الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة الفصل السادس

الفصل السادس

فنــــون شعـــــــريـة أخــــــــرى

الوصف - الفخر - الحكمة والآراء

الشعر التعليمي

الباب السادس

فنون شعرية أخرى

   وهي فنون أدبية أخرى لم تبلغ في أهميتها ما بلغته الفنون الأخرى في هـذا العصر ، وهي الوصف ، والفخر ، والحكمة والآراء حول الإنسان والحيـاة،  والشعر التعليمي . وسأدرس هذه الفنون موضحة سماتها،وما جد فيها من جديد :

أولاً - فن الوصف في شعر الدول المتتابعة :

الشعر كله وصف، مديحه ثناء، ورثاؤه ذكر للشمائل، وهجاؤه سلب لهذه الخلال، وفخره تعظيم واستعلاء بها.

ولكن مصطلح الوصف في الشعر العربي الغنائي يكاد يقتصر على الطبيعة وما يكون في أجوائها، كمشاهد الرياض النضرة، والأطلال الدارسة، والغزلان الشاردة، والخمرة ومجالسها وليالي أنسها، وقد يتعرض الشاعر لذكر النكبات الطبيعية أو لجرائم العدوان الطاغي وما يتعلق به من أسلحة فتاكة مدمرة.

وقد ساعد على كثرة الوصف طبيعة الأراضي العربية الخلابة ففيها الصحارى الواسعة التي تشرق عليها الشمس الذهبية، فيحل بها الدفء، ويغمرها النور ثم يأتي الليل الداجي فيزيدها القمر هدوءاً وجمالاً إلى جمال؛ وهناك البحار الصاخبة، والرياض المزهرة، والحيوانات التي ترتع هنا أو هناك، أليفة كانت أم غير أليفة، إلى جانب الطبيعة الصناعية التي عملت فيها يد البشر لتكسبها فتنة أخاذة.

ومما ساعد على انتشار هذا اللون الأدبي أيضاً اطلاع الأدباء على التراث السالف الذي نهلوا منه الكثير، وعارضوا بعض قصائده… إضافة إلى العوامل الاجتماعية والسياسية التي ساعدت على الإبداع، كالأعياد والهجرات، والنكبات الطبيعية والحروب، وما تخلفه هذه أو تلك من ترف أو ضيق، وقد بدا هذا كله في مشاهد وصّافة تارة، وفي لقطات سريعة أخرى، وارتبط الوصف أحياناً بمشاعر وأحاسيس دينية وغير دينية كالشوق والحنين، والأنس بمجالس الخمر… وقد يأتي الوصف مجرداً أو مشخصاً، ولكنه في معظمه يكون خارجياً لا نرى فيه اندماج الشاعر مع موصوفه. وقد يكون أحياناً وصفاً يبدي الشاعر من خلاله مقدرته على الإتيان بصورة جديدة لم يسبق إليها، وإن لم يكن فيها تعبير صادق عن تجربة شعورية أحسها.

وعلى هذا فالوصف في شعر الدول المتتابعة بدا في نوعين:

أ- نوع تقليدي : يأتي غالبا في ثنايا القصائد، ويحكي الشاعر من خلاله حالته النفسيةأو المادية ،أو يبدي أشواقه إلى ديار ما، أو يجعلها موطن ذكرى، وقد يصف حربا ما أو نكبة حلت ، وقد يتخذ الوصف سبيلا إلى التعبير عن جمال الحبيب .

ب- ونوع مستحدث: يرد في مقطعات شعرية غالباً تحكي عن معطيات حضارية صناعية كوصف الدولاب وأحواض المياه، والقلم والمحبرة، وما أشبه ذلك مما يود الشاعر من خلاله تبيان مقدرته الشعرية.

وسأدرس هذين النوعين من الوصف .

1- الوصف التقليدي :

جاء هذا الوصف في مطالع القصائد وفي ثناياها، وكان بعضه يرمز إلى حال صاحبه فهو إن وصف الطلل والنوق المتعبة فلكي يعبر عن أساه ومعاناته علّ ممدوحه يشفق عليه، ومما جاء منه في مطالع القصائد حديث الشاعر «حسين بن الجزري» عن الأطلال في مدحة لنجم الدين الحلفاوي، فهو يصف النوق المتعبة خلال سُرى الليل، ويحكي عن رغبته في أن تأخذ قسطاً من الراحة في منطقة ذات الطلح، وكانت الروائح العطرة فيها تعبق في أرجاء الكون، والنجوم تسطع كمصابيح في حلكة الظلام، ولكن البرق الذي لاح كالسيف في كبد السماء كان يزعجه، وقد وصل وصحبه إلى الديار التي خلفتها الظعائن ورحلت، وكان تقادم العهد والرياح الهوج قد أثرا فيها ومحوا آثارها حتى بدت مقفرة، وكأن أحداً لم يسكنها من قبل .و حتى بات الصدى يتجاوب في جنباتها، والوحوش تأوي إليها، وكان مرآها هكذا قد أثار كوامن نفسه، فراح يذرف الدمع غزيراً، وهل يطيق امرؤ أن يكتم أشجانه ودموعه في مثل هذه المواقف، بل إن منظرها كان يقطع أحشاءه كما تقطع الوحوش فريستها، وكانت دموعه تسقي هذه الديار، كما تسقيها أمطار السحب الغزيرة، وهذا حال الدهر يتقلب ولا يثبت على حال، فهو يقضي على لذات الدنيا، وإن أعطاها أمداً، وقد استمر الشاعر في مسيرته المضنية هذه إلى أن طلع عليه نجم الدين الحلفاوي بعلمه المنير وعظمته الساطعة، لينقذه من لأواء حياته، فكأن ما وصفه من طلل رمز للمتاعب المادية والنفسية التي كان يعاني منها حتى أنقذه ممدوحه منها ، يقول في ذلك:

ورُحْنا نُراعي للديارِ روائِحا ([1])

 

أرَحْنا بذات الطلحِ عِيْساً طلائحا

يلوحُ لنا قبلَ الصباحِ مصابحا

 

نُجِدُّ السُّرى ليلاً، وزُهْرُ نجومِه

يُجَرِّدُ من جَفْنِ الظلامِ صفائحا ([2])

 

وتُزْعِجُنا برقٌ ببَرْقةَ ثَهْمَد

عَهِدْنا بها سِرْبَ الأوانسِ سارِحا

 

وما راعَنا إلا طلولُ مَعاهِدٍ

بأعقابِها هوجُ الرياحِ روائِحا

 

محا رسمَها طولُ البِلى وتتابَعَتْ

وطائرُ أُنْس سالح عادَ بارِحا ([3])

 

كأن لم يكن عِيْسٌ بها مَرَّ حالياً

يجاوبُني صوتُ الصدى فيه صائِحا

 

على الرُّغْم مني أن أخاطبَ مَلْعباً

جوارحُها تنتاشُ منا الجوارحا ([4])

 

وتألفُهُ فتْحٌ وعصمٌ كأنما

وأُسْقِيْهِ دَمعاً من جفونيَ سائحا

 

ويجتازُه صوبٌ من المُزْنِ ساريا

له مِحَنٌ تغتالُ ما كان مانِحا

 

وما الدهرُ إلا ذو انقلاب وريْبَةٍ

سناً وسَناءً يُبْهِر الشمسَ لائحا ([5])

 

ليبدرَ نجمُ الدين في أُفْق علمِه

وقد يستهل الشاعر قصيدته بوصف الربيع والرياض العطرةفيه ، ويروح يشخص الطبيعة فيجعلها كإنسان تحس أحاسيسه ومشاعره ، فالشاعر «علي الكيلاني» يبين أن دموع السماء أضحكت الرياض، فتفتحت أزاهيرها وارتدت ثياباً سندسية مطرزة ببديع الزخارف بعد أن نبتت بماء السماء المعطاء، وقد انتشرت الورود الحمراء والأقاحي والأقحوان في هذه الفيافي مما جعل الشقيق الأحمر يغتاظ بعدما رأى ابتسامة الأقاحي، كما أن الورود استحيت من أعين النرجس الناعسة فتضربت بالحمرة، وكان هذا المنظر الفتان قد أطرب الدنيا فراحت المياه تصفق، والرياح تغني بأنغامها الطربة، وغصون الرياض تتراقص بهجة، والطيور الغناء تصدح، والأغصان تسطر هذا الجمال كأنها أقلام، وهذا الجو الربيعي الفتان يدعوه إلى أن يتمتع في أجوائه قبل أن يهجم عليه المشيب أو نوائب الدهر، فتعكر صفو حياته، يقول في ذلك:

وعن النَّوْرِ فضَّ خَتْمَ الكَمام

 

ضحكَ الروضُ من بكاءِ الغمامِ

نَسَجَتْها أكفُّ سُحْب كرامِ

 

والرياضُ اكتسَتْ مطارفَ وَشْيٍ

فاقتِ الزهرَ في اتِّساقِ نظام

 

نثرَتْ في الرُّبا يواقيْتَ زَهْرٍ

بانَ عن جمعِها بحُسْنِ القَوام

 

من أقاحٍ وأُقْحوانٍ وبانٍ

مُذْ رأى في الأقاحِ ثغرَ ابتسام

 

شقَّ قَلْبَ الشَّقيقِ حُرْقَةُ غيظٍ

حَدَقِ النَّرْجسِ الصِّحاح السَّقامِ

 

خضبَ الوردُ خدَّه خَجلاً من

شبَّبَ الريحُ أطيَبَ الأنغامِ

 

رقَصَ الدوحُ، صفَّق الماءُ لما

وتَخُطُّ الأغصانُ بالأقلامِ

 

رقى لوُرْقِ مِنْبَر الأيكِ يتلو

واعطِ للنفس حقّها بالتمام

 

نزِّه الطرفَ في بديعِ ربيعٍ

قبلَ بَدْءِ المَشيب والاِنْهزام

 

واختلِسْ في الزمانِ صفوَ شبابٍ

فالليالي حوامِلٌ بالجسام ([6])

 

وانتهزْ فرصةً ليومِ سرورٍ

وهنا يبدو الشاعر سعيداً في حياته كسعادته مع ممدوحه الذي يقدم إليه هذه اللوحة الراقصة من الطبيعة .

