النية التي هي القصد شرط من شروط إنتاج الأدب الإسلامي

(1)

المسلم الملتزم بإسلامه عليه أن يعرف حكم سلوكه قبل أن يسلكه.

كيف؟

إذا أحب الصيد، وعرف أنه سيمارسه- فواجب عليه أن يتعلم فقه الصيد. وإذا أحب التجارة أو السمسرة أو إدارة عمل تجاري فواجب عليه أن يدرس فقه المال والأعمال. وإذا أحب الفن التشكيلي وجب عليه أن يدرس فقه التصوير، وإذا أحب ...، وإذا أحب ... إلخ.

وإذا أحب الأدب وجب عليه أن يدرس فقه الأدب الذي يدله على أهمية الكلمة، وخطر وظيفتها، ووجوب عدم إشاعة الفاحشة، و... إلى آخر ما ذكرته في مقالات سابقة تعالج هذا الأمر.

هذه الدراسة القبلية ترسم له الأضواء في الأرض التي يود أن يتحرك عليها.

لماذا؟

لأنها تحدد نيته.

وما أهمية ذلك؟

أهميته أنها تجعله يحدد ضوابطه التي ستحكم سلوكه طوال سيره في نشاطه، وستحدد علاقاته، وستجعله يُنجح نشاطه مجتمعيا.

وهل الأدب نشاط؟ وإذا كان فهل هو نشاط مجتمعي؟

نعم، الأدب نشاط إنساني خاص في إبداعه بنسبة ما مجتمعي في تداوله يحكم بضوابط يحددها الدين ثم العرف والقانون في المساحات التي تركها الدين لتطور المجتمعات.

(2)

وهل يستلزم الأدب نية كغيره من سلوك المسلم؟

نعم.

لماذا؟

لأن النية شرط من شروط العبادات، وهي تفرق العادة عن العبادة.

كيف؟

ورد في صحيح البخاري: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

وورد عند أبي داود وصححه الألباني (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

(3)

ولقد استطردت النية ومراعاتها في الدين واللغة.

كيف؟

في جريمة القتل نجد فرقا بين القتل العمد والقتل الخطأ، قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 92-93].

ونجد القلم يرفع عمن لا يقصد.

ورد عند ابن ماجه وصححه الألباني (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ).

(4)

وفي اللغة نجد في المقدمات النحوية في مقدمة "الكلام وما يتألف منه"، وعند شرط الوضع أورد الشيخ حسن حفظي في شرحه للآجرومية (بقينا في كلمة واحدة في التعريف وهي كلمة بالوضع، فما المراد بها؟ اختلف شراح ابن آجروم أو مقدمة ابن آجروم في المراد بقوله بالوضع؛ فبعضهم يقولون: المراد بكلمة الوضع القصد أن يكون المتكلم قاصداً إفادة السامع، وبعضهم يقول: لا، ليس المقصود به القصد، وإنما المقصود به أن يكون مما تعارف العرب على وضعه).

وفي الشعر تسمى القصيدة قصيدة لأنها مقصودة من قائلها وسامعها.

(5)

والآن، وبعد أن رأينا أهمية النية وعظيم قدرها، واستطراد وجودها في الأفعال- يعن سؤال.

ما هو؟

إنه: ما فائدة اشتراط النية عند الأديب وهناك اتجاهات أدبية نقدية تميت المؤلف، وتجعل النص بعد إنتاجه منفصلا عن كاتبه وثقافته وتجربته الأدبية بكل عناصرها؟

وهذا يبرز سؤال يخص عنوان هذا المقال.

ما هو؟

إنه: أهذا عنوان حقيقي؟ أم مجازي؟

وأجيب بأنه عنوان حقيقي.

لماذا؟

لأن هذا اتجاه من اتجاهات، وكلها لا تفعل ذلك.

ويبرز سؤال: ما يدلنا على نية الأديب؛ فإنه كتب عمله الأدبي وأخرجه ولم نكن معه، ولم نعرفه؟

والجواب يسير ظاهر؛ فإن الأديب المسلم تظهر علاماته في عمله بدءا من اختيار موضوعه وانتهاء ببنائه الفني ومرورا برسم شخصياته وسلوكهم كما بينت ذلك تفصيلا في مقال سابق.

(5)

لماذا أقول ذلك؟ ولماذا أتى العنوان بصورته هذه؟

لأنني قلت قبلا: إن الأدب الإسلامي أدب محتوى، فإن اتصف بما لا يصطدم مع الشريعة فهو أدب إسلامي وإن كتبه كافر أو فاسق أو منافق.

فأردت هنا النص على النية التي بها يحتسب الأديب عمله كما هو شأن المسلم، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 162 - 165].

وكما قال سيدنا معاذ بن جبل لسيدنا أبي موسى الأشعري في الحديث الذي رواه البخاري (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنْ الشَّعِيرِ الْمِزْرُ وَشَرَابٌ مِنْ الْعَسَلِ الْبِتْعُ، فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَانْطَلَقَا. فَقَالَ مُعَاذٌ لِأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِي، وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. وَضَرَبَ فُسْطَاطًا، فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ. فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ؟ فَقَالَ مُعَاذٌ: لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ).

(6)

وهل هناك بأس من عد الأدب غير الصادم للشريعة من الأدب الإسلامي؟

نعم.

كيف؟

لقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة المسيء في صلاته بأنها ليست صلاة على الرغم من أنه أداها تحت بصره.

ورد في صحيح البخاري (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ وَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلَاثًا. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي! فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا. وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا).

وفي الحديث القدسي الذي ورد في صحيح مسلم نرى عدم الأخلاص علامة لحبوط العمل.

(حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ).

إذن لا بد من وجود الدافع والنية لاكتساب الفعل؛ لذا فالأدب الإسلامي لا يكتبه إلا أديب مسلم ملتزم بالإسلام.

وسوم: العدد 759