سلسلة (لصوص الفكر) : رواد التنوير الأوروبي، ( لصوص بمرتبة فلاسفة )

د. أحمد محمد كنعان

لا نكاد نقرأ اليوم مقالة أو بحثاً في قضايا "التنوير" إلا وجدنا أنفسنا أمام سيل من الأسماء البراقة لفلاسفة أوروبا، وكأن الفكر والتنوير والعقلانية قد بدأ هناك وينتهي هناك؛ وقلما وجدنا بحوثاً جادة تدلنا على المصادر الحقيقية لذلك الفكر والتنوير !

ولأنني من المهتمين بقضية التنوير فقد عثرت خلال بحوثي على بعض  تلك المصادر، فاكتشفت جملة من السرقات الفكرية الفاضحة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر حالات سطو عديدة على تراثنا الإسلامي، أقدم عليها الفيلسوف الفرنسي ذائع الصيت رينيه ديكارت (1596-1650م) الذي يعد من أبرز رموز التنوير الأوروبي، فقد ثبت لي ولآخرين من دارسي تاريخ العلوم أن كتاب (مقال في المنهج) الذي يعد إنجيل التنوير الأوروبي، قد بناه ديكارت على ما سرق من أعمال ثلاثة من رواد تراثنا الإسلامي، هم : الإمام الشافعي (767 – 820م) والإمام أبي حامد الغزالي (1058 – 1111م) والعالم الرياضي الحسن ابن الهيثم (965 – 1040م) :

  • فقد أخذ ديكارت عن الإمام الشافعي وعن الحسن ابن الهيثم أصول المنهج العلمي ومبادئه، وأخذ عن الإمام الغزالي "نظرية الشك" التي جعلها ديكارت أساس نظريته في المعرفة، وهي النظرية التي طرحها الغزالي في كتابه العظيم "المنقذ من الضلال" ولخصها بقوله : (من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في متاهات العمى) وهذا هو المنهج نفسه الذي سطا عليه ديكارت فادعاه لنفسه، ولخصه بعبارته المشهورة: ( أنا أشك، إذن أنا أفكر، إذن أنا موجود ) ولا يخفى ما في تطابق عبارة ديكارت مع عبارة الغزالي، وهو تطابق لا يتوقف عند المضمون فحسب، بل يتعداه إلى الصياغة، حتى إن عبارة ديكارت تبدو وكأنها "نسخة طبق الأصل" عن عبارة الغزالي! ولم يكتف ديكارت الفيلسوف بالسط على المنهج العلمي الذي سرقه من الشافعي والغزالي، فقد راقت له السرقات حتر نسي أنه أساساً فيلسوف، فأخذ عن الحسن ابن الهيثم إنجازاته في علم الضوء والبصريات، فوضع ديكارت رسالة في انكسار الضوء وخواص البصريات نشرها في عام  1637 ضمن كتابه في المنهج، دون أن يشير إلى أعمال ابن الهيثم من قريب ولا بعيد !

ولا تنتهي لصوصية التنويرعند ديكارت، ففي تاريخ الفكر الغربي سرقات لا تعد ولا تحصى، يدل عليها حرص الاستعمار الغربي على نهب كنوز الفكر الإسلامي من كل بلد إسلامي دخلها، فقد كان حرصه على سرقة كنوز العلوم الإسلامية أشد من حرصه على الذهب والفضة والبترول، وأقرب شاهد على ما نقول ما نهبه من مخطوطات إسلامية من مكتبات بغداد خلال غزوه للعراق في عام 2003 !

وإذا كنا لا نعجب من هذه اللصوصية (التنويرية !؟) فإننا نعجب أشد العجب من "أدعياء العلم"العرب الذين يعظمون ديكارت وأضرابه من لصوص التنوير ويرفعونهم إلى مصاف الأنبياء والقديسين، ويتغافلون عن سرقاتهم الفاضحة، واعتداءاتهم المتكررة على الحقوق !

وسوم: العدد 932