وقد يصف الشاعر الشتاء إعجابا ببديع صنع الله وقدرته كما فعل «إلياس إدة»([7])  حين راح يعرض علينا لوحة من زوابع شهر كانون الثاني – يناير- أشد أشهر السنة برداً وثلجاً وأمطاراً ورياحاً، وقد شخص الطبيعة فجعل رياح الشمال تصطدم مع رياح الجنوب، فتبدوان كفرسان حرب على خيولها، وبدا الضباب كعمامات فوق ذرا الجبال أو كأكاليل عروس، وكأن البرق نحر السحب فسالت دماؤها أو دموعها مطراً غزيراً، وقد استمرت الحرب في كبد السماء إلى أن جاء الصباح وظهرت الشمس كأنها كسيفة، وكانت السيول تتكاثر، ثم جاء الثلج، وعمّ الأراضي يومين متواصلين فهلكت النفوس من هذا القّر القاسي، ويبس النبات، ولازم الناس بيوتهم خوف الثلج ولجؤوا إلى الله سبحانه بالدعاء الحار علّه ينقذهم من هذه المعاناة، فهو خير مجير ومعين. يقول في ذلك :

فتعمَّدَتْ ريحُ الجنوبِ تصولُ

 

هاجتْ رياحٌ بالشمالِ تجولُ

فرسانُ حربٍ أقبلَتْ وخُيولُ

 

وتكافَحا حتى كأنّ هبوبَها

قِمَمَ الجبالِ كأنه الإِكليل

 

ونما الضبابُ على الهضابِ مُعَمِّماً

مِ فسال منه دمعُه المهطول

 

نحرَتْ سيوفُ البرقِ أعناقَ الغما

حتى علا نورَ الضياءِ أُفولُ

 

ما زالتِ الأنواءُ يخبِطُ جيشُها

وعُقَيْبَ هذا الكسفِ جاءَ سيولُ

 

والشمسُ قد كُسِفَتْ بسلخِ مُحَرَّمٍ

ثلجٌ يَعُمُّ على البطاحِ مَهُول

 

وبثالثٍ منه أتى في جمعةٍ

ليلٍ تَواصَلَ هطلُه الموصُول ([8])

 

مُتكبْكِبٌ مُتَنَطِّقٌ يومان معْ

غُصْنٍ رطيبٍ قد علاه ذُبول

 

لله كم من أنفسٍ هلكَتْ وكم

يومين كلٌّ بالتُّقى مشغول

 

قد لازمَ الناسُ البيوتَ مخافةً

لله فهو الحافظُ المسؤول ([9])

 

وتصايَحَتْ تلك الخلائقُ بالدُّعا

وهذا وصف آخر ينم عن شعور بالرهبة أمام مدبر أمر السماء والأرض. فعندما ظهرت نار عظيمة في المدينة المنورة وأضاءت في الليل مسافات شاسعة حتى وصلت إلى بصرى الشام، وأضاءت أعناق الإبل كما ورد في علامات الساعة، نظم الشعراء مدائح نبوية كثيرة، ووصفوا هذا الحدث الجلل، وذكروا من خلاله قدرته تعالى، وكان من هؤلاء الشاعر «البوصيري» الذي نظم قصيدة سماها «تقديس الحرم من تدنيس الضرم» وكنّاها «بأم النارين» وقد ندد فيها بقساة القلوب الذين لم يرعَوُوْا عن غيهم على الرغم من مشاهدتهم لهذه النار المعجزة، التي أذابت الحجر الصلد، حتى خيل إليه أنها من نار جهنم، وقد حولت الليل إلى نهار والنهار إلى ليل، وكأني بالشاعر يذكر قول أبي تمام في وصف حريق عمورية حين قال فيه:

للنارِ يوماً ذليلَ الصخرِ والخشَبِ

 

لقد تركْتَ أميرَ المؤمنين بها

يَشُلُّهُ وسطها صبح من اللهب

 

غادرتَ فيها بهيم الليل وهو ضحى

عن لونها أو كأن الشمس لم تغب

 

حتى كأن جلابيبَ الدُّجى رغبتْ

وظلمة من دخان في ضحى شحب ([10])

 

ضوءٌ من النار والظلماء عاكفة

وقد حاكاه البوصيري في تصويرآثار هذه النيران التي أحرقت كل شيء أمامها حتى بيوت النار، وقد احتمى المسلمون بالرسول r حتى أطفئت النار التي أذهلت الناس، وباتوا تجاهها حيارى لا يدرون ما يفعلون لإخمادها وكأنها نار من نار جهنم ، يقول في ذلك :

وقد ذابَ من حرِّ بها الحجرُ الصَّلْدُ

 

وما ليَّنَتْ نارُ الحجازِ قلوبَكُمْ

تَرَدَّدَ من أنفاسِها الحرُّ والبردُ

 

وما هي إلا عينُ نارِ جهنمٍ

وما ابيضَّ من صبحٍ غدا وهو مُسْوَدُّ

 

فما اسودَّ من ليلٍ غدا وهو أبيضٌ

من الريحِ ما إنْ يُستطاع لها رَدُّ

 

تدمِّرُ ما تأتي إليه كعاصفٍ

هي البصرةُ الجاري بها الجَزْرُ والمَدُّ

 

وقد أبصَرَتْها أهلُ بُصرى كأنما

من الإبلِ الأعناقَ والليلُ مُرْبَدُّ

 

أضاءَتْ على بُعْدِ المزارِ لأهلِها

بساحتِه والأمرُ بالناس مُشْتَدُّ

 

فلما التَجْوا للمصطفى وتحرَّموا

حيارى لديها لم يُعيدوا ولم يُبْدوا ([11])

 

فأطفِئَتِ النارُ التي وقف الورى

والملاحظ أن الشعراء في أوصافهم هذه وقفوا مما رسموه موقفاً خارجياً، التقطوا خلاله صوراً للطلل أو للطبيعة، ورسموا لوحات للكوارث، وكذلك حال الشعراء وهم يصفون الحروب إذ لم يندمجوا مع ما صوروه، وإن كانوا قد أنطقوا الطبيعة وشخصوها أحياناً.

وهذا حال الشعراء حينما وصفوا المدن أيضاً، «فأحمد المقري» مثلاً ينعت دمشق، وكان قد زارها في (1037هـ) فرآها كجنة الله على أرضه بمنظرها البديع، وهوائها العليل، وغوطتها التي تزين كعروس فاحت روائحها العبقة، وبجوامعها ولاسيما الجامع الأموي، وبأنوارها الساطعة، وهي لهذا تفوق غيرها من المدن، يقول في ذلك وهو سعيد بمرآها :

وبَهْجَةً وغَضَارةْ

 

دمشقُ راقَتْ رُواءً

صَحَّ فوافَتْ بشارةْ

 

فيها نسيمٌ عليلٌ

تُزْهى بأعجبِ شارَةْ

 

وغوطةٌ كعروسٍ

مثلِ النُّضارِ نَضارَةْ

 

يا حُسْنَها من رياضٍ

عَرْف العبيرِ عبارةْ

 

كالزُّهْرِ زَهْراً وعنها

أعلى الإلهُ منارَهْ

 

والجامعُ الفَرْد فيها

لمن أرادَ اختصارَهْ

 

وحاصلُ القولِ فيها

عَدْناً وحَسبي إشارةْ

 

تذكيرُها مَنْ رآها

إنالةً وإنارَةْ ([12])

 

رامت تفوق سواها

هذه أوصاف للطبيعة الجامدة، وهي لوحات متنوعة إذ التقط بعضها من أجواء سعيدة، على حين ذكر بعضها للاعتبار والعظة.

ولكن الشعراء لم يكتفوا بالحديث عن الطبيعة الصامتة ، وإنما رسمواأيضاً صورا للطبيعة المتحركة كالأبطال في ميادين الوغى، والجرائم التي ارتكبهاالعدو الغاشم ضد أبناء البلد المحارب، وقد يصف جبن العدو وفراره ، «فأحمد شوقي» يرسم لنا في ملحمته صدى الحرب صوراً لما لقيه العدو من الجيش العثماني في حروب البلقان في منطقة طرناو، وقد فصل جزئيات الحدث ليشير إلى الذعر والذهول الذي أصابه حتى إن الولد كان يطأ جثة والده، وقد نسي هذا أبناءه كما نسيتهم أمهاتهم، وولين على أدبارهن من شدة الفزع وكان الجميع يفرّ بسرعة البرق بحيث أن أقدامهم لا تكاد تطأ الأرض ولو استطاعوا أن ينفروا إلى الفضاء لفعلوا، وهكذا ينصر الله سبحانه عباده وهو الغالب الذي لا يُغلب، يقول في ذلك:

وبالشّعْب فوضى في المذاهبِ يذهبُ

 

وطِرناوإذ طارَ الذُّهولُ بجيشِها

مساكنُ أهليها وعمّ التخَرُّبُ

 

خلَت من بني الجيش الحصون وأقفرت

بغير يدٍ صُفْرٍ وأخرى تَقَلَّبُ

 

نَجْوا بالنفوسِ الذاهلاتِ وما نَجْوا

وينسى هناك المرضعَ الأمُّ والأب

 

يسير على أشلاءِ والدهِ الفتى

ومن فارسٍ تمشي النساءُ وَيركَبُ

 

فمن راجلٍ تهوي السِّنونُ برجلِه

وتذهبُ بالأبصارِ أيانَ تَذْهَبُ

 

تكاد خطاهُمْ تسبِقُ البرقَ سرعةً

ولو وجدوا سُبْلاً إلى الجوِّ نُكِّبوا

 

تكاد تمسُّ الأرضَ مساً نعالُهم

ملائكةُ اللهِ الذي ليس يُغْلَب ([13])

 

رؤىً إن لم تكنْ حقاً يكنْ من ورائِها

ومن وصف الطبيعة المتحركة حديث الشعراء الفرسان عن خيولهم، أو خيول ممدوحيهم، فالشاعر «يوسف بن سليمان الخطيب» ([14]) يصف فرس ممدوحه الأدهم فإذا هو يسابق البرق والريح، فتفوق سرعته سرعتهما حتى إن الرياح لتغار منه، ذلك لأنه يضع رجليه حيث تنتهي يداه. وهو كالفارس في انطلاقته أو كالسهم، ولذلك فهو يعين الممدوح على صيد الوحوش في الفلاة، وإذا ما امتطاه صاحبه «قطب الدين» بدا كأنه البدر في كبد السماء، يقول في ذلك:

فغارَتِ الريحُ حتى غَلَّبَتْ أَثَرَهْ

 

وأدهمَ اللونِ فاتَ البرقَ وانتظرَهْ

وواضعٌ يدهُ أنى رمى بَصَرَهْ

 

فواضعٌ رجلَه حيثُ انتهتْ يدُه

وما له غرضٌ مُستوقفٌ خبره

 

شهمٌ تراه يحاكي السهمَ مُنطلِقاً

وينثني وادِعاً لم يستثر غَبَرَهْ

 

يعقِّرُ الوحشَ في البيداءِ فارسُه

أبصرْتَ ليلاً بهيماً حاملاً قَمَرَه ([15])

 

إذا تَوَقَّلَ قطبُ الدينِ صهوتَه

وعلى الرغم من جمال المعاني إلا أن الشاعر قصر عن السابقين في هذا الوصف، وأين منه وصف امرئ القيس وعنترة لفرسيهما. لقد أدى الأول صفاته أو معظمها في بيت واحد قال فيه:

كجلمودِ صَخْرٍ حطّهُ السيلُ من عل ([16])

 

مكرٌّ مفرٌّ مقبلٌ مدبرٌ معاً

وجعل عنترة فرسه يشتكي بعبرة وتحمحم كإنسان يتألم من الطعنات، ولكن صاحبه على الرغم من حبه له يتحمل هذا، مقابل اعتراف قومه بفروسيته وقولهم له «ويك عنتر أقدم»([17]) .

مما سبق نرى أن الأوصاف كانت خارجية يرسم الشاعر من خلالها لوحاته الفنية دون أن نحس بالرابط النفسي بين الشاعر وموصوفه إلا ما ندر، ولكن الطبيعة الخلابة قد تكون إطارا أو مجالا لحديث ديني يعبر الشاعر من خلاله عن إعجابه بقدرة المولى تعالى، وتدعو إلى شكره على نعمائه بما أغدقه علينا من هذا الجمال الفتان، وهذا ما عبر عنه «شمس الدين بن دانيال» في وصفه للربيع بقوله:

مُبتَسِماً ببدائعِ الأزهارِ

 

فصلُ الربيعِ بوجههِ قد أقبلا

مُتَرنِّماً يُلهي عن المزمار

 

والطيرُ بين رياضِه قد رَتَّلا

ما أعظما من واحدٍ قهار ([18])

 

شكراً لمبدِعه تعالى ذي العلا

أويكون الوصف مجالا للحديث عن الشوق والحنين إلى الأهل والديار، «فعبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي» ([19]) يتشوق إلى حلب، وكان في آمد ([20]) فيروح يعبر عن أحزانه لبعده عنها، إذ كانت تفصل بينه وبينها مسافات شاسعة وقد كره آمد، ماءها وهواءها ،واشتاق إلى مدينته الشهباء،وإلى هضبة الجوشن فيها، وراح يذرف دموعه ويدعو الله سبحانه أن يعمها بالمطر والنسيم العليل،يقول :

وسيعُ الفَلا والسامرون كثيرُ

 

كفى حزناً أني أَبِيْتُ وبينَنا

إليها ولا ماءُ الأحصِّ نمير

 

فواللهِ ما ريحُ الصَّبا بحنينةٍ

سحابٌ يسيرٌ نورُه وينيرُ

 

سقى الهضبةَ الأدماءَ من ركْنِ جوشنٍ

نسيمٌ بأدواءِ القلوبِ خبيرُ

 

وحلَّ عقودَ المُزْنِ في حجراتِه

مدامعُ لايخفى بهن ضمير ([21])

 

فما ذكرتْه النفسُ إلا تبادَرَتْ

أوقد يكون وصف الطبيعة وسيلة لإغداق صفاتها على الممدوح، أو لاتخاذها مطية لتحريك هممه، فكما أن الطبيعة تنشط فكذلك الإنسان، هذا «فتح الله بن النحاس» يصف لنا الطبيعة فإذا هي زهور متناثرة على الروابي، قد أنبتتها السحب بإذن ربها وفاح عبيرها، وتناثرت أوراقها كأجنحة الجراد، وراحت الطيور تصدح في هذه الأجواء النشطة، إن كل شيء يتحرك في هذه الطبيعة، ولذلك فعلى الممدوح أن يتحرك مثلها فإن الحياة تتطلب السعي والعمل، ولا يهنأ عيش امرئ فيها إن لم يسع في طلب الرزق سعياً حثيثاً، يقول في ذلك :

ارِ من جَيْب الغَوادي

 

نثرَ الربيعُ ذخائرَ النُّوَّ

ضِلُها تُجَرُّ على الوهادِ

 

وكسا الرُّبا حُلَلاً فوا

ليةً مُضَمَّخَةً بجادي

 

والزَّيْزَفُونُ يَفُتُّ غا

وَرَقٍ كأجنحةِ الجراد

 

يُلْقي بها للروضِ في

بفصيحِ نغمتِه ينادي

 

والعِنْدَليبُ أمامَه

عن مُقْلَتَيْكَ صدى الرقاد

 

فامسْح بأذيالِ الصَّبا

ـرٍ من بكورِك مستفادِ

 

وانهضْ لكسبِ جديدِ عُمْـ

شةَ بين إخوانِ الكساد

 

ما راجَ من طلبَ المعيـ

ـرِ الطَّعْنِ ألسنةُ الصِّعاد ([22])

 

وأبيكَ ما لانَتْ لغيـ

وقد تكون الطبيعة مجلساً لسقيا الخمر يحتسونها في أجوائها، ويطوف عليهم الساقي أو الساقية في جو ربيعي فتان، تصفق فيه المياه في الغدران، وتفوح الأفنان بعطرها وتصدح بنغماتها الطربة، وقد تشبه بالشمس أو بالنجم الساطع، أو تشبه بالسجين حبس بلا ذنب، وقد عبر الشاعر «حسن بن عمر بن حبيب»([23]) عن هذا وهو يصف الخمرة وأثرها وساقيتها التي بدت كحورية الجنة في جمال عينيها ورشاقة قوامها وبياضه، يقول في ذلك:

أشعةَ الشمسِ في الأقداحِ قد قَدَحَتْ

 

والراح تشرقُ في الراحاتِ تحسبُها

كفَّ الخطوبِ، وإسداءَ الندى مَنَحَتْ

 

أكرِمْ بها بنتَ كرمٍ كفَّ خاطبُها

معْ أنها ما جَنَتْ ذنباً ولا اجترحَتْ

 

مظلومةٌ سُجِنَتْ من بعدما عُصِرَتْ

وكم صدور لأرباب الهدى شرحت

 

كم أعربت عن سرور كان منكتماً

كأنها من جنان الخلد قد سرحت

 

تديرها بيننا حوراء ساحرة

وقدّها لو رأته الشمس لافتضحت ([24])

 

ألحاظها لو بدت للبيض لاحتجبت

أو يجعل الشاعر الحبيب يشبه الطبيعة، فالفتاة الساقية كانت كالبدر يحمل النجوم فوق يديه، يقول:

كبدرٍ أتانا فوق كفيه أنجما ([25])

 

وقد دارت الكاسات من كف أغيد

وقد تكون وسيلة للبوح بمكنون النفس، من ذلك ما عبر به الشاعر «عبد الله الكتبي» في مستهل مدحة له إذ جعل الحمامة تثني على ممدوحه وتصف أيامه بأنها الأعياد في جمالها ، ويذكر أنها كادت تذرف دموعها عندما عرفت ما يعانيه من بعده عنها ،يقول في ذلك:

سَجْعاً ينوب عن السُّلافِ وحانِها

 

أبدَتْ لنا الورقاءُ من ألحانِها

هي عندنا الأعيادُ في أعيانِها

 

تُثني على أيامِكَ الغُرِّ التي

وهوًى أقامَ على حِمى أوطانِها

 

طارَحتُها شكوى الغرامِ وحالتي

أن ترسلَ العَبَراتِ من أجفانِها

 

كادَتْ بلطفِ حديثِنا وسماعه

وتَعَرَّفَتْ صُدْقَ الهوى بعيانِها ([26])

 

حتى دَرَتْ ماذا أكابدُ في الهوى

وقد يجعل الشاعر الطبيعة كالأم الرؤوم تحنو على من يجلس في أحضانها لتقيه من حر الشمس الوهاجة، يقول الشاعر «موسى الرام حمداني»([27]) في ذلك:

تحنو علينا من جفاءِ الهجيرْ

 

وفوقَنا الأغصانُ معكوفةٌ

بعد زمانٍ هَجْرُهُ كالسعير ([28])

 

كأنها الغيدُ تَعَطَّفْنَ من

ولكن هذا الوصف لم يصل إلى مستوى الاندماج في الطبيعة كالذي نلحظه عند ابن خفاجة الأندلسي في قصيدته الجبل حين جعله يتأمل ويستخلص العبر والمواعظ التي تعبر عن حال الشاعر([29]) إذ جاء وصفاخارجياً لمحاسن الطبيعة الصامتة أو المتحركة،وقدم لوحات للأطلال أوللطبيعة الخلابة في فصل الشتاء والربيع خاصة، وكانت الطبيعة تبدو كإنسان تشاركه أفراحه وأحزانه،أو تكون مجالاً للذكرى، أو دليلاً على قدرته تعالى،أو محلا للشوق والحنين ، أو لوصف مجالس الخمرة، أو لتشبيه الحبيب بها، أوالبوح والنجوى، وقد تبدوكأم رؤوم، كما رسم الشعراء صورا للدمار الذي حل ببلادهم ، وأخرى لمدن أعجبوا بها .

