شاكريات

يرويها ..د. محمد جمال صقر...عن..العلامة محمود محمد شاكر رحمه الله

خمسون شاكرية؛ زين بها صفحته أخونا أبو براء الدكتور محمد جمال صقر-حفظه الله-ومازالت تتوالى ... 

يرويها عن أستاذه وأستاذنا (أستاذ الدنيا) كما يلقبه -وله كل الحق – سيدي أبي فهر محمود محمد شاكر؛ برد الله مضجعه.

ونحن لن يروى غلتنا من سيرة أبي فهر هذه الشاكريات الخاطفة؛ وبخاصة من تلامذته ومن عايشوه وأخذوا عنه ... وكثير منها يحتاج إلى تفصيل...

فنحن ننتظر من أخينا وأستاذنا أبي براء أن يدون رحلته مع أبي فهر من كل جوانبها؛ العلمية، والاجتماعية –خاصة-، فلم يتناول هذا الجانب إلا الأستاذة عايدة  الشريف-رحمها الله-في كتابها (قصة قلم)؛ والأستاذ وجدان العلي -حفظه الله-في كتابه (ظل النديم) فيما أعلم.

ولا شك أنها ستكون تجربة ممتعة سنسعد بها إن شاء الله ... 

وأظن أن المحبين سيؤيدونني في هذا الطلب ..

وها هي الشاكريات الخمسون المروية حتى اليوم مجموعة لمن فاته شيء منها: 

شاكريات (1)

غَمضتْ عليَّ في مجلسه مسألة

فقلت له لا بأس سأراجع فيها بعض الكتب

فقال لا بل تراجع كل الكتب

شاكريات (2)

جلسنا نشاهد «على هامش السيرة» للدكتور طه حسين، فطربت عفوا لبعض كلامه؛ فاستنكر علي: ماذا أطربك!

فقلت: قوله «تعسا لامرئ بثك همه»!

فكفكف من شأو استنكاره!

شاكريات (3)

ذكرت له حرصي على قراءة كل كتاب كاملا

فقال من الكتب ما يقرأ كاملا ومنها ما يقرأ بعضه ومنها ما يلم به

شاكريات (4)

تطلعت إلى سجن أؤلف فيه ما لم أؤلف قط

فقال ليس أصعب من السجن السياسي

شاكريات (5)

عجبنا أن يؤثر جرس ألفاظ القرآن الكريم في جرس شعر الأعشى الكبير حتى يتسمى به صناجة العرب

فاستحضر كتابا قديما أنسيته ثم أقرأنا منه النص على ذلك

شاكريات (6)

أنكرت حفظي إلى حفظه؛ فسألته:

كيف كنت تحفظ؟

فقال: بالتكرار!

شاكريات (7)

تذاكرنا عنده سعة الاطلاع

فنعى على أحمد حسن الزيات قوله له مرة

كف عن القراءة واكتب

شاكريات (8)

لقيت عنده الدكتور عبد الله الطيب المجذوب، وافتتنت بحديثه؛

فلما ذهب قلت: أي فنان عالم!

فقال: بل أي مغامر!

شاكريات (9)

عجبنا لعلاقة الشعر بأعمال الشاعر

فجعلها بين كل ما يصدر عن عقل الإنسان

حتى الشعر واستنباط الماء من باطن الأرض

شاكريات (10)

تذاكرنا عنده أحوال بعض الإسلاميين المتزمتين؛

فقال: إنما أُتُوا من جهلهم بالشعر!

شاكريات (١١)

تجرأت على فكرة؛ فقال: كلام لا سند له!

فذكرت المحدث الظريف الذي شرب الخمر لضعف السند، قائلا: أآخذ برواية نصراني عن يهودي!

فتبسم، ولم يعقب!

شاكريات (١٢)

حدثنا أنه قال مرة لمحمود حسن إسماعيل:

أَكَتبتَ قصيدة الذكرى السنوية المطلوبة؟

قال: لا.

قال: فقم؛ فاكتبها!

قال: كيف، ألا تعرف!

قال: لا بأس عليك؛ فادخل الغرفة، ولن يزعجك أحد، غير البسيوني يواليك بقهوتك!

