رحلاتي إلى الجزائر 4

حسين إسماعيل الأعظمي

رحلاتي إلى الجزائر

حسين إسماعيل الأعظمي

[email protected]

الحلقة (4)

وأخيراً جاء دور فخامة الرئيس عبد العزيز بو تفليقة ، وعند تقديمه للحاضرين من قبل السيدة الوزيرة ضجَّت القاعة بالتصفيق والترحيب بكلمته ، وقد نهض من مكانه ليقف أمام منصة الخطابة وألقى خطاباً تاريخياً ضمَّنه معلومات قيَّمة عن الجزائر وتأريخها الثقافي وتطورها المعاصر وآفاقها الحضارية , وهذا هو خطابه التاريخي بهذه المناسبة ..

 وثائق عاصمة الثقافة

النص الكامل لخطاب الرئيس بوتفليقة بمناسبة الافتتاح الرسمي لسنة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"

ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة اليوم السبت خطابا لدى إشرافه على الافتتاح الرسمي لسنة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007" هذا نصه الكامل:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم ا لدين

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة

حضرات السيدات والسادة رواد الفكر وحاملي مشعل الفن والإبداع

 تغمرني السعادة والابتهاج والجزائر واسطة العقد في الجناح المغاربي لأمتنا العربية وجوهرة من لآلي المتوسط تتوج عاصمة للثقافة العربية لسنة 2007 وتحتضن ربوعها الرحبة من الشمال إلى الجنوب أعلام الثقافة وفرسانها من الموهوبين والمبدعين ممن تميزوا برهافة الحس والوجدان وتبنوا القضايا الكبرى لأمتنا العربية وكانوا وما زالوا ضميرها الأمين ولسانها المبين وسندها القوي المكين.

 إني لأرحب بكم من صميم الفؤاد. وأنتم تبتهلون في هذا اليوم الموعود من شهر يناير سنة الثقافة العربية التي يلتقي طيلتها الأشقاء من مختلف أقطار الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه للتعرف عن قرب على ما تزخر به الجزائر من مآثر وتراث وفنون متنوعة في وحدة ومتعددة في تناغم وانسجام وللتأكيد على ما يجمع بين شعوب أمتنا العربية والاسلامية من أواصر القربى التي دونها التاريخ المشترك وحفظتها الحضارة ووحدها اللسان العربي المبين.

لعله من حسن الطالع أن يتوسط هذا اليوم من يناير عددا من الأعياد ومنها عيد الحرث والبذر والتفاؤل بالخصب الذي تحتفي به منذ القدم مجتمعاتنا الفلاحية وذلك بعد أن احتفينا بعيد الرحمة عيد الأضحى المبارك وأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام وأعياد رأس السنة الميلادية 2007 واستقبال رأس السنة الهجرية في الأول من محرم 1428 وكأن العناية الإلهية ودورة الزمان أرادت أن يكون في هذا الاقتران والتتابع ما يذكرنا جميعا بوحدة الانسانية في المبدأ والصيرورة والمعاد.

 إنه تزامن يدعونا من جديد للإخاء والتسامح بين الأديان والمذاهب والتواصل بين الحضارات وهو ما نادت به الشرائع السماوية وأقرته القوانين التي وضعها العقل السليم.

إني أرى في هذا اللقاء بين أهل الفكر والفن والإبداع على امتداد ساحتنا العربية الحبلى بالتحولات حدثا على درجة كبيرة من الأهمية في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ أمتنا العربية وهي في حاجة إلى مراجعة وتقويم ماضيها القريب والبعيد والبحث عن مخرج من وضعية التخلف والاستضعاف والتبعية وما يتهددها من مخاطر كثيرة من الداخل والخارج وتدرك نخبنا المفكرة والمبدعة أن وطننا العربي على الرغم من ثرواته وموقعه الجيوسياسي الممتاز ونضالات شعوبه لايزال بعيدا عن مقدمة الركب.

 لن يكون ذلك الموقع وتلك الثروات مصدر قوة ومناعة إلا إذا تظافرت الإرادات وتكاتفت الجهود لتحقيق تنمية تبدأ بالإنسان وتعود ثمارها إليه فردا وجماعة ولا شك في أنه لا تنمية بدون ازدهار الثقافة وتوطين المعرفة واحتضان المواهب والعناية بالنبغاء من الشباب في المدارس والجامعات ليجدد الخلف وينمي ما قام به السلف ويكون الغد أكثر تقدما ورقيا من الأمس.

 إنكم أيها المثقفون من مفكرين وأدباء وفنانين وحفظة تراثنا المادي والمعنوي على امتداد الوطن العربي مهبط الأديان السماوية ومنبت الحضارة الانسانية منذ أقدم العصور إنكم بحق ثروة الأمة الباقية والمتجددة وعينها البصيرة بواقع حال مجتمعاتنا وما وراء الواقع من نذر وبشائر قد لا يراها الإنسان العادي.

 إن النخبة لا تستحق هذا الاسم إلا إذا فهمت عصرها وتصدرت الصفوف الأمامية التي تصنع المستقبل وتمهد الطريق للتحولات الكبرى التي تنتظرها شعوبنا للخلاص من أغلال التخلف وترسيخ ثقافة الديمقراطية التي تقوم على حقوق وواجبات المواطنة وحرية الفرد في التعبير والتفكير والإبداع بلا حدود ولا قيود سوى تلك التي يقرها المجتمع وأخلاقياته المرعبة".

