صورة رمضان في شعر شريف قاسم

تناول الشعراء منذ القديم موضوع العبادات في أشعارهم، فتحدثوا عن آفاق العبادات في الإسلام، وتحدثوا عن فضيلة الصلاة، والصوم، والصدقة والكرم والإحسان، وصوروا رحلة الحج، وروعة المشاعر المقدسة، وحرضوا المؤمنين على الجهاد، واعتبروه ذروة سنام الإسلام.

رمضانُ لا يرضى السفاهةَ:

وكان من أبرز الشعراء الإسلاميين المعاصرين الذين تناولوا فريضة الصيام، وتحدثوا عن استقبال رمضان وفضله، وخصائصه الشاعر شريف قاسم، فلنستمع إليه، وهو يرحب بقدوم الضيف الكريم:

رمـضانُ أقـبَلَ فـاغْتَنِمْ فيضَ النَّدى...مُــتَــلَـهِـفًـا لــلــعـفـوِ والــرحَــمــاتِ

وانْـــهَــضْ إلــيــهِ بـلـهـفـةٍ تــوَّاقَــةٍ ...مـسـتـبـشـرًا بِــعُــذوبَـةِ الـنَّـفـحـاتِ

ويتحدث عن فضائل رمضان، فهو شهر الهدى والتقوى نزل فيه القرآن منهجاً للحياة الراشدة، وفيه تتجدد العبادات:

شـهـرُ الـهـدى والـفتحُ بـعضُ هِـباتِه ... ونـزولُ وحـــــيِ اللهِ بـــالآيــاتِ

قـــد جـــاءَ بـالـقـرآنِ مـنـهجَ رِفـعـةٍ...يُـنْـجِي بـنـي الـدنـيا مــن الـعثراتِ

فـاجْـعًـلْ لِــذاتِـك مــنـه نـور َعـبـادةٍ... تَـأْمَـنْ هُـدِيْـتَ غـدًا مـن الـحَسَرَاتِ

فـا لـعُمْرُ مـهما طـالَ يـطويه الـرَّدّى...فـاحْـفَـظْهُ مـــن زَيْـــغٍ ومـــن زلاَّتِ

إن هذا الشهر المبارك يتطلع من المؤمن الحق أن يجتهد في العبادة، وتلاوة القرآن، والذكر والتبتل، وهجر الذنوب، والتوبة النصوح:

رمــضـانُ يــأمـل أن يراكَ مُـنَـعَّـمًا... بــريــاضِ أهــــلِ الــذكـرِ والــقـرآنِ

بــصـلاةِ فـــرضٍ لا تــؤجـلَ وقـتَـهـا ...وصـيامِ نـفسٍ عـن هـوى الـشيطانِ

مـتـبـتلاً بــرضـا الـغـفـورِ وهــاجـرًا...لـلـذنبِ مـهـما هــانَ فــي الإنـسـانِ

وينصح الشاعر شريف قاسم إخوانه بالإقبال على الله، وترك الغفلة، فيقول:

أقــبـلْ عـلـى الـرحـمنِ تَـلْـقَ قـبـولَه...لـــكَ إنْ قـدمْـتَ بـطـاهرِ الـوجـدانِ

قـــمْ يــا بـنَ آدمَ لا تــعـشْ مـتـغـافلاً.وانـهـلْ شــرابَ قـراحِـه الـرمضاني

فالله يــفــتــحُ لــلــتـقـيِّ رحـــابَـــه ..ويــجــولُ بـالـتـقـوى وبـالـشـكـرانِ

ويذكر الشاعر المسلم العقبات التي تعترض الصائم في الحياة، ويتحدث عن الفتن والأهواء التي يحاول نشرها أعوان الظلمة والفجرة ممن ينتسبون إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، فيقول:

رمضانُ منتجَعُ القلوبِ استوحشتْ ...فــتـنَ الــزمـانِ وسـطـوةَ الـسـفهاءِ

وأصــابَـهـا بــعــدَ الــبـعـادِ تــواطُـؤٍ...وانـــقــادَ أهــــلً الــغــيِّ لــلأهــواءِ

فَــتَـصَـحـرَتْ أحــنـاؤُهـا مــاهـزَّهـا...حـــــبٌّ هـــفــا لــلـشـرعـةِ الــغــرَّاءِ