قال البسيوني: كنت إذا دخلتُ لم ينتبه، ووجدته يتصبَّب عرقا!

شاكريات (١٣)

بعد غداء أحد أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب، سأله رضوان دعبول صاحب مؤسسة الرسالة، على مسمع الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي وعبد الحميد البسيوني مستشار أمير الكويت والدكتور محمود محمد الطناحي والأستاذ عبد الرحمن شاكر وسائر مجلسنا عنده:

بم ترى أن نبدأ يا أستاذنا؟

فقال: بلسان العرب.

ثم أفاض في شرح منزلة اللغة من الثقافة.

شاكريات (١٤)

كانت مائدته السخية الحفية ملمومة على ضخامتها بالكتب، تتشاجر في عيون الضيوف وآنافهم وأفواههم ألوانُ الأطعمة والكتب وروائحُهما وأذواقُهما جميعا معا، وتتزاحم، وتتكامل؛ فلولا صوته يُنبّه على أفضلها ما آبُوا من تِيههم!

شاكريات (١٥)

رفع سَمَّاعة الهاتف:

أنتظرك، يا دكتور علي!

وتطلعنا مبتهجين إلى ما سيكون بينه وبين الدكتور علي عبد الواحد وافي. ولكنه رفعها أخرى:

لا بأس؛ نلتقي على خير!

فانكسر تطلُّعُنا باستعصاء الطريق عليه!

شاكريات (١٦)

كانت بكلية دار العلوم مكتبة قيمة

قال

وكانت بها مخطوطات نسعى إليها

شاكريات (17)

لمّا مُنِح زكريا سعيد الدكتوراةَ دون تقدير دعاه وكان يحبه، ثم أقبل يُعنّفه على انكساره:

ما لك، ألا تعرفهم، أَشَيْخٌ ضعيف أنت!

شاكريات (١٨)

جاءها جمعة الماجد يساومها في مكتبته الفذة، حتى بلغ بها آلاف الألوف، فقالت:

كيف وهو بها معي، ولو بِعتُكها لَخُنتُه! ولكنني أضيِّفك بنَسخ نُسخته من «لسان العرب»، لغير تجارة.

شاكريات (١٩)

لم ينس قط أن دار العلوم أنشئت بإزاء الأزهر وكانت الآداب التي دخلها في أوليته أقرب إليه ثم دخلها ابنه فجاءه فيه بعض أساتذة دار العلوم فقال هذا ما فعلتموه بأنفسكم ولم يكن حوله مثلهم

شاكريات (٢١)

وجد البروفيسور قلقًا يتردد بين كتب مكتبته الفذة، راجيا أن تسعفه بقراءة أحد نصوص مخطوطه المهمل نقطا وضبطا؛ فقال له: أرني! أُجُدٍ مُدَاخَلَةٍ...

لم يكد، حتى قرأه معاتبا: كيف لمثلك ألا يعرف أوصاف النوق المشهورة!

شاكريات (٢٢) 

تمثل أحد كبار تلامذته قائلا:

«رُبَّ سَاعٍ لِقَاعِدْ»،

-بتسكين دال «قَاعِدْ»-

فقال له إنما ينطق:

«رُبَّ سَاعٍ لِقَاعِدِ»،

-بكسر دال «قَاعِدِ» وإشباعها-

لأنه مثل، والأمثال لا تغير.

شاكريات (٢٣)

عجبت له من جمع الدكتور مجدي وهبة في «غضب مرتقب» الذي خاطب به الثقافة الإنجليزية المسيحية، بينه وبين خالد محمد خالد، في تمثيل القائمين عندئذ بالثقافة العربية الإسلامية؛ فزادني عجبا على عجبي!

شاكريات (٢٤)

عجبتُ له من جزالة لغة المهندس زهير علي شاكر في كتابه «أهرام مصر قلاع لا قبور: نقد التاريخ المصري القديم»؛ فردَّ علي عَجَبي:

سبحان الله، تَعجبُ من الأصل!

شاكريات (٢٥)

لم أجد مَن ذكَر تمثيلَ الأمثال العربية القديمة أقدمَ أساليب اللغة العربية، غيرَ إسرائيل ولفنسون؛ فلما ذكَرتُه عنَّفني:

قد ذكرتَ ما يكفي؛ فما حاجتك إلى هذا الطعّان في القرآن!

