النقد الأدبي في المشرق العربي

النقد الأدبي في المشرق العربي

محمود البعلاو

أقام المعهد الفرنسي للشرق الأوسط في دمشق ندوة علمية بعنوان «النقد الأدبي في المشرق العربي» نظمها د. جمال شحيد، و د. إيريك غوتيه، وحضر حفل الافتتاح الاستاذ الدكتور محمود السيد ­وزير الثقافة السوري­ وجمهور من الأدباء والمفكرين والمهتمين.

*.. في كلمته رحب الدكتور فلوريال سناغوستان­ مدير المعهد الفرنسي للشرق الأوسط ­بالحضور ثم بين الجهود الكبيرة التي يبذلها المعهد لدراسة الأدب كأهم ظواهر الثقافة العربية.. ومن أهم انجازاته تحقيق ديوان أبي فراس الحمداني على يد سامي الدهان وتحقيق سيرة الملك الظاهر بيبرس لـ «جورج بوهاس» وكاتيا زكريا في الخمسينيات وحديثاً تم نشر كتابين هما أعمال ندوتين انعقدتا في المعهد هما (الرواية السورية المعاصرة) و(القصة القصيرة في سورية­ أصالتها وتقنياتها السردية) ثم ألقى الاستاذ د. جمال شحيد كلمة أشار فيها إلى أهمية التفاعل النقدي بين المشرق العربي وفرنسا لأن النقد الأدبي في بلاد الشام استفاد كثيراً من النظريات النقدية التي طرحها النقاد الفرنسيون في القرون الثلاثة الماضية، ومع انتشار حركة الترجمة صارت التيارات النقدية الأوروبية في متناول المجتهد العربي.. وقد نهل مؤسسو النقد الأدب العربي الحديث من مصدرين هما النقد العربي القديم والنقد الأوروبي الحديث وبدأت الأفكار النقدية الجديدة تشق طريقها بتؤدة إلى النقد العربي الحديث؛ فتغيرت الذائقة الفنية وترسخت المعايير الجمالية الجديدة وانتقل النقد العربي من الانفعال العاطفي إلى التفكير العقلاني ومن أدب اللفظ إلى أدب المعنى كما قال أحمد أمين أو إلى الغربلة كما قال ميخائيل نعيمة، إلا أن الثورات العلمية والمعرفية التي حصلت إبان القرن العشرين في الألسنية والتحليل النفسي وعلم الاجتماع والأدب المقارن والاتصالات الحديثة أحدثت في النقد الأدبي قفزة نوعية وفتحت آفاقاً فسيحة أمام هذا النقد الذي تشعّبت مساربه وتنوعت تياراته وأطيافه ومدارسه.. وإذا كان القرن التاسع عشر بالنسبة للنقد العربي هو القرن المؤسس فإن القرن العشرين يعتبر القرن المرسخ والمثري لهذا النقد. ‏

* وأكد الدكتور محمود ­السيد وزير الثقافة­: إن أهمية هذه الندوة تتأتى من أهمية النقد في الكشف عن الأعمال الأدبية الرصينة والهادفة والتي تصل إلى شخصية الأديب فتحيط بدقائقها، وإن تتخذ من هذه الشخصية ومايؤلفها من عواطف وميول وأهواء وسيلة إلى فهم العصر والبيئة بمفهومها المضموني والشمولي، كما أشار إلى ضرورة اعتماد المفهوم الواسع للأدب وعدم حصره بالشعر والنثر الفني وتعميق التذوق الفني والجمالي في مناهج تدريس الأدب في الوطن العربي وفي مختلف مراحل التعليم وابراز الإطار الحضاري للعصور الأدبية العربية ليكون إطاراً شاملاً لدراسة الأدب لاهدفاً أساسياً له مع العمل على تشجيع الاتجاه الآخذ بتعريف الدارسين روائع الأدب العالمي ونظيراتها العربية والإفادة من المقاييس والمذاهب العالمية بمايتلاءم والخصوصية الوطنية والقومية والإنسانية للمجتمع العربي المعاصر، كما بين السيد الوزير إسهامات وزارة الثقافة السورية في تجذير النقد العربي بطريقين: أولهما نشر النصوص النقدية العالمية الأساسية وثانيهما نشر سلسلة دراسات نقدية عربية وكذلك إعلان مسابقة للنقد باسم الناقد المرحوم الدكتور محيي الدين صبحي. ‏

* وتوزعت الندوة إلى ست جلسات حسب محاورها وهي: ‏

1- النقد العربي في نهاية القرن التاسع عشر»، وترأسها كمال أبو ديب وشارك فيها الباحثون فيصل دراج وعبد الرزاق عيد. ‏

2-  الناقد والروائي ومساهمة النقاد في حركة النقد المعاصر» ترأسها فلوريال سناغوستان وشارك فيها الباحثون الياس خوري وإيريك غويته. ‏

3-  النقد الأدبي في المجلات والدوريات ترأسها الدكتور عبد السلام العجيلي وشارك فيها الباحثون دنيا أبو رشيد ونبيل سليمان ‏

4- ­ ملامح نقدية ترأسها سعد البازعي وشارك فيها الباحثون رفيف صيداوي وكاظم جهاد ‏

5- ­ حدود النص وسياسات التأويل، ومن البلاغة إلى النقد والناقد مستتراً ترأسها غسان السيد وشارك فيها الباحثون كمال أبو ديب ومحمد كامل الخطيب وحسان عباس ‏

6- ­ نحو نقد أدبي معماري والبنيوية التكوينية ترأسها الياس خوري وشارك فيها الباحثون جمال شحيد وسعد البازعي ‏

* وتميزت غالبية بحوث الندوة بالعلمية والمنهجية، وذكر الياس خوري الناقد اللبناني المعروف رؤية رولان بارت لشخصية الناقد حيث كشف عن وجود روائي سري يختفي خلف كل ناقد ولايجرؤ على الإعلان عن نفسه ثم ذكر بأن جبرا ابراهيم جبرا نجح في كسر الحاجز بين الناقد والروائي وطرح إشكالية تتمحور حول الكتابة والعمل الروائي بوصفه رؤية نقدية من خلال مبناها الداخلي حيث تبرز ثلاثة أسئلة تشكل سياقاً واحداً يطرح نفسه على الحداثة العربية الأدبية وعلى المبنى الروائي وهي (الوشم والأشكال الجديدة والسلطة).. والتحرر من هذه الثلاثية كان وليد انهيار المحرمات وانسداد الأفق كما كان وليد تهافت الفكر الانقلابي في الأدب، وخلص إلى أن الحاضر يكتب نفسه في الأدب والروائي أو الشاعر هو قارىء الحاضر ومهمته صوغ لغة هذا الحاضر عبر استيعاب لغة الماضي وتجاوزها من جهة وعبر فتح أبواب العلاقة بين الواقعي والمتخيّل من جهة ثانية.