2- الوصف المستحدث :

وهو مما لم يلق اهتمام الشعراء في عصور الأدب الزاهية، ذلك لأن الوصف ما وظف لخدمة فكرة ما، أو رسم لوحة تنم عن مشاعر صاحبها بشكل مباشر أو غير مباشر، وما الطلل أو الرياض إلا صورة أو رمز يحكي حال صاحبه ، أما أن يأتي لإظهار براعة الشاعر في الإتيان بصورة شكلية لا تحرك أحاسيس ولا تعبر عن شعور فهذا ما لم يهتم به الأوائل، وإن بدت مطالعه منذ العصر العباسي عصر الحضارة ومعطياتها، ولكن ومع مرور الزمن غدا الشعراء يتكلفون صورا لم يسبقوا إليها، حتى صاروا يتيهون على بعضهم بعضاً عندما يأتون بجديد منها ، وقد جاء معظمها في مقطوعات شعرية ، كما فعل شعراء حلب حينما نظموا بيتين حوى آخر شطر فيهما عبارة «والحسن تحت عمائم الأنصار» وأرسلوا إلى شعراء دمشق يطلبون من أدبائها أن ينظموا بيتين يأتون فيهما بجديد، ويحوي آخر شطرٍ فيهماالعبارة نفسها، فنظم «أبو بكر العمري» وغيره مقطوعات في ذلك([30]).

و في عصر الدول المتتابعة كثرت هذه المقطوعات الشعرية الوصافة، وتعـددت مجالي موضوعاتها، فمن جو الحرب قبس الشاعـر «أحمـد بن عبــد الدائـــم

الشار مساجي» ([31]) قوله في وصف عكا وقد صور المجانيق التي تضرب هذه المدينة بجهنم تتقد نيرانها على أهلها:

عكا بنارٍ وهَدَّتْها بأحجار

 

لا تعجبوا للمجانيق التي رشقَتْ

هذي منازلُ أهلِ النارِ في النار ([32])

 

بل اعجبوا للسانِ النارِ قائلةً

وهذا الشهاب الخفاجي يصف الدروع فإذا هي سجن لمن يخاف الهيجاء، فثقوبها تنظر إلى الوغى فترتجف لمرآها أضلعه، يقول:

فما الدرعُ إلا سجنُ مَنْ هو حامِلُه

 

إذا لم تكنْ فوقَ الدروعِ قلوبُنا

بمِخْنَقِها الخطيَّ هزَّتْ مفاصله ([33])

 

لها أعينٌ إن حَدَّقَتْ في الوغى ترى

ومن مجال الطبيعة أخذ «ابن الجزري» قوله في وصف الصيف إذ جعله يهاجم الشتاء فيذعر منه فيتبعه ليقضي عليه، وقد سلب بقوته أثواب الناس وأخرجهم من دورهم، يقول في ذلك:

منهزِماً تابعٌ آثارَهْ

 

قد هجمَ الصيفُ وولى الشتا

ويُخْرِجُ المالكَ من دارِهِ ([34])

 

مُبْتَدِعٌ يسلبُ أثوابَنا

والصورة طريفة فيما أراه. وقد جعل الصيف يفتك بعدوه ويسلبه أمتعته ويخرجه من دياره.

ويصف «أحمد بن المنلا الحصكفي»غديراًطبع النجم أزاهره على صفحة مائه فبدت كالدرر التي تقطع سلكها وتناثرت هنا وهناك، وكان صاحبها يطلب جمعها، يقول:

زُهْرُ النجومِ وبدرُها لم يَغْرب

 

وغديرِ روضٍ أشرقَتْ في مائِه

فيه ووافَتْها يدُ المُتَطَلِّب ([35])

 

فكأنها دررٌ تَقَطَّعَ سِلكُها

وهذا «أحمد بن منصور»([36]) يصف موزاً فكأن أشجاره تحمل أطفالها وتظلله بخمارها من ورق شجره، يقول :

ظلالُ أوراقِه على ثمرِهْ

 

كأن أشجارَه وقد نُشِرَتْ

تُظِلُّهُ بالخِمار من شَعَرِه ([37])

 

حاملةً طفلَها على يدِها

ومن الطبيعة الصناعية قول «الخفاجي» في وصف شمعة إذ جعل نارها سنان رمح يهرب منه الظلام، وهو يشبه بسمة الدنيا حين يأتيها مبشر بالخير.

إذا ما لاحَ ينهزمُ الظلام

 

لعَسّالِ الشموعِ سنانُ نارٍ

كأنك في فمِ الدنيا ابتسام ([38])

 

أقولُ له وقد وافى ببشرٍ

ومن ذلك أيضاً وصف دولاب «لعبد البر الفيومي» إذ جعله يذرف دموعه من شدة وجده، يقول:

يهيمُ من شوقٍ وأشجان

 

إنما الدولابُ في دوره

بأعينٍ تهمي على البان ([39])

 

ينوح حزناً ويُرى باكياً

وقد شاع في هذا العصر وصف السيف والقلم، فالشاعر «صلاح الدين الكوراني» يعقد مقارنة بينهما مقلداً في ذلك أصحاب المقامات الذين كتبوا مقامات أو مفاخرات بين شيئين كالسيف والقلم، والهواء والماء، ولكنه بين ميزاتهما معاً ففي غمد السيف يكون النصر، ومن سالمه سلم من شره، والبطل ينتصر ويغيظ أعداءه ويسيل دماءه وإن كان عزمه أقوى من السيف، أما القلم فقد سجل به القضاء والقدر، وبه يتم الصلح، ويؤول الاحتكام بين الناس، حتى إنه يغيظ الأعداء بما يسطره، وهو إلى ذلك يهدي الناس، وأخيراً يفخر الشاعر بنفسه حين يجعل نفسه كالسيف في مضائه، ويجعل قلمه يسّاقط درراً من الشعر والنثر، يقول في ذلك:

في حكمِه القلمُ الماضي له حِكَمُ

 

السيفُ ما أصبحَتْ أغمادَه القممُ

والخيرُ في قلمٍ بالصُّلْح يَسْتلم

 

من سالمَ السيفَ يسلمْ من غوائله

حكماً، وفي قلمِ الإنشاءِ يحتكم

 

يربو على السيفِ عزمُ المرءِ إنْ بطلاً

صليلِ سيفِ الوغى في سمعِهم صَمَمُ

 

غاظ العدى قلمٌ يبدي السرورَ ومِنْ

والسيفُ برقُ الوغى والغيثُ منه دم

 

نورُ الهدى قلمٌ تهدي السراةُ به

والدرُّ من قلمي في الطِّرْسِ يَنْتَظِمُ ([40])

 

إني لكالسيفِ يُخشى حين لَمْعَتهِ

كما وصف الشعراء قصائدهم وقرظوا ممدوحيهم، من ذلك قول «فتح الله بن النحاس» في مدحة لنجم الدين الحلفاوي إذ أثنى على شعره فجعله شفيعاً له فهو كالعروس عذبة الحديث، طيبة الريح، مياسة القد وحق لها أن يتقبلها ممدوحه بقبول حسن ويعدّها من حسناته عنده، يقول في ذلك:

إن لم تجاوِزْ أنت عن زلاتِهِ

 

واصفَحْ فعبدُك قد أتاك بشافعٍ

تُمْلي عليك السحرَ من نَفَثَاتِه

 

عذراءَ تُجلى في مُحَبَّرِ طِرْسِها

جاءَتْك من دارينَ في نفحاتِه

 

تختالُ في مِسْكِيِّ بُرْدِ سطورِها

سَتُعَدُّ عند عُلاك من حسناتِه ([41])

 

فافتحْ لها بابَ القَبُولِ فإنها

كما وصف الشعراء الشيب لا للتعبير عن عجزهم وآلامهم، ولكن لإظهار براعتهم في الحديث عنه، فالشاعر «يوسف البديعي» ([42]) يعقد محاورة بينه وبين شيبه بعدما أصابه الجزع من لمعانه في رأسه، وقد استمع فيها إلى مواعظه  التي قدمها ليكف عن المنكر، بعدما خطا في مدارج الشيخوخة، وصارت كل شعرة ككفن هيئ له، يقول في ذلك:

من سَناً قد أبادَني الوَسَنا

 

يقولُ لي الشيبُ وقد راعني

قد لَبِسَتْ كلُّ شعرةٍ كفنا ([43])

 

إلام لا تَرْعَوِيْ ألسْتَ ترى

ومما شاع في هذا العصر وصف المعنويات كالأمراض ووصف الزمان، من ذلك قول الخفاجي في وصف الزمان، وقد شبهه بالغربال الذي يمسك الأجود ويطفو عليه الأردأ، يقول في ذلك:

خفضٍ ورفعٍ لا محالةْ

 

الدهرُ كالغربالِ في

رفعَ الحثَالةَ والنِّخالةْ ([44])

 

إن حطَّ لُبُّ لُبابِه

وهذا الشاعر «البهاء العاملي» يصف مدينة الهراة في أرجوزة طويلة زادت على مئة بيت بدأها كالشعر التعليمي بحمد الله سبحانه، والصلاة على رسول r، ثم انتقل إلى وصفها عامة، وإلى الحديث عن هوائها العليل الذي يقي من الأمراض، ومياهها العذبة التي تعادل عذوبة مياه الفرات والنيل، كما تحدث عن نسائها الجميلات اللواتي كن كالظباء في رشاقتهن وعيونهن، وذلك في مثل قوله:

بديعةٌ شائقةٌ شريفةْ

 

إن الهراةَ بلدةٌ لطيفةْ

رشيقةٌ آنسةٌ مَنِيْعَةْ

 

أنيقةٌ أنيسةٌ بديعةْ

كلا ولا الثمارِ والنساءِ

 

ما مثلُها في الماءِ والهواءِ

كأنه من نفحاتِ الجنةْ

 

هواؤها من الوباءِ جُنَّةْ

يعدلُ ماء النيلِ والفراتِ

 

لو قيلَ إن الماءَ في الهراة

فكمْ على ذلكِ من شهيد

 

لم يكُ ذاك القولُ بالبعيدِ

ذواتُ ألحاظٍ مِراضِ ساحِرَةْ

 

نساؤُها مثلُ الظباءِ النافرة

طوبى لمن نالَ وصالَهُنَّ ([45])

 

غيدٌ حميداتٌ خصالُهُنَّ

ثم تحدث عن ثمارها ولاسيما العنب والبطيخ وعن مدارسها وبقاعها الجميلة وختم الأرجوزة بالدعاء لليالي الوصل فيها والسلام عليها:

وأخيراً فإن الشعر العربي في هذا العصر كان شعراً وصافاً، بل إن مطالع قصائده تعطينا فكرة بارزة عن اهتمام الشعراء بهذا الفن الأدبي، وقد وصفوا الطلل والطبيعة الربيعية الزاهية، والشتوية القاسية، كما وصفوا الحروب والنكبات والحرائق والزلازل التي حلت بالمدن وكانت أوصافهم للطبيعة الصامتة تبدو بمعزل عن الحديث النفسي الذي يعبر عن أحاسيس الشاعر ولكن كثر فيه التشخيص، أما وصف الطبيعة المتحركة أناسها وحيوانها فكانت أكثر حيوية وتعبيراً عن المشاعر، وقد ارتبط الوصف أحياناً بالمعاني الدينية، إذ ذكر الشعراء خلاله قدرته تعالى الذي أبدع الكون، كما ارتبط بالشوق والحنين، وكان أحياناً مجالاً للذكرى، وقد أغدق بعضهم صفات الطبيعة على من يحبون، واتخذها بعضهم مجالس خمر وراحوا يصفونها ويصفون سقياها.