مـاهُـنَّ فــي اسـتـجمامِ شـهـرٍ عـابرٍ...   لكــنْ عَرتْــهـا وقـدةُ الــضَّــرَّاءِ

وتــمـكـنَ الــــداءُ الــوبـيـلُ يــعـالَـمٍ ...بـالـكِـبـرِ تـحـكـمُـهُ قُـــوى الـبـأسـاءِ

رمضان لا يرضى السفاهة:

لقد فرض الله الصيام تزكية للنفس، وللتخلص من الأمراض الاجتماعية كالحسد والغيبة والنميمة ..فهو تحلية بالفضائل، وتخلية عن الرذائل حيث يقول شاعرنا في هذا المعنى:

رمـضانُ لا يـرضى الـسفاهةَ فـاتعظْ..ويـــردُّ عـــن نــبـعِ الـمـآثـرِ حُــسَّـدا

الـمـفـتـري الــخــرَّاصُ أغــــراهُ لـــه... كِـبرٌ فـلم يـسمع حديثَ مَن اهتدى

فـمـشـى بـهـا مـتـغطرسًا مـتـبخترًا... مــتـعـاظـمًـا ذا خِـــسَّــةٍ مــتـعَـمِـدَا

هــوِّنْ ! فـلـستَ بِـمُعجِزٍ ربَّ الـورى ...يـا أيُّـها الأغـبى، فـأنتَ مَن اعتدى

والصوم فيه كسر لشهوة التكبر والغطرسة:

عُــدْ قـبلَ أخـذِكَ أخـذَ مـقتدرٍ فـقد ... جــــاوزْتَ حــــدَّك فـالـعُـتُوُّ تَــبَـدَدَا

فـــي صـفـعـةٍ بــيـدِ الــقـويِّ إلـهـنـا...لـتـرى مـكـانَك فــي الـمهانةِ مُـقْعَدَا

ويعد الصيام شهراً للتوبة والإنابة وطلب المغفرة، ولنستمع إلى شريف قاسم، وهو يقول:

نــفــخ الإنــابــة لـلـغـفـور نـسـيـمـه... يـشفي صـدور الـناس مـما قـد عرا

ويـشـم فـي رمـضان طـيب هـبوبه...ويــــرى بــــه آثـــاره مـــن لا يـــرى

يــا رب قــد ضــاق الـوجـود بـأهـله... والــداء أمـعـن فــي الأنــام ودمـرا

ولــــــه أنـــاخــت قـــــوة فــتــاكـة...عــاشـت تــجـدد كــل يــوم مـنـكرا

فـأريـتَـهـم يـــا رب قــدرتـك الــتـي...تـعنو الـوجوه لـها فـعادوا الـقهقرى

لــو شـئت بـالداء الـخبيث قـهرتهم .. لـكـنْ فـيـوض الـلـطف كـانت أكـبرا

الفصام النكد:

وفي هذا الشهر الكريم يتم القضاء على الظاهرة الفتاكة في حياة المسلمين ألا وهي الفصام النكد، بين الدين والدنيا، وبين الأقوال والأفعال،..

زمـنُ الـفصامِ الـنَّكْدِ عن نفحِ الرضا... مُـتَـحَـدِّيًـا أغــلى المـآثـرِ لـلـبـشَرْ

ولــعــلَ يــا شـهـرَ الإنـابــةِ رحمةً...مــن جـودِ بـارئنا تـزيلُ أذى الـضَّرَرْ

ولـعـلَّ وعـيًـا لـيـس يُـبْـقِي مـنـهجًا ... لـمـن ارتأى هـذي الـمفاسدَ واتَّـجَرْ

ويتمنى الشاعر من هذه الأمة الصحوة والنهضة، ويشيد بدور العلماء الربانيين في المحافظة على هوية الأمة:

ولــعــلَ يــقـظـةَ أمَّــتــي ويـقـيـنُها... بالله تــهـدي مَـــنْ تـنـاءى أو فَـجَـرْ

عـلـمـاؤُنـا الأبـــرارُ مــازالـوا عــلـى...عـهـدِ الــولاءِ لـديـنِ أحـمدَ والـسِّيرْ

فـالخيرُ فـي الإسلامِ ها هم قد رأوا ... آياتِ ربِّ العـرشِ تـنـذرُ بالخطرْ

وحين يأخذ الصوم دوره في الإصلاح والتزكية، ويستعيد مكانته في الحياة عند ذلك ينحسر الباطل والفساد من دنيا المسلمين:

رمـضـانُ يـا شهرَ انـحسارِ فـسادِهم..ونداءَ صـــوتِ الـفـطـرةِ الـزَّهْـرَاءِ

الـمـوبـقـاتُ تَــعُــمُّ أقــطـارَ الــدُّنـى...ولـهــا تُــــروِّجُ نُــخْـبَـةُ الـسُّـفـهـاءِ

أمـــا الـتَّـفَـاهَاتُ الـقـبـيحةُ بـيـنـهم ... هي مـن أَذًىً أعْـمَى وسَـفْيِ غُـثاءِ

قــد جـئـتَ بـالإصلاحِ تـنقذُهُمْ بـما...   في الآيِ أو فـي الـسُّـنَّـةِ الـغَـرَّاءِ

قـــيــمُ الـــهُــدَى لــلـنَّـاسِ ربَّــانـيَّـةٌ... لـم تَـرْضَ بــالأسـواءِ والـفـحشاءِ

قـد عُـدْتَ يـارمضانُ فـالبُشْرَى لِمَنْ ...جــافى الهـوى بـالـتَّوبةِ العَـصْمَاءِ

*                         *                         *     ...     *                        

مَـــنْ ذا يُــرَجَّـى لـلـشدائدِ دلـهَـمَتْ ... داءً عـلـى مَن شاءَ ربُّ الـعـالمينْ

هــذا عــذابُ الـهـونِ جــاءَ مـخـفَفًا... وأشــُّ أهلِ الأرِضِ مـنـه يـفزعونْ

وَقُــوى فـراعنةِ الـزمانِ اسـتسلَمَتْ...لـلـخـطبِ إذْ عـلِـموا بـأنَّـهُمُ عـمـينْ

والصواب بأنهم عمون لأنها خبر أن، ويتابع الشاعر تحذيره للأمة من السكوت على جرائم الملوك الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها، فيقول:

كـــم قــريـةٍ أفــنـى الإلـــهُ طـغـاتَها... فَـمضوا وما لخلاصِهم مِنْ ناصرينْ

والـيـومَ هــذا الــداءُ أعـيـاهم وقـد...   وجـلَتْ قـلوبُ الـمترفين الفاسقينْ

ولـنـا ظــلالُ الـصَّـومِ مَـنْجَىً عـلَّهم...لا يُـنـكرون هدى الـنَّبِيِّ ويرعوونْ

ويتحدث الشاعر شريف قاسم عن دور الشهر المبارك في التغيير والتجديد:

هــو شـهـرُنا الـمُـنْهَلُّ فـيـه سـحـابُه..خــيــرًا يُــجَــددُ وجــهَـنـا الـربَّـانـي

فــبـه الـصـلاةُ مــع الـصـيامِ ولـيـلُه ...ونــــهــــارُه لـــلذكــرِ والـقـــرآنِ

ليلة القدر:

وفي رمضان ليلة تزكو في الفضل على ألف شهر، فيها تنزل القرآن، ويجدد الشاعر نصحه للناس بالإسراع إلى التوبة، فيقول:

وبـلـيـلـةِ الــقــدرِ الـجـلـيـلةِ مـوردٌ... تُــغْـنـي عُــذوبـتُـه أخــا الإيــمــانِ

قـد خـابَ مَـنْ شـهدَ الليالي أقمرَتْ... شـوقًـا إلى الـرحماتِ والرضـوانِ

ونــأى عـن الـزَّادِ الـمقدسِ وارتـمى ...في ســوقِ أهــلِ اللهوِ والـبـطلانِ

تبْ يـا بنَ آدمَ مـقبلا شـطرَ الـنَّدى...إنَّ الـعـطـايـا مــــن يـدِ الـرحـمـنِ

لقد شنف العرب والعجم الآذان؛ ليسمعوا آيات الرحمن، ويدركوا رحمة الله:

الــعـربُ آبُـــوا والـفـرنـجةُ شَـنَّـفُـوا... آذانَــهــم، فهــو النـداءُ الأصعـدُ

والــنـاسُ فــي الـغـبراءِ عَـلَّـهُمُ رأوا...آيـــاتِ ربِّـي والأعـاجـمُ أرعـــدوا

