دراسة فنية لشعر الدول المتتابعة (الباب الثاني)

الباب الثاني

دراسة فنية لشعر الدول المتتابعة

الفصل الأول

بنيـة القصيـدة

الفصــــــــــل الأول

بنيـة القصيـدة في شعر الدول المتتابعة

شعر الدول المتتابعة عامة تقليدي في منهجه، إذ سارت قصيدته في تركيبها أو في بنيتها على طريقة السالفين،  وكان ابن سلام الجمحي يرى أن استقلالية البيت شرط لجودة القصيدة([1])، واستحسن ابن رشيق القيرواني أن يكون البيت بأسره كأنه لفظة واحدة لخفته، وعد التضمين([2]) عيبا من عيوب القصيدة لأن البيت لايكتمل معناه بانتهاء شطره الثاني ، ويقول المرزوقي: " ومبنى الشعر يقوم على أوزان مقدرة وحدود مقسمة ، وقواف يساق ماقبلها إليها مهيأة، وعلى أن يقوم كل بيت بنفسه غير مفتقر إلى غيره إلا مايكون مضمنا بأخيه وهو عيب فيه([3]) " .

  ونظر النقاد إلى بنية القصيدة العربية القديمة نظرة احترام، وطالبوا الشعراء بسلوك سبيلها وإلا فإن شعرهم لن يلقى رواجا، يقول ابن قتيبة : " فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب وعدل بين هذه الأقسام فلم يجعل واحدا منها أغلب على الشعر ، وليس لمتأخر الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين في هذه الأقسام([4]) ."

   أما استهلال القصيدة العربية فقد عاب ابن رشيق أن يهجم الشعراء على موضوعهم مباشرة دون أن يمهدوا له بالغزل أو النسيب، وسمى قصائدهم " البتراء " ذلك لأن النسيب يعطف القلوب ويستدعي القبول لما في الطبائع من ميل إليه([5]) . ولذلك كان الشعراء يبدؤون بالوقوف على الأطلال ، أو بالغزل مباشرة بعد أن تأثروا بدعوة أبي نواس التي نددت بالوقفة الطللية([6]) ، والشاعر ينتقل بعد شكواه في حبه أو عرض معاناته من أمر ما إلى غرضه الرئيس فيمدح من توجه إليه، ثم ينتهي إلى تقديم شعره إليه والدعاء له …على نحو ما سأوضحه.

فممن بدأ بالطلل الشاعر أحمد بن علي بن مشرف في قصيدة له تحدث فيها عن هجمات الأعراب في مشرق الجزيرة العربية في (1275هـ)، وإفسادهم في الأرض بغير الحق قتلاً ونهباً وهذا ما سبب تشتت الناس وهربهم، وكأن هذا أوحى للشاعر، أو ذكّره بالطلل الدارس، والرحيل عنه، فالظعينة سلمى خلفت ديارها نهباً للأمطار وللعوامل الطبيعية الأخرى بسبب الفساد، كما صارت ديار الناس نهباً للأعراب المخربين، وقد رأى الشاعر تغير معالم الديار فذرف الدمع غزيراً عندها، وتذكر الأوانس الغيد اللواتي كن يُجلْن في ربوعها، ثم راح يصف هؤلاء النسوة الراحلات وكانت سلمى محبوبته كالبدر في طلعتها، أو كنور الصباح في إشراقة وجهها، أما شعرها فكالليل الفاحم، وأما عيناها فناعستان، وقد خلفتاه مريضاً قد أثقل الحب كاهله، وإن من لم يذق طعم الحب وتأثيره يلمه على ما حلّ به. يقول في ذلك:

لدُنْ قمْتَ بالأطلالِ والعينُ تذرفُ

 

أتنكِرُ رسمَ الدارِ أم أنت تعرفُ

وغيَّرَها وَبْلٌ من المُزْن ينطِف

 

ديارٌ لسلمى قد محا رسمَها البِلى

بهن غزالٌ أحورُ الطرفِ أهيفُ

 

كأنْ لم تكنْ مغنىً لبيضٍ أوانسٍ

سوى أنه حيناً إذا تم يُكْسَفُ

 

فتاةٌ كأن البدرَ غرةُ وجهها

وفي شعرِها جنحٌ من الليلِ يعكفُ

 

ترى الصبحَ يبدو نورُه من جبينِها

مُحِباً نحيفاً جسمُه لهو مُدْنَفُ

 

وطرفٌ سقيمُ اللحظِ كم أسقمَتْ به

     

يلومُ على وجدِي بها ويعنِّفُ ([7])

 

فما بالُ من لا يعرفُ الوجدَ والهوى

وقد يستهل الشاعر بالتغزل بالحديث عن المرأة بشكل مباشر لأنه أنشط للنفس وأدعى إلى متابعة السامع، ومنه ينتقل إلى شكوى الوجد أو الدهر، كما فعل «عمر لطفي أفندي»([8]) إذ استهل قصيدة له بالحديث عن طلعة فتاة أحلامه التي سبت عقله بوجهها الوضاء الذي يزينه الخال، وبشعرها الفاحم ورائحتها العطرة، وبخديها الموردين وعينيها الساحرتين، إضافة إلى ما تتمتع به من عفة تمنع عنها راغبيها إلا في أوهامهم، يقول :

فتاةٌ سبَتْ عقلَ الشجِيِّ ولم تدرِ

 

تَجَلَّتْ فلاحَ البدرُ من خَلَلِ الشعرِ

حديثاً رواهُ الخالُ عن خدِها البدر

 

وحدَّثَنا عن نشرِها مسكُ ثغرِها

بأن رضابَ الثغرِ يغنِي عن الخمر

 

ووردُ محيّاها البديعُ حكى لنا

ولكنّ في أحداقِها آيةُ السحرِ

 

بروحي فتاةً حسنُها فتنةُ الورى

وصدَّتْ وسيفُ الصدِّ قلبَ الشجيْ يفريْ ([9])

 

لقد سلبَتْ تلك الفتاةُ حشاشي

وقد يدعو الشاعر إلى ترك المرأة في الاستهلال ولاسيما في القصائد التي لها علاقة بممدوحين عرفوا بتقواهم، فالشاعر «العشري» يطلب أن تُترك الحسناء الفتانة نضارة وقواماً، والساحرة العينين والخدين لأن وصلها لا يكون إلا للاهين في حياتهم الدنيا، وهذا لا يفعله امرؤ تقي، ويجد أمامه متطلبات عظاماً لنصرة الإمام الذي يجد به بعد الضيق فرجاً، وبذلك يتخلص إلى غرضه الرئيس المديح، يقول:

المائساتِ ذواتِ الرونقِ النضر

 

عجْ عن وصالِ ذواتِ الدلِّ والحَوَر

خدين، ميّاسة، دُرِّيَّةِ الأشر

 

من كل فتانةِ العينين، واضحة الـ

وخلِّها لأولي اللاهين وابتكِر

 

دعْها فكم سحرَتْ بالسحرِ ذا غَرَرٍ

يُمناً وتَحْظَ بُعَيْدَ العسرِ باليسر ([10])

 

وصِلْ وناصرْ إمامَ المسلمين تجدْ

  وقد يطالعنا الشاعر في أوائل قصيدته بمناجاة المولى تعالى، كما فعل فتح الله بن النحاس حين راح يدعو ربه أن يغفر له في مستهل قصيدة نبوية له، يقول

وإليه منه الأمرُ راجعْ

 

يا مَنْ لمَنْ يدعوه سامعْ

بُك في وسيعِ العفوِ طامع ([11])

 

يا ربِّ عبدُك أو ترا

أما قصائد الثورات والحروب فتبدأ غالباً بالحديث عن الحرب والانتصار «فالصفدي» مثلاً في مديحه «لسيف الدين أرغون» الذي انتصر على «بيبغاروس» يبدأ بذكر النصر الذي تحقق على يدي أرغون فأرضى هذا المولى سبحانه به، يقول:

بمديحٍ أرضى الإلهَ تعالى

 

قد توالى النصرُ الذي قد تغالى

سِ الذي عزمُه يدكُّ الجبالا ([12])

 

الأميرُ المهيبُ أرغونُ ذو البأ

وقد يبدأ الشاعر بوصف الطبيعة كما فعل «صفي الدين الحلي» في قوله:

حُلَلاً فواضلُها على الكثبانِ

 

خلعَ الربيعُ على غصونِ البانِ

كَفْلَ الكثيبِ ذوائبُ الأغصان ([13])

 

ونمَتْ فروعُ الدوحِ حتى صافحَتْ

وقد يطرق الشاعر موضوعه مباشرة في غير وصف الحروب، وحينذاك تسمى القصيدة بتراء، وقد عابها «ابن رشيق القيرواني»([14]) لأنها لم تجذب انتباه السامع بما ينشط النفس للسماع، من ذلك مطلع قصيدة « للبوصيري» يقول فيه:

فلطالما أنضَتْ إليه العِيسا

 

إن تُحْيَ آمالي برؤيةِ عيسى

صارَتْ بيوتُ العالمين رُموسا ([15])

 

لولا وجودُ الصاحبَيْن كليهما

وهذا المطلع كما نراه لا يشوق القارئ، وكأن البوصيري أحسّ بأن القصيدة لا تلفت السامع إليها فراح يتحدث بعد ذلك عن المرأة أو يحكي عن رأيه في الغزل ولكن في شكل حكمة صادرة عن خبرته، فهو رجل وخط الشيب مفرقه، ولهذا فهو يفضل التعقل والرزانة، وصفاء القلب والاستقرار في الحياة لا اللهاث وراءها، يقول:

عَوْدَ الشبابِ الرطبِ عاد يبيسا

 

أمكلّفي نظمَ النسيبِ وقد رأى

نزعَ السُّرى وتدرَّع التعريسا ([16])

 

لما رأى زمنَ الشبيبةِ مُدْبِراً

ولو بدأ قصيدته بهذه الفكرة لأجاد وحفز على مواصلة السماع، وحقق الحكمة المبتغاة.

 والشاعر ينتقل بعد ذلك إلى غرضه الرئيس كالمدح أو الفخر… وقد يتخلص إلى غرضه هذا تخلصاً موفقاً، كمانرى عند" أحمد الوراق" إذ انتقل من مقدمته في وصف الربيع إلى المديح النبوي بذكر قدرة المولى سبحانه وضرورة شكره ثم ذكر الرسول r،وبذلك يصفو القلب وتهدأ النفس ، يقول في ذلك:

وكُنْ له يا صاحِ شاكر

 

فاطرَبْ بما صنع الإلهُ

ـه المصطفى نورِ البشائر ([17])

 

واجْلُ الكروبَ بمدح طـ

  ويروح بعد ذلك يثني على الرسول r ويعدد خلاله الطيبة.

   وقد ينتقل الشاعر في اقتضاب([18])غير موفق إذ يفاجئنا بموضوعه كما فعل "محمد بن المهتار" ([19]) الذي ترك وصف الطبيعة إلى المدح بقوله :

وافَتْ وحقِّكَ في المنظومِ مُنْتَثِرة

 

دع عنك وانظرْ في فضائلِه

وكلمة دع ذا وسيلة للانتقال إلى الغرض الرئيس تأثر فيها الشعراء بالجاهليين، «فالنابغة الذبياني» يقول بعد غزله وقبيل انتقاله إلى وصف الناقة مركوبه إلى ممدوحه :

وانْمِ القُتودَ على عَيْرانَةٍ أُجُدِ ([20])

 

فعدِّ عما ترى إذ لا ارتجاعَ له

ومفهوم الشعر عند العرب يقوم على التحام أجزاء القصيدة، وتخير لذيذ الوزن، ومشاكلة اللفظ للمعنى، كما يقول «ابن رشيق» و «الجرجاني»([21])، ولهذا فإن هذا الاقتصاب مما يعاب عليه .

  كما يعاب البيت الذي يحوي تضميناً لأن وحدة البيت أساس في الشعر العربي، ولهذا كان قول «أحمد بن مشرف» :

إليه بالوحي روحُ اللهِ واختلفا

 

وحينَ كمَّل سنَ الأربعينَ أتى

من مكة ثم عشرٌ بعدهُنَّ وفى ([22])

 

إليه بضعةَ عشْرٍ قبلَ هِجرتِه

مما يعاب عليه لأنه جعل الجار والمجرور (إليه) يتعلقان بآخر البيت الأول وهذا لا حرج منه في شعر التفعيلة المعاصر .