وكان تشخيص الطبيعة يضفي على النص حياة حين يجعلها الشاعر أماً رؤوماً أو إنساناً يفرح ويحزن ،وكانت الحمائم تشارك الإنسان مشاعره أحياناً.

أما الأوصاف المستحدثة فكانت مجالاً لإظهار براعة الشاعر في نظم صور جديدة بمعانٍ لم تسبق، وقد بدت في مجال الحرب ووصف الطبيعة الطبيعية والصناعية، وهي أوصاف لا تخرج عن الشكلية، ولا تنم عن الأحاسيس وإن بدا بعضها جميلاً رائقاً.

ومنهم من أعجب ببلده أو بشعره فغدا يعبر عن هذا الإعجاب وهو يقدم شعره إلى ممدوحه ليتقرب به منه علّه يزيد في عطائه.

  ثانياً - فن الفخر في شعر الدول المتتابعة

الفخر هو مديح الذات، أو ما يتصل بها من أهل وعشير، وهو نزعة متأصلة في النفس البشرية، تدعو صاحبها إلى أن يبرز مواهبه ليكون في مركز مرموق.

وقد تعددت ألوانه وسماته كما وجد فيه جديد، وهذا ما توضحه الدراسة :

أنواع الفخر

    تعددت أنواع الفخر بين : 

1- الفخر بالنفس :

وهو ناجم عن إحساس المرء بعظمته وكريم خلاله وعلمه، أو حتى بجماله.. والشاعر يحاول أن يثبت فيه سمو منزلته، ولاسيما حينما يلقى من الآخرين تجاهلاً أو تنكراً.

«فأحمد بن محمد الأنصاري» يخاطب صديقيه ويبين لهما أنه امرؤ عظيم الشأن، وقد اعتلى كبد السماء، وإن لم ير الناس منه ذلك لأنه كالأسد القوي ولكن أعداءه ينقصون قدره، وقد تطاولوا عليه لحلمه عليهم، مع أنهم لو قدروه حق قدره لعرفوا سمو مكانته، فهو يفوق العرب والعجم بمكانته السامية ومجده الرفيع، يقول في ذلك:

يرومُ انخِفاضاً لقَدْري وهَضْما   خليليَّ ما لي وللدهرِ أضحى لعَمْريَ مُنْكِرُ ذا القولِ أعمى   ألم يدرِ أني شهابُ المعالي هُمام الذي قد سَما الشمسَ عظما   وإني لَذاكَ الهِزَبْرُ الجَسُورُ الـ عزيزِ المبجَّلِ جاهاً واِسْما   فما للأعادي يرومونَ ذُلَّ الـ لآرائِهمْ لم يكن ذاك حِلْما   أغَرَّهُمُ منيَ الحلمُ تُبّاً فلا غَرْو أن فُقْتُ عُرْباً وعَجْما   أنا ابنُ الكمالِ ورَبُّ الفخارِ وفَرعي إلى مَحْتِدِ الجُود يُنْمى ([46])   مقامي جليلٌ، ومجدي أثيلٌ

وهذا «عبد الغفار الأخرس» يواجه صعاب الحياة جلداً صبوراً ولا يشتكي الضيم، ولا يذل نفسه لأحد، ويظهر الغنى ويكتم الفقر، ويخفي ما يؤدي إلى مضرته حفظاً لماء وجهه وإن بلغ به الضر مبلغه، وكيف يهين نفسه لمن هو أقل منه شأناً، بل لا يساوي قلامة ظفره؟ يقول في ذلك:

فما لقِيَتْ مني سوى جانبٍ وَعْرِ   ألينُ وتقسو النائباتُ بجانبٍ وألقى قطوبَ الدهرِ مُبْتَسِمَ الثَّغْر   وأستعذبُ الأهوالَ وهيَ مريرةٌ مراحاً إلى غيرِ التَّجَلُّدِ والصَّبْر   أبى اللهُ والنفسُ الأبيةُ أن أرى لمَنْ لم يكنْ يسوي القُلامةَ من ظُفْر   وأبذلُ ماء الوجهِ من بعدِ صَوْنِه ولا عَرفوا فيها غنايَ ولا فقري ([47])   وأُبْهِمُ عنهم حالةً يعرفونَها

ويفخر الشاعر «تاج الدين محمد بن محمد»([48]) ببطولته ففرسه الأدهم قوي، ورمحه يتحرك في يده كالثعبان، وسنانه يودي بحياة الآخرين كعضة الأفعوان وأما سيفه فيلتمع كالبرق أو كنار متقدة، وكانت درعه كجلد الحية المسلوخ في سرعة تثنيها ومطاوعتها، وعلى رأسه خوذة تلتمع التماعاً يفوق لمعان النجم؛  بل إن نزعة الفخر عنده تجعله يشبه الطبيعة به وكأنها استمدت صفاتها من صفاته في تشبيه مقلوب فالرعد هو صوت خيله، والبرق من لمعان سيفه والمطر من تقاطر دم عدوه، يقول في ذلك:

عَبْلِ الشّوى كالليلِ إذْ هو مُظلِمُ ([49])   ولقد أَتَيْتُ على أغرَّ أدهمٍ كالأفعوانِ، سِنانُها منه الفَمُ   وبكفيَ اليمنى قناةٌ لَدْنةٌ برقٌ تَلأْلأَ أو حريقٌ مُضْرَمُ   مُتَقَلِّداً عَضْباً كانَّ مُتونَه

سِلْخٌ كسانيةِ الشجاعِ الأرقَمِ ([50])

ذ

  وعليّ سابغَةُ الذيولِ كأنها برقُ الأسنةِ والرَّذاذُ هو الدم ([51])   فالرعدُ من تَصْهالِ خيلي والسَّنا

ويفخر الشاعر «محمد بن حسن الكواكبي»([52]) بعلمه ويبين أنه إذا لم يفخر بنسبه أو بمجد أسرته - وأسرته في حلب معروفة وهي تنتسب إلى الرسول r كما كان يحكي لنا أجدادنا – فإن علمه وحده فخر له، ويكفيه ذلك عظمة وسؤدداً، يقول في ذلك:

ولم تُثْبِتْ بنو الشهباءِ لي شَرَفا   إذا لم يكنْ ليَ أجدادٌ أسودُ بهم لكان فخريَ في ذا العلمِ منه كفى ([53])   ولم أنلْ من مُلوكِ العصرِ منزلةً

    ويرى الشاعر «أحمد بن محمد الأنصاري» أنه أشعر من «زهير بن أبي سلمى» ومن «امرئ القيس» ومن أنكر ذلك فهو أعمى لا يرى الحقيقة، يقول :

وفي الآدابِ أكثر منه عِلْماً   وإني اليومَ أشعرُ من زهيرٍ أينظرُ لَمْعَةَ المصباحِ أعمى ([54])   فدع ما قيل في اليمنيّ جَهْلاً

أما «فتح الله بن النحاس» فيشيد بأخلاقه ويمزج فخره بالشكوى فهو لا يبالي إن ندّد به الآخرون لأنه أعظم من ذلك بكثير، إنه كالسيف لكن السيف لا ينفع حين يستعمل مع الحجارة وهو كالذهب الذي يخالط التراب فضلاً عن تمتعه بذكاء أخاذ وفضل عميم، وأعداؤه يعرفون بأنه يتصدى لهم بقوة، وأنه يصبر على شدائد الزمان، وهو كالموت الزؤام أو كالسمّ الذي يُنأى عنه، يقول في ذلك:

أنا لا أباليْ إن رُمِيْتُ وسبَّ عِرضي من يسبُّهْ السيفُ يُرمى بالفلولِ إذا فشا في الصَّلْدِ ضربُه والقبـــــــرُ يعلــــــــــوه الترابُ ولا يَضُــــــــــــرُّ التِّبْرَ تربُهْ وأبيـــــــك ما نُكِبَ اللبيــــــــبُ وفضلُــــــــه باقٍ ولُبُّـــــــهْ هم يعـــــرفون بأن نجميْ تخرقُ الطاغين شهبُه والصبرُ يـــُـــرقيني إذا وثبَ الزمانُ وعضَّ كلبُهْ إن مجَّني قومي فإن المـــوتَ ليس يسوغُ شِربُه أو قيلَ قد ملّـُوه فالسّـــــمُّ الزّعـــــــافُ يُمَــــــلُّ قربُـــــهْ فارقبْ خفوقي إن سكنْتُ فعاصفي يُرجى مَهبُّهْ([55])

كما يفخر باسمه وكنيته ويتخذ من هذا الفخر وسيلة للتكسب حن ضاقت ذات يده يقول:

علم النــــــاس بأنـــــي (الفتحُ) للباب منيــــــبُ أنا فتحُ الله  والفتــــــــحُ لــــــــــه منــــك نَصيبُ كيف يغدُو الفتحُ عن بابِك والفتح قريبُ([56])