وطـيـوفُ روحِ الـقُدسِ هَـنَّأَ نـفحُها ... فــي ذي الـلـيالي أُمَّـتـي والـسـؤددُ

رمـضـانُ والـرحـماتُ نـفـحةُ زهـوِه..وبــه افــتــرارُ نـعـيـمِـها والأرغـدٌ

ويعد هذا الشهر فرصة للمقصرين؛ ليحلقوا بركب الصالحين:

لــم يـبـلغِ الـخـيرُ الـعـميمُ بـغـيرِها...هـيـهاتَ إذْ صَـلَـفُ الـتَّـصَحُرِ يــورَدُ

الـخيرُ فـي الدنيا وفي الأخرى أتى ...بــفـيـوضِ دافــقِـه الـنَّـبِـيُّ مُـحَـمَّـدُ

ويعيب على الحضارة المعاصرة غياب الخير والرحمة والأخوة منها:

الـرُّعـبُ فــي الـغبراءِ مُـنْتَجُ نـهضةٍ...قـامـتْ عـلـى الـتـسليحِ والإرهــابِ

وهي الـحـضارةُ لــم تـكـنْ خـيريَّةً... لـلـنـاسِ شـادوهـا مــدى الأحـقـابِ

أيـــنَ الـتَّـعارفُ والـتـراحمُ والإخــا...بــيــنَ الــشـعـوبِ وجــمـلـةُ الآدابِ

لقد جاء رمضان مبشراً للمحسنين ومنذراً لأهل الشر:

رمـضـانُ عــادَ مُـبَـشِّرًا أهـلَ الـورى..أخــــذًا لــدفـعِ الــشَّـرِّ بـالأسـبـاب!

الأرضُ أرضُ اللهِ فَـلْـيَـسْـتَـيْـقِـظُـوا ... مــن غــفـلـةِ الأهـواءِ والـتَّـلـعابِ

عــودوا بـنـي الـدُّنـيا لـبارئِكم تَـرَوْا ... فَيْءَ الـسَّـعادةِ مُــدَّ فــي إطـنـابِ

ويخاطب الشاعر نفسه الأمارة بالسوء لكي تترك الكسل، وتشمر عن ساعد الجد، ولتوقد فيها شعلة الإيمان، وتنهل من معين القرآن:

يـانفسُ تُـوبي وانْفُضِي ثوبَ الونى...واسْـتَـعْـصِمِي باللهِ دفــعًـا لـلـخَـوَرْ

وَلْـيُـشْـعِلِ الإيـمـانُ دربَــك بـالـهدى...وَلْـيَـحْـدُ أُفــقُـكَ بـالـنشيدِ الـمُـدَّخَرْ

نــورُ الـمـثاني لــم يَــزَلْ يـهـدي إذا...غــامَ الـطريقُ وَلَـجَّ بـالنَّاسِ الـخَطَرْ

قـد صـانَ وجـهَتَكَ الوضيئَةَ وحيُها ...هـيهاتَ أن تـطغى الـمفاسدُ والكدرْ

وليعلم العالم جميعه أن نور الإسلام فيه سعادة البشرية، بينما بقية المذاهب لم تجلب لهذا العالم سوى التعاسة والشقاء:

لــــم أرْجُ نــهـجًـا خِـلْـتُـه ذا رفــعـةٍ... إنَّ الـمـذاهبَ شـرُّهـا الـيـومَ انـتشَرْ

أَوَغَـيْـرَ رَبِّ الـعَـرْشِ يُـسْـعِدُ عِـالَـمًا...وهــو الـخـبيرُ لـديـه إسْـعـادُ الـبشَرْ

والحياة في رمضان تغدو أحلى من الشهد، وألذ من المن والسلوى، وها هو الشاعر يؤكد هذه المعاني النبيلة، فيقول:

قــد جِـئتَ يـا هذا إلـى الـدنيا فَـكُنْ...فَــطِـنًـا وقــــد ألْـفَـيْـتَـها يــاصـادي

حَــرَّانَ مــن وَهَـجِ الـمشاكلِ مُـتْعَبًا...ومـــن الـشَّـقَـاءِ وصـيـحةِ الإرعادِ

فـانْـهَلْ هـنـا مــن سـلـسبيلِ هـدايةٍ...تَــجِــدِ الـسـكـيـنةَ ظــلُّـهـا لـلـغـادي