 إن دور ومكانة أهل الفكر والإبداع لا يقتصران على مناسبة أو مهرجان ولو تواصل لمدة أسابيع وشهور. بل ينبغي أن يكون في كل أوان وفي كل مكان وزمان.

فأنا على قناعة تامة وإيمان عميق بأهمية معيار الموهبة الخلاقة والكفاءة العالية والاستحقاق الذي يميز هذه الفئة من مجتمعاتنا فلم تحدث نهضة أو تقدم بدون أن يتصدرها ويبشر بها رواد من المفكرين والأدباء والفنانين الذي أدركوا متطلبات عصرهم وشخصوا أوضاعه شعرا ونثرا ومسرحا وغناء وأناشيد بالفصحى وبالعامية وبالنحت والرسم وأعادوا إحياء وإثراء التراث بما فيه من تصوف وعرفان. قد يصيب الطليعة من تلك النخبة الضر. وقد يتجاهلهم قومهم إلى حين. وقد تغمرهم الطمأنينة والرضى إذا تحولت أفكارهم وإبداعاتهم إلى قبس من نور يوقظ الهمم ويستنهض المجتمع ويحرر العزائم من اليأس والوهن.

 إن وراء وأمام كل التحولات الكبرى قادة من الفاتحين في ميادين العلم والفن والأدب كما يشهد على ذلك تاريخ الحضارة الإنسانية في الشرق والغرب منذ أقدم العصور وإلى يوم الدين هذا.

 من الواجب وأنا أرحب بكم في هذا اليوم المشهود أن أؤكد لكم بأن عاصمة الجزائر الوفية لذاكرتها التاريخية ستبقى على الدوام مدينة لأولئك المفكرين والأدباء والفنانين الأحرار الذين وقفوا إلى جانب كفاح شعبنا العادل وسخروا فنون الأدب والفكر الصادق من روائع الشعر والقصة والرواية والمقالة والمسرحية إلى الصورة الفوتوغرافية والأفلام السينمائية وغيرها من أشكال الفن والقول الشعبي التي تمثل جزءا من ملحمة الثورة الجزائرية ينبغي أن نرى فيها تراثا مشتركا لأمتنا العربية ونموذجا يحتذى لوحدتها المعنوية وصفحات ناصعة في ذاكرتها الجماعية فقد كانت الثورة الجزائرية بسنواتها السبع والنصف المجيدة ملحمة العرب والمسلمين والشعلة التي وحدت الأمة.

 إن جزائر الأمس واليوم لتذكر باعتزاز ذلك العطاء الرائع والغزيرالذي ساهم فيه إلى جانب المبدعين العرب العديد من أحرار العالم أنصار الحرية الذين واجهوا الكثير من التضييق والترهيب والوعيد في بعض البلدان الغربية وفي فرنسا بالذات.

ولكنهم واصلوا جميعا النضال بمختلف الوسائل والأشكال. واختاروا عن قناعة الوقوف إلى جانب الحق والعدل والحرية.

 إن هذا الجمع من أصحاب المواقف الحرة والرسالة الانسانية سيبقون نجوما لامعة في ليل الظلم والقهر والعدوان. لقد كانوا أوفياء للمثل والمبادئ السامية فاستحقوا مقاما ساميا في سجل الضمير الحي للإنسانية.

 لعلي لا أغالي إذا قلت بأن كتاب وأدباء ذلك الجيل والعديد من الرعيل الذي جاء بعده قد استلهموا أيضا من ملحمة الثورة الجزائرية وكفاح شعبها الطويل والمرير.

فقد أدركوا بحسهم المرهف وفكرهم الوقاد أن الجزائر كانت على موعد مع التاريخ. وأنها تخوض ثورة شعبية ذات أبعاد حضارية وإنسانية لا شبهة فيها. لا توجهها رياح من معسكر الشرق ولا تستعملها قوى من معسكر الغرب في صراعات الحرب الباردة والتنافس من أجل الهيمنة والنفوذ.

 لقد كان الهدف الأول لثورة الجزائر وغاية مسعاها هو تحرير الجزائر من الكولونيالية الباغية واستعادة الكرامة والحرية لذلك كانت ثورة الجزائر القضية الأولى - ونتمنى ألا تكون الأخيرة - التي وحدت المثقفين العرب على اختلاف مذاهبهم الفكرية وانتماءاتهم الإيديولوجية وجنسياتهم القطرية لقد كان بين أولئك المثقفين ما يقترب من الإجماع على انتصار الثورة الجزائرية هو مكسب استراتيجي ورصيد عظيم للأمة العربية ولكل المقهورين في شتى أنحاء العالم من القارة الإفريقية إلى ربوع آسيا وأمريكا اللاتينية".

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة

حضرات السيدات والسادة

 إن الأمر واحد سواء أتعلق بالأمم أم تعلق بالأفراد: فاللهث الجنوني وراء تلبية الحاجات المادية يكسب حقا النمو والنماء لكنه يؤدي كذلك إلى الوقوع في العزلة.

والثقافة هي الترياق المتاح ضد العزلة بصفتها فضاء للتواصل ولإقامة الأواصر والصلات بين بني الإنسان الأواصر والصلات الحبلى بشتى أنواع التضامن والجالبة للتقدم والرقي.

إن الثقافة ليست ظاهرة ثانوية إنها تنبع من تملك المكون الإجتماعي للتراث المتعدد الأشكال لحضارة مشتركة بين جملة من الشعوب. فالخصوصية الثقافية لكل مجموعة إنما تكمن في فعل التملك هذا الإرادي والانتقائي. إن الأمر يتعلق بمكسب يتطور على مر القرون مكسب تتحكم فيه الظروف وتعتوره تحولات بل وحتى فترات انقطاع. لقد قال مالك بن نبي: "ليست الثقافة علما بل هي جو يتحرك ضمنه الإنسان الذي يحمل حضارة في حناياه. إنها وسط يكون فيه كل تفصيل من التفاصيل مؤشرا ينم عن مجتمع يسعى إلى مصير واحد".

