة في أدبنا العربي الضخم، ونحن بحاجة إلى طرق لها فائدة أعم وأشمل.

2-     وأما الطريقة الثانية، فهي طريقة النقد الداخلي للقصيدة، وهذه الطريقة قد نستفيد منها في بعض الأحيان، إلا أنها تكون عقيماً في أحيان كثيرة، وعلى كل حال، فهي مهمة جداً للباحث؛ لأنها وسيلة من وسائل الدراسة الأدبية، وهذه الطريقة نستطيع أن نستخدمها على نحوين:

أ‌-          إذا استطعنا أن نعين خصائص كل شاعر وطريقته الشعرية، نستطيع أن نجعله مقياساً لما ألحق به من شعره.

ب‌-    نستطيع أن نستفيد من إشارات تاريخية، أو عمرانية، أو أسماء أعلام ترد في الأبيات لنعيّن قائل هذا الشعر.

والطريقة الأولى لجأ إليها كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين؛ لأن فيها مناحي إيجابية نستطيع أن نستفيد منها، وإن كانت بسيطة وقليلة، وقد استطاع المتقدمون أن يثبتوا في هذا الميدان لما تمتعوا به من ذوق شعري أصيل، وقد كان من شروط هؤلاء: العلم بالشعر، فهو علم مستقل، لا يعرفه إلا أصحابه، وقد قال ابن سلام: «وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم والصناعات، منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان»([77]).

إذن فالعرب القدماء كانوا يستطيعون النقد الداخلي، ونحن إذا بحثنا في كتبهم نجد من أحكامهم في هذا المضمار أمثلة ونماذج لا بأس بها، ومن النماذج:

1-      أورد أبو الفرج في أغانيه خبرا فيه أن امرأ القيس قال قصيدة أولها:

طرَقتْك هندٌ بعد طول تجنُّبٍ

  وَهْناً ولم تَكُ قبل ذلك تَطْرُقُ

 وهي قصيدة طويلة وأظنها منحولة لأنها لا تشاكل كلام امرئ القيس([78]).

2-      وينكر الأصمعي أن يكون زهير قد قال القصيدة التائية التي أولها:

ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى    

من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا

     

ويعلل ذلك بأنها لا تشبه كلام زهير([79]).

3-      أورد صاحب الخزانة الشاهد التالي:

كلانا إذا ما نال شيئاً أفاته

   

ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل

     

ثم قال: «وهذا البيت من أبيات أربعة رواها الرواة لتأبط شراً، منهم الأصمعي، وأبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات، وابن قتيبة في أبيات المعاني، وخالفهم أبو سعيد السكري، وزعم أنها لامرئ القيس، ورواها في معلقته المشهورة ....»، ثم يقول صاب الخزانة: «وهذا الشعر أشبه بكلام اللص والصعلوك، لا بكلام الملوك»([80]).

وأما الأمثلة التي على النحو الثاني فنورد منها مما روى القالي للسموأل اليهودي القصيدة اللامية التي أولها:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

   

فكل رداء يرتديه جميل

     

وعقب البكري على ذلك بقوله: «اختلف الناس في هذه القصيدة، فمنهم من ينسبها إلى عبد الله بن عبد الرحمن، وقيل  عبد الرحيم الأزديّ، شاعر إسلاميّ، ومنهم من يعزوها إلى السموأل بن غريض بن عاديا اليهودي»، ثم قال: «وفيه

وما مات منّا سيّد حتف أنفه

 

ولا طلّ منّا حيث كان قتيل

وأوّل من نطق بهذا اللفظ «مات فلان حتف أنفه رسول الله e، فدلّ أن الشعر إسلاميّ»([81]).

نستطيع أن نستنتج أن هذه الطريقة تعطي نتائج ترجيحية لا يقينية، فالنقد الداخلي عند القدامى نرى فيه شيئاً من الحذر والظن، وليس فيه مجال لليقين إلا بسيط، فالناقد يقول هذا كلام لا يشبه شعر فلان، أو هو بشعر فلان أشبه، وهكذا .