كما ويفخر أيضاً بجماله الساحر في معرض تأسيه من ضياع رونقه بعدما احتسى المخدرات، وأعرضت عنه النسوة ولهذا راح يقول لواحدة اسمها بثينة، ولعله رمز بها إلى محبوبته:

وبكلِّ قلبٍ من جُفاتي كِلام   وأبيكِ كنتُ أحدَّ منكِ لواحظاً والحُسنُ إلا في يديَّ ختام   والسحرُ إلا في لساني منطقٌ عن أن تَمُدَّ يداً لها الأوهام([57])   لدْنُ القوامِ مصونةٌ أعطافُه

 

2- الفخر بالنسب والأهل والعشيرة:

لم يخفت صوت الفخر بالنسب في هذا العصر، ذلك لأن الدولة العثمانية كانت ترعى الأشراف فتشجع على حفظ أنسابهم، كما فخر كثيرون لانتمائهم إلى الصحابة الكرام، ومن هنا استمرت نبرة الفخر بالأهل والعشيرة، ولاسيما من آل المصطفى  r. فالشاعر «محمد خليل المرادي»([58]) يفخر بانتسابه إلى الرسول r الذي حمل الرسالة إلى العالم، وقضى على الشرك، وأنار الكون بشريعته بعد أن أظلم بالكفر، كما رجا فضله وشفاعته في الحشر، كيف لا وهو صاحب الخلال الحميدة التي لا تحصيها الصحف، يقول في ذلك راداً على من فخر عليه:

ويظهرُ أرفاداً لبادٍ وحاضرِ   فقُلْ لفخورٍ يحسبُ المجدَ هيِّناً ولم يبقَ في إرسالِه شركُ كافرِ   أ أَنْتَ ابنُ مَنْ فيه العوالمُ تزدهي به الكونُ لما كان مثلَ الدياجرِ   أ أنتَ ابنُ مَنْ في الحشرِ يُرجى ومن أَضا أفوزُ بعفوٍ شاملٍ لي وساترِ   إليه انتمائي وانتسابي فعلّني حواها، وعن ذا ضاقَ صدرُ الدفاترِ ([59])   وليس قريضي مُحْصِياً لشمائلٍ

أما الشاعر «محمد الحرفوشي» فيشيد بكرم أهله وعشيرته إذ يقدمون لذي الحاجة ما يغنيه، ويعفون عمن ظلمهم، ويكتسبون المجد ولو قدموا في سبيله أرواحهم، ولكنه وعلى الرغم من هذه الشمائل الرفيعة فإن المصائب تترى على الشاعر، والجهول يقدم عليه ويؤتمن من دونه، وما كل ما يتمنى المرء يدركه ، يقول في ذلك:

ذو فاقةٍ وهَبوا ما عندَهُمْ وغَنُوا   أنا ابنُ قومٍ إذا ما جاءَ يسألُهُمْ وهم على الجودِ والمعروفِ قد مرِنوا   يَعْفُون عمَّنْ أتى في حقِهم سَفَهاً منهم وجُوداً ولو أرواحهم وزنوا   ويرغبونَ شراءَ المجدِ مكرمةً عني، ولا ارتفعَتْ من صرفِهِ المِحَنُ   لكنّ دهري لم ينهضْ بكَلْكِلهِ على ذوي الفضلِ طوراً وهو مُؤْتَمَنُ   ولم يزلْ قدرُ أهلِ الجهلِ يرفعُه تجري الرياحُ لما لا تشتهي السُّفُن ([60])   «ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يدركُهُ

وهذا الفخر يذكرنا بالفخر الجاهلي حيث كان الشاعر يشيد بأمجاد عشيرته وتمتعهم بخلال حميدة كالكرم والنجدة والعفو عند المقدرة والمجد الرفيع.

وقد بدت هذه النبرة الاستعلائية أيضاً عند «الشيخ عثمان بن الشيخ ضاهر العمر»([61])، وكان أبوه قد اعتقله فقال يصف حاله ويفخر بعشيرته التي عرفت بشجاعتها وبأسها، واتخذت من بطولتها سبيلاً لرد الطغيان عنها، كما عرفت بجودها ولاسيما في أيام المحل، وبصبرها على الشدائد حين تتوالى الخطوب والأزراء، فضلاً عن سالف مجدها وخبرة أبنائها في الحياة وعلو كعبهم فيها،يقول في ذلك:

ضَيْمٌ أبَوْه بكل عَضْبٍ مِخْدم ([62])   إني من النفر الذين إذا اعترى بَزَغوا شموساً في المُلِمِّ المُظْلم   وإذا الخطوبُ دجَتْ بكلِّ مَهُولَةٍ سالوا سيولَ سماحةٍ وتكَرُّمِ ([63])   وإذا السنينُ ترادفَتْ أزمانُها وجَرَوا على سَنَنٍ بمجدٍ أَقْدم ([64])   قتلوا الزمانَ تجارباً وتحارباً

ولا يكتفي الشاعر بفخره بقبيلته، وإنما يمزجه بالفخر بنفسه، ويوجه خطابه إلى امرأة تدعى (فريدة) كما وجه عنترة العبسي فخره إلى عبلة ثم يروح يصف لها بطولته حين التقى الجمعان، ويطلب منها أن تسال عن بأسه ورميه للأعداء، كما طلب عنترة، يقول عنترة:

سمحٌ مُخالقَتي إذا لم أظلم   أثني علي بما علمتِ فإنني مُرٌّ مذاقتُهُ كطعمِ العَلْقَمِ   وإذا ظلمْتُ فإن ظلميَ باسلٌ إن كنْتِ جاهلةً بما لم تعلمي   هلاّ سألْتِ الخيلَ يا بنةَ مالكٍ أغشى الوغى وأعفُّ عندَ المَقْدَمِ   يخبرْكِ من شهدَ الوقيعةَ أنني عنها ولكنّي تضايقَ مُقْدَمي ([65])   إذ يتَّقُونَ بي الأسنَّةَ لم أَخِمْ يتذامرون كررْتُ غيرَ مُذَمَّمِ ([66])   لما رأيْتُ القَوْمَ أقبلَ جمعُهم أشطانُ بئرٍ في لبَانِ الأدهمِ ([67])   يدعون عنترَ والرماحُ كأنها ولَبانِه حتى تسربل بالدم   ما زلْتُ أرميهم بثُغْرةِ نحرِه قيلُ الفوارسِ ويلَ عنترَ أقدمِ ([68])   ولقد شفى نفسي وأَبْرأَ سُقْمَها

ويقول «عثمان بن ضاهر العمر» لامرأته:

حَطِّيْ بنكثِ أَلِيَّةٍ وَتَحَرُّمِ   أفريدُ إن نقموا عليَّ وحاولوا في قمةِ الفَلَكِ الأثيرِ الأَعْظم   فلطالما نَظروا إليَّ مُحَلِّقاً لي همةٌ تعلو مَحَلَّ المرزمِ   قسماً بحبِّك يا فريدةُ إنني يتآمرونَ على جيادٍ عُزَّمِ   هلا سألْتِ بني أبيْنا إذ أتَوْا حربٌ دروسٌ كيف كان تقدُّمي   حيث التقى الجمعانِ واتَّسَعَتْ بنا فَرُّوا تنقض انقضاضَ الأقدمِ ([69])   ما زلْتُ أرمِيْهم بصدرِ منِيَّةٍ تنحطُّ فيهم كالقضاءِ المُبْرَمِ   شُعْثاً مُهَضَّمةَ الخواصِرِ ضَمْرَةً لم يسمعوا بهوانِ مَنْ لم يقدم   متسابقين إلى الفَرار كأنهم صَدْقٍ ومَضْربِ كلِّ عَضْبٍ أخدم ([70])   ينتابُهُمْ من سِنِّ كلِّ مُثَقَّفٍ

فالشاعران أحسا بالظلم من بني أبيهما المعروفين في مجتمعيهما، ولعل هذا هو الذي دفع الثاني إلى تقليد الأول، وقد وجه كل منهما فخره إلى امرأة، وطلبا منها أن تسأل عن بطولتهما، كما فخرا بإقدامهما ، ووصفا فرسيهما وتقدمهما غير مباليين بالموت، بل إن الثاني التزم البحر العروضي «الكامل» وروي الميم المكسورة الذي نظم عليهما عنترة وهذا مما يؤكد عملية التأثر والتأثير.

3- الفخر بالانتماء الدولي:

وهذا النوع من الفخر جدّ بعد تكوين الإسلام لدولته الواسعة ولكنه ضاع في خضم المدائح إذ كان الشعراء يعبرون عن إعجابهم بالدولة ومسؤوليها من خلالها، ولا نرى الفخر به إلا نادراً.

فالسلطان الشاعر "قنصوة الغوري "يشيد بانتظام مملكته وسيرها على أتم وجه وأكمله، فأمراؤه يحبونه، وعساكره يطيعونه ويخلصون له، وهم أباة شجعان، ومتآخون متآزرون، لا فرق بين عظيمهم وغيره إلا في الرتب التي يتطلبها العمل العسكري، إذ يُعامَل الكبار كالآباء والصغار كالأبناء، وسواهما كالأخوة المتحابين، ولهذا فهو يحمد الله سبحانه على ذلك ويدعو بالنصر والهداية لجيشه ودولته، يقول في ذلك:

وهو الكريمُ المُنْعِمُ المَنّانُ   بالمُلْكِ أنعَمَ ربُّنا الرحمنُ أمراؤُنا في المُلْكِ والأعيانُ   وعلى مَحَبَّتِنا بصدقٍ أجمعَتْ ولنا العساكرُ طاعةً قد دانوا   والآن قامَ على السَّدادِ نظامُنا في نُصْحِنا وجميعُهُمْ فرسانُ   والعسكرُ المنصورُ كلُّ مخلِصٌ ولنا الأصاغرُ كلُّهم ولدان   فكبيرُهُمْ كأبٍ وأوسطُهم أخٌ تمييزَها فلكلِّ طَوْرٍ شانُ   لكنْ مقاماتُ المراتبِ تقتضي تمكينِهم يزدادُ أو يزدانُ   فاللهُ ينصرهُمْ فإنَّ المُلْكَ مِنْ حتى يزيدَ لنا به إيمانُ ([71])   واللهُ يجمعُنا على نورِ الهدى

 

4- المفاخرات الأدبية :

    وهي فن جديد  يكون بين الجمادات ، والمفاخرة محاورة بين اثنين أو أكثر من غير العقلاء يُشَخَّص فيها المتحاورون، ويعارض أحدهم الآخر ليفحمه بحججه التي يراها مناسبة، وذلك لتحقيق غاية ارتآها الأديب من مفاخرته.

