شهادات ومشاهدات عن بديع الزمان سعيد النورسي

إحسان قاسم الصالحي

الشهود الأواخر

شهادات ومشاهدات

عن بديع الزمان سعيد النورسي

إحسان قاسم الصالحي

تأليف : نجم الدين شاهينر

ترجمة : مأمون رشيد عاكف

الناشر : دار سوزلر للنشر 2012

إن مصاحبة الصالحين والعيش معهم والتلقي منهم وتتبع خطواتهم والاقتباس من أنوار سلوكهم وحركاتهم وسكناتهم لمما يُندب اليه ويُحث عليه لدى جميع أصحاب التربية والسلوك ، ولكنّا نعيش في زمن ندُر فيه أمثال أولئك أو صعب علينا معرفتهم أو قد يتعذر الوصول إليهم ؛ إلاّ أن المولى الكريم رحيمٌ بنا ، فمن رحمته تعالى ان فتح لنا باب مجالستهم والتعرف عليهم عن قرب بما سجّله محبّوهم وتلاميذهم من ذكريات عنهم فيما سطروه من كتب ورسائل ، حتى إننا عند مطالعة تلك الكتب نستنشق نسائم أنفاسهم وتنشرح صدورنا بذكر محاسن خدماتهم لوجه الله وفي سبيل حقائق الايمان، فكأننا نكون كمن انخرط في تلك المجالس الطيبة وجالس في مجالسهم وشارك في خدماتهم ، رغم البعد عنهم بحساب الزمان والمكان، حيث ان الزمان والمكان لا يحولان دون محاورة أهل الحقيقة ، كما يقول الاستاذ النورسي :

«اننى يا اخوتي اراكم عدة مرات في اليوم، في رسائلكم وفي خدماتكم الجليلة التي لا تغادر ذهني، فأشبع شوقي واطمئنه بهذا الامر. وانتم كذلك يمكنكم ان تحاوروا وتجالسوا اخاكم هذا الضعيف، في الرسائل، حيث الزمان والمكان لا يحولان دون محاورات اهل الحقيقة ومحادثاتهم، حتى لو كان احدهم في الشرق والاخر في الغرب وآخر في الدنيا وآخر في البرزخ؛ لأن الرابطة القرآنية والايمانية - التي هي بمثابة راديو معنوي - تجعلهم يتحاورون فيما بينهم».(الملاحق:ص99)

ولعل الله سبحانه وتعالى يجعلنا بفضله وكرمه من القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم .. كما ورد في ختام الحديث النبوي الشريف : (..قال: يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم، انما جاء لحاجة . قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ).(البخاري 6408) .

ولعل أهمية هذه الشهادات والمشاهدات عن بديع الزمان سعيد النورسي تكمن في أنها  تعرض جوانب من الحياة اليومية في خضم مواجهة الأحداث المحيطة في فترات زمنية مختلفة - قد لا تسجلها كتب التراجم المألوفة - إلا أنها  جهود مباركة للباحث والمؤرخ  التركي  نجم الدين شاهينر ، حيث قضى أكثر من ثلاثين عاماً  - وما يزال - في جهد متواصل وبحث دؤوب وتجوال مستمر، مستخدماً  كل ما يستطيع من أساليب علمية وطرائق فنية.. لجمع شتات الذكريات وشوارد الخواطر حول الأستاذ  النورسي. فما ترك مدينة أو قرية في مختلف أنحاء تركيا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً إلا ورحل إليها مترجلاً أو على ظهر دابة أو داخل سيارة مما يذكرنا بصدق السلف الصالح وهمتهم في طلب العلم فلا تراه إلا حيث يطرق سمعه أن هناك من شاهد النورسي أو عاش معه أو يتذكر عنه موقفاً من مواقفه ولقطة من لقطات حياته . فنشر وبالمنهج العلمي المعزز بالأدلة والبراهين شهادة ومشاهدة مئات الاشخاص في  مجلدات  سماه:

( Son şahitler Bediuzzaman Said Nursiyi Anlatiyor)

أي: الشهود الأواخر يعرفون سعيد النورسي.

وقام كذلك ببحث ميداني لمعرفة وجهة نظر اكثر من (مئة) من المفكرين في تركيا من أساتذة وعسكريين وصحفيين وعلماء ومسؤولين وأجرى معهم لقاءات وسجل أجوبتهم الإيجابية والسلبية على السواء بأمانة وإخلاص ونشرها في مجلد واحد سماه: (Aydinlar Konuşuyor) .

 أي: المفكرون يتحدثون عن سعيد النورسي.

فضلاً عن انه اصدر كتاباً خاصاً مستقلاً في (460) صفحة حول حياة الأستاذ  النورسي بتسلسلها التاريخي منذ ميلاده حتى يوم وفاته، وأغناه بوثائق تاريخية وشهادات شهود لازالوا على قيد الحياة وسماه: (Bilinmeyen Taraflariyla Bediuzzaman Said Nursi) .

أي: سعيد النورسي وجوانبه المجهولة.

وما تزال حياة هذا الرجل العظيم تنتظر مزيداً من الدراسات والبحوث والقراءات بحيث لا تكاد تقف عند حد معين فهي - والحق يقال - حياة حافلة غنية تمتد آثارها إلى أجيال وأجيال، مثلها كمثل حياة كبار رجال الفكر والدعوة في الإسلام .

ويتضمن هذا الكتاب – بمجلداته الأربعة - فصولاً متنوعة مثيرة حول بعض جوانب من حياة الأستاذ  بديع الزمان سعيد النورسي حسب وجوده وتنقلاته في المناطق المختلفة من بلاده تركيا ابتداءً من مدينة "وان" سنة 1923 وانتهاء إلى مدينة "اورفة" سنة 1960 وما بين هاتين المدينتين من مدن إقامته ومنفاه من "بارلا" و"اسبارطة" و"قسطموني" و"اميرداغ".. وأخرى غيرها، وهي مناطق حافلة بالذكريات والأحداث مع طلابه ومعارفه والناس من شتى المستويات الثقافية والاجتماعية والمهنية، مما يدل دلالة كبيرة على مدى أبعاد حركته وعمق شخصيته ودوره الفعال في مجتمعه والتأثير عليه بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

وتمشياً مع روح الكتاب فقد جاءت الصور تضفي لوناً بهيجاً على جماله وسعة معلوماته، وكشف للقارئ الكريم معلومات قيمة قد تكون خافية عليه أو كانت قليلة لم تكن تشفي غليله مبثوثة هنا وهناك.

وقد وفق المولى الكريم أخانا مأمون رشيد عاكف بترجمة الكتاب عن التركية ترجمة وافية شافية . فجزاه الله عنا خير جزاء وأدام عليه نعمه ظاهرة وباطنة.