ووحدة البيت لا تتعارض مع التفريغ الذي لجأ إليه بعض الشعراء لإكمال الصورة التي يرغبون، فالشاعر «الحسن البوريني» يأتي في مدحة له بما النافية ويقول بعدها إن الروضة المزهرة ذات الأفنان التي تصدح فوقها الطيور، والمياه الدفاقة كالبحر في تموجه وخريره ليسا بأجمل من صفات ممدوحه :

لما بكاها سحابُ الأنس مُنهمِلا

 

ما روضةٌ ضحكتْ أزهارُها سحَرا

كذي دلالٍ بدَتْ في مِشْيَةِ الخُيَلا

 

وصافَحتْها الصبا تسعى بساحتِها

كأنه عاشقٌ قد رتّل الغَزَلا

 

والطيرُ غنى على أفنانِ دوحتِها

كالأيمِ أسرعَ لما شاهدَ الوجلا

 

وللمياه اطّرادٌ في جوانبها

ونشرِه في جموعِ العصبةِ الفُضَلا ([23])

 

يوماً بألطفَ من ذكرى فضائلِه

ومجيء الخبر بعد عدة أبيات سمح للصورة أن تكتمل، وهذا لا يعد ضعفاً في الأداء الشعري وإنما هو أسلوب من أساليب التعبير في الشعر العربي لا يؤثّر على وحدة القصيدة.

ووحدة القصيدة العضوية تقوم في شعرنا العربي على الحالة النفسية، فعلى الرغم من تعدد الموضوعات بين غزل ورحيل وشكوى ومديح إلا أن كثيرا من القصائد تبدو متآزرة مترابطة يجمع بينها رابط نفسي كما يقول د.طه حسين إذ يجمعها وحدة مشاعر يحسها قائلها([24])، وكذلك يرى د. محمد نايل لأن الشعر العربي شعر غنائي يصور مشاعر الإنسان تجاه الكون والحياة، وعلى الرغم من ظهور القصيدة بمظهر التفكك إلا أنها ليست بدداً متناثرة، ولا يشعر القارئ بتنافرها بسبب وحدة المشاعر والروح والصياغة الفنية، وهذا مصداق لما قاله الناقد القديم الحاتمي: « مَثَل القصيدة مثل الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد عن الآخر وباينه في صحة التركيب غادر الجسم ذا عاهة تتخون محاسنه وتعفي معالمه» ([25]) .

 ولكن بعض النقاد يرون القصيدة العربية القديمة مفككة الأوصال لا يربط بينها رابط ما كالدكتور شوقي ضيف ود.محمد مندور ود.عبد المحسن طه بدر([26])،.

وبرأيي أن وحدة القصيدة أمر طبعي لأن الشاعر يترجم ما يحس به، ويستهل بما يراه منسجماً ونفسيته، ولهذا قلَّ الوقوف على الأطلال في عصر تغيرت فيه الحياة العربية، وبدت القصيدة متحدة المشاعر مترابطة الأقسام، وقد مرّ معنا خلال المدائح قصيدة للشاعر شمس الدين الطيبي تحققت فيها هذه الوحدة العضوية، ومعظم قصائد المديح النبوي وقصائد الرثاء والهجاء والقصص الشعري ذات وحدة موضوعية لأنها غالباً ما تتحدث عن موضوع واحد ، وسآتي بنماذج لأنواع القصيدة في هذا العصر تبين أنواع الوحدة في القصيدة .

أما خاتمة القصيدة فتكون دعاء كما في قول الشاعر أحمدالإشليمي ([27]) لممدوحه :

فخذ من ثنائي كالكؤوس محبّباً     وكأسُ الثنا عند الكرام محبَّب

وعشتَ لمجـــــــــــدٍ تستجدُّ بناءَه      وحسن ثناءٍ من مماليك يعرب([28])

    أو صلاة على الرسول r ولاسيما في الشعر الديني كما في قول البابي الحلبي:

على الآلِ والأصحابِ ما انهلَّ صَيِّبُ

 

عليك صلاةُ الله  تترى مسلِّماً

بتبليغِها عني إلى اللهِ راغب ([29])

 

صلاةً توازي قدرَ ذاتِك رفعةً

أو قد تنتهي بما بدأت به، فالشاعر «عبد الجليل الطباطبائي» يستهل قصيدته بقوله:

لفي لاعجٍ بين الأضالعِ لاهب

 

(لكَ اللهُ إني من فراقِ الحبائبِ)

ويختمها بقوله:

(لك اللهُ إني من فراقِ الحبا ئبِ) ([30])

 

وما بثَّ شكواهُ المُتَيَّمُ قائلاً

وقد يقدم الشاعر قصيدته فتاة كاعباً تفضل أترابها بحسن طلعتها ويضن بها الشاعر على غير ممدوحه كما في قول «الطباطبائي» وقد جمع بين هذا والدعاء أيضاً:

أترابَها برشيقِ القدِّ والمَيَدِ

 

وهاكَ مني رَداحاً كاعِباً فضلَتْ

وأنت كفوٌ لها يا خيرَ مُلْتَحد

 

تأبى لغيرِك أن تُهدى محاسنُها

لك المسرةُ في عزٍّ وفي رشَد

 

لا زلتَ ذا رتبةٍ عَليا ولا برحَتْ

وقام في زَهْرِه من طائرٍ غَرِدِ ([31])

أنواع الوحدة

 

ما أضحكَ الروضَ هامي ودقِ غاديةٍ

  وهذه نماذج لقصائد من العصر تبين أنواع الوحدة في القصيدة في ذلك العصر :

أولا : القصيدة ذات البيت المستقل في الشكل المجرد :

  وهي قصيدة ذات موضوعات متعددة والبيت فيها مستقل، وقد جاءت غير محكمة النسج، وبلغ التفكك في بعضها  أن ختمت بالتأريخ الشعري للحدث([32]) في صنعة متكلفة ، على نحو قول الشاعر محمد العرضي في تأريخ لفتح مدينة ينوة علي يد الوزير العثماني محمد الكوبرلي

فللــــــه فتــــــــحٌ مبينٌ إذاً     وما هـــــــو إلا من اللهِ منحُ

    لذا أنشأ الحالُ تاريخَه      لَنصرٌ من الله حُمَّ وفتح ([33])

   وهذا مايشير إلى سيادة النقد القديم على أذهان بعض الشعراء حتى إنهم ألغوا ذاتهم وقلدوا تقليدا أعمى .

    وممن نهج هذا النهج الشاعر حسين بن الجزري، وقد لقي شعره رواجا عند الممدوحين من آل جانبولاذ وآل سيفا على الرغم من عداوتهما لبعضهما، بل إن مديحه اجتاز الشام إلى الحجاز ليثني به على أشرافه، وكان معظم قصائده يقوم على وحدة البيت، والتصنع المتكلف دون أن يتحقق التلاحم المنشود بين أجزاء القصيدة وموضوعاتها، ولنأخذ مثلا على ذلك قصيدته في مديح الوالي محمد العلبي([34]) :

    استهل الشاعر مدحته على عادة أبناء العصر وأذواق نقاده بالغزل ووصف مايلاقيه من آلام البعاد، وتمنى وصال صاحبته ذات الوجه المنير كالبدر في غير أيام كسوفه ونقصانه، وقد بين لها شدة وجده وصبره على مجافاتها ، وعلل ذلك بأنه معجب بالحسناوات ذوات العيون السود، والقدود الرشيقة التي تفتك به بضربات هي أمضى من السيف القاطع والرمح الطاعن ، يقول في ذلك :

ماعشتُ من ألمِ الفراقِ    لو لم أطِلْ زمنَ التلاقي

فأظلُّ كالملســـــــــوعِ من    أفعى النوى، ورجايَ باقِ

ياثالثَ القمرَيْن إلا    في الكسوف وفي المَحاق([35])

حتامَ دمعي فيك لا    يرقى، وروحي في التراقي؟

أعضـــــــــاءُ صبٍّ ماله    إلاكِ من عيـــــنيكِ واق

فالبيضُ سودُ عيونِها  أمضى من البيض الرِّقاق

وقدودُهن رواشقٌ  في الطعنِ كالسُّمر الرِّشاق([36])

وإذا بُليتَ بحبِّهن -    بُليــــت بالدمعِ المراق([37])

    فالشاعر كما أرى متكلف في حبه ، وما ذكره من الدمع والألم المشابه لألم الملسوع جاء في صورة تقليدية ، وقد أفصح عن ذلك التكلف بعبارات لايفوه بها محب مخلص لمن أحب ، فهو معجب بالحسناوات كل الحسناوات ذوات العيون الحوراء والقوام الرشيق ، ولايخلص لواحدة منهن ،فضلا عن أنه يعد الحب ابتلاء يسبب له البكاء ، وهذا برأيي برود عاطفي لأن المحب لايدع لعقله أن يعمل ويفكر ولو إلى حين ، ولو بشكل غير مباشر بعد أن طغى عليه الوجد فقتله أو كاد .

    وينتقل الشاعر بعد هذا النسيب إلى المديح انتقالا يبدو فيه التعمل أيضا، مستخدما أداة الشرط إذا معطوفة بالواو على إذا في البيت السابق :

وإذا نزلتَ بمصطفى الـ       آمال والرحبِ الرواق

فانزلْ وأنت رقيقَه           لتعود للعلياءِ راق([38])

   والعطف والشرط وحدهما غير كافيين لأن يحققا الترابط المنشود بين جزأي القصيدة ، ولهذا كان هناك تباعد بينهما شابه الاقتضاب .

     وفي قوله : ( رقيقه ) إشارة إلى نوعية العلاقة بين الشاعر وممدوحه ، إنها علاقة سيد بمسود، وليست الصلة صلة مودة بين محب أوصديق أوممدوح ، فهو لاينال منه مأمله إلا بأن يصير عبدا رقا له !!... وهذا مايدعو إلى القول بأن القصيدة لاتحوي وحدة ما إلا وحدة البيت واستقلاليته لأن أهم عنصر يحقق الوحدة هو صدق الشعور والإحساس ، وهذا ماتفتقده هذه القصيدة .

    ثم إن التكلف واضح حتى في وصف الممدوح ، فالممدوح هو :

         لأمجدُ البَرُّ العفيـ  ـفُ الذيـــــــــلِ زهدا والنطاق([39])

          والعالِــــــم العلَــــــــــم الشهيـ   ـر بعلمــــــــــه بالاتفـــــاق

         الأوحدُ العلبي من    يسمو على السبعِ الطباق

   فالصفات التي أضفاها على ممدوحه لاتميزه عن أي ممدوح آخر، إنها صفات مستمدة من محفوظه الذهني ، وكانت المبالغة فيها غير مستحبة إذ جعله يسمو على السبع الطباق !!...

      وفي انتقاله إلى نعت قومه نراه يصفهم بالسمو بحيث لايمكن أن يصل إليهم أحد، وقد جاء بثلاثة تشبيهات للدلالة على سبقهم في تشبيه مفروق([40])، فالذي يبتغي اللحاق بهم لن يستطيع ذلك ولو كانت سرعته كالسهم عند انطلاقته ، أو كالناقة العتاق ، أو كان يحاول الصعود إلى السماء ، ولايتمكن من ذلك أحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم . ثم يبين أنه محسود وحاسده لا نصيب له في الآخرة !!...، يقول في قوم الشاعر :

والسابقُ ابنُ السابقيـ    ـنَ إلى العلا حدَّ السباق

لايدركون بغايةٍ        في المجد من ماضٍ وباق

ولكم كبا في إثرِهم     راجي اللحاق عن اللحاق

ولـــــــو أنه في عزمه    كالسهم عندَ الانطـــــــــــــلاق

ومتى تنال العيرُ شأ      وَ الأعوجيات العتاق؟([41])

مثلا كمن يرقى، ولا      يرقى السماء كذي البراق

       وكأن الشاعر أولع بالمبالغات، ولهذا نراه يصف حاسديه بعد ذلك بأنهم( مالهم يوم القيامة من خلاق!!.. ) وعندما يصل إلى هذه المبالغة غير المستحبة أيضا ينتقل إلى الخاتمة انتقالا مفاجئا ، إذ يقدم قصيدته للممدوح حسناء فتية لم يرها أحد من قبل ، ولم يقدم مثلها لأحد إلا لممدوحه هذا ، وكانت ذات معان مدحية منسجمة ، وقد جملتها صفات ممدوحه لا الصنعة التي فيها ، ولذلك فإن النفس تسر بها :

وإليكَها عذراءَ يغنيها الـ  ـصديقُ عن الصداق

ما أمهـــــــــــرتْها فكرتي    لسواكَ إلا بالطلاق

ولقد تناسق درُّ حمـ  ـدك ضمنَها أيَّ اتساق

فحلت وما افتقرت لتحـ  ـليتَيْ جناس واشتقاق

   بمدائح ٍ أشهى إلى الـ   أرواحِ من راحٍ وساق([42])

   وهنا نرى أن المحسنات البديعية شاركت في إظهار التكلف ولا سيما بالألفاظ الفقهية كالصداق والمهر والطلاق ، ومصطلحات البديع كالجناس والاشتقاق .

