الخلاص

نعمان إسماعيل عبد القادر

منَ النّاس رجالٌ يَئِسوا فَأَصابهمْ اكتئابٌ شديدٌ قضَّ مضجعَهم، فأزعجَهم جميعًا؛ كلُّه بسبب "لئيم" أكرموهُ فكانَ منْ أسْوَأ الغادرين.. هكذا هو طبع ذئابِ برارٍ، وثعالبَ غاباتٍ، وضباعِ جبالٍ، وأفاعي صحارٍ، مهما حاولتَ ترويضها، كما يقولون. ويقولونَ أيضًا: كيفَ يجرؤُ هذا اللَّئيمُ على أنْ يُقْدِم على فِعْلَتِهِ الدنيئة دونَ أنْ يُقدِّم قُربانًا يتقرَّبُ به منَ الآلهة؟ أيأكلُ من صحنٍ ثمَّ يبصقُ فيه؟ كيف يتجاوزُ شخصٌ، ظنَنّا أنَّهُ من عِرْقنا، حدودَ المعقولِ واللامعقولِ؟

في حين تراءى له أنَّهم يبحثونَ عنهُ في كلِّ مكانٍ، يحملونَ معهمْ سكاكينَ، وبلطاتٍ وعصي؛ للتنكيلِ بهما ومنْ ثمَّ تقطيعه وإياها حال الْعثور عليهما والإمساك بهما. أحسَّ بوخزة ضميرٍ، ووخزةٍ في صدره، وأحس بثقلٍ شديدٍ في رأسهِ وفي رجليهِ، كأنَّهما مقيَّدتانِ كما يُقيِّدُ البدويُّ بعيره؛ فلا يستطيع التحرُّك بحريّة تامّة.. أين المفرّ من شعبٍ همجيٍّ قديمٍ يريد الانقضاض على أحلام شبابٍ تنافستِ الضّباعُ على تهشيمِها؟ لا أصدِّقُ أنَّهم ليسُوا من سلالة فايْكينغز. لا مفرّ إلا الفرار إلى حيث يعيش النّاس حياتهم من غير أن يُصابوا بأيّ أذى، جسديٍّ أو معنويٍّ. لنْ أسلِّمَهمْ هذا الْوَهْمَ إلا وَهُمْ عنه مُعرِضون.

تناقش القدماءُ فيما بينهم.. وتجادلُوا.. وتصايحُوا.. وأدركُوا في نهاية المطاف أنَّ الهاربَ لا بدَّ من أنْ يَمْثُل وقرينتُه أمامَ العدالةِ الاجتماعية والسّياسيّة القبليّة، وذلك بعد إلقاء القبضِ عليهما حامليْنَ بيديهما كلَّ شيء تجرَّآ على سرقته من معبدهم..

الغاية الَّتي أرادها، لم تكن أنْ يغادر وطنه لولا أنْ أجبره القدماء على ذلك.. وما هي إلا سُويعات حتّى حطَّت بهما الطّائرة في بلادٍ حيثُ كانَ الفايكينغز فيها يقدّمون البشرَ قرابين لآلهتهم. حمل وإياها الأمتعة بما تحتويه مِنْ وَهْمٍ وصُدَفٍ وخُرافاتٍ وأَلْقَيا بها في البحرِ فغاصتْ لِثِقَلِها في لحظات.

في تلكَ الأثناء لازَمَ النَاس جميعًا لإحساسٌ غريبٌ أشبه بآلامٍ عسيرةٍ تنتابُ رؤوسَهم ثمّ تنتشرُ في جميع أنحاء أجسامهم لسويعات قليلة، ثم تتلاشى شيئًا فشيئًا ثمَّ تختفي وكأنَّها لم تكن.. ثمَّ لازمهم إحساسٌ جميلٌ وأحسّوا أنَّهم وُلدوا من جديد..

وسوم: العدد 932