شاكريات (٢٦)

لم يكن في أوائل شيخوخته يقبل أن نساعده على القيام من مُختتَم الصلاة؛ وكنا نهاب أن نعصيه. ثم في أواخر شيخوخته لان لنا؛ فصرنا نهاب أن نطيعه!

شاكريات (٢٧)

لما وَجدَ تطلُّعَنا في الماجستير إلى المسائل الإبداعية قال: ليس أفضلَ في الماجستير من أن تَختصَّ بتحقيق أحد المخطوطات فيَطَّلِع الطالبُ به على المكتبة العربية كلها، لِتستقلَّ الدكتوراةُ بالمسائل الإبداعية التي يَتطلَّع إليها.

شاكريات (٢٨)

اهتم مرة لاشتغاله بالترحيب بحمد الجاسر في مؤتمر المجمع اللغوي القاهري، عن السلام على محمد متولي الشعراوي، خشيةَ أن يَجِد في نفسه عليه؛ فقال البسيوني كالمُرفّه عنه: ذُكر للشعراوي أنك تستمع إلى خواطره؛ فاستعظمها قائلا: محمود محمد شاكر يستمع إليّ أنا!

شاكريات (٢٩)

كان يرى محمد متولي الشعراوي مدرسا جيدا، وكنت أدركه يستمع إلى خواطره، فأشاركه، فربما استطرد إلى تمثيل معنى قرآني بمثال ساخر؛ فاستنكره!

شاكريات (٣٠)

كانت له في «نمط صعب ونمط مخيف»، و«كتاب الشعر» -نظراتٌ عروضيةٌ نافذةٌ باهرةٌ، ولم يَدرُس علم العروض دراسة نظامية؛ فسألتُه؛ فإذا هو قد درَسه على بعض مُدرِّسيه دَرْسًا خُصوصيًّا!

شاكريات (٣١)

ذكر لنا أن فلانا الوزير حضر مائدته، فجاوره عليها حلّاقه، فأظهر ضيقه به؛ فعنَّفه:

اسمع، يا فلان، أنت وزير، نعم، ولكن هناك في وزارتك؛ فأما هنا فلست خيرا من فلان الحلّاق!

شاكريات (٣٢)

عَجّبَنا مرةً من بعض الوزراء أنه حَضر طعامَه، ثم تحوَّل معه إلى فاكهته، فإذا فيها الجَوافة، وهو لا يتحمل أن يراها بَلْهَ أن يأكلها-وأنه رَوى له عندئذ فيها أنها تقي فقر الدم -قال-فتناولها من وقته؛ فأكلها!

شاكريات (33)

كنا إذا أسأنا سؤاله علَّمَنا إحسان السؤال قبل أن يجيبه، وربما تلبَّث به أحيانًا حتى ظننا أنه نسي السؤال؛ فإذا هو فيه منذئذ! ولقد سألتُه مرة، وبقيتُ ما شاء الله، ثم استأذنته بالذهاب؛ فقال: لم أجبك بعد!

شاكريات (٣٤)

كُلِّفتُ في أوليتي تدريس عروض الشعر العربي لطائفة من طلاب كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكنت مشغولا برباعيات صلاح جاهين العامية المصرية، وكانت مستقيمة غالبا عليه؛ فاستشرتُه أن أُمثِّله بشيء منها، فزجَرني شديدًا: هذا جَهْل جَهْل جَهْل!

شاكريات (٣٥)

دخلنا عليه أواخرَ حياته، فإذا بين يديه أحد كتب الصلاة المحققة حديثا، قد افتقد به فهرس الآيات؛ فصنعه له! واستحسن لنا من الكتاب قول صاحبه بإعادة الوضوء لمن لم يُقدِّم نِيّته.

شاكريات (36)

ذُكِرَ عنده أن بعض أساتذة الجامعة يَمنع طلابه أن يدخلوا بعده إلى حيثُ محاضرتُه؛ فاستسخف ذلك، وحذَّرنا منه.