ومن ثمة فإن الثقافة هي في رأيه تلك التركيبة من العادات والملكات والتقاليد والأذواق والأعراف والسلوكات والمشاعر التي تعطي لحضارة ما وجهها وملامحها وتزودها كذلك بقطبيه العبقرية والروح".

 إنهما قطبان مولدان للأواصر والصلات مقاومان لعوادي الزمن وليس للمسافات عليهما تأثير. إنها أواصر من صلب مزايا وأفضال الثقافة العربية التي تفضلتم بجعل الجزائر العاصمة قلبها النابض في مطلع عام 2007 هذا.

إن الثقافة شفوية كانت أم حدسية أو شعبية أو مكتوبة أو مكتسبة لدى كل أمة من أممنا قد ضعف جانبها بفعل قصور في القدرة على التكيف مع التغيرات الشديدة غالبا التي تعرضت لها مجتمعاتنا ومع محيط خارجي تعددت مظاهره.

 إن ارتفاع عدد السكان في بلداننا خلال بضعة عقود من الزمن إلى ضعفي بل ثلاثة أضعاف ما كان عليه قد أدى إلى تقهقر الثقافة الشعبية وتراجعها أمام الشعبوية.

وأدى زوال دولة المن والسلوى إلى إفقار شرائح بأكملها من الساكنة في حين أن اختفاء الإيديولوجيا والثقافة الرسميتين اللتين تروج لهما الدولة الأمة جردها مؤقتا من المعالم التي بها تسترشد وتهتدي.

 إن الفراع الذي خلفه العجز الثقافي سرعان ما سدته رؤية دينية مختزلة وحاقدة سرعان ما سخرت لخدمة استراتيجيات عنيفة غايتها الاستيلاء على السلطة استراتيجيات تجلت في الجزائر بأقصى مظاهرها خلال "العشرية السوداء". إذ أصبح المثقفون الذين ينشطون الحياة الثقافية في البلاد الهدف المفضل لإرهاب عاث في الأرض فسادا بلا وازع ولا ضمير.

والسخط المتولد عن تفاقم الخروقات التي طالت أبسط حقوق الفلسطينيين الإنسانية وعن الاعتداءات الخارجية المتعددة المقترفة في الشرق الأوسط زاد الذهنيات راديكالية في العالم العربي بما لايخدم الازدهار الثقافي ولا يتواءم معه.

إننا في سائر بلداننا قد دفعنا ضريبة باهضة لهذا التطور المضاعف الداخلي والخارجي من حيث تدهور التجليات الوطنية للثقافة العربية. ونحن نقف الآن في مفترق الطرق: فإما أن نوفق في الرد ونعيد إن اقتضى الأمر اكتشاف مضمون ثقافة عربية عادت إليها حيويتها وتشارك بإنسانيتها وأنوارها في إقامة مجتمع واثق من نفسه وفي إيجاد عالم أكثر انسجاما وإما سيحكم علينا تيهاننا الثقافي بأن نصبح لقمة سائغة وفريسة سهلة للثقافات المسيطرة التي تفرضها القوى المهيمنة.

 إننا نملك الوسائل والإرادة لرفع التحدي: ولأجل هذا ينبغي لنا أن نتساءل بعيدا عن الصور التقزيمية والتنميطية عما تمثله في القرن الحادي والعشرين ثقافات العالم العربي هذه النابعة من الفضاء الحضاري الذي هو شركة بيننا".

"ما كان تساؤل كهذا ليجد إطارا أفضل من الجزائر لإعمال الفكر حوله ذلك أن بلادنا تمثل نقطة التقاء حضاري كان يوصف في ما مضى بالعربي الأندلسي وصار يوصف اليوم بالعربي الإسلامي بالمعنى الواسع. إنها بلاد تزخر بثقافة عربية وأمازيغية في الآن ذاته وبرصيد لغوي ثلاثي ثري بلغات متجذرة في واقعنا الوطني التعددي وبلغة حتى وإن كانت "لغة منفى" في حكم مالك حداد هي بمثابة "غنيمة حرب" منتزعة من المستعمر المهزوم على حد قول كاتبنا الملهم. وإنني أقترح فيما يتعلق بالبحث عن التساؤلات بشأن فحوى الثقافات التي توحدنا أن ينصب تفكيرنا على ثنائيات ثلاث.

 أبدأ أول ما أبدأ بذكر الثنائية المتمثلة في "الهوية والثقافات العربية" إن الثقافة الوطنية مثلما تعاش في كل بلد من بلداننا هي بالفعل جزء لا يتجزأ من هويتنا. لكنها لا يمكن مع ذلك أن تكون بديلا لها. ذلك أنه خلافا لمفهوم الثقافة فإن مفهوم الهوية مرتبط بالانتماء الاقليمي أو الجيني. إن المفهوم هذا هو أصلا مفهوم يتجلى من خلال "نحن" و"هم". عكس ذلك فإن الثقافة مثلما تريدها قيمنا العريقة تنبذ ما يسميه الأستاذ محمد أركون "أيديولوجيات الإقصاء المتبادل".