وعلى كل حال إذا استطعنا أن نجمع الروايات الموثوقة لشعر شاعر معين، ودرسنا هذه المجموعة للشاعر قد نستطيع أن نتبين خصائص شعره وميزاته، ونقيس عليها البقية المختلطة، ولكن هذا لا يكون إلا عند الفحول، والذين وصل إلينا من شعرهم الشيء الكثير، أما عند طبقات شعراء النسيب، أولئك الذين يترسمون خطا بعضهم، فهنا تبدو المشكلة عسيرة الحل، ليست علينا فقط، بل كانت حتى على المتقدمين أنفسهم، وإن حاولوا أن يلمحوا في بعض المرات عن محاولات لتمييز الشعر بعضه عن بعض، فمثلاً أدرج بو الفرج البيتين (3 ،4) من عينية ابن الدمينة (43-الديوان) في قصيدة لقيس بن ذريح ثم صحح نسبتهما لابن الدمينة، ولم يعلل ذلك»([82]).

ومثال آخر: «أورده عن ابن الأعرابي قصيدة للعجير السلولي يشكو فيها بني عامر؛ لأنهم نهبوا ماله، وطردوه لإلمامه بامرأة منهم، ورد فيها البيت (33) من بائية ابن الدمينة (50-الديوان)، فقال أبو الفرج: «هذا البيت يروي لابن الدمينة، وهو بشعره أشبه، ولا يشاكل أيضاً هذا المعنى، ولا هو من طريقه؛ لأنه تشكى في سائر الشعر قومها دونها، وهذا بيت يصف فيه الصد منها، ولكن هكذا في رواية ابن الأعرابي»([83]).

فهذه اللمحات هي اجتهاد شخصي في مواضع قليلة، كما قلت، عند شعراء النسيب، وخاصة أهل البادية منهم، فكثيراً ما تكون أوصافهم عامة، وشعرهم متشابه جداً، حتى إن أسحق الموصلي استطاع أن يذهب في نسيبه مذهب الأعراب، فاختلط الأمر على الأصمعي، وهو من هو راوية للشعر، وفهماً لمعانيه، ومعرفة بمذاهبه.

وقد يبدو للباحث أنه يستطيع أن يستعين عند بحثه في شعر النسيب بأسماء من تغزل بهن الشعراء، وخاصة لأن الشعراء القدامى كان لكل واحد منهما واحدة يتغزل بها، كجميل بثينة، وقيس لبنى، ومجنون ليلى ..., ولكن هذا الرأي أوهن من أن يؤخذ به، فكثيراً ما يعمد بعض الرواة إلى إبدال أسماء النساء ببعضها، وخاصة المتشابهة كليلى ولبنى، أو إبدالها بما يكون على وزنها، كميّة وعزّة، أو إلى تغيير كلمات في البيت ليتناسب مع الوزن، ومن الأمثلة على ذلك:

1- أورد صاحب الخزانة الشاهد الذي أوله:

لمية موحشا طلل قديم

ثم قال: «وهذا البيت من روى أوله لعزة موحشاَ إلخ. قال: هو لكثير عزة، منهم أبو علي في التذكرة القصرية، ومن رواه لمية موحشاً قال: إنه لذي الرمة، فإن عزة اسم محبوبة كثيّر، وميّة اسم محبوبة ذي الرمة»([84]).

2- المقطوعة (25-الزيادات) مما نسب لابن الدمينة، وأولها على هذه الرواية:

«وإني لأرضى منك ياليل بالذي

   

لو أبصره الواشي لقوت بلابله

     

وقد نسبت أيضاً إلى جميل، وروايتها عند من ينسبها إليه:

وإني لأرضى من بثينة بالذي   لو أبصره الواشي لقوت بلابله»([85])

وأخيراً قد نستطيع أن نلجأ إلى تحليل بنية القصيدة لنطلع على الأبيات المقحمة فيها من قصيدة أخرى؛ فإن كانت أضافت إلى القصيدة اضطراباً، ولم تكن في موقعها، عرفنا أنها زيادة من غيرها, مثال على ذلك:

«البيتان (14و15) اللذان ختمت بهما مقطعة ابن الدمينة (43-الديوان)، فقد نسبا مستقلين ليزيد بن الطثرية في غير كتاب, ويبدو موضعهما من مقطعة ابن الدمينة نابياً بهما»([86]).

