بحوث في القرآن والحديث واللغة قراءة نقدية

قرأة نقدية لكتاب جديد عنوانه

"بحوث في القرآن والحديث واللغة"

لمؤلفه الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

عن دار جليس الزمان للنشر والتوزيع ،في عمان ، صدر الكتاب الموسوم بأعلاه ، طبعة أولى ، 2011م ، للأستاذ عبد الكريم خليفة ، رئيس مجمع اللغة العربية ،في (341) ثلاثمائة وإحدى وأربعين صفحة من القطع الكبير ،وقد احتوى الكتاب المذكور على عدة احد عشر بحثا تضمنت بحوثا في القرآن الكريم، وأحاديث الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم

وعلى نحو مفصَّل فقد بدأ الأستاذ العالم بحثه الأول عن معنى الحكمة من القرآن الكريم أولا وتتبع مفهومها عند عدد من المفسرين القدماء من أصحاب المناهج المتنوعة، من جهة ومن أخرى عرض لمعاني الحكمة عند أبرز اللغاة، وأقدمهم واحتج بشواهد شعرية دالة على الحكمة خص منهم الشعراء الجاهليين وشعراء صدر الإسلام ، وتوسَّع في المجاز من معنى الحكمة ،وأدرج المصطلحات مما أوردته كتب المفسرين وحصرهم بين القرن الثالث الهجري إلى الخامس منه، وخلص الأستاذ خليفة إلى أن مفهوم الحكمة هو الذي شغل المحل الأول عند المفسرين ، وتنبه إلى أن مصطلح الحكمة كغيره من المصطلحات التي وردت في القرآن الكريم وما أكثرها ! هي التي تحدد المعنى من خلال السياقات ، بل من خلال لفظه ونظمه 

ولعل الأستاذ خليفة نبَه إلى أهمية دراسة المفردة أو المصطلح في القرآن الكريم عند توظيفها في السياقات المتعددة وعندها فان المعنى يتغير ، فبورك في هذا المسعى الذي ذكره الدكتور خليفة ونبه إليه ، وقد اعتمد الأستاذ خليفة على خمسة وعشرين مصدرا ومرجعا شاهدا على دراسته . واحتلت دراسته مساحة من 11ـ 34)

أما البحث الثاني فعنونه ب"منهج أبي ذر الخشني في تفسير غريب السيرة " وبحثه هذا قدمه إلى مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة يوم 14/4/1993م واحتلَّ بحثه ثلاثا وعشرين صفحة معتمدا على أربعة عشر مصدرا ومرجعا وعرَّف بالخشني الأندلسي عالما من رجال القرن السابع (604هـ،)، فتناول سيرة النبي الكريم لابن هشام فشرح غريبه ونهج في تصنيفه منهجا لغويا ، وقصد من كتابه شرح ما استبهم من غريبه ومعانيه ، وظهر فيه منهج معجمي ، ويبتعد من حيث الغاية والأسلوب عن كونه كتاب سيرة ، وكان الخشني رحمه الله يفسر اللفظ بحسب وروده في السياق من خلال ما يفهمه من النصوص، ويمثل على ذلك بتفسيره" من ُظلْمِه " يعني من جهة البحر .كما تنبه إلى المعنى المجازي من قوله عليه السلام "حرب رباعية "بمعنى حرب فتية ، ومثل تفسيره "الرؤوس السبعة "يعني القرون السبعة وأمثلة كثار عززها المؤلف الخشني من القرآن الكريم والشعر الجاهلي .