إن الخلط بين هويتنا الوطنية والثقافة العربية يعني كذلك إيجاد فضاء موات لتكاثر الصور النمطية التي تغذي كراهية الفضاءات الحضارية الأخرى. فسرعان ما يدعي في أصقاع أخرى بالويل والثبور على العالم العربي برمته وعلى "عرب" ينظر إليهم على أنهم طرف في نزاع مع الغرب. إن ضروبا من التفكير المختزل ومن التعميمات المتسرعة يدفع بها لتبرير الشكل الجديد الذي اتخذته معاداة السامية والمتمثل في كراهية الاسلام.

 إن إحلال الهوية محل الثقافة بمناسبة وبغير مناسبة قد غذى كراهية الأجنبي التي تستهدف جالياتنا في الخارج. إنه يرمي بهذه الجاليات في غيتو افتراضي يخفي العوامل المشتركة التي تجمعها بالسكان المحليين وقيمة وتنوع إسهام أعضائها في مجتمع بلاد الإقامة بصفتهم حرفيين أو محامين أو باحثين أو رياضيين أو عمالا متطوعين.

 وخلافا للهوية فإن الثقافة لا تصدر عن أمر. إنها أولا وقبل كل شىء حوارداخل المجتمع وحوار بين المجتمعات. إن مآلها هو أن تتخطى الحدود الوطنية لتشمل سائر فضائها الحضاري وتتفتح على العالمية. من ثمة يصبح من قبيل التعسف أن نعتد بالثقافة كوسيط لخاصية بعينها ومن قبيل الزيغ أن نتذرع بها لإضفاء المشروعية على اعتبار العروبة مرادفا للغيرية العقيمة بدل التنوع الخصب.

 إن افتتاح هذا الملتقى يوم رأس السنة الأمازيغية المخلد لتربع الفرعون الأمازيغي شاشناق الأول على عرش مصر قبل 2957 سنة خلت هو في الآن ذاته رمز وتذكير بهذا التنوع بصفته عربونا يضمن حيوية الثقافة

 وهذا يسوقنا إلى التطرق إلى الثنائية الثانية ألا وهي "الثقافات العربية والعولمة" لنوصي بتسيير أكثر انسجاما لأصالتنا تسيير يتكيف بالتساوق مع تكفله بما يزخر به تراثنا العريق من ثراء مع مقتضيات الحاضر ويزيد الثقافة حيوية وعنفوانا مع السهر على ألا تكون ممجدة للماضي فحسب وإنما على أن تكون مولية وجهها شطر المستقبل ومتفتحة على العالمية.

 إن القول بتفتح الثقافة في العالم العربي على العالمية لا يعني مع ذلك أنه يلزمها بأن تتشبع بالثقافة الغربية انطلاقا من منظور "نشر" التقدم الذي يتعين عليها الانصياع والخضوع له طوعا باسم الحداثة. إن ثقافتنا سيتهددها حينذاك خطر الغرق والذوبان. ولن تصبح اللغة العربية وغيرها من حوامل رموز ثقافتنا سوى أوعية حاملة لمفاهيم أجنبية لا صلة لها بواقعنا. ولن تصبح ثقافتنا في نهاية المطاف إلا الوعاء العربي لمنتوج أجنبي.

 إن خطرا كهذا الذي سبق وأن حاق بالنهضة العربية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشرازداد تفاقما اليوم بفعل مد العولمة المكتسح والعاتي".

" إن محاولة وقاية ثقافات العالم العربي من المد هذا قد تم بعد وسمها بالتخلف وبرفض العقلانية التي أتاحت بروز عصر الأنوار في الغرب. وحسب النظريات "النشرية" التي غالبا ما ينادي بها مستشرقون من ذوي النوايا الحسنة فإن الثقافة العربية ستبقى بذلك حبيسة مدونة لا تتغير من المعايير ومن المواقف العاطفية التي لا تفرد للعقلانية مكانا وتجعل من ثمة ذهنياتنا غير قابلة للتكيف مع "الحضارة الحديثة".

 إننا نرفض بقوة هذه النظريات التي تعمد إلى الخلط بين الحداثة والتغريب ومع ذلك لا ينبغي لنا أن نتوقع متخوفين في شرنقة أمجادنا الثقافية الماضية بالخضوع والخنوع لدعاة التقليد العقيم. بالعكس إنه ينبغي لنا إعادة ابتكار الثقافة العربية بتيسير تفتح ضمن مجتمعاتنا موات للإبداع ولا يكون "بدعة" بمفهومها القديم المرادف للضلالة.

 ومن هنا أنتقل إلى الثنائية الثالثة المتمثلة في "الثقافة العربية والحرية" إن فضاء حرية كل فنان وكل مؤلف والذي طالب به اعتبارا من القرن الثاني للميلاد أبوليوس ابن بلدة مداوروش الجزائرية من المفروض ألا يحده إلا احترام حرية الغير.

 إن الشعر بتفتقه في فضاء جرى تحريره على هذا النحو سيصبح كما قال مولود معمري:

" كلمة الشاعر المجنحة التي لا تخضع للقواعد المفروضة. بينما تنبجس قريحة الفنان وهي حسب ألبير كامو "العيش على التخوم وتلقف ما يستعصي على الأفهام وإعطاء شكل لما لا شكل له".

 وفي نهاية المطاف إن إعادة ابتكار الثقافة العربية التي يشارك فيها الشاعر الذي دعاه أدونيس إلى أن يكون "صانعا لعالم جديد" تنبذ التفريق الوهمي بين "التقليد" و"التجديد" إنها تدعو إلى تثمير التراث الثقافي التقليدي لكل منا بالاعتماد على منهج علمي وليس بالتغني بالمآثر والأمجاد.