ولكن هل هذا الطريقة تسير معنا إلى النهاية؟ هذا ما نرفضه؛ لأنه قد يكون سقط قسم من هذه القصيدة قبل الأبيات المشكوك بها، فنكون بذلك قد جنينا على القصيدة، وعلى الشاعر إذ أسقطنا قسماً من أشعاره إلى غيره, وبذلك نكون قد ساعدنا على ازدياد المشكلة بدلاً من محاولة التخلص منها.

ونستطيع القول أخيراً بأننا إذا أردنا أن نخفف من هذه الظاهرة، ما لنا إلا أن نقسم الشعر إلى زمر: كزمرة الغزليات مثلاً، وزمرة  الخمريات ...، وندرس كل زمرة على حدة, وبذلك نقسم الشعر القديم إلى مدارس، يكون على رأس المدرسة زعيم الزمرة، كعمر بي أبي ربيعة ومدرسة الغزلين، وأبي نواس ومدرسة الخمريات, وذلك لأن هذه الزمر تتلاقى في كثير من اتجاهاتها، وطرقها فيما بينها, قد نستطيع أن نتوصل إلى نتيجة مرضية من هذه الطريقة أكثر مما لو بقينا على مثل هذه النتائج في هذا البحث.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصادر والمراجع

1-     الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، لمحمد محمد حسين، 2/215.

2-     الأصمعيات، تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون.

3-   الأغاني للأصبهاني: الطبعة المصورة عن طبعة دار الكتب.

4-   الأمالي لأبي علي القالي: طبعة إسماعيل بن يوسف دياب.

5-   البيان والتبيين للجاحظ.

6-   البيان والتبيين للجاحظ.

7-    تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي لشوقي ضيف

8-   تفسير الطبري تحقيق أحمد شاكر وأخيه محمود شاكر.

9-   التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه للبكري: طبعة إسماعيل ابن يوسف دياب.

10-     خزانة الأدب للبغدادي: تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون.

11-  دراسة الأستاذ أحمد راتب نفاخ مطبوعة على الآلة الكاتبة، نشر جزءًا منها في تحقيقه لديوان ابن الدمينة، ولم ينشرها كاملة.

12-     ديوان عبد الله بن الدمينة، تحقيق الأستاذ أحمد راتب النفاخ.

13-      سيرة ابن هشام، 1/3.

14-     الشعر والشعراء لابن قتيبة: تحقيق الأستاذ أحمد محمد شاكر.

15-      صحيح  مسلم، مسلم بن الحجاج.

16-     صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري.

17-     طبقات فحول الشعراء: تحقيق الأستاذ محمد محمود شاكر.

18-     في الأدب الجاهلي لطه حسين.

19-     الكامل للمبرد: تحقيق الدكتور زكي مبارك.

20-     محاضرة ألقاها الأستاذ أحمد راتب النفاخ في الجامعة.

21-     المزهر في اللغة للإمام السيوطي.

22-     مصادر الشعر الجاهلي للدكتور ناصر الدين الأسد.

([1]) من محاضرة ألقاها الأستاذ أحمد راتب النفاخ في الجامعة، وانظر: تفسير الطبري (11/ 283)، ومصادر الشعر الجاهلي للدكتور ناصر الدين الأسد، ص 155؛ حيث يعرض الكثير من الأمثلة.

([2]) انظر: مصادر الشعر الجاهلي، ص 272.

([3]) انظر: مقدمة طبقات فحول الشعراء لابن سلام.

([4]) انظر: مصادر الشعر الجاهلي لناصر الدين الأسد.

([5]) انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة، ص167-168.

([6]) انظر: الشعر والشعراء، ص 133.

([7]) انظر: المصدر السابق، ص 322.

([8]) انظر: الشعر والشعراء، ص 174، وخزانة الأدب للبغدادي، 3/240.

([9]) انظر: الشعر والشعراء، ص260.

([10]) انظر: البيان والتبيين، ص 133، مصادر الشعر الجاهلي، ص 206.

([11]) انظر: مصادر الشعر الجاهلي، ص 223.

([12]) انظر: مصادر الشعر الجاهلي، ص 226.

([13]) انظر: المرجع السابق، ص 225.

([14]) انظر: المرجع السابق، ص 255.

([15]) سيرة ابن هشام، 1/3.

([16]) راجع مقدمة الأصمعيات.