   والشاعر بعد ذلك ينتقل إلى الدعاء وكأنه لازمة لاغنى عنها إذ " ليس لمتأخر الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين في هذه الأقسام " كما قال ابن قتيبة حتى يعد من الشعراء المجيدين .

    ومثل هذه القصيدة لايمكن أن تحقق الوحدة الفنية أو العضوية، فأبياتها فضلا عن استقلاليتها لاترتبط بخيط نفسي أوشعوري ، ولم تك لغتها وتصويرها وموسيقاها موظفة لأداء الفكرة والإحساس العاطفي، بل جاءت متناثرة متنافرة أحيانا، فالغزل يائس متشائم ، ومتكلف بارد، والممدوح صُفَّتْ صفاته بعضها إلى بعض بألفاظ وصور مختزنة من محفوظ الشاعر، وليست وليدة أحاسيسه ومشاعره، والمعاني لاتميز هذا الممدوح عن غيره، والخاتمة معهودة .

      ونقدنا العربي وإن دعا إلى وحدة البيت لايقبل مثل هذا لأنه شرَط - كما سنرى في الوحدة المنطقية - أن تتسلسل القصيدة، وأن تتحد أجزاؤها ومشاعرها حتى تكون كالجسد الواحد وتلقى القبول، وهذا يوصلنا إلى الوحدة المنطقية :

ثانيا : القصيدة ذات الوحدة المنطقية التسلسلية :

لم تمنع استقلالية البيت بعض الشعراء المتفوقين في العصر من أن يحققوا لقصائدهم بعض الوحدة ، وإن لم تصل إلى درجة الوحدة العضوية ، والشعراء عادة تبع للنقاد ينقحون قصائدهم ويعاودونها لتكون طبقا لذوق العصر حتى تنال الإعجاب ، ولذلك كان لابد من أن تستهل مدائحهم بمقدمة مناسبة ، وقد رأوا - كما ذكر ابن قتيبة وابن رشيق والقرطاجني- أن الغزل أنشط للنفس وأدعى إلى الاستماع فكأنه منطلق الروح وموقد الوجد، ولكن ميزة بعض شعراء العصر بدت في تسلسل القصيدة تسلسلا منطقيا في بناء متماسك محكم يجمع العناصر المتباعدة ويربط الأجزاء، وإن كان الكثيرون قصروا عن الوصول إلى الوحدة بمفهومها العضوي المتنامي، الناجم عن نمو داخلي في القصيدة .

  فالشاعر مثلاً يقف على الطلل ويبكي أو يستبكي ويخاطب الديار ، ويقارن بين ماضيها العامر وحاضرها الغابر، ثم يشكو همه وأرقه وبعده عمن أحبها لصفاتها المادية والمعنوية، ثم يركب الطريق ليتسلى به عن محبوبته وليصل إلى محبوب آخر هو ممدوحه ليضفي عليه من ثنائه فيكتسب منه مايخلصه من معاناته و... ،وهذه الموضوعات المتعددة تقوم على وحدة التسلسل ، فالموضوع الأول يفضي إلى الثاني ، وهذا يؤدي إلى الثالث وهكذا ...، ولهذا عنوا بحسن التخلص والانتقال من غرض إلى آخر انتقالا يتحقق به الانسجام والترابط وهذا ماعناه الحاتمي من قوله : " من حكم النسيب الذي يفتتح به الشاعر كلامه أن يكون ممزوجا بما بعده من مدح أو ذم أو غيرهما متصلا به غير منفصل عنه ، فإن القصيدة مثلها مثل خلق الإنسان في اتصال بعض أجزائه ببعض([43]) " فالوحدة عند الحاتمي تقوم على اتصال أجزاء القصيدة وتناسب صدورها وأعجازها ، ويقول د. بسام قطوس معلقا على هذا : " وهذا يعني أنه لم يدرك الوحدة على أنها تؤدي معنى النمو الداخلي كما فهمها النقد الحديث([44])"، وهذا مارآه أيضا  د.محمد غنيمي هلال  ود. يوسف بكار .

 وأصحاب هذا الاتجاه المنطقي التسلسلي تجاوزوا في وحدتهم مفهوم البيت المستقل، وتقدموا خطوة في طريق الوحدة العضوية إلا أنهم لم يصلوا إلى الحديث عن تنامي القصيدة من داخلها([45]) .

   وكان بعض شعراء العصر من اتصل بالتراث وحفظ منه الكثير من الأساليب والصور، فسرت دماؤه في عروقهم،ثم راحوا يقلدونه في صوره وأساليبه، لكنهم تمكنوا بمهارة من جعل القصيدة مترابطة في بناء متماسك متلاحم، ومن هؤلاء الشاعر حسين البقاعي في قصيدة مدح بها أبا الوفاء العرضي وتقع في أربعين بيتا وهي من أجود قصائد العصر التي يربطها بناء منطقي متسلسل :

   كعادة شعراء العصر استهل البقاعي قصيدته بالغزل يسبقه بيتان في الطلل وهما :

إلى كم وقوفُ العيسِ في دارس الرسم؟      وحتامَ أستروي من الدمع ما يظمي؟

لقـــــــــد كان لي عمـــــــــــا تجشَّمتـــــــــه       ولكنما الأقــــــــــــــــــــدارُ تمضي على حتم([46])

   فهو يقلد القدامى في الوقفة الطللية لكنه يأتي بها في بيتين فحسب، وكان في الثاني يعمل عقله فيرى أن الحب تعب كله، ولكنه يسلم أمره إلى القضاء والقدر الذي أوصله إلى التعلق بفتاة في مقتبل العمر. وبهذا دخل في النسيب، ثم راح يصف هذه الفتاة فإذا هي بهية الطلعة، قد أنحلت جسده، وجلبت له الأمراض، وإنه ليفديها بنفسه، وهو لايستطيع سلوها، وإن لامه اللائمون ، يقول في ذلك :

طحا بفؤادي حبُّ عذراءَ كاعبٍ     تفوق ضياءَ الشمسِ والبدر في التمِ([47])

أحـــــــنُّ لسقمــــــــــي إذ بها كان أصلُه   وحسبُك من صبٍّ يحـــــنُّ إلى سقــــــــمِ

فماذا يــــــــــرومُ العاذلـــــــون وإنمــــــــــا     عليَّ سفاهي في الغـــــــرامِ ولي حلمي

يعُزُّ على الواشين تمثيلُ صورتي     ولكنمــــــــا المرئـــــــيُّ نوعٌ من الوهــــــــــــم

وهل يخطرُ السلوانُ يوما بخاطري  وما لاح في فكري، ولا جال في فهمي

فديتُـــــــــــك لاتستنـــــــــكري ما ألمَّ بي     فرُبَّ نحيفٍ فـــــــــــاز بالسؤدُدِ الضخم

    وفي الشطر الثاني من البيت الأخير تخلص حسن، ومنطلق موفق إلى موضوع الفخر بالنفس ، وهو الموضوع الثالث إذا عددنا الوقفة الطللية ، وعلى أي حال فإن الشاعر يروح يعدد صفاته التي يفخر بها ، فهو عظيم الشأن وإن كان نحيل الجسم، وهو صبور يقتحم الموارد الصعبة، خبير بالحياة وعشرة أهلها، يصمت عن حلم وينطق بعلم ولايتحمل الضيم أبدا، فإن أحس به ركب مطيته الشهباء، وسعى إلى من ينقذه من شقائه، وإن كان بعيد الشقة، إذ له من ممدوحه خير من يعينه في حياته لأنه  جواد كريم.يقول:

فديتك لاتستنكـــــــــري ما ألم بي     فرب نحيف فاز بالســــــــــؤدد الضـــــــخـــــــم

وإني صبــــــورٌ مــــــا تقحَّمْتُ موردا    فأعذبتـــُــــــــه حتى أمـــــــــــرَّ لــــــــه طعمـــــــي

   خبــــــيرٌ بما يرضي الخليطَ مرامُه     فأصمُتُ عن حِلـــــْــــــمٍ وأنطقُ عن علم([48])

إذا سامني خسفاً من الأرض منزلٌ   أحثحِثُ عنه الدُّهْمَ والشهبُ في الدهم([49])

وأسعى لما يرضى بـــــــــه المجدُ والعلا    وأسمو إلى السامي من الرُّتَبِ الشُّم

عسى العيسُ تدنيني وإن شطَّتِ النوى    جنابَ وفا العرضي ذي النائل الجَمِّ

    وفي هذه النقلة تخلص حسن إلى الموضوع الرئيس " المديح "  وفق الشاعر إليه، وإن كان مألوفا في شعرنا العربي، لكنه تمكن به من أن يربط بين الموضوعين بإحكام . ويجعل الشاعر يواصل الثناء على ممدوحه .

    والشاعر يصفه بما وصف به الأقدمون : بالكرم والحلم والعلم الذي يجعله يحل المسائل الفقهية العويصة ، ويفوق أقرانه في مناظراته العلمية ، وبالرأي السديد الذي ينير به الظلمات ، وبالعزيمة القوية  والفعال الحسنة التي تشابه الرياض المزهرة وتعبق بأطيب الروائح . يقول في ذلك :

ولم لا ؟ وقد وافيْتُ أكرمَ مــــــــاجدٍ     أناملُــــــــــه تستهلكُ البحرَ إذ تَهمي

تنيــــــرُ دياجي الخطبِ أنوارُ رأيِه     وتشرقُ منها غُـــــــــرَّةُ الزمنِ الجهم

تضيءُ به الدنيا إذا الشمسُ لم تُنِرْ   من الحِلْمِ والرأيِ المُسَدَّدِ والحزمِ

له الحسبُ الوضَّاحُ تزهو رياضُه   كأن رياضَ الخِيْفِ باكَرَها الوَسْمي

إذا ناضـــــل الأضدادَ آب بفضلِه      ظهيـــــــــراً وباؤوا بالمذلـــــــة والرغم

    ثم ينتقل الشاعر إلى ختام القصيدة فيوجه ثناءه للممدوح شعرا أشبه بالعروس تفوح روائحها العبقة التي تشابه عطر دارين ، وقد فضلت على مثيلاتها لشرفها ، وبما أكسبها الممدوح من خلاله الحميدة . يقول :

أبا المجدِ والجودِ المُؤَثَّلِ بالندى     وجاني ثمارَ الفضلِ والحِلْمِ والعلم

أتتك عروساً عطرَ الكونُ نشرها     كنافحة الذراري مفضوضةِ الختْم

لها حسبٌ في الآخَرين وإنما     بفضلك يامولاي فاقتْ على القدم

    ويعد هذا النوع من أكثر أنواع الشعر العربي في ذلك العصر ولاسيما في مواطن المديح ، فهو وإن تعددت موضوعاته بين طلل ونسيب وفخر وثناء، إلا أن أثر حياة الشاعر ومجتمعه وفنه بادية عليه، فالحياة لم تعد قائمة على الترحال إلا قليلا ولهذا لم يجد الشاعر حاجة للإطالة في وصف الطلل  فانتقل إلى النسيب ، وأرى أن هذا النسيب وما لحقه من فخر كان رمزا لحرمان الشاعر ومعاناته وإحساسه بالفقر والذل ولكنه إحساس يدع الشاعر يعيش بين الألم والأمل، وما فقده للسعادة مع المرأة إلا إشارة إلى فقدان سعادته في مجتمع لايرحم ويجعل صاحبه يتحول عنه إلى موطن أفضل .