كما أنها تدعو كلا منا إلى اقتفاء الأسلاف قبل أن يطمح إلى أن يصير مثلهم من "الأدباء المنسجمين مع عقيدتهم حقا لكن مع زمانهم كذلك".

إنها تقتضي قبل ذلك منظومة تربوية عالية الجودة وتتطلب أخيرا صياغة مناهج مبتكرة قمينة بوضع حد لتدهور التراث الثقافي الكلاسيكي ورسم المسار الأسلم للثقافة العربية المستقبلية صوب العصرنة ويمكن لذلك أن يكون لما لا برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو".

 إن التفاعل بين ثقافات المشرق الذي يشمل بلاد الفرس والمغرب العربي ومعه الأندلس ساهم منذ آلاف السنين في إثراء فضائنا الحضاري.

لقد كانت الجزائر ولا تزال محركا للتفاعل بين المشرق والمغرب. فمنذ القرن الثاني للهجرة كانت بلادنا الممر الذي تسلكه حتما الحركة الفكرية من العباسيين في الشرق نحو بني مروان في الأندلس شمال غرب المتوسط. كما كانت الجزائر فيما بعد موئلا للمتصوف الأندلسي الكبير ابن عربي وهو في طريقه إلى المشرق ولابن رشد الذي تفند عقلانيته فرية اللاعقلانية التي رميت بها الحضارة العربية ظلما وإفكا ولابن خلدون الذي دون فيها مقدمته الشهيرة. إن تفتح الجزائر على الثقافات العربية من شرق حوض المتوسط إلى غربه مجسد في تراثنا الموسيقي الذي استوعب على المنوال نفسه الموسيقى الأندلسية زاد الناجين من محاكم التفتيش والموسيقى التي جاءت من بلاد الرافدين والتي يدل اسم الموصلية على أصلها دلالة واضحة.

إن الاحتلال الاستعماري وضع حدا لهذا التفتح وسعى إلى إبادة ثقافتنا الوطنية طبقا لمسار اضطهادي وصفه فرانز فانون وصفا بليغا في مؤلفه "المعذبون في الأرض".

وكان من آثار ذلك الاضهاد ليس إخماد ثقافتنا بل خلاف ذلك إذكاء الوعي الوطني. فمن مؤلفات الأمير عبد القادر في منفاه إلى الآثار الأدبية والدينية لابن باديس في قسنطينة برزت نهضة حقيقية ثقافية عربية إسلامية تجاوب معها وردد صداها أدب ناضل من أجل الحرية من خلال أعمال كل من كاتب ياسين ومحمد الديب على وجه الخصوص".

"ومع الاستقلال استعادت الجزائر مكانتها في الرواية العربية بفضل إنتاج كتاب مقتدرين من أمثال عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار وأحلام مستغانمي على سبيل المثال لا الحصر الذين عالجوا مشاكل مجتمعنا ببراعة وحصافة. وكان تنظيم المهرجان الأول للرواية في الجزائر العاصمة سنة 2002 سندا لهذا التطور الواعد. ومثل هذه المبادرة جديرة بأن تتجدد دوريا بقدر ما يجدر تشجيع عقد ندوات متلفزة للتعريف بمنتوجنا الأدبي.

 إن الجزائر وبعد بعض المماطلات عمدت إلى تشجيع التعبير الأدبي الجزائري بالعربية أولا و هي الوطن الأم بطبيعة الحال دون إقصاء وسائل التعبير الأخرى ذلك أن المهم في المجال الفني إنما هو جمال المؤلف ورونقه وليس اللغة التي تنقله إلى المتلقين وكفى. لذلك سعدنا لإحراز آسيا جبار على العضوية في الأكاديمية الفرنسية هذه الكاتبة التي نقدر عاليا إسهامها في إضفاء العالمية على ثقافتنا بواسطة لغة فولتير لكن بروح جزائرية صرفة.

 إنه يبقى علينا فعل الكثير على المستوى الوطني لتشجيع تفتق مواهب جديدة في الفنون التشكيلية وفي الآداب ولكي يجد كل المبدعين في الجزائر المناخ التكنولوجي والإداري والمالي المواتي لنشر أعمالهم في بلدهم. إننا مصممون على تدارك تأخرنا في هذا المجال.

إن ترقية ثقافة الكتاب بل الشغف بالكتاب في الجزائر وتكثيف إشعاع العالم العربي لا يمكن أن يستغنيا عن الوساطة ما بين الثقافات التي يضمنها تعزيز قدرات الترجمة. فبفضل الترجمة. تسنم العالم العربي قديما من بابل إلى غرناطة مرورا بقسنطينة وبجاية وتلمسان قمة الثقافة. ومن خلال مسعى كهذا يمكننا أن نرتقي بسرعة إلى مستوى مماثل من الامتياز. من ثمة أحيي قرار الجامعة العربية القاضي بإنشاء مركز عربي للترجمة واختيار الجزائر العاصمة مقرا له. وعلى مستوى المنطقة العربية وحتى على المستوى الوطني يمكن إحداث جوائز قيمة بمشاركة القطاع الخاص لتكريم المبدعين الفنيين العرب الذين غالبا ما يتوقف الاعتراف باستحقاقهم على لجان تحكيم من خارج حدودنا.