وكأن الكاتب يجرد من نفسه شخصيتين خياليتين أو أكثر ويجعل هذه الشخصيات تتحاور وتتجادل وتتنافر في ذهنه وهو يسطر صراعها وخصامها في نص واحد، ثم يحكم بين المتخاصمين شخصية علمية يمدحها الشاعر من خلال إظهار مقدرتها العلمية، وقد يكون الشاعر هو الحكم الفصل بين الطرفين([72]) .

 وكأن المقامات النثرية التي لجأت إلى عرض المفاخرات بين الجمادات كالمفاخرة بين السيف والقلم، وبين الماء والنار أثرت على الشعر، فراح أصحابه يقلدونها في أسلوب طريف، وقد يتخذون من هذه المفاخرة سبيلاً إلى الوعظ والتذكير بقدرته تعالى، أو لعرض ثقافتهم وعلومهم.

فالشاعر «عبد الغني النابلسي» يجري مفاخرة بين الماء والهواء، بحيث يجعل كل واحد منهما يدعي الفضل لنفسه على صاحبه فالماء يفخر لأن به حياة الأحياء والنبات، وعرش الله سبحانه كان على الماء، وهو طهور ويذهب رجس الشيطان ويطفئ النار، ويحمل الناس إلى بلاد أخرى، وهو قوي إذ أهلك الله سبحانه به قوم نوح، يقول الشاعر في ذلك:

وقد بدا منهما ادِّعاءُ   تفاخَرَ الماءُ والهواءُ ولا حروفٌ ولا هجاءٌ   لسانُ حالٍ وليس نطقٌ وقال: إني بيَ ارْتواءُ   فابتدأَ الماءُ بافتخارٍ أيضاً وبي يحصُلُ النَّماءُ   وبي حياةٌ لكل حيٍّ عليَّ يبدو له ارْتِقاءُ   وكان عرشُ الإلهِ قدماً لولاي لم يَطْهُرِ الوعاءُ   وطُهْرِ مَيْتٍ أنا وحيٍّ ضَرَّتْ، وللنارِ بي انْطِفاءُ   وبالهواءِ اشتعالُ نارٍ كأنني الأرضُ والسماءُ   وأحملُ الناسَ في بحارٍ شيطانِ بي ذاهبٌ هباءُ   وقال عني الإلهُ رجسُ الـ       فيخرجُ النبتُ والدواء ([73])   والأرضُ تهتزُّ بي وتربو

فلما سمع الهواء هذا التفاخر أخذ يرد بغضب على الماء بصوت جهوري مبيناً أن به حياة الإنسان، فأنفاسه من الهواء وبه يشفى وينتعش، وقد حمل الهواء الكواكب كلها حتى الأرض، على حين استوت الماء عليها، وقد أهلك الله سبحانه قوم عاد بالرياح، كما أن نسماته العليلة تذهب الخبث من الهواء، بل إن النطق لا يكون إلا به، وبه يتلى كتاب المولى تعالى فيعلم الناس بشريعتهم، بل علوم الأنبياء والمخلوقات كلها، يقول في ذلك:

وقالَ إني أنا الهواءُ   فقامَ يعلُو الهواءُ جَهراً تكونُ بي للحياة جاؤوا   فإنَّ أنفاسَ كلِّ حيٍّ والماءُ فيها له استواءُ   وإنني حاملُ الأراضي بشدَّتي ما لهمْ بقاءُ   وأهلكَ اللهُ قومَ عادٍ النسيمُ يصفو بيَ الفضاءُ   وأدفعُ الخُبْثَ حيث هبَّ عني مدى عمرِه غناءُ   وما لحيٍّ من البرايا والصوتُ في الخَلْق والنِّداءُ   والنطقُ بي لم يكن بغيري فيهتدي مَنْ له اهتداءُ   وبي كلامُ الإلهِ يُتْلى وعلمُ خَلْقٍ والأنبياءُ   لولاي ما بانَ علمُ حقٍّ

ويحكم الشاعر أخيراً بين المتفاخرين، ويرى أن لكلٍ منهما فضل، وأن المولى سبحانه عليم بما يخلق، والفضل منه وليس منهما، فهو الذي يدبر الأمر، وإن كان ينحاز إلى صف الماء أكثر لأنه طهور ولأنه مزج مع الطين فكان آدم، ومزج الهواء مع النار فكان إبليس، والمولى تعالى كرم بني آدم .

سمات الفخر:

تبدت سمات متعددة للفخر في هذا العصر، لعل أهمها:

1- أن المعاني التي فخر بها القدامى هي المعاني نفسها التي فخر بها أبناء هذا العصر، وهي: الشجاعة والنجدة والكرم والجود، إلى فخر بالنسب وبالأهل والعشيرة.

2- امتزاج الفخر بالحماسة وتوجيهها أحيانا إلى المرأة محبوبة كانت أم أخرى يبدر منها سوء تصرف تجاه الشاعر فتأخذه العزة فيوجه قصيدته إليها لتدرك شمائله.

 فالشاعر القائد «عبد الله كوبريلي»([74]) يفخر ببطولاته في تبريز عاصمة العجم آنذاك ، وكان قد أغار على العدو وحاصره ثمانية وعشرين يوماً ضيق عليه خلالها، حتى كان النهار يبدو كليل تلتمع فيه السيوف وسط غبار المعارك إلى أن  ولى أدباره، وترك نساءه حاسرات من شدة الفزع فأسرن، وكان الجيش العثماني الملثم ينقض على العدو كنجوم متساقطة فيرهبه ، فيلوذ بالفراربعد أن ذل وأهين على يد هذا القائد الحازم الكريم الأصل ، وأيدي جنده الخبيرين بالحروب ،ولو لجأ العدو إلى السلم لوجده خير جار له، يقول في ذلك مشيدا بانتصاراته وبسالته:

تركْنا المنازلَ صُفْرَ المقارِ ([75])   إذا أرضُ قومٍ نزلْنا بها حواسرَ كالوحشِ بيضِ المَعارِ ([76])   نسوقُ نساءَهُمُ بالقَنا إذاً وجدُوْنا لهمْ خيرَ جارِ   فلو أنهم حاولوا صُلْحَنا فسِيْموا الهوانَ بسُوْدِ الثمارِ   ولكنهمْ طلبوا حَرْبَنا

فليس الجهولُ بها مثلَ دارِ

  فسلْ عن مآثرِنا عالِماً فعُجْنا إليه صدورَ الفهارِ ([77])   وشِمْنا بتبريزَ برقَ المُنى ونرجو الذي نصرُه في انتظارِ   نقودُ الجيادَ إلى أرضِها يَرَوْنَ الكواكبَ نصفَ النهارِ   ثمانيةٌ بعد عشرينَ يوماً وضاقَ بنا ذرعُهم بالحصار   أخذْنا عليهم بأطرافِها إذا ركِبوا كالنجومِ السوار   وملتثمينَ غداةَ الصباحِ طويلُ النِّجادِ كريمُ النَّجارِ   يدبِّرُ أمرَهُمُ حازمٌ إذا ما الجبانُ انثنى للفِرارِ ([78])   يخوضُ بهم غمراتِ الردى

والشاعر «عثمان بن ضاهر العمر» يوجه إلى (فريدته) بطولته، وها هو الشاعر «عبد الله حجازي» يرى امرأة وربما كانت زوجته تغض من شأنه لفقره وقلة نشاطه، ولعله كان قد شاخ، فيحس بالأسى ويروح يبين لها أنه كان بطلاً مغواراً، وشاعراً فصيحاً، وأنه ذو عزيمة وقادة، وهو يعين الفقراء واليتامى حين لا يجدون ملجأ لهم أو رحيماً بهم، كما ينجد الكرام عند الشدائد، يقول في ذلك:

وما سرَّني منها وصالٌ ولا قربُ   ورُبَّ فتاةٍ ظلْتُ أرعى ودادَها فقالتْ معاذَ اللهِ هذا الفتى عُجْبُ   رأَتْنيَ في طِمْرَيْنِ فقرٍ وفاقةٍ جَلَوْتُ مُحَيّاها الجميلَ ولا سَبُّ   أتعجَبُ جملٌ من خمولي فطالما خبيرٌ، وفي طِمْرَيَّ صَمْصامَةٌ عَضْبُ   ولم تَدْرِ أني للحوادثِ صَيْقَلٌ ونيرانُ عزمٍ لا تبوح فلا تخبو   ولي مِقْوَلٌ من دون قَسِّ وائلٍ وغوثُ اليتامى حيثُ لا مرضعٌ تحبو ([79])   ملاذُ الكرامِ العزِّ في كلِّ مَعْضَلٍ

 4- وقد يرتبط الفخر بالشكوى، وكنا رأينا «فتح الله بن النحاس» يشكو من أبناء زمانه الذين أساؤوا إليه، ويفخر بخلاله الحميدة إبان ذلك .

5- كما رأينا فخراً للجمادات، قلد به الشاعر أصحاب المقامات([80])، و هذالم يعهد هذا من قبل.

6- وهناك مبالغات في الفخر إذ يحس صاحبها انه فوق كل عظيم فالشاعر «موسى الرام حمداني» يشبه نفسه بموسى الكليم صاحب العصا واليد البيضاء، وإن كان لا يدعي النبوة، ويستغفر الله من تشبهه بالأنبياء، يقول في ذلك:

مالي وللقنصِ الصــــــريحِ وهِمَّـــــــــتي فــــوق الصُّقورِ وعصــــــايَ طـــــــــوعُ يديَّ تَلْقَفُ كلَّ سِحْرٍ مُسْتطير إن أُلْقِها انْبَجَستْ عيونُ المجدِ من صُمِّ الصُّخورِ وبها على الدُّرِّ الثمينِ أغُوصُ في لُجَجِ البحور ولي اليدُ البيضاءُ بين الجمــــعِ والجـــــمِّ الغفيـــــــــــر أستغفرُ الرحمـــــنَ من دعوى تُدَنَّس بالفُجــــور([81])

وهكذا كان الفخر ينم عن نظرة استعلاء يحس بها الشاعر لما يتمتع به من مزايا تكسبه فضيلة، أو هكذا يظن، سواء أكانت في نفسه أو في نسبه أو عشيرته، أو في دولته، وقد اتسم الفخر بامتزاجه بالحماسة التي قد توجه إلى المرأة ، وبالشكوى، ووجدت فيه مبالغات، كما وجد فيه جديد بدا في فخر الجمادات كنوع من المفاخرة العلمية أو إظهار المهارة الأدبية، وكأن صاحبها قد قلد كتاب المقامات النثرية .