   وهذا الجو العام للقصيدة يكسبها نوعا من الوحدة المنطقية التسلسلية القائمة على ترادف الأفكار بعضها وراء بعض في إطار محكم، وهذا مايدعونا إلى القول بأن الشاعر كان ذا مقدرة على ربط أجزاء القصيدة وموضوعاتها، ولكن هذه الأجزاء تفتقد النمو الداخلي وتظل في إطار المحفوظ الذهني للصور والأسلوب ، فالآراء نور، والكرم بحر، والرياض والمطر والوابل، والدر والشهد والسم كلها مشبهات ومشبهات بها لها دلالاتها المعروفة في شعرنا العربي القديم، ولذلك لم تشارك في البناء الفني للنص الأدبي مشاركة قوية

ثالثا : القصيدة ذات الوحدة الموضوعية :

   وتكمن وحدة هذا النوع في وحدة موضوع القصيدة، ومن هنا يتحقق الترابط بين أبياتها، ويكثر هذا النوع في القصص والحكايات الشعرية ، وفي الملاحم، والمراثي([50])، وفي القصائد الدينية كبعض المدائح النبوية، إذ يركز الشاعر غالبا على وصف الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يستهل بالغزل الرمزي الذي يعبر به عن حبه للرسول صلى الله عليه وسلم وأرض الحرمين مقتديا في ذلك بالبوصيري، وكذلك في القصائد التي تهتم بالحروب والثورات، وقد أوضح ابن الأثير أن استهلال قصائد الثورات بالغزل إطالة لاتقبل لأن السامع يتشوف إلى سماع الخبر لاإلى سماع الغزل([51]) .

    وسأدرس قصيدتين نموذجين من هذا النوع مدحة نبوية للشاعر محمد العمادي، ومدحة رسمية للشاعر الحجازي عبد الرحمن بن عيسى المرشدي :

1-نبوية محمد العمادي :

   استهل الشاعر نبويته بالغزل الرمزي إذ راح يناجي البرق القادم من رامة ( مكة المكرمة ) ويطلب منه أن يسأل كراما نازلين بطيبة عن قلب مُعنَّى أسره حب من نزل فيها، وقد تشوق الشاعر إلى ديارطيبة وإلى شم عبيرها ورؤيا بروقها ، وكم حاول أن يكتم حبه خوف الشامتين ولكن دموعه أفصحت عما أكنَّه قلبه ، يقول في ذلك :

أيا بارقا من نحــــــــــو رامةَ أبرقا        حيِّ العوالي واللِّوى والأَبْرَقا

واسأل كراما نازلين بطيبةٍ     عن قلب مُضنىً في حماهم أُوْبِقا([52])

ركِبَ النجائبَ حين أمَّ رحالَها        صحِبَ الفؤادَ وقادَه متشوِّقا

كم أنتشي ريــــــــحَ الصبا من نحوها        وأشمُّ فيها بارقا متألِّقا

وإذا كتمتُ الوجدَ خِيفةَ شامتٍ     آلتْ جفوني حِلْفَةً أن تنطقا([53])

     فالشاعر هنا يستهل قصيدته بالغزل العذري إذ يعبر عن حبه للرسول صلى الله عليه وسلم ويرمز له بالأماكن المقدسة التي تعود شعراء المديح النبوي أن يذكروها في قصائدهم على نحو رامة وطيبة ...

    ويتابع الشاعر نبويته فيذكر الأماكن التي يرتادها الحجاج من مثل خيْف ومِنى والجمرات والإحرام ، ثم يعود إلى ذكر طيبة وساكنها الشفيع عليه السلام ليهديه سلامه ، كيف لا وهو الذي خدمه جبريل عليه السلام يوم الإسراء والمعراج ، يقول في ذلك :

يامَن سعى بالقلب ثم رمى به     جمرَ التفرُّق مُحرِما عيني اللِّقا

وقضى بخيفِ مِنى نهاياتِ المنى       هلا ذكرتَ مُتيَّما مُتحرِّقا

يارائداً للخيــــــرِ يقصــــــــدُ طيبة        متشوِّقـــــــاً في سيرِه متأنِّقــــــــــــــــا

يمِّمْ حِمى هذا الشفيعِ المُرتجى     واسألْ أناملَه الغمامَ المُغدِقا([54])

واقْرِ السلامَ مع الصلاةِ على الذي     جبريلُ كان خديمَه لما رقى

     ثم يروح يعدد شمائله ويذكر منها كرمه الفياض، ورحمته للضعفاء، ويطلب منه الشفاعة بعد أن كبلته الذنوب، وهو يستغيث به ليخلصه من ذنوبه يوم القيامة، ويقسم له أنه المحب الصادق، وكم تمنى زيارته وود أن يلثم ترابه وأن يشتم عبير مثواه، وجداً به وشوقا ، ذلك لأن حبه قد سكن سويداء قلبه، يقول :

مَن أخجلَ الكرماءَ لما جاءَهم        متحدِّيا بمفاخرٍ لن تُسبقا([55])

ياراحمَ الضعفـــــــاءِ نِـَظرةَ رحمةٍ        لمعذَّبٍ مُضنى الفؤادِ تشوُّقا

يرجوك فضلا أن تمُــــــنَّ ترَحُّما        بشفاعةٍ تمحو ذنوبا سُبَّــــــــقا

فالعبدُ في سجن الأثامِ مقيـــــــدٌ        إن الكريمَ إذا تفضــَّــــــل أَطلقا

أنجدْ لعبدك قد تملَّـك  قلبَــــــــه       حبُّ الجنابِ وعمرَه ما أُعْـتِـــقا

ماحالَ يومــــــــاً عن غرامٍ صــــــادق       لا والــــــــذي قِدما تفرَّد بالبقا

فاشفعْ لعبدك كي يزورَك سيدي      ويرى ضريحا بالرسالة مُشرقا

من لي بلثــــــــــمِ ذياك الحِمى        أو أن أكـــــــونَ لعَـــــــرْفِـــــــــــه مُتَنَشِّقا

مثوى حبيبٍ قد ثوى في مهجتي    ومقامُ ذي الشرفِ الرفيعِ المنتقى

    ويتابع الشاعر مديحه للرسول صلى الله عليه وسلم فيذكر أنه الذي يغيث الناس يوم القيامة حينما تدلهم الخطوب بالمرء ، وقد جاء بالقرآن الكريم نورا وهدى فأنار الكون بعد الظلام،وعلم الناس الصلاح وسلوك السبيل القويم في حياتهم ، كما رحم الضعفاء والمساكين، وكانت شريعته الغراء هي المنقذة للعالم مما يتخبط فيه ، ولذلك فهو أهل لأن يستغاث به يوم القيامة . يقول :

هو غيثُنا وغياثُنا بل غوثُنا     من كل خطبٍ في القيامة أحدقا

من جاء بالفرقــــــــانِ نورا ساطعا     وغــــــــــــــدا الوجودُ بهديه مُتألِّقا

ياهاديا أوفى بأوضحِ منهجٍ      لولاك ماعُرف السبيلُ إلى التقى

ياملجأَ المسكينِ عند كُروبِه     يامُنجِيـــــــــــا من هولِ ذنب أقلقـــــا

العبدُ من خوف الجناية مشفقٌ     وبذيـــــــلِ جاهِك ياشفيعُ تعلقا

     وفي ختام القصيدة يصلي الشاعر على الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وعلى آله  وصحبه الخلفاء الأربعة الكرام وذلك في قوله :

صلى عليك الله ماركبٌ سرى     نحو الحجاز وقاصدا أرضَ النقا

والآلِ والصحبِ الذين بحبهـــــــــــم    يُرجى النجــــــــاةُ بهول يوم أَوْبَقـــــــــا

وعلى الخصوص السيدُ الصديق من  أضحى به نورُ الهداية مشرقا

ورفيقُـــــــه الليثُ الغضنفـــــــر غوثُنا    من رأيُـــــــــه نصَّ التلاوة وافقــــــــــــا

والصهرُ عثمانُ بنُ عفانَ الذي     حاز الحِباءَ مع المهابةِ والتقى

والشهمُ حيدرةُ الحروبِ مدينةُ الـ    ـعلمِ الذي حاز السناء الأسبقا

فعليهم مني السلامُ محلقــــــــا    نحو الحجاز وبالعبـــــير مُخَلَّقا([56])

ماسارت الركبانُ نحو تهامـــــــة    يحدو بها حادي الغرامِ مُشوَّقا

    هذه القصيدة كما نرى تتضمن موضوعا واحدا هو الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتبيان حبه الجم والاستشفاع به يوم القيامة ، ولئن استهلها الشاعر بالحديث عن الحب الصادق الذي ودَّ صاحبه كتمانه ففضحته دموعه ، فإنه حب رمزي أو مايسمى بالغزل الرمزي، جاء تعبيرا عن شدة وجد الشاعر بصاحب الرسالة ، ساكن الحجاز ، وربما كان لتأثير النقد العربي على الشاعر أثره في هذا التعبير، إذ الحديث عن الحب كما قال ابن رشيق القيرواني([57]) ينشط القائل والسامع ويجعل القصيدة أعلق بالنفس، وكذلك ذكر أماكن الحجاز المقدسة الحبيبة إلى النفس مثل رامة وطيبة ومنى والخيف، ولهذا يكثر ورود هذه الأسماء في الغزل الرمزي في المدائح النبوية .

    والشاعر بعد ذلك يتابع التعبير عن إعجابه بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم يختم قصيدته بالصلاة عليه ، وبذلك حقق الوحدة الموضوعية في القصيدة ، ودفع ماقيل عن تفكك القصيدة العربية القديمة وعدم تماسكها إلا بالوزن والقافية .

2- مدحة المرشدي :

     وهذه الوحدة توافرت أيضا في كثير من المدائح الرسمية كما في قصيدة المرشدي :

استهل الشاعر مدحته بعقد مقارنة بين أمرين لهما وجودهما البارز في حياة العربي هما المرأة والفروسية، ثم راح يبين أن قومه يفضلون غبار المعارك وصليل السيوف ولمعانها ولبس الدروع، وامتطاء صهوات الخيول على رائحة العنبر، ونغمات المرأة، وإشراقة وجهها، وفاخر ثيابها، وعلى جلساتها المريحة ، يقول في ذلك :

نقعُ العجاجِ لدى هياجِ العِثْيَر    أذكى لدينا من دخانِ العنبر([58])

وصليلُ تجريد الحسامِ ووقعِه    في الهام أشدى نغمةً من جؤذر([59])

وسنا الأسنةِ لامعا في قسطلٍ    أسنى وأسمى من محَيَّا مُسْفِرِ([60])

وتسربلٌ في سابغاتِ مزرَّدٍ     أبهى علينا من قَباءٍ عبقري([61])

وكذاك صهوةُ سابحٍ ومُطَهَّمٍ    أشهى إلينا من أريكةِ أحور([62])

 ولقا الكميِّ مدرَّعا في مِغْفَرٍ     كلقا الغريرِ بمقنعٍ وبمُخمر([63])

   أستطيع أن أقول:إن الشاعر لم يستطع أن ينعتق نهائيا مما ألفه من شعر الغزل، ولذلك نراه يذكره في معرض المقارنة  ليكون وسيلته لتفضيل الحرب على المرأة، أو على كل محبوب في الحياة، وبذلك تعد هذه المقدمة استهلالا موفقا ، وللاستهلال أهميته، فالكلمة فيه هي الروح الدافعة ، وبه تزرع البذرة التي ستنمو عبر النص الأدبي([64]) .