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة

حضرات السيدات والسادة

 إننا نأمل أن تكون سنة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" في مستوى التوقعات ومن بين ما نأمل الاهتمام بالنشر الأفقي للثقافة فأمية الحرف مرض مزمن والأمية الثقافية داء عضال فإذا تباطأ التكامل والتنسيق في بعض الميادين السياسية والاقتصادية والتجارية بين الشعوب فإن التبادل الثقافي وخاصة منه المنتوج الأكاديمي والأدبي والفني ذو المستوى الرفيع ينبغي ألا يحتاج إلى تأشيرة وإننا لنتطلع إلى اليوم الذي يتزايد فيه الانتاج المشترك المقروء والمسموع والمرئي وأن يصبح متداولا على امتداد الساحة العربية وأن يتنقل الباحثون المبدعون داخل الوطن العربي وفي المهجر بحرية ويشكلون فرق بحث مشتركة وبتمويل مشترك في إطار الجامعة العربية ومنظمتها للتربية والثقافة والعلوم وبمبادارت أخرى من منظمة المؤتمر الاسلامي وهيئتها المتخصصة أيضا في نفس المجال ولها برنامج العواصم الثقافية لأكثر من خمسين بلدا ولليونسكو جهد مشكور في كل الميادين التي أشرنا إليها فهي التي أقرت العقد العالمي للتنمية الثقافية وبرنامج العواصم الثقافية الذي انطلق من أوروبا ويتواصل في مختلف أقطارنا العربية وسوف تكون الجزائر بإذن الله على موعد أيضا مع الثقافة الإفريقية في نوفمبر من هذه السنة 2007.

 إن مثل هذه الأولويات العاجلة لا تكفي فيها التوصيات ولو كانت بليغة بل ينبغي أن تتحول إلى خطة عمل محكمة وعلى المدى الطويل. ومن المهم على وجه الخصوص العناية بثقافة الطفل والشاب الذي لا يجد بين البيت والمدرسة الكثيرمن المنتوج الثقافي والترفيهي الذي يصله بواقع بلاده وعيون تراثه وما يساعده على استلام المشعل في القرن الواحد والعشرين وهو وثيق الصلة بحضارته وجذوره وليس غريبا في نفس الوقت عما يجري في عصر الحاسوبية والمعلوماتية والجينوم وعلوم الفضاء.

ليس من باب التفاؤل العاطفي أن ندعو لاستبدال اليأس بالأمل والشك بالثقة في النفس وأن نتصدى للعجز باستنهاض الهمم وتكاتف الإرادات وتفعيل القدرات إننا لا نرى عدوا لأمتنا أخطر من التخلف ولا نرى سبيلا للتخلص من أثقاله ومضاعفاته سوى طريق الإصلاح الشامل الذي لا يخاف في حق الأمة ومستقبلها لومة لائم.

 وفقكم الله لخدمة الفكر والثقافة في الوطن العربي وفي تبليغ الرسالة الحضارية لأمتنا إلى البشرية جمعاء.

 أشكركم على جميل صبركم وكرم إصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

 *************

 شكرت السيدة خليدة التومي فخامة الرئيس لدعمه المالي والثقافي الكبير لهذه المناسبة منهيةً بذلك جلسة هذا اليوم والخطاب التاريخي لفخامة الرئيس عبد العزيز بو تفليقة .. وفي صدد الدعم المالي لفخامة الرئيس لهذه المناسبة الثقافية ، فقد سبق للسيدة الوزيرة أٍن صرحت في لقاء طويل معها نشر في العام الماضي 2006 في مجلة دبي الثقافية ، بأنه تم رصد ملياري دولار لهذه المناسبة الثقافية طيلة عام 2007..

 في بهو القاعة الواسعة تجمَّع الجميع في إنتظار وقت الغداء مع فخامة الرئيس وضيوفه وجميع الموجودين ، وكان وقتاً تفاعلَ وتعارفَ فيه الجميع في جوٍ مفعم بالاخوة والتآلف العربي .. بعد ذلك دعي الجميع الى مائدة الغداء الكبيرة وتناول الجميع طعام غدائهم تلبية لدعوة فخامة الرئيس الذي كان وجوده وسط الجميع قد أٍضفى هيبةً ووقاراً ، فضلاً عن الضيوف العرب كالأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى ود. المنجي بو سنينة والسادة رئيس وأعضاء الحكومة الجزائرية وباقي الضيوف الآخرين ..

 في الحقيقة ؛ إن الأيام الثلاثة التي مرَّت 11و12و13/1/2007 كانت مكثّفة ، يوم الافتتاح الجماهيري ويوم الافتتاح الرسمي في القاعة البيضاوية ، حتى يوم الخطاب الرئاسي في قصر الأمم .. بعد هذه الأيام بدأت بعض الوفود التي ليس لها عملاً آخر تهمُّ بالمغادرة بالرغم من أن الاخوة الجزائريين حثّوا الكثير منهم على البقاء لتقديم نشاطهم الفني في العاصمة أو في المدن الاخرى ، وقد لبّى الأكثرية هذه الدعوة ومكثوا اياماً أُخر ليقدموا أعمالهم الفنية ..

 في يوم 14/1 زارنا الى الفندق ظهراً الصديق العزيز الأٍستاذ لخضر بن تركي المدير العام للديوان الوطني للثقافة والاعلام ، وهو الشخصية الاقرب الى السيدة الوزيرة في قيادة وتنظيم هذه التظاهرة الثقافية التي تستمر حتى نهاية هذا العام 2007 من خلال دائرته الفنية والاعلامية .. إجتمع السيد لخضر مع رؤساء الوفود ، وركَّز حديثه عن النشاطات الفنية للوفود وشؤون سفرهم وإقامتهم داعياً الى بقاء الفرق الموسيقية وفنونها الشعبية أياماً أُخر ، وقبل أن يغادرنا وجَّه لنا دعوة لتناول العشاء خارج الفندق في أحد الأمكنة السياحية مساء اليوم ..