وبحوثا في مجالات اللغة ،وهي :حقوق الإنسان "في العدالة الاجتماعية في الإسلام ، وهو بحث قدمه إلى المجمع العلمي لبحوث الحضارة الإسلامية ـ آل البيت بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مدينة الرباط في شهر تشرين الأول 1997م، وشارك فيه مفكِّرون من المذاهب الإسلامية منها المذاهب السنية الأربعة والمذهب الجعفري (الاثناعشري)، والمذهب الزيدي والمذهب الاباضي ، وفي البحث دعوة إلى تمثل المبادئ الإنسانية التي أرساها القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، لتمثل ذروة الفكر الإنساني في تحقيق العدالة الاجتماعية، والتكافل المعنوي والمادي، بغية تحقيق العدالة المرتكزة على ركنين أساسين هما: التربية الإيمانية ووضع التشريعات الملزمة لها، وبيَّن البحث أهمية الصدقات وأنواعها التي وردت في سورة التوبة لتحقيق ا لعدالة الاجتماعية .

أما بحثه الرابع فعنونه ب "رسالة في فلسفة الأخلاق في مداواة النفوس للإمام ابن حزم الأندلسي " وهو صاحب نظرية المعرفة وله مؤلف في "فلسفة الأخلاق "وينطلق ابن حزم من إيمان عميق بالله تعالى، والالتزام بأحكام القرآن الكريم والحديث النبوي، ومنهما انبثقت شخصيته ـ رحمه الله تعالى ـ وكان صاحب نظرية أخلاقية ، عشق الحقيقة وسلك فيها طريق العرفان، وكان يتأمل حياة الإنسان وينظر في النفس الإنسانية، ليحقق غرضه الجامع خرج الأجناس والألوان والعقائد وخارج إطاري الزمان والمكان ،وتحتل قيمتا العدل والحق مكانتين أساسيتين في فلسفته الأخلاقية .، وقد خاض عميقا في النفس الإنسانية ، وحللها بمنهج علمي سليم كان ذلك في كتابه "طوق الحمامة في الألفة والألاف "، وامتزجت فلسفة الأخلاق وعلم النفس وعالم الأرواح في فكر هذا الفيلسوف المبدع المغفور له بإذن الله .

وفي بحثه الخامس المعنون ب"اللغة والنحو في فكر الفارابي الفيلسوف " عرف الأستاذ خليفة به وأيَّد الدكتور مدكور بان الفارابي لم يلق ما يستحقه من البحث والدرس في فكره الخصيب ،من الجانب اللغوي عامة والنحوي خاصة ، وهذا ما يبرزه كتابه "إحصاء العلوم "ذو الفصول الخمسة منها في علوم اللسان لحفظ الألفاظ الدالة عند امة وعلم قوانين الألفاظ ويحدِّد مصطلح القوانين العلمية ،ويعرفها بأنها"الأقاويل الكلية "، ويرى الفارابي أن للألفاظ الدالة ضربين ؛مفردا ومركبا ، فالمفرد كالإنسان والحيوان ، والمركب كقولنا الإنسان حيوان .، ويصوغ الفارابي نظرة عامة لعلم النحو، وأصول علم البلاغة والفصاحة، كما تحدث عن قوانين المنطق ،وعدَّ وجود قوانين النحو ضرورة للتعلم واجتناب اللحن، وحضَّ على حفظ الأشعار والخطب والاستكثار من روايتها ، لينفذ إلى العلاقة الرابطة بين اللغة والنحو . 

وفي بحثه السادس الموسوم "أبو بكر الزبيدي الاشبيلي رائد تيسير النحو "حققه الأستاذ خليفة نفسه ،ونشرته دار جليس الزمان من قبل ، وقد نوهتُ إليه في دراسة نقدية نشرت في الملتقى الثقافي العربي، وعلى صفحات رابطة أدباء الشام .