  والشاعر بعد هذه المقدمة يواصل الحديث عن حب قومه للحرب، فيبين أنهم ألفوها ، وقد هجرت سيوفهم أغمادها شوقا للقاء الأبطال الميامين والملوك الجبابرة ، وكان صهيل خيولهم كالرعد المزمجر في جو عاصف ممطر، أخذت فيه المياه تتدفق والدماء تسيل كسيل جارف ، يقول :

ألِفَتْ أسنـــتُنا الورودَ بمنهـــــل     علــِــــقت به علَقَ النجيــعِ الأحمر([65])

 وسيوفُنا هجرتْ جوارَ غمودِهـــا     شوقاً لهامـــةِ كل أصيدَ أصعرِ([66])

          وصهـيلُ جُرْدِ الخيل خِيْل كأنه   رعدٌ يزمجر في الجَدى المُثْعَنْجِر([67])

ودمُ العدا متقاطــــِـــــــرًا متدفقاً         كالوبلِ كالسيل الجِراف الجُـِوَّر([68])

ورؤوسُهم تجري به كجنادل     قذفت به مـــــــوجُ السيول الهُمّــــــــــــــــــــَر([69])

وينتقل من هذه الألفة للمعارك إلى الحديث عن المعركة التي انتصر فيها الشريف حسن بن نمي على عدوه . لقد نشبت خلافات بينه وبين أعدائه فكانت الحرب مبيرة للعدو ، وقد  أوردته موارد التهلكة، وغادرت فرسانه جثثا هامدة في صحراء مقفرة، حتى إنه ليخيل للقارئ أن هذا الممدوح قد أولم وليمة للوحوش ليطعموا من لحومهم ، وبذلك صارت بطونها قبورهم ، وسيحشرون منها في يوم القيامة. وقد خلت ديارهم من ساكنيها ، أما من هرب فترك وشأنه ليحدث بما رآه من أهوال، وبما حل بقومه من قتل وسفك للدماء، وكان الملك مع جيشه المعتمِد عليه يشابه الأسود في بأسه، ولكنه لايقتل الهارب ولا العبيد،ولاالغلمان والضعفاء ، لأنه هو وجيشه قد تعودوا الطعان في الحرب ولذلك فهم يتقدمون إليها باسمين تحت قيادته ، يقول في ذلك :

غشِيتْهمُ في العــــــــــام منا فرقةٌ     تركت فريقَهـــــــــم كسبسبِ مقفر([70])

أودتهـــــــــــمُ قتـــــلا وأجلتْهمْ إلى     أن حطـــــــــــــمَ الهنديُّ ظهرَ المُدبِر

          تركت صحاراهم موائدَ ضمِّنَتْ     أشـــــــــلاءَ كل مســـــــوَّدٍ وغضَنْفَــــــــرِ

ودعت ضيوفَ الوحش تقريها بما   أفنى المهندُ والوشيجُ السمهري([71])

فأجابهـــــــــــا من كل غِيْلٍ زمـــــــرةٌ     تحدو منار عَمَــــــلَّس أو قَسْوَر([72])

فبراثنُ الآسادِ تضنبُ في الكلى    ومخالبُ العِقبانِ تنشب في المري

فغدتْ قبورَهُم بطــــــونُ الوحش منـ    ها يبعثون إذا دُعُـــــــــــوا للمحشر

 وخلت ديارُهــــــــــم وأقوى ربعُهم     وسرى السَّرِيُّ مشمِّرا عن شمر([73])

أنفتْ من استقصاءِ قتلِ شريـــــــدِهم    كيما يخبرَ قائلا عن مخبر

 فثنت أعنـــّــــــةُ خيلنا أجيادَنا     عن قتـــــــــل كلِّ مُزنَّدٍ وخرور([74])

مَـلأ تتوق إلى الكفاح نفوسُهم    توَقانَها للقا الرداحِ المعصر([75])

يغشون أبطال الوطيسِ بواسما    كالليث إن يلقَ الفريسةَ يكشر

جيشٌ طلائعُه الأوابد إن تصخْ      لوجيبه من قيد شهرٍ تنفرِ([76])

يقتاده الملكُ المُشيحُ كأنه     بين العوالي ضيغـــــــــمٌ في مِزْأَر([77])

    هنا نرى مشهدا كليا للحرب يبدأ بسبب الخلاف بين القبيلتين المتعاديتين، ثم يتنامى تدريجيا في مشاهد جزئية تضم صورا جزئية متعددة تعرف بها شجاعة هذا الملك وجيشه ، وقد وظف الشاعر كل عبارة لتخدم الفكرة ، فالفرقة أدت إلى الحرب ، وللحرب نتائجها الوخمة : قتلى في الفيافي تنهش الوحوش أجسامهم ، وما أقوى صورة مائدة الضيافة في الصحراء المقفرة حيث الوحوش تطعم  من جثث الأعداء وتكون بطونها قبورهم ...

و تنمو الفكرة بمشهد آخر فهناك هاربون من المعركة جبناء، والملك يدعهم وشأنهم ليحكوا عن صور بطولته وما ذاقوه على يديه ، وقد وظف الشاعر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر " ليتخذه وسيلة لتصوير بطولة الشريف الذي ينتسب إليه ، وكان هذا الشريف يشابه الأسود في عرينها .هذا التناص وهذه الصور أعطيا تناميا للحدث أوصل الشاعر إلى ممدوحه في تخلص حسن، ذلك لأن الملك هو القائد في هذه المعركة،وهنا نراه يعمد إلى تكرار لفظ الملك ست مرات ليؤكد إعجابه به،وليضفي على النص نغمة موسيقية تضاف إلى نغمة البحر الكامل القوية فتكسب المعنى قوة إضافة إلى قوته ، ولا سيما أنه أنهى الحديث عنه بانتسابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكرم بها من نسبة نبوية يفخر بها الممدوح ، يقول :

ملك تدرَّع بالبسالة فاغتنى     يومَ الوغى عن سابِغٍ وسنور([78])

ملك تتوَّج بالمهابة فاكتفى    عند الطعانِ لقرنه عن مغفر([79])

ملك إذا ماجال يومَ كريهة     لم تلقَ غيرَ مجــــــدَّل ومعفَّر([80])

 ملك يجهز من جحافلِ رأيه     قبل الوقيعةِ جحفلا لم ينظر

ملك تسنَّم ذروةَ المجد التي    من دونِها المريخُ بل والمشتري

أعظمْ بها من نسبــــــــةٍ نبوية     علَوية تُنمــــــــــى لأصلٍ أطهر

    وعندما ترسخ هذه الصفات في نفس القارئ ينتقل بنا إلى الخاتمة ليدعو فيها للممدوح وابنه أن يدوم عزهما، وأن يظلا متمسكين بهدي جدهما المصطفى صلى الله عليه وسلم . ويختم بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،مادام في الوجود أبطال يخوضون غمرات الوغى، ويستنشقون غبار المعارك .

  هذه القصيدة تحوي موضوعا واحدا هو موضوع الحرب وإن كانت هناك إشارات في المقدمة إلى المرأة جاءت في سياق المقارنة والمفاضلة بين وصلها أوخوض غمرات الحرب، ثم تفضيل الأمر الثاني عليها. وكذلك كانت الخاتمة في ظاهرها بعيدة عن النص لكن الممدوح كان ممن ينتسبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك لم يعد هناك حرج من إنهاء القصيدة بالصلاة عليه، وفيما سوى ذلك كان الحديث عن حب الحرب، والانتصار في المعركة، والإشادة بالملك قائدها وبجيشه المغاوير. وهكذا تبدو القصيدة متماسكة الأجزاء تماسكا قويا بحيث كانت كل فقرة تؤدي إلى مابعدها ، وتتنامى القصيدة لتشكل وحدة موضوعية ومعنوية معا .

   ولئن كان في القصيدة تنوع وتناقض ظاهري بين موقف الشاعر من المرأة والحرب فإن الخيط النفسي والموضوعي يوحدانها ويصبغانها بلون واحد ويقدمانها في بناء فني يقترب كثيرا من  الوحدة العضوية .

رابعا : القصيدة ذات الوحدة العضوية : 

     وهي قصيدة يتحقق فيها التماسك بقوة، إذ تفضي كل كلمة وكل صورة وكل بيت إلى مابعده، ويرتبط البيت بما قبله برباط وثيق، ويجمع بينها وحدة الشعور، ووحدة العناصر الفنية والفكرية، فاللفظة تؤدي وظيفتها في الدلالة والإيحاء، والصورة تنمي الفكرة وتعمق الإحساس وتكون عاملا من عوامل التكوين النفسي للتجربة الشعرية ، و الشعور النفسي يسيطر على أجواء القصيدة فيشع بالعواطف والرؤى، ويجعل القصيدة تنمو من داخلها وتتطور ليس بفعل خارجي عنها([81]) .

    وقد يبدو في الكلام تناقض ولكنه تناقض ظاهري لايفقد القصيدة تلاحمها لأنه يندرج في إطار الوحدة العميقة الوثيقة .

    وقد يقول قائل فما الفرق بين الوحدة الموضوعية والعضوية ؟ فأقول إن الثانية أشد تماسكا وعناصرها اللغوية والتصويرية تتآزر فتكون الصورة دالة على المعنى ومشارِكةً في تنميته، بحيث تفضي إلى أمر جديد، وفكرة جديدة ولا تبقى في حدود الزينة والتجميل الأسلوبي .

    ولقد عدَّ  د.طه حسين النوع الثالث مما تتوافر فيه الوحدة العضوية([82]) ولكن دراسة قصيدة فتح الله بن النحاسفي مدح الأمير الشاعر محمدبن منجك([83])، وقصيدة هذا الأمير  تكشفان عن الفرق في التعبير الفني والتماسك البنائي بين النوعين .

1-مدحة ابن النحاس للأمير منجك :

 هذه القصيدة قالها الشاعر فتح الله بن النحاس في مديح صديقه منجك بن محمد بن منجك ، الذي كان والده أميرا من أمراء الشام ، وربي الابن في أحضان أبيه على الجود والعطاء، فلما توفي الأب استمر الابن على سيرته في الكرم فافتقر ، فأشير عليه أن يذهب إلى بلاد الروم عله يحظى هناك بالقبول ولكنه أخفق في مسعاه، وعاد يجر أذيال الخيبة .

 وهنا كان لابد للصديق من أن يسدي نصائحه إليه، وأن يقدم له عصارة خبرته في الحياة مشيرا إلى أن حياة الدعة والكسل مع إخوان الكساد لاتجدي شيئا ولابد للمرء من السعي، وليس في العمل عار على صاحبه، ولاسيما إن عرف صاحبه بخلاله الحميدة .

 ولكن كيف سيقدم الشاعر لصديقه هذه النصيحة ؟ وكيف سيقنع أميرا بضرورة الانخراط في المجتمع والعيش واحدا من أبنائه العاملين ؟ هنا تكمن مهارة الشاعر المرهف الأحاسيس وحذقه الفني .

  لم يستهل الشاعر ابن النحاس قصيدته بالغزل، ولم يصف جمال المرأة كالذي وصف شعراء العصر، وإنما راح يفكر في الحياة ومعطياتها ، وإذا الزمن يسعفه ، إنه فصل الربيع فصل الجد والنشاط الذي تنثر وروده هنا وهناك فتعبق بالروائح العطرة، ويكسو الأرض بحلته السندسية وتتحرك فيه الدنيا ناسها ونباتها وكل شيء فيها حتى الجماد ، وهنا يصل الشاعر إلى مبتغاه فكأن الطبيعة غدت لديه رمز الحياة عامة ، إنها تقوم على النشاط ولن يتوقف هذا النشاط والحيوية ولذلك استغل الشاعر هذا الفصل ليستهل قصيدته بالحديث عن حركته وعمارة الأرض، فكأنه يقول لصاحبه: إن كنت ذا إحساس بالحياة فتحرك كما يتحرك الناس والجماد ، فالطبيعة أنبتت أزهارها بإذن مولاها، فهل يكون الإنسان الذي يرغب في عيش أفضل أقل شأنا منها ؟

نثرَ الربيعُ ذخائرَ الـ    نوَّار من جيبِ الغوادي([84])

وكسا الرُّبى حللا فوا   ضلُها تجر على الوِهاد([85])

وكأن أنفـــــــاسَ الجنا     نِ تنفستْ عنها البوادي

والزيزفـــــــونُ يفتُّ غا     لية مضمَّخةً بجادي([86])

هاج النفوسَ ولم يفتْـ    ـه غير تهييجِ الجماد([87])

 الزمن في القصيدة إذاً هو محور النص ومرتكزه، وهو المعبر عن رؤية الشاعر وانفعالاته، إنه يعيش مع ولادة الطبيعة المتجددة في الربيع، وهذه الروح المنبثقة هي المحركة، والدافعة للإنسان نحو السعي إلى الأفضل بعد أن ينفض عنه غبار الكسل، فكأنها دعوة للمرء لئلا يتوقف عند ركام اليأس والإحباط بل أن يسعى ليتجاوز الفقر الذي يعاني منه، ولهذا راح الشاعر يقول لصاحبه بعد ذلك متابعا حديثه عن الربيع ومازجا بينه وبين حياة صديقه :

والوردُ مخضوبُ البنا    ن مضرَّجُ الوجَنات فادي

حرستْه شوكةُ حسنِه      من أن تمدَّ له الأيادي

والعندليــــــــــبُ أمامـــــــه     بفصيحِ نغمتِــــــه ينادي

فامسحْ بأذيالِ الصبا    عن مقلتَيْكَ صدا الرقاد

  وابن منجك بنظرة الشاعر الرمزية هو الورد مضرج الوجنات الذي يستحيي من العمل ، وهو الذي يتمتع بالخلال الحميدة التي تحرسه من نقد الآخرين إن سعى للكسب، إذ ليس في السعي عار، فالعندليب يترنم، ورياح الصبا تهب،فعليه أن يتخذها وسيلة للنشاط ليمسح بها صدأ الرقاد .

