رسائل من أحمد الجدع 21

رسائل من أحمد الجدع

( 21 )

الأخ الدكتور عبد العزيز عتيق - مصر

أحمد الجدع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه الرسالة خاصة بشعرك ، فأنت أحد شعراء مصر منذ بدايات القرن العشرين، إذ أن أول ما نشرت من شعر كان ديوان عتيق عام 1932 م العام الذي توفي فيه علما الشعر في مصر : حافظ إبراهيم وأحمد شوقي .

ومن البداهة أن هذا الشعر الذي نشر عام 1932 م في ديوان مطبوع قد نظم قبل هذا التاريخ بزمن قد يكون خمساً من السنين على الأقل ، أي عام 1927 م ، فإذا علمنا أنك مولود عام 1906 م فإننا نقدر أنك بدأت نظم الشعر ولك من العمر واحد وعشرون عاماَ ، وهذا تقدير معقول .

وبعد ثلاث سنوات ، وفي عام 1935 م نشرت ديوانك الثاني " أحلام النخيل " ، وكتب مقدمة له سيد قطب أول وأكبر ناقد أدبي في مصر في العصر الحديث .

ثم إنك جمعت الديوانين معاً ، وأضفت إليهما ما نظمت من شعر حتى عام 1960 م وأصدرت كل ذلك في ديوان واحد تحت اسم " أحلام النخيل " أيضاً ، وكتب الدكتور طه حسين لهذا الديوان الأخير مقدمة مطولة ، وللعلم فهو أستاذك في الجامعة ، وكنت من مريديه .

وأحب أن أشير هنا إلى ظاهرة عجيبة ظهرت في مصر بعد المجازر التي أوقعها نظام جمال عبد الناصر بالإخوان المسلمين وهي التخلص من كل ما له علاقة بالإخوان المسلمين ، وكنت أنت ممن فعل ذلك فحذفت  مقدمة سيد قطب لأحلام النخيل في جزئه الأول ، رغم أن سيد قطب رحمه الله كان قد نوه بشعرك وامتدحه واستشهد به في كتابه "مهمة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر ، وكان المأمول أن تحفظ له هذا الود ، ولكن الإرهاب الذي ملأ قلوب الناس آنئذ أخر بك وجعلك تحذف هذه المقدمة .. ولا عتب عليك .

وقد فعل مثل فعلك الدكتور محمد محمد حسين في كتابه الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر الصادر في طبعته الثانية عام 1962 م فحذف الفصل الذي تحدث فيه عن دور الإخوان المسلمين في الدعوة للجامعة الإسلامية في طبعته الأولى ، وكان السبب الذي دفعه إلى ذلك هو السبب نفسه الذي جعلك تحذف مقدمة سيد قطب لديوانك .

لقد توفاك الله عام 1976 م ، ولست أدري إن كنت نظمت شعراً في هذه السنوات الواقعة بين إصدار ديوانك الأخير عام 1960م وتاريخ وفاتك عام 1976 م ، وهي مدة امتدت ستة عشر عاماً، وهي مدة كافية لأن تنظم ديواناً كاملاً وأكثر .

في عام 1951 م كتبت أبياتاً بعنوان " الذل " تتحدث فيها عن مآسي مصر ، وأن شعب مصر وصل إلى اليأس بسبب الفقر والقهر، وجاء بعد هذا اليأس انقلاب الضباط عام 1952 م يحمل للناس راية الإنقاذ .

هل نحن اليوم نشاهد المأساة نفسها والناس يحتجون على الفقر والقهر ؟

أنت يا بن الفقر، يا بن الظلم والجهل المبيدد

يا أخا الحطة والضعف ويا صنو الجمود

يا سلاحاً سله الشرُّ على هام العبيد

يا طريقاً ينتهي بالناس للبؤس المديد

ومجازاً يعبر الناسُ عليه للحود

أنت يا من يدفع الناس إلى اليأس الشديد

البطولات على أرضك تفنى كالحصيد

والرجولات سراب حين تدنو من بعيد

أنت داءٌ حطم الشعب إلى أقصى الحدود 

كانت هذه صرخة ، ثم جاء من بعدها أمل انتهى إلى فشل ، فهل ينتهي أمل اليوم أيضاً إلى فشل ؟

أستاذنا الفاضل : أنهيت دراستك في دار العلوم سنة 1932 م ، ثم حصلت على الدكتوراة من جامعة لندن عام 1948م .

عملت مدرساً ، ثم موظفاً في وزارة الثقافة ، ثم عملت مدرساً للغة العربية في انجلترا ، ثم ملحقاً ثقافياً بالسفارة المصرية بلندن حتى عام 1955 م .

ثم عملت مساعداً لإدارة الثقافة بوزارة التربية المصرية ، ثم عميداً لكلية الآداب بجامعة بيروت العربية التي كانت فرعاً لجامعة الإسكندرية ، وكنت أول عميد لها .

من أعمالك الرائعة موسوعة البلاغة بأجزائها الأربعة : مقدمة في علم البلاغة ، علم المعاني، علم البيان ، علم البديع .

أود أن أقول بأني أحد تلاميذك بجامعة بيروت العربية ، وقد استفدت من كتبك المقررة فيها.

ثم إنك قضيت ما قدر الله لك من سنين في هذه الحياة الدنيا وتوفاك الله في عام 1976 م .

الأستاذ الكريم ، الدكتور عبد العزيز عتيق : رحمك الله وغفر لك ... وأنا معك .