أما بحثه السابع فوسمه ب"المصطلحات الحضارية والعلمية في كتاب "نهاية الرتبة في طلب الحسبة "لمؤلفه عبد الرحمن بن نصر الشيزري رحمه الله ، وابرز أهمية نصوص الكتاب التي تصور النواحي الاجتماعية والحياة اليومية لمختلف طبقات المجتمع العربي الإسلامي ، خاصة في بلاد الشام ومصر . وقد كشف أفانين الغش في بيوعاتهم ومعاملاتهم ، وعرض لأرباب المهن وتحدث عن أنواع الغش عندهم ، كما ذكر فروع الطب وشرح غشوش العقاقير وصنفهم ستة وثلاثين صنفا بدءا بالحبوبيين وانتهاء بالأطباء ومؤدبي الصبيان وقد أولى مدينة شيزر أهمية خاصة فذكر الأوزان من رطل ودرهم ودرهم الذي يعادي ستين حبة وذكر اوزان القفيز والرطل وغي ذلك ، على ان بعض هذه الأوزان ما زال مستخدما حتى يومنا هذا ،، وقد كان يحرص على وصف دقيق لأجزاء الأدوات فشكل ثروة لغوية مهمة نحن بأمس الحاجة إليها ومثله فعل بأسماء العقاقير والنباتات والصيدلة وادخل ألفاظا عربية و مولدة فصيحة وكشف غش الكافور ونصح الأطباء والكحالين والجراحين بان يكون لديهم جميع أدوات الطبابة على الكمال لانجاز ما يطلب منهم على وجه الاكتمال ،كان ذلك في القرن السادس الهجري حيث أهداه إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى. 

أما بحثه الثامن المعنون ب"المختصرات وطريق أدائها باللغة العربية الذي ألقاه في مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1990م فدعا فيه إلى تعريب العلوم والمعرفة والمصطلحات العلمية لتكون اللغة العربية لغة التدريس الجامعي ، لتستعيد العربية تسبَّدها في أوطانها ، على ان يراعى ان اللغة العلمية غيرها في اللغة العلمية ، ودعا الى تنقية المعاجم من الشوائب ،وبين ان للرموز العلمية مشكلاتها ، وحذر من فيوضات المصطلحات العلمية المتتابعة في لغات متعددة ،واجاز استعمال المختصرات في العربية شانها في لغات متعددة وطلب وضع قواعد لها وبعكس ذلك تعم الفوضى والتناقضات ومثل على ذلك بشواهد كافية .

أمَّا بحثه التاسع فعنوانه "نقل الأصوات اللغوية إلى اللغة العربية "بوسائل ثابتة من نحو وصرف واشتقاق وإبدال وإعلال ومجاز ونقل ونحت وتعريب ، وركز على التعريب التراثي وتطور معناها خلال العصور.وذكر منهجين يتبعهما علماء اللغات هما النقل الحرفي وفيه تنقل أحرف الكلمة الأجنبية دون اعتبار أحرف الكلمة الأجنبية والثاني هو النقل الصوتي حسب الصوت الذي تنطق به . 

أما بحثه العاشر فعنونه " نحو المعجم التاريخي للغة العربية " وفيه تحدث خصيصة اللغة العربية لكونها ثابتة في نحوها وصرفها وهي لغة القران الكريم وبها أحاديثه صلى الله عليه وسلم ،والعلاقة بينها وبين الشعوب التي اعتنقت الإسلام حميمة لان مبدأ" إن أكرمكم عند الله اتقاكم" قوامها الأول 

وفي بحثه الأخير المرقم بالحادي عشر وسمه ب"عالمية اللغة العربية ومكانتها بين لغات العالم " تحدث فيه عن عراقة اللغة العربية الضاربة في القدم وان لغتنا حددت هويتنا وذكر أن أول من تكلم العربية يعرب بن قحطان وان إسماعيل بن إبراهيم عليهما وعلى رسولنا الصلاة والسلام هو الذي تكلم بلسان العرب العاربة وانتشرت العرب في الجزيرة العربية وقيل إن أولاد إسماعيل نشئوا بعربة وهي من تهامة فنسبوا الى بلدهم ورجح الأزهري تسميتهم لأنهم سموا عربا باسم بلدهم العربات أما القبائل المستعربة فقوم من العجم دخلوا بلاد العرب فتكلموا لسانهم ، وذكر أن التحول التاريخي في حياة اللغة العربية يوجد في خصائصها الذاتية ؛ في الاشتقاق والمجاز والنحت والتعريب مما مكنها من الخلود والثبات في حين أن لغات كثيرة ماتت وعفى عليها الزمان .