([1]) عيس طلائح : متعبة، وطلح البعير يطلح إذا أعيا وكلَّ: لسان العرب مادة طلح.

([2]) ثهمد : موضع . وبَرْقَةُ ثهمد: موضع معروف في بلاد العرب وقد ذكره الشعران: لسان العرب (ثهمد).

([3]) سالح : السَّلْح: اسم لذي البطن، وقيل لما رق منه من كل ذي بطن: لسان العرب (سلح).

([4]) فتح الفَتاح: طائر أسود يكثر تحريك ذنبه، أبيض أصل الذنب من تحته، ومنها أحمر، والجمع فتاتيح: لسان العرب (فتح).

    والعصم من الظباء والوعول: الذي في ذراعها بياض، وغراب أعصم: في أحد جناحيه ريشة بيضاء: لسان العرب (عصم).

([5]) العقود الدرية /40-41 .

([6]) سلك الدرر 3/254، وينظر لمثلها في وصف الطبيعة في سلك الدرر 1/93 .

([7])إلياس إدة : شاعر لبناني من البقاع، ولد في (1154هـ) وصحب الأمراء الشهابيين ومدحهم ،كما مدح أحمد باشا الجزار ثم هجاه: أعيان القرن الثالث عشر /206 .

([8]) متكبكب الكبكبة: الجماعة، والرمي في الهوة، أو هو الجمع ثم الرمي، وكبكبوا طرح بعضهم فوق بعض: لسان العرب (كبب).

([9]) أعيان القرن الثالث عشر /206 .

([10]) ديوان أبي تمام / 99 .

([11]) ديوان البوصيري / 64-65 ، وقد مر الحديث عن زلزال حلب إبان الحديث عن رثاء المدن   .

([12]) نفح الطيب 1/68 .

([13]) ديوان الشوقيات 1/52-53 .

([14]) يوسف بن سليمان الخطيب فقيه وشاعر من دمشق توفي 750هـ ، ينظر له في أعيان العصر 5/625 .

([15]) أعيان 5/629 .

([16]) شرح المعلقات السبع /44 .

([17]) شرح المعلقات السبع /129 .

([18]) أعيان العصر 3/637-638 .

([19]) شاعر من حلب ، ينظر إعلام النبلاء 3/445 .

([20]) آمد هي تسمى حالياً ديار بكر: مدينة في جنوبي تركيا.

([21]) إعلام 3/445-446 .

([22]) ديوان فتح الله بن النحاس /109 .

([23]) حسن بن عمر بن حبيب شاعر من حلب توفي 779هـ : ينظر له في إعلام النبلاء 5/68 .

([24]) إعلام النبلاء 5/71 .

([25]) تراجم الأعيان 1/183 .

([26]) حلية البشر 2/938 .

([27]) موسى الرام حمداني (1004-1089هـ) شاعر حلبي ينظر له في خلاصة الأثر 4/435 والإعلام 6/337 ومعجم المؤلفين 4/435 والمنتخب من المخطوطات /367 .

([28]) نفحة الريحانة /474، وينظر لمثلها في تراجم الأعيان 1/184 .

([29]) ينظر لقصيدة الجبل في ديوان ابن خفاجة الأندلسي / 390 .

([30]) ترى هذه المباراة الشعرية في خلاصة الأثر 1/105 إبان ترجمة المحبي للشاعر المذكور.

([31]) أحمد بن عبد الدائم الشارِمْسَاجي (663-720هـ) شاعر هجاء من الكرك، ينظر له في أعيان العصر 1/254

([32]) أعيان العصر 1/256 .

([33]) ريحانة 2/456 .

([34]) ريحانة الألبا 1/123 .

([35]) در الحبب قسم 1، ج1/253 .

([36]) أحمد بن منصور بن أسطوراس «شهاب الدين» ويعرف بابن الجباس ولد 653: أعيان العصر 1/394 .

([37]) أعيان العصر 1/395 .

([38]) ريحانة الألبا 2/183 .

([39]) خلاصة الأثر 2/293 .

([40]) إعلام النبلاء 6/262-264 .

([41]) العقود /53، والديوان المطبوع مع ديوان ابن مقرّب /814 .

([42]) يوسف البديعي شاعر من دمشق تولى قضاء الموصل (ت1073هـ) : ينظر له في علماء دمشق وأعيانها في القرن الحادي عشر الهجري 2/269 .

([43]) نفحة الريحانة 1/213 .

([44]) ريحانة 1/204 .

([45]) الكشكول 1/147-153، المخلاة /11، بهاء الدين العاملي/ 125-131 .

([46]) حلية البشر 1/294 .

([47]) أعيان القرن الثالث عشر /86-87 .

([48]) تاج الدين محمد بن محمد (640-707هـ) شاعر ووزير من دمشق ينظر له في أعيان العصر 5/112 .

([49]) العبل : الضخم من كل شيء: لسان العرب (عبل)، الشَّوى: اليدان والرجلان .

([50]) السَّلخ: كشط الإهاب، والسِّلخ: الجلد، والسالخ: الأسود من الحيات: شديد السواد، وأقتل ما يكون من الحيات إذا سلخت جلدها، وهي تسلخه مرة في كل عام: لسان العرب مادة (سلخ).

   وأسنى حيات هضب: استخرج الحيات: لسان العرب مادة (سنا).

  الشُّجاع: ضرب من الحيات لطيف دقيق وهو أجرؤها وقيل الحية الذكر: لسان العرب مادة (شجع).

  الأرقم: الحية على ظهرها نقش: لسان العرب مادة (رقم).

([51]) أعيان العصر 5/118 .

([52]) محمد بن الحسن الكواكبي شاعر حلبي وفقيه (1018-1096هـ) : الخلاصة 3/437، إعلام النبلاء 6/356؛ معجم المطبوعات 2/1576 .

([53]) سلك الدرر 2/179 .

([54]) حلية البشر 1/295 .

([55]) ديوان فتح الله بن النحاس/156. العقود الدرية/49 . نفحة الريحانة 2/518 .

([56]) الديوان/99 والعقود الدرية /10 .

([57]) الديوان/175 والعقود/61 وخلاصة الأثر 3/258 .

([58]) محمد خليل بن علي المرادي (1173-1206هـ) شاعر من دمشق ، وهو مؤلف سلك الدرر ينظر لترجمته في مقدمته

([59]) حلية البشر 3/1400-1401 .

([60]) خلاصة 4/51، وينظر لمثلها في حلية البشر 3/1400 في فخر محمد خليل المرادي بأسرته.

([61]) الشيخ عثمان بن الشيخ ضاهر العمر غضب والده عليه في سنة 1180هـ واعتقله، ثم لجأ إلى الأمير منصور إلى أن عفا عنه، وكان شاعراً فصيحاً: لبنان في عهد الأمراء الشهابيين 1/68 .

([62]) هذا البيت من الكامل وكان شطره الأول (إني من النفر الذي إذا اعتراه) والصحيح ما ذكرته ليستقيم الوزن.

([63]) وإذا السنينُ على لغة من يعرب  الملحق بجمع المذكر السالم بالحركات على النون، ينظر لذلك أوضح المسالك 1/53-58 .

([64]) القصيدة كلها في لبنان في عهد الأمراء  1/68 .

([65]) لم أخم: لم أجبُنْ: شرح المعلقات/128 .

([66]) يتذامرون : التذامر تفاعل من الذمر وهو الحض على القتال: شرح المعلقات السبع ص128 .

([67]) أشطان بئر: جمع شطن والشطن: الحبل الذي يستقى به. المرجع نفسه/129 .

([68]) شرح المعلقات السبع/119-129 .

([69]) الشطر الثاني وزنه غير صحيح وفيه اختلال بالمعنى .

([70]) لبنان في عهد الأمراء الشهابيين 1/68.

([71]) الإعلام 3/132-133 .

[72] ) بحث ظاهرة فن المفاخرات العربية في العصر العثماني :  دراسة مقارنة مع الفنون الأدبية الأخرى، د. زينب   بيره جكلي ، مجلة التجديد ،الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا  ع 30 س 2011م ص 2 .

([73]) القصيدة كلها في ديوان الحقائق ومجموع الرقائق /29-31 .

([74]) عبد الله كوبريلي شاعر تركي، كان وزيراً في الدولة العثمانية وقد قاد فتوحات أذربيجان في سنة 1147هـ، كما حارب في تبريز: الروض النضر 3/179 .

([75]) المقار: المَقْر: إنقاع السمك المالح في الماء، أو نقعها في الخل: لسان العرب مادة (مقر).

([76]) المعار: المعَر: سقوط الشعر، والأمعر: قليل الشعر: لسان العرب مادة (معر).

([77]) شِمْت البرق: إذا نظرت إلى سحابته أين تمطر: لسان العرب مادة (شيم)، الفهار: فرس فهر: انقطع في جريه لكلاله، وناقة فيْهَرَة: صلبة عظيمة. وأفهر الإنسان إذا اجتمع لحمه وتكتل وهو أقبح السُّمْن: لسان العرب مادة (فهر).

([78]) الروض النضر 3/181-183 .

([79]) إعلام النبلاء 6/411-412، وينظر لمثلها أيضاً في ريحانة الألبا 2/237 للشاعر أبي المواهب البكري.

[80] ) ينظر للمفاخرات النثرية في كتابي النثر العربي في عصر الدول المتتابعة /89 - 97

([81]) خلاصة 4/437، النفحة 2/474.

وسوم: العدد 669