 لقد استطاع الشاعر أن يسمع ممدوحه سريان الحياة في الطبيعة ليتفجر نشاطا كما تتفجر الزهور، ليعيش حياة ناعمة جميلة كنغمات العندليب , ولذلك غدا الربيع فصل الجمال والرقة في نظر ابن النحاس قوة محركة لتحقيق رؤية الشاعر في الحياة ، وهي ضرورة أن يمسح الأمير صدأ الرقاد عن مقلتيه ، وأن ينتفض حيوية فيكون كمن بعث من جديد ، وينطلق في هذه الدنيا من خلال ثنائية أحس بها في مرحلتي حياته الفقر والغنى .

 ولايتوقف الشاعر عند هذا بل يروح يقول له مفصلا وموضحا دون أن يجرح كرامة أخيه المنكوب :

وانهضْ لكسبِ جديدِ عمـ  ـرٍ من بكورِك مستفادِ

واقنع بظلِّك أو بظل الـ     ـدوحِ عن ظلِّ العبـــاد

ماراج مَن طلب المعيـ    ـشةَ بين إخوانِ الكســـــاد

 فالشاعر يطلب من صاحبه أن ينهض وأن يعمل وأن يدع الكسل والرخاء وإخوان الكساد ، فالعمل عمر جديد ينقذه من الحاجة إلى الآخرين، وليس في اللهو مع الأصدقاء الطامعين خير .

 إن قضية الزمن غدت محورا أساسا وجوهريا فالماضي كان بين ( إخوان الكساد ) الذين يأكلون الخيرات، إن له تأثيره وإشعاعه،ولكن المستقبل أيضا له تأثيره وإشعاعه فعلى صاحبه أن يغتنمه ليعيش بظل جهده وعمله لابظل العباد،وبذلك يكون العمل المبكر مفتاح النجاة .

  وفي غمرة التصريح والتلميح يتوزع الشاعر بين عاطفتين هما حبه لصديقه وحياؤه من المواجهة ، ولكن الأخوة تستدعي النصح لينقذ الصديق مما يتخبط فيه ، وإلا بقي يعاني ولهذا نراه يقول له :

لايعجبنَّك لينُ مَنْ      أبصرته سهلَ القياد

وأبيك مالانتْ لغيـ  ـر الطعنِ ألسنةُ الصعاد

 فالحياة الرخية فيما مضى كانت عاملا في شقائه اليوم، إنها كالرمح اللين يقتل به ...

 ثم يروح بعد ذلك يعتذر له بطريق غير مباشرة  مبينا له حبه الجم، معلنا له أن مكانته السامية محفوظة في نفسه :

مولاي قد جاءتْكَ من       خفَر الملاحة في تهادي

قفَّيْتُــــــها آثـــــار خـُــــــلْـ   ـقك في الطلاقـــــــةِ والســـَّـــــــداد

هذي العلاقــــــــةُ بيننا     ظهرتْ تبثُّ جوى البِعــــاد

نفسي الفـــــداءُ لمنجك     المستعـــــــــــــــزُّ بالانفــــــــــراد

 وإذا كان ابن منجك المنكوب يرى في العزلة عزا له فإن ابن النحاس يصحح له هذا المفهوم الخاطئ ضمن الحديث عن فضائله ، فهو أديب ومجلسه مجلس مودة يجتني الحاضرون من ثمار آدابه وسحائب علمه الكثير ، ولئن افتقر فإن له من أخلاقه ما يعوض ، وغنى الكريم بشمائله لابماله ،والمال عارية يروح وينفد ، والدهر يحارب الكريم دائما،ويمنعه خيره ويذيقه من بأسه، ولكن الكريم يبسط يديه بالعطاء دائما :

نفسي الفـــــــــــداءُ لمَنْجَـــــــك    المستعـــــــــزِّ بالانفراد

لايُجتنَى إلا بمجـ   ـلسِ فضلِــــــــه ثمــــــــــــرُ الــــــوداد

أدب كرَيّـــــــــــــانِ الحدا    ئق في سجايا كالغوادي

 مُتكثِّــــــــــــرٌ بغنى الشمـــــــا   ئلِ لابعاجلــــــــــةِ النفاد

شيمُ الجوادِ هي الغنى    لاماحوتْـــــــه يدُ الجـــــــــواد

    ومتى الجوادُ يبيت من   جَورِ الزمان على وساد ؟

الدهرُ مقبــــــوضُ اليدين     وذاك مبسوطُ الأيادي

من ههنا جُبــِــــــــــلَ الزما    نُ مع الكرامِ على العناد

   إن الدارس حينما يتأمل حركة القصيدة ونموها يلحظ أنها جاءت في وحدة عضوية تامة إذ كانت تتدفق بموجات متلاحقة من الانفعال النفسي الذي تمثل في صور أسلوبية متعددة وليست الوحدة هنا مجرد تناسب وإحكام بين المطلع والموضوع،أو بين المقدمة والعرض والخاتمة بل هي أقوى من ذلك بكثير،إنها وحدة تامة بين أجزاء القصيدة موضوعا ولفظا ومشاعر وصورا ، فالجو النفسي أو الشعوري واحد وهو نابع من حزن الشاعر على ماآل إليه صاحبه،وقد هيمن هذا الشعور العاطفي فصبغ القصيدة موضوعها وألفاظها وصورها بصبغة واحدة وإن بدا فيها بعض التناقض كالحديث عن حراسة شوكة حسنه ، فالحراسة تكون لدفع الضرر ولكن الضرر جاء من كرمه، ومن حسن فعاله ، فالشعور الذي طغى واحد وهو الذي جعل المعنى رمزا للممدوح وصفاته المعهودة عند الآخرين ، والظواهر الطبيعية ليست مجرد ظواهر ذات وجود موضوعي محدد وإنما اختلطت بروح الشاعر وصارت رمزا للقضية لاغير ، وبهذا غدا الوصف جزءا لايتجزأ من التعبير عما يجول في نفس الشاعر وليس تقليدا متبعا كما هو الحال في النوع الشكلي المجرد ،ولا رسماً لمشهد خارجي عناصره من التراث المحفوظ كما هو الحال في النوعين الثاني والثالث وإنما هو رمز وهو المحرك للمعنى المنمي له .

    لقد كانت الأوصاف التي أضفاها الشاعر على ممدوحه من غير محفوظه الذهني فهو لم يقل له أنت تقي نقي عادل كريم... ولكن تحدث عن الطبيعة وجعلها وسيلة للمقارنة بين نهضتها ورقاده ، ثم قال له أنت افتقرت بعد غناك لشدة جودك، ولا عيب فيما فعلت فشيم الجواد هي الغنى،  ولكن الدهر ينكب الكريم ، ثم خاطبه بـ ( مولاي ) ليحفظ له مكانته ، ثم قدم إليه شعره فتاة حيية ليرمز بها إلى استحيائه من تدخله في أموره الخاصة ، ولولا إخلاصه وحسن ( العلاقة ) لما ذكر له ماذكر .

    وقد شاركت الصور في الدلالة على الحالة النفسية ، فالجنان تنفست وظهرت روائحها العبقة في البوادي مما أهاج النفوس - إلا نفوس الكسالى - فجعلها تنشط في هذا الفصل ، والورد حرسته شوكة حسنه من أن تمد له الأيادي ، وشوكة الحسن هي كرم الشاعر، وهو سبب نكبته ، ولكنه أيضا حرسه من النقد اللاذع الذي كان سيوجه إليه ، وهذا التناقض بين الشوكة والحسن جاء ليخدم الفكرة ، والرقاد صدأ جاء في تشبيه بليغ إضافي وهو يمسح بأذيال رياح الصبا فتعود النفس نشطة ، وابن منجك عليه أن ينهض مبكرا ليستفيد عمرا جديدا بالعمل فيعيش في ظله لاتحت ظل العباد، والفرق بين (ماراج... والكساد) يظهر الواقع الذي كان ابن منجك يعيشه مع صحب كسالى ، وصحبة هؤلاء تضره ، وإن بدت صداقتهم لينة فالرمح لين ولكنه قاتل في آن واحد ، وفي هذا التضاد الخفي بين لين الرمح وطعنه الذي جاء في تشبيه ضمني يصل المعنى إلى درجة عالية من النمو الذي تتحرك به المشاعر ...

وهكذا تبدو الصور مشاركة في أداء المعنى وليست للزينة وزخرف القول .

  أما أسلوب الشاعر في النص فكان الخبر يطغى عليه لأن الشاعر كان حزينا على صاحبه وهو يقدم له نصائحه  وذلك ليرسخ النصيحة في نفسه فيتحقق التأثير المنشود ، ولكن هذا لايمنع من وجود دلائل تشير إلى القلق على الممدوح وقد بدا هذا في القسم والاستفهام في :

وأبيـــــــــــــــكَ مالانَتْ لغيـ  ـر الطـَّـــــعن ألسنةُ الصعاد

ومتى الجواد يبيت من    جور الزمان على وساد ؟

فهو قلق على صاحبه من أصدقاء يلينون له ليوقعوه في فخ الحياة ، والجواد لايهدأ له قرار وهذه الصور التقابلية بأسلوبي القسم والاستفهام صبغت النص بالمشاعر الحزينة .

ولكن الشاعر عندما عرض الصفات جاء بالجمل الاسمية لأن صفات ممدوحه استقرت في ذهنه وجعلته يستخدم ألفاظا وعبارات تكشف عن مجاهل أعماق الشاعر .

    ويمكننا أن نلاحظ حقلين رئيسين يمثلان ثنائية القوة والضعف مع ملاحظة أن حقل القوة أبرز وأعلى صوتا في هذه القصيدة ولعل ذلك يعطي الدليل على العلاقة بين الشاعر والممدوح البعيدة عن التقليدية تماما :

الحقل الأول : الطبيعة وقد بان في ألفاظ وتراكيب من مثل : ( الربيع ، النوار، الربى ، الوهاد ، أنفاس الجنان ، البوادي ، الزيزفون ، غالية ، بجاد ، تهييج الجماد ، الورد ، مخضوب البنان ، مضرج الوجنات ، شوكة حسنه ، العندليب ، نغمته )

ومن الزمن : الدهر مقبوض  اليدين ، جبل الزمان مع الكرام على العناد

الحقل الثاني : خطاب الممدوح : امسح ، مقلتيك ، صدا الرقاد ، انهض لكسب جديد عمر ، ظل العباد ، المعيشة ، نفسي الفداء ، المستعز بالانفراد ، مجلس فضله ، ثمر الوداد ، أدب كريان الحدائق ، شيم الجواد ، خفر الملاحة ، آثار خلقك  في الطلاقة والسداد ، العلاقة بيننا ، إخوان الكساد ، لايعجبنك لين من أبصرته سهل القياد ، وجع الفؤاد ، مضى زمان الاتحاد .

وإذا تأملنا هذه الحقول الدلالية نجد أن عناصر الممدوح تتوزع بين ثلاثة أمور هي : الدعوة إلى العمل والثناء عليه ، وتبيان أخطار إخوان الكساد ، وإذا أضفنا إلى ذلك عنصر الطبيعة المحرك تبين لنا أن عوامل القوة هي المحركة لأن الحياة نشاط وعمل وقوة وبعث واستشراف نحو الأفضل .