 بعد ظهر هذا اليوم جاءني أخي وصديقي مختار حيدر أبو خليل وزوجته الاعلامية السيدة فاطمة ولد خصال ومعهما أحد كبار الفنانين الجزائريين وهو محمد طاهر الفرجاني وإبنه الفنان سليم الفرجاني وصديق آخر نسيت إسمه ، في هذه الدقائق تشرفت بمعرفة هؤلاء الفنانين المتخصصين بالغناء الأندلسي والمدرسة القسنطينية في هذا الفن العريق ، وقد كان هذا اللقاء حميماً ومتفاعلاً وودياً للغاية تحدثنا فيه عن الموسيقى والغناء والتراث القسنطيني باعتبارهم من مدينة قسنطينة ، وخلال اللقاء أهداني الفنان محمد الفرجاني (قلم حبر) كان في جيبه للذكرى مع CD عدد 2 من نتاجاته الغنائية وهما ألبوم – لو كان سلطان الملاح – والألبوم الآخر - ياظالمة غاب فلك لحباب – وكذلك كان الفنان سليم قد أهداني هو الآخر شريط كاسيت من أحد ألبوماته الغنائية ، ولم يذهب هذا اللقاء سدى دون أن تلتقط بعض الصور التذكارية .. وقبل مغادرة الفنانين قدَّم لي الفنان محمد الفرجاني دعوة لحضور حفلة تكريمه يوم 25/1 من قبل الاذاعة والتلفزيون الجزائرية في حالة بقائي الى ذلك اليوم في الجزائر ..

 غادر الضيوف وبقي أخي مختار وزوجته ، فاستأذنت منهما وصعدت الى غرفتي ثم عدت جالباً معي نسخة من كتابي الاول (المقام العراقي الى اين .؟) ونسخة من كتابي الثاني (المقام العراقي بأٍصوات النساء) مع بعض الـ CD من نتاجاتي الغنائية وأهديتها إليـــــهما حتى غادرا شاكراً لهما زيارتهما ولقــاء الفنانين ..

 في المساء كنت ساهراً مع رؤساء الوفود ملبياً دعوة صديقنا الاستاذ لخضر بن تركي على العشاء وقد كانت ليلة جميلة حقا ..

 في ضحى اليوم التالي 15/1 أخذتني سيارة خاصة بالوفود الى دار الاذاعة والتلفزيون الجزائرية ، حيث أُجري معي لقاءاً مطولاً لحلقتين من حلقات البرنامج الأثير (في رحاب الطرب) الذي تعده وتقدمه الاعلامية المعروفة فاطمة ولد خصال ، كان الحديث فيه منوَّعاً ، عن المناسبة الثقافية للجزائر وعن المقام العراقي وعن حياتي الفنية وغير ذلك .. ويذكر أن هذا البرنامج سبق أن أجرى معي أكثر من لقاء وأكثر من حلقة سواء في العراق اوالجزائر ، فكان اللقاء الاول عام 1995 في بغداد عندما حضرت الاٍعلامية فاطمة ولد خصال الى بغداد لتغطية مهرجان بابل الدولي ، واللقاء الثاني كان في الجزائر 2005 عشية جولتي الغنائية الجزائرية في العاصمة والمدن الاخرى ..

 مساء هذا اليوم غادر زملائي الموسيقيون أعضاء الفرقة الشعبية الى دمشق مقر إقامتهم معتذرين عن البقاء فترة أُخرى في الجزائر لتقديم حفلات أُخرى ،ٍ وذلك للنقص الواضح في مضمون عناصر الفرقة ، فهي فرقة شعبية ليس فيها غير آلة الزرنة الشعبية والباقي كلها آلات ايقاعية .. ودَّعْتُهم شاكراً لهم جهودهم ومشاركتهم هذه ..

 بعد مغادرة الزملاء الموسيقيين محمد خميس وعمر احمد مجيد ورافل احمد مجيد واحمد بدر حمد وجواد كاظم جواد وهشام عباس طبانة .. أخذتني السيارة مرة أُخرى الى دار الاذاعة والتلفزيون حيث ظهرت بصورة مباشرة من التلفزيون الجزائري الفضائي مع قنواته الاخرى التي تنظم جميعها لاذاعة فترة الاخبار المسائية الرئيسية ، وقد كان يذيعها في هذا المساء المذيع المعروف عبد الكريم بو سالم ، وحاورني بعد الأٍخبار مباشرة المذيع المقتدر نزيه بن رمضان في سؤالين عن المناسبة الثقافية للعاصمة الجزائرية هذا العام ، وعن المقام العراقي والعوامل المشتركة مع بقية تراث الشعوب العربية ..

 عدت الى الفندق لأجد الاستاذ لخضر بن تركي مشغولاً مع وفد مصريٍ فني ثان جاء تواً من المطار لينظمَّ الى الوفد المصري الموجود منذ إسبوع في الجزائر (فرقة التنورة) وذلك لاقامة إسبوع ثقافي مصريٍ تم الإعداد له مسبقاً حُدد موعد إفتتاحه يوم 17/1 .. لقد كانت الوفود الموجودة في الفندق كثيرة ،ٍ والتواجد الدائم في صالة الفندق الأرضية الكبيرة قرب الاستعــــــلامات ) Reception ) طيلة ساعات اليوم تقريبا ، يشعرك بالحيوية والتفاعل المستمر ، وفي ذلك متعة جميلة على الدوام ..