رمـضـانُ جــاءَك حـاديًـا يـهـفو بــه...شَــهْـدًا إلــيـكَ فَـرَحِّـبَـنْ بـالـحـادي

هـــذي لـيـالـيه الــتـي مـــا خَـيَّـبَتْ...راجٍ إلـــــــهَ الــــنـــاسِ لــلإســعــادِ

أبْــشِــرْ فـــإنَّ اللهَ لا يـنـسـى الـــذي ...يـرجوهُ فـي جـوفِ الدجى وينادي

وعلى المسلم أن يستجيب لنداء رمضان، فيقبل على الصوم، والقيام، وترك اللهو والفجور، فالله يناديك أيها العبد، فمتى تحين أوقات التوبة ؟:

رمـضـانُ نــادَى فـاسْـتَجِبْ لـنـدائِه...فــالـصَّـومُ نــفــحُ نــهــارِه مـعـطـارُ

والـلـيلُ فـيـه مــن الـمـنازلِ مـوئِـلٌ...فــيــه الـسَّـكـيـنةُ أهــلُـهـا الأبــــرارُ

لايُــذْهِـلَـنَّـكَ لــهــوُهـم ونـفـيـرُهـم ...في الــغـيِّ وافـى إثْـمَـه الـفُـجَّارُ

ناداكَ ربُّ الـخَـلْـقِ في عـلـيـائِه... فـانـهـضْ يُــغَـادِرْكَ الــونـى والـعـارُ

دنــيـاكَ مـهـمـا اسـتـأثَـرَتْ بـبـهارجِ...لــــم يــبـقَ مـــن سَــفَـهٍ لــهـا آثـــارُ

فَــكُــن الـمُـلَـبِّي فـالـكـريمُ بـعـفـوِه... يــلــقـاكَ فــالـمـولـى هــــو الــغـفَّـارُ

خيمة الخير:

ويعد رمضان شهر الكرم والخير والإحسان، وما زكاة الفطر إلا جبراً لخواطر الفقراء، والأرامل والأيتام، يقول الشاعر شريف قاسم:

رمـضـانُ خَـيْمَتُنا الأثـيرةُ إن طـغى... لَـفْـحُ الـهـجيرِ ، فَـخَـطْبُه مـشـهودُ !

مـــارَدَّ عـاصـفُـه خـطـى اسـتـقبالِنا...فــهـو الـحَـفِيُّ بـنـا ونـحـن الـصِّـيدُ

الـمـسـلمونُ يَـضُـمُّهم شـهـرُ الـنَّـدى ... فــيـه الـسُّـمُـوُ الــعـذبُ والـتَّـوحيدُ

فـــيــهِ نــجــاوى الــــروحِ ربَّــانـيَّـةٌ...مــاضَــرَّهـا الــتـهـويـلُ والـتـنـكـيـدُ

مَـــنْ رامَ ذكـــرَ اللهِ أدْرَكــه الـرِّضـا... لـــم يُـلْـهِـهِ الإجــحـافُ والـتـشـريدُ

اللهُ يـعـلمُ مـا جـرى فـانـهضْ وَخُــذْ ...أوفــى الـحِـباءِ فـفي حِـماهُ الـجُودُ

شهر الصبر والتوبة:

ويستحق العبد المؤمن الرحمة والقبول إذا صبر، وتعلق قلبه بالكريم، وأكثر من تلاوة القرآن والذكر، ولله در الشاعر إذا يقول:

إنْ كـــانَ قـلـبُـكَ بـالـكـريمِ مُـتَـيَّـمًا .فــاعـلَـمْ بــأنَّــكَ بـالـقَـبـولِ جــديـرُ

مــا ضَــرَّ مَــن ألـقى مـواجعَه عـلى. بـابِ الـقـديـرِ زمانُـه الـمـسـجورُ

فاللهُ يُـــــدركُ عـــبــدَه حـــتــى إذا ...ضاقً الــفـؤادُ أتـــاهُ مــنـه بـشـيرُ

لا تَـجْـزَعَنَّ وصَــلِّ فَـرْضَكَ واغْـتَنِمْ...شهــرَ الـعـطـايـا فضـلُـه مَـوْفُـورُ

وَصُـــمِ الـنَّـهارَ وَدَعْ لـسـانَكَ ذاكــرًا.. فــبـذكـرِه أنـتَ الـفـتـى الـمـأمـورُ