   ولقد شاركت العناصر الموسيقية في أداء الفكرة فالأبيات أكثرها مدور إذ جاء واحد وعشرون بيتا مدورا في القصيدة المؤلفة من أربعة وثلاثين بيتا وهذا ما يؤكد شدة التلاحم بين شطري البيت.كما جاءت القافية مردوفة لتمد في صفات الممدوح ، وموقف الشاعر القوي جعله يختار حرف الروي الدال ، وهذا يعني أن تجربة الشاعر قد مست شغاف قلبه وجعلته يذكر ماضي صاحبه وحاضره، ويوائم بين تجربته وقدراته الفنية، فلم ينقل الواقع كما هو وإنما جاء به ممتزجا بأحاسيسه ، والفن هو إفضاء مافي النفس وما في الحقيقة كما هي في خواطر الشاعر وتفكيره لأن صدق الوجدان هو الصدق المطلوب في التجربة الفنية([88])

 ولقد تعاونت الصور والموسيقى واللغة على أداء المعنى في بنية حية، في قصيدة لايمكن لصاحبها أن ينقلها إلى ممدوح آخر كما هو الحال في بعض القصائد المدحية التقليدية لأن كل مافيها جاء يخدم الفكرة والمشاعر، وينبع من ظروف الممدوح وعلاقته به، فكأنها موجة إثر موجة حتى يكتمل البناء الفني لهذه القصيدة الغنائية التي تقوم على تداعي الأفكار وتوالي المشاعر والأحاسيس حتى تصل إلى قرارها النهائي الذي كان نهاية حتمية لما سبقه من عرض وبهذا ساعدت الجزئيات في إبراز الشعور والإحساس الذي يهدف الشاعر إلى التعبير عنه .

    وإذا أضفنا إلى هذا أن قيمة النص الأدبي تكون بما يحمله من خصوصيات الشاعر، وبمقدار مافيه من صلة بين الكون والحياة ، ثم الصدق أو صحة الشعور([89]) أدركنا قيمة هذا النص التعبيرية والشعورية، ومدى أثرهما في تحقيق الوحدة العضوية .

2-مرثية ابن منجك لابنه :

    وهي قصيدة قالها في رثاء ابنه، وتتحقق فيها الوحدة العضوية لالأنها من المراثي، فوحدة الموضوع ليست كافية لتحقيق الوحدة العضوية كما رأينا ، ولكن لأن الشاعر راح يعبر عن مكنونات فؤاده الكسير تعبيرا صادقا كل الصدق، وجاءت الصور واللغة تحملان أحاسيس الشاعر وانفعاله القوي وتنميان هذه العاطفة. يقول :

أحمدُ ابني إليك طالَ اشتياقي      وزفيري قد جدَّ في إحراقي      

            أُتْبعُ الكتْبَ بعضَها إثرَ بعضٍ     فلعلي أشفي بها أحـــــداقـــــــــي

أنتَ لي نَشْأَةُ الحياة فما بعـ    دَك عيشٌ يُلفَى شهيَّ المَذاق([90])

           ملِئَتْ حسرةً عليك يدُ الوَجْـ    ـد وفاضــــــــت مدامعُ الأشـــــــــواق

أحمق ُالسعيِ كنتُ بل أحمقُ الرأ     يِ إذ سرْتُ مُجِدا في إقلاق

جبتُ كلَّ البلاد أحسب أن الـ    حـــــــظ شيءٌ يباع في الأســـــــواق

غبرَتْ في وجوهِ سعيي الليالي      ورمتْ بدر طالعي بالمحاق([91])

  لقد اغترب الشاعر ليؤمن لقمة العيش، وكان يظن أن السعي تجارة من قام به ربح ، فجد في المسعى وتنقل في البلدان، وهو غافل عن نكبات الدهر،إلى أن رمي ابنه بسهم الموت، فأحس حينذاك بحرقة الفراق ، وأرسل الرسالة تلو الرسالة يذرف عليها الدموع الغزار عله يطفئ بها لوعة صدره حتى امتلأ حسرة ..

   ولو نظرنا إلى هذه الصور مجتمعة حتى نصل إلى قوله :" ملئت حسرة عليك يد الوجد " لراينا إيحاء قويا يبرز في كلمة يد ، لقد كانت يده المبسوطة سبب نكبته ،وسبب بعده عن ولده وأهله ، لقد أغدق المال على الصحاب وهاهي الآن تدفع الثمن فتغدق الحسرات،  وتفيض عيناه بالدموع ، ويعترف أنه كان أحمق السعي وأحمق الرأي ، وتكرار الكناية عن النسبة ، إذ نسب الحمق إلى السعي والرأي لاإليه مباشرة، يشير إلى إحساسه بالذنب الشديد حينما ترك أسرته واغترب ففقد ابنه في هذا الاغتراب ، وتصوير الشاعر هذه المفارقة  في حياته بين سعيه الذي جد فيه والخسارة التي لحقته من هذا السعي هو سبب الجمال التعبيري والتصويري، لأنه حمل المشاعر الصادقة الدفاقة .

    ويتابع الشاعر معبرا عن عواطفه الجياشة أصدق تعبير فيقول :

من مُقيلٌ من الزمانِ عِثاري     من مُزيحٌ يديه من أطواقي

  وهنا نراه يكرر لفظ اليد ثالثة ، ولكنها ليست يد الكرم ولا يد الوجد ، إنها الآن يد ضاغطة خانقة ، قد طوقت عنقه ، إنها يد الدهر ... ولهذا راح يستنجد عله يرى من ينقذه من هذا الضغط والخنق ، وفي هذا التصوير تعبير قوي عن الضيق الشديد الذي كان الشاعر يحس به في هذه الحياة المليئة بالآهات والحسرات .

 ولا يجد الشاعر بعد هذه التنهدات إلا الله تعالى ... فيروح يبسط إليه أكف الضراعة، فهو وحده الذي يستطيع أن ينقذه من مصابه ، ولهذا راح يقول :

قمْ بنا نفتحُ الأكفَّ ونرجو     نعمةً من مَواهبِ الخلاق

   وبهذا اللجوء إلى المولى تعالى تستريح نفس الشاعر، وتهدأ روحه ...

   وتنتهي قصيدته من مطافها ، ويكل الشاعر أمره إلى الخلاق المنعم الوهاب .

إن عدم إدراك القدامى لمفهوم الوحدة العضوية لايعني عدم وجودها في أدبنا العربي، فهناك قصائد كهذه وسابقتها أخرجتهما قوة الانفعال،فتناسقت أجزاؤهما في نسق عضوي . وتقول إليزابيث درو : " ليس الفن هو الحياة كما نعيشها ونحياها، ولكنه الحياة كما نشاهدها خلال لحظات التأمل، وقد خلقت خلقا جديدا تحت ظلال قوة ذات فعالية جديدة تتمثل في عملية التذكر والتأليف وبعث الحياة، وذلك بتنظيمها معا في نسق عضوي([92])" . ويقول د. حسين بكار : " الوحدة العضوية هي وحدة المشاعر التي يثيرها الموضوع وما يستلزم ذلك من ترتيب الصور والأفكار،ترتيبا به تتقدم القصيدة  شيئا فشيئا حتى تنتهي إلى خاتمة يستلزمها ترتيب الأفكار والصور، على أن تكون أجزاء القصيدة كالبنية الحية لكل جزء وظيفته فيها ويؤدي بعضها إلى بعض عن طريق التسلسل في التفكير والمشاعر([93]) .

    وهذه القصيدة وسابقتها تألفتا من عدة وثبات لامن عدة أبيات، والشاعر فيهما يظل يندفع لإكمالهما حتى النهاية التي هي نهاية التوتر النفسي الذي أفضى به .

    وهكذا نرى أنه قد وجد في شعرنا العربي في العصر العثماني قصائد ذات بنية إيقاعية ووحدة عضوية متنامية،وظفت فيها الألفاظ والصور لخدمة الفكرة وتنميتها،وهذا هو الإبداع الفني المعبر عن التجربة الشعورية .

وقصيدة عصر الدول المتتابعة عامة طالت حتى بلغت مئة بيت أو زادت، وقصر بعضها الآخر حتى شابه المقطوعة، وذلك يتبع مقدرة الشاعر، ودرجة انفعاله، لأن الشعر كموجة البحر يظل متدفقاً بقوة الباعث فتتّابع صوره حتى يصل إلى مستقره الأخير، والفكرة والعاطفة هما مقياس التفريق بين الطويلة والقصيرة، وإن كان النقاد يفضلون ما توسط بينهما، حتى إن بعضهم يرى في إطالة المدح ضرباً من الهجاء([94]) ومع ذلك نرى أن بعض القصائد قد بلغت خمسة آلاف بيت كتائية «إبراهيم بن محمد بن بهادر»([95]) وكانت في خمسمئة بيت ثم زاد عليها إلى أن صارت في خمسة آلاف، وكذلك قصيدة «سلك الأخبار ومرآة الأفكار» للشاعر «العشري» وتقع في خمسة عشر ومئتي بيت، وقد قسمها إلى ثمانية عشر قسماً وكلها على روي واحد هو حرف الراء، تحدث فيها عن العالم منذ بدء الخليقة، ثم انتقل إلى الحديث عن الأنبياء حتى العصر الجاهلي، فقصة أهل الفيل، فمولد الرسول r ومعجزاته، وصحابته، وخلفائه، حتى وصل إلى ملوك عمان، فأطال في ذكر حكوماتهم والفتن التي وقعت في ديارهم وحروبهم مع الأعاجم ، وبذلك تدخل في الملاحم ،ومنها قوله في بني إسرائيل:

عرفوه بل كفروا فحلَّ تبارُ

 

اللهُ فضَّلَهم وكرَّمَهم فما

بالعُرْف قد أُمِروا وهم أشرارُ

 

قتلوا النبيين الكرامَ ومَنْ لهم

كالليلِ جيشاً قد حواه غبارُ

 

فاللهُ سلَّط (بخْتَ نصَّر) قائداً

مثلاً ومنه استوحش الأمصارُ([96])

 

سبعونَ ألفاً قتّلوا واستأسروا

     وتعد ملحمة الرياض لبولس سلامة من الملاحم أيضاً، إذ تتحدث عن حياة العرب منذ عهد جدهم عدنان، حتى معركة الصريف التي جرت بين الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت وبين آل الرشيد ممثلي الدولة العثمانية في نجد، وخسر فيها مبارك الصباح، وقد وصف الحرب ونوازع أهليها والبطش والسفك الذي كثر فيها([97]).

وكانت بعض الأراجيز التعليمية قد وصلت إلى عشرة آلاف بيت، وقصرت بعض الأشعار حتى صارت مقطوعات شعرية، لا يتجاوز معظمها أصابع اليد الواحدة، ونستطيع أن نقول إن المقطوعات كثرت في هذا العصر كثرة بارزة، وتعددت موضوعاتها بين إيمانيات وغزل ووصف و…، وكان أسلوب معظمها تقليدياً شكلياً، خلافاً للقصيد الذي كان أقوى أسلوباً وتصويراً، وكان الشعراء يتبارون فيها مباريات ثقافية يطلبون من بعضهم الإتيان بمقطوعات تحوي شطراً يُتَّفق عليه لإظهار مقدرتهم الشعرية([98]).

ومن نماذج مقطوعات العصر قول ابن الجزري:

به الصبابةُ تعلو حينَ تُشْتَعَل

 

كأن نارَك يا مولايَ قلبُ شجٍ

تدعو الإلهَ ببُقياكمْ وتبتهلُ([99])

 

ومن أشعتِها في الجو ألسنةٌ

وهي كما نرى غزلية تحوي تشبيهين واستعارات مبتدعة، وهذا الابتكار التصويري أو التجديد في المعنى هو الغاية من معظم المقطوعات الشعرية .

   من هنا يتبين أن قصائد العصر ليست كلها مفككة الأوصال كما ادعى الدارسون المتعجلون أو المقلدون ، فكثير منها تحققت فيها الوحدة الموضوعية والمنطقية والعضوية، وهذا مايدعونا إلى المزيد من دراسات قصائد العصر وعدم الحكم على أدبه من بعض القصائد أو أقوال النقاد .

([1] )  طبقات الشعراء / 305 .

([2] )  التضمين هو ارتباط البيت بما قبله لفظا ومعنى إلا في التفريغ، ويعد التضمين في النقد الحديث ظاهرة تدلال على الإحساس بضرورة تماسك القصيدة  : بناء القصيدة في النقد العربي القديم / 188.

([3] ) شرح ديوان الحماسة  ج1/18 .

([4] ) الشعر والشعراء / 31-32

([5] ) العمدة  في محاسن الشعر ونقده  ج 2 / 117 

([6]) مقدمة القصيدة /15 .

([7]) ديوان الإمام أحمد بن علي بن مشرف /90 .

([8]) عمر لطفي أفندي ولد (1241هـ) كان شيخ الإسلام وذا فضل وكرم. حلية البشر 2/1107 .

([9]) حلية البشر 2/1113 .

([10]) ديوانه /164 .

([11]) الديوان / 94 والعقود /5 .

([12]) أعيان العصر 1/475

([13]) ديوان صفي الدين/62، وكفل الكثيب عجزه وقيل ردف العجز: لسان العرب 5/421 .

