رسائل من أحمد الجدع (43)

رسائل من أحمد الجدع (43)

أحمد الجدع

الشاعر الصحافي : راضي صدوق ( محمد راضي صدوق الحويطي ) .

السلام عليك ورحمة الله وبركاته ،

عندما نعاك الأدباء والصحفيون ، والشعراء توقفت عند مقال كتبتَه في جريدة الدستور الأردنية ونشرتْه في أيام النعي، فكأنها كانت تختزنه عندها انتظاراً للوقت المناسب لنشره ، وذلك لما فيه من صدمات ثقافية تتعلق بالسرقات الأدبية ، سرقات أغار فيها على شعرك لصوص الأدب والشعر ، والمتطفلون على موائده .

الإغارة على الشعر داء قديم ، أحب أن يسميه نقادنا منذ القدم : السرقات الأدبية ، وهذه السرقات لم تتوقف منذ القدم ، ولم يخل منها عصر من عصورنا الأدبية، ولعلها قد ازدادت في عصرنا لقلة المبدعين وكثرة المتطفلين .

قبل أن أدخل إلى دنياك ، وأعط الأمثلة من الغارات على شعرك ، والتي شنها الصغار والكبار ، ولم يخل من ارتكابها غفير ولا أمير ، أحب أن أشير إلى أمثلة من هذه السرقات تعثرت بها في أثناء دراستي للشعر الإسلامي المعاصر .

أولاها وأطرفها ما حدثني به الشاعر الفلسطيني أحمد محمد الصديق ، فقد قال لي إنه دعي إلى إمارة دبي لإلقاء بعض قصائده ، وكان قد دعي إلى هذا الاحتفال الشعري عدد من الشعراء من الدول العربية ، قال : وبينما كنت منتظراً دوري إذ بشاعر سوري يقف على المنصة ويبدأ بإلقاء قصيدة من قصائدي يزعم أنه أبدعها .

وعندما سألته عن الإجراء الذي اتخذه نحو هذا اللص قال : لا شيء ، لقد أخرستني الصدمة ... وعقدت لساني .. ومضى السارق بما غنم !

ثانيها ما عرفته عن الشاعر نزار قباني ، فإنه كان يغير على المعاني التي تناولها كبار شعراء الغزل على امتداد عصورنا الأدبية ثم ينقلها إلى شعره .

من ذلك إغارته على شعر جميل بن معمر العذري في قوله :

يقولون جاهد يا جميل بغزوة
لكل حديث عندهن بشاشة   

 

 

وأي جهاد غيرهن أريد
وكل قتيل بينهن شهيد

 

فقال نزار :

قد مات شهيداً يا ولدي   

 

 

من مات فداءً للمحبوب

 

هذان نموذجان ذكرتهما بين يدي حديثي عن السرقات التي تعرض لها شعرك ،و التي ذكرتَها في المقال الذي نشرته جريدة الدستور الأردنية في عددها الصادر في يوم الجمعة الثامن عشر من شعبان عام 1431 هـ الموافق للثلاثين من تموز عام 2010 م .

وأعجب ما أوردته في هذه المقالة أن أحدهم قد أغار على ديوانك " كان لي قلب " ونشره باسمه ، ثم أرسل لك نسخة أهداها إليك !

وأقف مع النموذج الثاني ، وهو سرقة قصيدتك " وداع " من أحدهم الذي ادّعى أنه لم يتأثر بأي شاعر عربي ، بل كان تأثره بشعراء أجانب كانوا يعدون من أعمدة الشعر العالمي : لوركا ، بابلو نيرورا، سان جون بيرس ، ت . س إليوت، .......

أقول : وهذا مرض شاع في ديارنا في الستينات من القرن العشرين عندما جنح المتهافتون على شعر التفعيلة إلى الاعتزاء بشعراء الغرب والشرق والانصراف عن شعراء العربية العظام حتى إن الغالبية العظمى من هؤلاء تفاخروا بانتمائهم إلى شعراء الغرب والشرق دون أن يقرؤوا لهم سطراً واحداً .

يا أخي راضي : إذا كان هؤلاء كذلك فلا غرابة أن يغيروا على شعرك وأن يدعوه لأنفسهم ، فهم ليسوا شعراء وأحبوا أن يكون من الشعراء اللصوص .

ثم تمضي مع هذا المسلسل العجيب من الإغارات على شعرك ، ثم تسرد ما تعرض له شعرك من الاغارات من قبل المغنين والملحنين ، وهذا ما عهدناه في هؤلاء الذين يحاطون بسياج من الحماية لأنهم سيوف المفسدين في الإغارة على حصون المسلمين .

لا أريد أن أسرد كل ما تحدثت عنه ، ولكني أريد أن أصل إلى العجب العجاب : أمير من أبناء العروبة ، مشهور بأنه واحد من كبار الشعراء يُكرهك على أن تبدع قصيدة بسطوته الإميرية ، ثم يدعيها ويقدمها إلى مغنية كانت من أشهر المغنيات في زمانها ، فتغنيها ممهورة باسمه الكريم .

ولم يقف هذا الأمير ( الشاعر ) عند هذه الإغارة ، فقد شن عليك إغارة أخرى عندما طلب منك أن تبدع قصيدة عن القدس ، فأخذها ونشرها باسمه في الصفحة الأولى من جريدة مشهورة ، ثم أوغل في الطغيان وطلب منك أن تعارض قصيدتك ( آسف قصيدته !! ) بقصيدة من عندك !

أخي راضي : إذا كان شعرك قد تعرض لكل هذه السرقات فهي شهادات بأن شعرك إبداع عالي المنزلة ، وإلا ما سطا عليه هؤلاء اللصوص ، وهل يُسطى إلا على كل ثمين ؟!

قال جميل بن معمر العذري قصيدة فيها هذا البيت :

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا
  

 

وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا

 

فلما سمعه الفرزدق طلب منه أن يتخلى عن هذا البيت مهدداً ، وأضافه إلى شعره .

هذا هو السطو .. لقد سطا الفرزدق على بيت واحد من شعر جميل بن معمر العذري ، لكن الوقاحة لم تصل به إلى أن يسطو على شاعر ويخضعه لجبروته يستغل وضعه الإنساني المتمثل في القهر الصهيوني والعربي والعالمي ، فيأمره أن يؤلف له القصائد لينشرها باسمه السامي في صدر الصحافة الأولى من الجرائد الواقعة تحت سطوته أيضاً .

قال امرؤ القيس بن حجر الكندي :

وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم   

 

 

يقولون لا تهلك أسىً وتجمل

 

وقال طرفة بن العبد البكري :

وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم   

 

 

يقولون لا تهلك أسىً وتجلد

 

ولأن هذين الشاعرين من الشعراء المقدمين في الجاهلية فقد حاول النقاد أن يلتمسوا لهم العذر فقالوا : إن هذا مما يقال له : وقوع الحافر على الحافر ، وأنا استبعد أن يقع الحافر على الحافر مطابقة تامة ، والدليل على أنه لم يقع بتمامه أن أحدهم قال تجمل ، وقال الآخر تجلد .

يا سادة إن هذا سطو وسرقة ، والسرقات الأدبية بدأت في عهد طرفة بن العبد البكري بسرقة بيت واحد، ثم نمت حتى وصلت في زماننا إلى سرقة ديوان كامل لراضي صدوق !

رحمك الله يا شاعرنا راضي صدوق رحمة واسعة ... ورحمني معك .