([17]) راجع مقدمة الأصمعيات.

([18]) دراسة الأستاذ أحمد راتب نفاخ مطبوعة على الإستنسل، نشر جزءًا منها في تحقيقه لديوان ابن الدمينة، ولم ينشرها كاملة، لأنه لم ينشر دراسته عن الشاعر كاملة، وقد تفضل بإطلاعي على هذه الدراسة، فنقلت منها بعض النقول.

([19]) في الأدب الجاهلي لطه حسين، ص 65.

([20]) المصدر السابق، ص69.

([21]) المصدر السابق، ص69.

([22]) مستقبل الثقافة في مصر، الفقر 9، ص 41. نقلاً عن الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، لمحمد محمد حسين، 2/215.

([23]) في الأدب الجاهلي، ص 68.

([24]) خزانة الأدب، 1/370.

([25]) خزانة الأدب، 374.

([26]) الكامل، 1/66.

([27]) خزانة الأدب، 1/281.

([28]) خزانة الأدب، 1/188.

([29]) التنبيه على أوهام أبي علي القالي في أماليه، ص 97.

([30]) خزانة الأدب، 3 /218.

([31]) انظر: ديوان عبد الله بن الدمينة.

([32]) انظر: ديوان عبد الله بن الدمينة.

([33]) انظر: المصدر السابق.

([34]) انظر: مصادر الشعر الجاهلي، ص 192.

([35]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

([36]) الأمالي للقالي، 9/3.

([37]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

([38]) المزهر، 2/504.

([39]) الكامل للمبرد، 2/564.

([40]) المصدر السابق، 2/562.

([41]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

([42]) التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه، ص 96.

([43]) خزانة الأدب 3/387  

([44]) ديوان عبد الله بن الدمينة، ص 43.

([45]) الأغاني، 7/ 147.

([46]) الأغاني 16/ 317.

([47]) الأغاني 7/ 233.

([48]) انظر: الشعر والشعراء، 2/ 567.

([49]) ديوان عبد الله بن الدمينة .

([50]) خزانة الأدب 3/172

([51]) خزانة الأدب 1/97

([52]) الأغاني 15/19 (15/8 بدون "بعضه")

([53]) ديوان عبد الله بن الدمينة

([54]) خزانة الأدب، 3/220.

([55]) خزانة الأدب 3/ 91.

([56]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

([57]) الأمالي في لغة العرب، 2/121.

([58]) خزانة الأدب، 3/280.

([59]) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي، 1/ 381.

([60]) الأغاني، 16/ 204.

([61]) ديوان ابن الدمينة

([62]) الأغاني، 6/ 367.

([63]) ديوان عبد الله بن الدمينة، الأغاني، 6/ 123.

([64]) الأغاني، 10/ 144.

([65]) ديوان عبد الله بن الدمينة، الأغاني، 17/ 97.

([66]) مقدمة الأصمعيات 6

([67]) مقدمة الأصمعيات، ص 8.

([68]) مقدمة الأصمعيات، ص 9 .

ويستطيع الباحث أيضاً أن ينظر في ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ليرى أمثلة على هذا الباب كثيرة، أوردها المحقق.

([69]) تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي لشوقي ضيف، ص 160، وانظر: البيان والتبيين، 1/ 321.

([70]) مصادر الشعر الجاهلي، ص 261.

([71]) مصادر الشعر الجاهلي، ص 271.

([72]) مصادر الشعر الجاهلي، ص 268-269.

([73]) مصادر الشعر الجاهلي، ص 269.

([74]) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي e برقم 107، ومسلم في المقدمة باب تغليظ الكذب على رسول الله e برقم 3.

([75]) مصادر الشعر الجاهلي (ص: 282)

([76]) الأغاني (15/ 8)

([77]) طبقات فحول الشعراء، 1/ 5.

([78]) ديوان عبد الله بن الدمينة، وانظر: الأغاني، 9/ 116،

([79]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

([80]) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي، 1/ 134- 135.

([81]) ديوان عبد الله بن الدمينة، واللآلي في شرح أمالي القالي ـ موافقا للمطبوع (1/ 597-595).

([82]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

([83]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

([84]) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (1/ 211)

([85]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

([86]) ديوان عبد الله بن الدمينة.

وسوم: العدد 827