غِبْ يَا هِلاَلْ

يسري الغول

[email protected]

ما أن تشرع بقراءة قصيدة (غب يا هلال) لعبد الرحمن العشماوي حتى تغيب عن الواقع إلى واقع الواقع، وتنتقل من الحياة المحيطة بك إلى الحياة التي غلفتك وانتقلت بك إلى من حولك ومن معك ومن خلفك وأمامك. وكأن القصيدة تعود بك إلى مجزرة قتل الأطفال بمخيم الشاطئ العيد الماضي خلال عدوان الجرف الصامد، والمعاناة التي عاشها كل فلسطيني في غزة. والإيقاع مستمر.. غب يا هلال/ إني أخاف عليك من قهر الرجال/ قف من وراء الغيم/ لا تنشر ضياءك فوق أعناق التلال.

تنتقل بك القصيدة إلى معاناة اللاجئين المهجرين في مخيمات الشتات، حيث لم يعد اللجوء مختزلاً  بالفلسطينيين فقط، بل بالعرب الفقراء والبؤساء والمشردين بعد الثورات والثورات المضادة والدم والقتل والتشريد. فهناك على الحدود الأردنية السورية والحدود التركية السورية والحدود اللبنانية السورية لجوء وموت، في مخيمات اللجوء والمدن السورية. وفي العراق وكردستان وليبيا واليمن ومصر وبلاد أنهكها الاستعمار فزرع فيها عملاء يتحكمون بمصير الشعوب فيقتلون ويدمرون والعالم في صمت مريع. والعدوى تنتقل والهلال لا يغيب. غب يا هلال/ إني لأخشى أن يصيبك حين تلمحنا الخبال/ أنا يا هلال/ أنا طفلة عربية فارقتُ أسرتنا الكريمة/ لي قصة/ دموية الأحداث باكية أليمة/ أنا يا هلال/ أنا من ضحايا الاحتلال/ أنا من ولدت وفي فمي ثدي الهزيمة. آه لو تعلم يا هلال ما جرى وما حل بأمتنا التليدة، أي موت يحيق بها كل لحظة وأي جنون وأي بؤس. إن الواقع العربي المرير سد كل أبواب الفرح، وأغلق كل معابر السرور. فلا تدخل بيت إلا وتجد فيه حكاية. وتجد فيه طفلاً ينتظر أبيه أو أمه أو أسرته كاملة بعد أن قضت مع صواريخ الاحتلال.

يأتي العيد والصمت أبلغ من الكلام والرصاص. يأتي العيد وفي جوف كل طفل غصة لا تمحوها كل سنين العمر. فيصير الغناء وشيجة لحب غير شرعي مع الفرح. غب يا هلال/ قالوا ستجلب نحونا العيد السعيد/ عيد سعيد/ والأرض ما زالت مبللة الثرى بدم الشهيد/ عيد سعيد في قصور المترفين/ عيد شقي في خيام اللاجئين/ هرمت خطانا يا هلال/ ومدى السعادة لم يزل عنا بعيد.

يأتي العيد والشجاعية ورفح وخانيونس وبيت حانون تتضور جوعاً لافتراس الاحتلال بعد أن جرف البيوت ودمر الأبراج وجعل المطر سيمفونية خوف ورعب وبرد بعد أن كان يوماً حكاية حب وابتسامة وأمل. فلم يعد لأحد شبابيك يقف عليها وفي وجهه ابتسامة الصباح وأمل المساء وحكاية الوطن بلون العيد. لأن كل شيء دفن تحت الأنقاض، بالذكريات الجميلة والأثاث القديم والحاجيات والأسرار. كلها دفنت تحت أنقاض الخيانة.

غب يا هلال/ واطلع علينا حين يبتسم الزمن/ وتموت نيران الفتن/ اطلع علينا حين يورق بابتسامتنا المساء/ ويذوب في طرقاتنا ثلج الشتاء/اطلع علينا بالشذى/ بالعز بالنصر المبين/ اطلع علينا بالتئام الشمل بين المسلمين/ هذا هو العيد السعيد/ وسواه ليس لنا بعيد.

وكل عام وأنتم بخير.