([14]) العمدة 2/117 .

([15]) ديوانه/120 .

([16]) ديوانه /121، والسرى: سير الليل عامته: لسان العرب 3/282، والتعريس نزول آخر الليل: لسان العرب 4/299 .

([17]) سلك الدرر 1/114 .

([18]) الاقتضاب هو قطع الشاعر موضوعه الأول واستئنافه الثاني، وهو مما يعاب عليه: بناء القصيدة /226 .

([19]) محمد بن علي أمين الدين بن المهتار الصفدي (ت749هـ) شاعر مجود :أعيان العصر 4/662 ، والشعر في ص 664.

([20]) عيرانة: ناقة صلبة تشبيهاً بعَيْر الوحش والعَيْر: الحمار أياً كان أهلياً أو وحشياً والأنثى عَيْرة: لسان العرب مادة (عير) . أُجُد: قوية موثقة الخلق : لسان العرب مادة (أُجُد) . والبيت في ديوان النابغة /10 .

([21]) العمدة 2/124، والوساطة /33 .

([22]) ديوانه/84 .

([23]) تراجم الأعيان 1/69 .

([24]) خصوبة القصيدة الجاهلية/520 .

([25]) بناء القصيدة في النقد/297، وفي النقد الأدبي، ظلام/83 ، وخصوبة القصيدة الجاهلية /520 .

([26]) بناء القصيدة في النقد /283-327، والنقد الأدبي، ضيف /156 .

([27]) شهاب الدين أبو الثناء أحمد الإشليمي (820-861هـ) شاعر وعلامة مصري : شذرات الذهب 9/444

[28] ) نظم العقيان / 62، ومثلها في ديوان الشاب الظريف / 87

([29]) العقود /4 ومثلها في العقد الثمين /133 .

([30]) الديوان 1 و 6 .

([31]) ديوان الطباطبائي /74 .

([32] ) التأريخ الشعري هو ضبط واقعة ما بكلمة أو عبارة يكون مجموع حروفها بحساب الجُمَّـل مساويا للعام الهجري الذي جرت فيه تلك الواقعة ، على أن يقدم المؤرخ كلمة أرخ أو ما يفيد معنى التأريخ من غير فصل بينها وبين كلمات التأريخ ويكون الترقيم بهذا الحساب كالآتي : من 1-10 يبقى الترقيم كما هو ، ثم يصير بالعشرات : 20-30-40... وعند وصوله إلى المئة يصير الترقيم بالمئات : 200-300-400... 1000  ، وترتيب الحروف يكون على ترتيب عبارة أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ ، والحساب يكون على المنطوق لاالمرسوم:  فن التقطيع الشعري والقافية / 373 ، والعصر العثماني  / 78

([33] ) إعلام النبلاء 6/ 304

([34] )  محمد العلبي والي عزاز( شمالي حلب بسوريا، وكان ابن الجزري قد عين كاتبه : إعلام النبلاء 6/ 209 

([35] ) المحاق : النقصان : لسان العرب مادة محق .

([36] ) الرشق : الرمي ، ورمينا رشقا واحدا : أي رمينا وجها واحدا ،ويقال للقوس ما أرشقها : أي ما أخفها و ما أسرع سهمها : لسان العرب مادة رشق .

([37] ) القصيدة كلها في العقود الدرية / 120

([38] )  الصحيح راقيا ولكنه حذف ياء المنقوص للضرورة الشعرية .

([39] ) النطاق : الإزار الذي يثنى، وكل مايشد به الوسط : لسان العرب مادة نطق .

([40] )  التشبيه المفروق هو أن يأتي الشاعر بالمشبه والمشبه به معا ثم يتبعهما بتشبيه آخر وهكذا:علوم البلاغة/ 219

([41] ) الأعوجيات  : الضامرات من الإبل: لسان العرب مادة عوج .

([42] ) بمدائح : صرفت للضرورة الشعرية

([43] ) زهر الآداب وثمر الألباب  ج 3/651  . و الوساطة بين المتنبي وخصومه / 33 والعمدة 2 / 124

([44] ) وحدة القصيدة / 161  

([45] )  بناء القصيدة في النقد / 280

([46] ) القصيدة في معادن الذهب / 335

([47])  طحا  به همه : ذهب به في مذهب بعيد : لسان العرب مادة طحا 

([48] ) خليط القوم : مخالطهم كالنديم المنادم ، والقوم الذين أمرهم واحد : لسان العرب مادة خلط .

([49] ) حثحثه  : حضه وولى سريعا، والحثحثة : الاضطراب ، وحثحاث : سريع لافتور فيه ، والحثحثة : الحركة المتَدارَكة : لسان العرب مادة حث . الشهب : غلبة البياض على السواد ، أو بياض يصدعه سواد في خلاله : لسان العرب ، مادة شهب .

([50] ) لن أذكر قصيدة لكل نوع خوف الإطالة، ولكني أحيل إلى المصادر الآتية: القصص الشعرية : ديوان الإمام أحمد بن علي بن مشرف / 238 و241 و247 . الملاحم الشعرية : ملحمة فتح الله المتولي التي تحدث فيها عن هجوم الأعاجم على بغداد في الروض النضر في ترجمة أبناء العصر 1/ 511 ، وللرثاء في سلك الدرر م1 / 145 ، و2 / 3 

([51] ) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر  ج 2/236

([52] ) طيبة ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث صرف للضرورة الشعرية . وأوبق العبد : هرب ، وتأبق : استتر واحتبس ، وتأبق : توارى : لسان العرب ، مادة أبق  . ووبق الرجل : هلك ، وأوبقه : أهلكه ، وحبسه  : لسان العرب مادة وبق .

[53]) ) القصيدة كلها  في : علماء دمشق وعلماؤها في القرن الثاني عشر الهجري ج 1/464-466

([54] ) كرر الشاعر التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه لايجوز سؤال الميت شيئا ولو كان نبيا ، وقد عد ابن تيمية ذلك من الشرك : ينظر مجموع فتاوى ابن تيمية ج 1 / 350-355

([55] ) مفاخر ممنوعة من الصرف لأنها على صيغ منتهى الجموع ، وصرفت للضرورة الشعرية .

([56] ) الخِلاق : ضرب من الطيب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة : لسان العرب مادة خلق .

([57] ) العمدة  2/ 117

([58] ) التراب والعجاج الساطع يعني الغبار ، لسان العرب : مادة عثر

([59] )  جؤذُر بالضم والفتح : ولد البقرة الوحشية ، لسان العرب  مادة جذر، في إشارة إلى المرأة التي تشبه بها 

([60] ) قسطل : غبار ساطع : لسان العرب مادة قسط

([61] ) قباء  نوع من الثياب ، اللسان مادة قبا  ، وعبقري  بساط فيه أصباغ ونقوش ، اللسان مادة عبقر 

([62] ) مطهم : الحسن التام والبارع الجمال  اللسان مادة طهم

([63] )  مقنع : المِقْـنع  : ماتغطي به المرأة رأسها ، اللسان مادة قنع .  ومخمر  مغطى ، وتخمرت المرأة بالخمار : غطت رأسها : اللسان مادة خمر   ، والقصيدة كلها في خلاصة الأثر 2/ 369 -  374  

([64] ) الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي / 126

([65] ) النجيع : الدم ن وقيل هو دم الجوف خاصة ، وقيل هو الطري منه المصبوب : لسان العرب مادة نجع .

([66] ) أصيد : الذي يرفع رأسه كبرا  : لسان العرب ، مادة صيد . وأصعر  من الصعر، وهو التكبر والميل في الخد خاصة ، وصعر خده : أماله من الكبر : لسان العرب مادة صعر .

([67] ) الجدا والجدى : المطر العام ، أو الذي لايعرف أقصاه : اللسان مادة جدا . والمثعنجر : السائل من الماء والدمع : اللسان مادة ثعجر

([68] ) الجراف : الذاهب بكل شيء : لسان العرب . والجـِوَّر : غزير كثير المطر وشديد صوت الرعد .

([69] ) جنادل : المكان الغليظ فيه حجارة : اللسان مادة جندل

([70] ) سبسب : مفازة : لسان العرب مادة سب

([71] ) الوشيج  : شجر الرماح : اللسان مادة وشج ، و السمهري : الرمح الصلب المنسوب إلى سمهر وهو زوج ردينة وكانا مثقفين للرماح : اللسان مادة سمهر.

([72] ) )   غيل : الماء الجاري على وجه الأرض ، وكل واد فيه عيون والأجمة  ، وبالكسر فحسب : الشجر الكثير الملتف  اللسان مادة غيل ، وعملس : ذئب  خبيث  : اللسان مادة عملس ، و قسور : اسم للأسد ، اللسان مادة قسر

([73] ) السري : المختار من سروات القوم أي أشرافهم . لسان العرب

([74] ) مزند : دعي  ، ولئيم سريع الغضب  اللسان مادة زند  خرور : مسترخ جبان : لسان العرب مادة خور .

([75] ) ملأ : جماعة ، والأشراف  والعلية  والقوم ذوو الشارة : اللسان مادة ملأ . و الرداح :العجزاء ثقيلة الأوراك تامة الخلق : اللسان مادة ردح  . والمعصر : المرأة بلغت شبابها وأدركت والكريمة :اللسان مادة عصر  .

([76] ) الأوابد ج آبد : الوحش : اللسان مادة أبد . والوجيب : صوت الشيء ، ووجيب القلب خفقانه واضطرابه اللسان مادة : وجب

([77] )  المشيح : الجاد في الأمور ، الحذر  : اللسان مادة شيح ،  مزأر : اسم مكان من زأر وهو عرين الأسد : اللسان  مادة زأر . والعوالي : من عول عليه : اتكل ، وعيال الرجل : من يتكفل بهم  : لسان العرب مادة عيل 

([78] ) سَنور : لبوس الحرب وجملة السلاح : اللسان مادة سنر

([79] ) المغفر : مايلبسه الدارع على رأسه من الزرد ونحوه : لسان العرب مادة غفر .

([80] ) مجدل من الجدل وهو شدة الفتل ، والصرع ، والمجدل : الملقى على الجدالة وهي الأرض لشدتها ، وقيل للصريع مجدل أي  القتيل : لسان العرب مادة جدل . وعفره في التراب : مرغه فيه أو دسه .

([81] ) وحدة القصيدة / 205

([82]  ) حديث الأربعاء 1 / 31

([83] ) محمد بن منجك ( 1007-1080هـ )  شاعر من دمشق كانت تربطه بابن النحاس رابطة صداقة قوية  ، كان أميرا جوادا فقل ماله وعانى كثيرا فسافر إلى تركيا عله يرى هناك معينا ولكن دون جدوى ، فنظم  قصائد سماها الروميات معارضا بها روميات أبي فراس الحمداني : خلاصة الأثر 4 / 409 ، وسلافة العصر / 284

([84] ) النوَّار : جمع مفرده النَّوْر والنورة : الزهر وقيل النورهو الأبيض  ، والزهر : الأصفر : لسان العرب مادة نور 

([85] ) الوهاد : المنخفضات  والوهدة الهوة تكون في الأرض : لسان العرب مادة وهد

([86] ) الزيزفون : نبات في بلاد الشام ذو رائحة عطرة . الجادي : الزعفران لسان العرب

([87] ) القصيدة كلها في ديوان فتح الله بن النحاس / 109 و نفحة الريحانة 2/ 512

([88] ) عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر / 24

([89] ) النقد الأدبي أصوله ومناهجه / 34 

([90] ) نشأة : حياة ، أنشأ : بدأ ، ونشأ الليل : ارتفع ، اللسان  مادة نشأ .

([91] )  ديوان الأمير منجك باشا / 37

([92] )  الصورة الفنية في شعر أبي تمام / 190

([93] ) بناء القصيدة في النقد العربي / 282

([94]) في النقد الأدبي ، عتيق /178 .

([95]) إبراهيم بن محمد بن بهادر المعروف بابن زقّاعة: الضوء اللامع 1/130 .

([96]) ديوان العشري /147-148.

([97]) رسائل محمد الصباغ /94، ومسائل من تاريخ الجزيرة/133، وينظر لدراسة الملحمتين في كتابي شعر الثورات الداخلية 2/220و227 .

([98]) ينظر لذلك المباراة الشعرية التي كانت بين شعراء حلب ودمشق في خلاصة الأثر 1/105.

([99]) العقود/19، والخلاصة 4/48 .

وسوم: العدد 669