شاكريات (٣٧)

قلت له: إذا استقر الشعر العربي على تَقارُن بنائه العروضي وبنائه النحوي، ثم تطوَّرَ أحدُ البِناءَيْنِ-أفلا يَتطوَّر به الآخر؟

فقال: هذه أوهامٌ في رأسك!

شاكريات (38)

قالت له عايدة الشريف: أتدري بمَ فسَّر جابر عصفور عُزوفك عن حياتنا الثقافية؟ لقد فسَّره بأنك تريد الكعكة كلها؛ وإلا فلا!

فلم يزد على أن تبسَّم!

شاكريات (٣٩)

دُعي إلى الإنشاد من شعره، وكان في حُلّة إفرنجية-فلم يَكَدْ حتى تَمَلْمَلَ قائلا:

يحتاج إنشادُ الشعر العربي إلى المَلْبس العربي!

شاكريات (٤٠)

قال لنا وهو مبتهج: دعاني الدكتور محمد مصطفى هدارة إلى قسمه بكلية الآداب من جامعة الإسكندرية، وكَتَمَ عني مراده؛ فإذا تلامذتُه يُمثِّلون أمامي «القوس العذراء»، تَمثيلا مَسرحيًّا طيِّبًا جدًّا!

شاكريات (٤١)

ذكر لنا أستاذنا الدكتور عبد الصبور شاهين، أنه كان يحضر مجلسه إبّان شرحه الأصمعيات، فلا يجد لنفسه موضع قدم ببيته الواسع!

شاكريات (٤٢)

ليلة عيد النصارى المصريين وجدتُ عنده نسيم مجلي أستاذ الأدب الإنجليزي، يهديه كتابه «لويس عوض ومعاركه الأدبية»، قائلا:

لم يشغلني عيدنا عن أن آتيك بكتابي الجديد!

شاكريات (٤٣)

لم ننس قطُّ أن لعلمه بالإنجليزية ومعرفته بالألمانية والإيطالية، أثرا في تمسكه بالعربية وموقفه من غيرها.

شاكريات (٤٤)

ذَكَر لنا مرة أنْ لو استقبل من تحقيق تفسير الطبري ما استدبر، لأثبت بالتخفيف كلمة «قُرَان» في كل موضع منه، بدل «قُرْآن»، على ما تبين من قراءته.

شاكريات (٤٥)

كان جَزْل بنية الجسم مثلما كان جَزْل بنية الكلام، يحرِصُ مِنا على ذلك؛ حتى لقد رأى كَرِشَ بعضنا يَهُمُّ مرةً، فنَهَره!

شاكريات (٤٦)

ذُكِر لنا أنه كان إذا حان حينُ عملٍ له كبيرٍ مُسلسَل مُرتَّبٍ، تأنَّق له وهو في بيته، بملابس خروجه من بيته!

شاكريات (٤٧)

أَورَثَه طولُ الانقطاع للقراءة ارتياحًا إلى الصمت -فما أكثر ما استبدَّ بمجلسه بعضُ ضِيفانِه-وتحرُّجًا من النظر؛ فما أكثر ما التفتُّ إليه فصرَف عني بصرَه، من بعد أن كان مُعلَّقًا!

شاكريات (٤٨)

كان من رأي فتحي جمعة صاحب «اللغة الباسلة»، أن علي النجدي ناصف أعلى منه أسلوبا، ولكنه قدم عليه وعلى غيره بمنافحته عن أصول هذه الأمة.

شاكريات (٤٩)

ذكر لي مختار المدني أنه كان إذا جدّتْ طباعةُ أحدِ كتبه جاءهم إلى المطبعة، فبعث من يأتيه بالفول المدمَّس والفلفل الحارّ، ثم انقطع للتدقيق، واشتدّ فيه، حتى لَيقيسُ تطابُق مواضع أرقام الصفحات بغَرْز إبرةٍ في موضعِ رقمِ الصفحة الأولى!

شاكريات (50)

كان على منهجٍ فني خالص صادق من إنشاد الشعر، لم يَحظَ عنده معه إنشادُ أكثر المشهورين بإنشاد الشعر من معاصريه الـمُتَعاجبين. وإذا أَنشد شعرَ شاعر غابرٍ كان كأنما ينبعث به من مرقده!

وسوم: العدد 707