 رغم أن فندق سفير مزفران الذي نقيم فيه في منطقة زرالدة يبعد حوالي 40 كم عن وسط العاصمة الجزائرية ، لكنني كنت أشعر أن الشعب الجزائري كله يشارك في هذه المناسبة الثقافية ، اذ نحس ذلك أينما حللنا بهم .. ومن النادر أيضا أن نلتقي بشعب كشعبنا الجزائري يرحب بضيوفه بهذا القدر من الترحيب وحسن الاستقبال .. وجوه باسمة دائماً ، فرحة مبتشرة مسرورة محبة للضيوف وهو ما عهدناه من شعبنا الجزائري الأبي ، صاحب الأكثر من مليون شهيد من أجل الاستقلال والحياة الحرة الكريمة ..

 نعود قليلا الى الماضي ، عندما أقمت أول حفلات جولتي الجزائرية يوم 26/10/2005 في القاعة الشهيرة (الموقار) وسط العاصمة الجزائرية ، كانت معالي السيدة وزيرة الثقافة خليدة التومي ترعى هذه الحفلة ،ٍ وقد بدا لي ولفرقتي الموسيقية أن الحفلة كانت ناجحة بمقياس كبير ،ٍ الأٍمر الذي حدا بالسيدة الوزيرة أن تصعد على خشبة المسرح في نهاية الأمسية وهي تصفق مع الجمهور لدقائق طويلة تارةً ، و ترفع يدي تحية مع الجمهور تارة أخرى ، وبعد ذلك إنهال الجمهور علينا يبدي إعجابه وتهنئته بما قـُدم له من فولكلور غناسيقي عراقي ، مضى هذا الوقت سريعاً وتفرَّق الجمهور ، ثم جاءني الاستاذ لخضر بن تركي وأخذني الى غرفة الادارة حيث كانت السيدة الوزيرة ومعها إحدى الموظفات ، وجلسنا جميعاً نستمع الى كلام السيدة الوزيرة وهي تبدي إعجابها بالعرض الفني وبالقصائد الصوفية التي غنيت بعضها في الحفلة ،ٍ وتبادلنا الحديث عن هذا الموضوع ثم ألحّت بدعوتها لي بالقدوم الى الجزائر والبقاء فيها للتدريس في كلية التراث المزمع إنشاءها قريباً .. على كل حال ، لا أُريد أن أُطيل في هذه التفصيلات لأنني كتبتها في كتابي المخطوط بجزئه التاسع تحت اسمه المؤقت (من ذاكرة أسفاري) الذي أنوي إصداره عن طريق المؤسسة الأثيرة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – في بيروت وصاحبها الاستاذ الفاضل ماهر الكيالي ان شاء الله ..

 إن ما أُريد قوله ؛ هو أن في هذه الحفلة كنت قد تشرفت بمعرفة السيدة الوزيرة شخصياً ، وبعد أن أنهيت جولتي الفنية الجزائرية بحفلات أُخرى في مدن بسكرة وسطيف والقسنطينة عدت الى العاصمة لاغادرها عائداً الى دمشق في طريقي الى عمَّان مقر إقامتي مساء يوم الثلاثاء 1/11/2005 وفي عصر هذا اليوم زارني الاستاذ الفاضل الأمين البشيشي وهو الباحث الموسيقي الكبير والوزير أو وكيل الوزير سابقاً ، الذي تعرَّفت عليه شخصياً في القاهرة عشية حضورنا في مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية السابع في دار الاوبرا المصرية عام 1998 .. جلسنا في صالة الفندق الكبيرة وتحدثنا في الكثير بما يخص الموسيقى والغناء ثم أهديته كتابي الاول (المقام العراقي الى اين.؟) وكتابي الثاني (المقام العراقي باصوات النساء) إضافة لمجموعة من بعض ألبوماتي الغناسيقية بأقراص مدمجةCD وهي ألبوم ( غناسيقى بغدادية ) وألبوم ( سهرة بغدادية تلفزيونية ) وحفلة ( المسرح الوطني ) ببغداد وحفلة ( طرابلس / ليبيا ) وحفلة ( بغداريس ) وأهديت بمثل هذه السيديات والكتابين الى السيدة الوزيرة ورجوته أن يسلمها باليد , ثم غادر شاكراً له زيارته الكريمة .. وعندما حان وقت المغادرة مساء اليوم ونحن وحقائبنا في صالة الفندق ننتظر قدوم السيارة التي تقلّنا الى المطار , فوجئت بعودة الاستاذ الامين البشيشي مرة أُخرى حاملاً معه كتابين من إصدارات المجمع العربي للموسيقى من إعداده وتقديمه , وهما – وقائع المؤتمر السادس عشر للمجمع العربي للموسيقى / الجزء الاول وكذلك نفس الكتاب في جزئه الثاني .. ثم تبادلنا تهاني عيد الفطر المبارك حيث كنا في اليوم الاخير من رمضان الفضيل ..

 بعد اكثر من شهر بقليل , تحديداً في يوم 4/12/2005 إتصلت من عمَّان بالاستاذ الامين البشيشي مستفسراً منه في شأن وصول الكتابين والسيديات الى معالي الوزيرة , فقال , نعم وصلت ، فقلت للتأكد ، هل وصلت باليد .؟ فرد عليَّ مباشرة .. ألم تكن أمانة .؟ ألم تؤمِّنِّي على إيصالها باليد .؟ ثم اردف قائلا .. إن السيدة الوزيرة موجودة الآن في الاردن , فإن أردت منها شيئاً فحاول الاتصال بها ..