واحـــذرْ مـجـافـاةَ الـمـثـاني إنَّــهـا...لــكَ فــي حـيـاتِك بـهـجةٌ وســرورُ

ابتهال:

ويتضرع الشاعر شريف قاسم إلى الله، وينيب إليه، ويرجوه الخلاص من ظلمات الجهل، والغفلة، فيقول:

إنَّــا عـلـى أبــوابِ جــودِك لـم نـزلْ...نـرجو الـخلاصَ فـحالُنا فـي غيهبِ

ولَّــــتْ لـيـالـيـنا بــغـمـرةِ طـيـشِـنـا... وإلـــى مـنـابـتِ عــزِّنـا لــم نُـنْـسَبِ

نـمـنا عـلـى الأضـغاثِ مـن أحـلامِنا...وجــرى بـنـا لـلسوءِ عـيبُ الـمركبِ

ولــكــلِّ أفــــقٍ فـــي مـرابِـعِـنَا يـــدُ...عَـجَـزَتْ فـلـم تـعـملْ ولــم تـتَـذَأَّبِ

ويقع الشاعر مضطراً إلى الضرورة الشعرية في تحريك ما حقه السكون في قوله (لم تتدأب)، ولو جعلها تتأدب لكان خيراً له.

وقـــوارعُ الأيـــامِ تـنـقـلُ خـطـوَهـا...وربـوعُـنا مــن هـولِـها لــم تُـخْصِبِ

رَبَّـــاهُ فــي شـهـرِ الـصـيامِ رجـاؤُنـا...بـجـميلِ طـيبِ الـعفوِ غـيرُ مُـخَيَّبِ

فهو يدعو ربه بالعفو عن الزلات وستر العورات، كما يدعو لأمته بالعودة إلى دين الفطرة المقدس:

ولأُمَّــتــي يــــاربِّ مـنـحـةُ فــطـرةٍ..هـــي مـــا تــوارتْ إذْ جَـنَـاها رَيِّــقُ

ووَهَــبْـتَـهَـا لـلـمـسـلـمينَ كـــرامــةً... بــيــدِ الـنَّـبِـيِّ رداؤُهـــا الإسـتَـبْـرَقُ

قـــدســيَّــةً ، مـــكــيَّــةً ، مَــدَنِــيَّــةً...وعــلــى تَــقَـلُّـبِ دهــرِنـا لا تَـخْـلَـقُ

أركـانُها : الإسـلامُ يَشْمَخُ في المدى...وجلالُه بـجــمــالِه يـــتــألَّــقُ

والمقصود من عبادات المؤمن هو إرضاء وجه الله، فالله لا يقبل الأعمال إلا إذا كانت مخلصة وصواباً:

وصـلاتُـنـا وصـيـامُـنا والـحـجُ من ... بـعـدِ الـزكـاةِ فـصـولُ خـيـرٍ تُـغْـدِقُ

قــد أَهَـلَـتْهَا كـي تـقودَ بـني الـورى... لـنـجـاتِهم مـن كــلِّ كــربٍ يُـطـبِقُ

ويشيد شريف قاسم بفضيلة ليلة القدر في قصيدة أخرى، فيقول:

ويؤكد شاعرنا على أهمية ترك متاع الدنيا الفانية، ويرجو من الله القبول في هذا الشهر الكريم، وأن يرحم تقصيرنا:

لقد أصبحت أحوال المسلمين لا تسرّ خاطر الصديق، ولا تغيظ العدو، وإلى الله المشتكى:

 

رمضانُ طوبى: فيكَ نفحُ بشارةٍ :

ويكاد الشاعر الداعية شريف قاسم يكتب قصيدة أو أكثر في كل موسم من مواسم الخير الرمضانية، فها هو شهر الصيام والطهارة يعود إلى الأمة من جديد:

وتعودُ يا رمضانُ للبلدانِ                 ولأُمَّـةٍ تُنْمَى إلى العدناني

ويشكو إلى الله نزول المحن والمصائب على هذه الأمة المنكوبة، فيقول:

وتعودُ والأرزاءُ ينهشُ شدقُها             شدقُ الهوى والذلِّ والخذلانِ

شدقُ التَّخلي عن عقيدةِ ربِّهم       والخوضُ في وحلِ الضَّلالِ الجاني

وتزلُّفٌ أوهى مروءةَ محتدٍ                   فكأنَّهم في قبضةِ الأكفانِ

والحبُّ لاحب الحبيبِ مُحَمَّدٍ               أبدًا ولا يُنْمَى إلى الإيمانِ

وشكوى الشاعر هي من خلان كراهية حكام المسلمين وانقيادهم للعدو الذي جلب العار والذل والهوان:

وانقادَ أهلُ الحلِّ ويل هوانهم                 بيدِ العدوِّ إلى يــدِ الحرمانِ

 

ويحذر الأمة من خطورة الحرب على الله، وطمس معالم الكتاب والسنة، فيقول:

 

فَتَخَاذلٌ وخيانةٌ وتبجُّحٌ               في الحرب وا أسفي على القرآنِ!

وعلى نضارة سُنَّةِ الهادي فهل     يبقى إذا طُمِسا سوى الهذيانِ !

أيحاربون اللهَ جلَّ جلالُه               راضينِ بالإسفافِ والطغيانِ

 

ويرد على هؤلاء الطواغيت، ويقول لهم: لستم بمعجزي الله، وعقيدة التوحيد أقوى من ضلالكم، ونور الحق يبدد ظلامكم...

 

خسئوا جميعاً لا فكاك لهم إذا         جاءتْ جهارا غضبةُ الديَّـانِ !

إن العقيدةَ ياطغاةُ عصيَّةٌ                 تأبى الفناءَ وحالةَ الذَّوَبانِ

ولحامليها في الشعوبِ مكانةٌ        وهـم الأباةُ الصِّيدُ في الميدانِ

 

التذكر بأمجاد الأمة:

 

والأمة المسلمة لن تذل ولن تهون ما دامت تقتدي بتاريخ الجدود:

 

لم يخشَ أحفادُ النبيِّ عُتُوَّهم       أو سطوةَ الخوَّانِ والسَّجَّانِ

فالمجدُ يورق في منابتِ عزِّهم       باللهِ لا بالزخرف الفتَّانِ

 

فالمؤمن عزيز بالله، وليس بقوى الباطل، ويربط الشاعر بين هذه المناسبة العظيمة وبين جهاد أهل فلسطين، الذي سوف ينتصر فيه الإيمان على الجاهلية المعاصرة، والحق على الباطل الزائف، فيقول:

 

واليوم مَن في الأرضِ في يقظاتهم     شهدوا لغزَّة بالرضا الرباني

هم يهتفون لأهلِها وحُمـاتِها               بالفتحِ والتقدير والعِرفانِ

الحقُّ جاءَ فليس يبقى باطلٌ                 أو محفلٌ لعبادة الشيطانِ

كالجاهلية صوَّحت زيناتُها             وترنَّحتْ صرعى رؤى الأوثانِ

ولقد أتى والحزن يأكلُ أُنسَنا             لمجازرِ الأوباشِ والعُبدانِ

 

وصور شريف قاسم تهافت الدول الكبرى وسقوطها، فقال:

أما القوى الكبرى فلا كبرت ولا       نالتْ من التدليس أيَّ مكانِ

سدلَ القضاءُ على طغاةِ جنونِها         ما خبَّـأ المقدورُ للعدوانِ

 

وفي الختام نقول:

وهكذا نرى أن الشاعر الداعية شريف قاسم قد أجاد، وأفاد، وحلق باللفظ والمعنى، فجاءت ألفاظه جزلة قوية، تناسب المعنى، وكان أسلوبه متيناً، وتراكيبه متماسكة، وصوره البيانية تقليدية في الغالب، وكان محلقاً في الخيال، وحافظ على وحدة البيت والوزن والقافية.

وأما العاطفة فكانت دينية إنسانية تمتاز بالحرارة والصدق والحماس.

فطوبى لمن استفاد من عبر رمضان (مدرسة القلوب)، وطوبى لمن تزكى، واتقى، وطوبى لشاعرنا الحبيب شريف قاسم الذي ذكرنا بالله حاله ومقاله.

ويكفيه فخراً أنه شاعر إسلامي مبدع.

 

مصادر الدراسة:

  • رابطة أدباء الشام.
  • الشاعر الداعية شريف حاج قاسم: حياته وشعره: بقلم عمر محمد العبسو.
  • مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1075