برقيات أدبية(65)

برقيات أدبية(65)

* صدر عن دار الرازي في عمان – الأردن، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا:

1 – حركة الإصلاح في العصر الحديث – عبد الرحمن الكواكبي نموذجاً:

وهذا الكتاب يتضمن وقائع الندوة التي عقدت في المركز الثقافي الملكي في عمان بتاريخ 8 – 10شعبان 1423هـ - 15 – 17 تشرين الأول 2002.

وقد نظم هذه الندوة كل من المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ومؤسسة الإمام الخوئي، ووزارة الثقافة الأردنية.

وجاء في هذا الكتاب الذي حرره الأستاذ زكي علي العوضي في 416 صفحة من القطع الكبير.

2 – دليل التاريخ والحضارة الإسلامية في الأحاديث النبوية. وهو من إعداد الدكتور عماد الدين خليل، والأستاذ حسن الرزو وجاء الكتاب في 368 صفحة من القطع الكبير.

* صدرت في مدينة الرياض (ملحمة الفلوجة) للشاعر د. أحمد الخاني، في 110 صفحات من القطع الكبير.

* صدر عن دار عمار للنشر والتوزيع في عمان كتيب بعنوان (نصيحة إلى إخواننا الشيعة) للأستاذ أسامة عودة، في 31 صفحة من القطع الصغير.

* صدر في بغداد، الجزء الرابع من كتاب: (عبد الخالق فريد في رسائل أدباء عصره. من 1956 – 2004) وجاء هذا الجزء في 153 صفحة من القطع العادي.

* صدر عن الدار العربية للموسوعات في بيروت كتاب (قراءة نقدية لذيل الأعلام للعلاونة) تأليف الشيخ محمد بن عبد الله آل رشيد، في 194 صفحة من القطع الكبير.

* صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، كتاب: (القبض على الجمر تجربة السجن في الشعر المعاصر) تأليف الدكتور محمد حُور. وجاء الكتاب في 407 صفحات من القطع الكبير.

* صدر عن دار النهج للدراسات والنشر والتوزيع في حلب – سورية، كتاب (التسويق والسمسرة في التطبيقات المصرفية) من إعداد الدكتور عبد الوهاب الريحاوي، وتقديم الدكتور عبد الستار أبو غدة. وجاء الكتاب في 99 صفحة من القطع الوسط.

* صدر عن دار المنارة للنشر والتوزيع في جدة، ومكة المكرمة كتاب:

(دروس الإيمان في شهر رمضان – 30 درساً) تأليف الدكتور عبد المهيمن طحان – وكيل المعهد العالي لإعداد الأئمة والدعاة. وجاء الكتاب في 140 صفحة من القطع العادي.

* صدر العدد الجديد من مجلة (إسلامية المعرفة) وهي مجلة فكرية فصلية محكمة يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

وهو العدد (25) للسنة التاسعة، عدد شتاء 1425هـ - 2004م.

تضمن العدد عدداً من البحوث والدراسات المتميزة لرئيس التحرير الدكتور طه جابر العلواني، وللأساتذة: ظفر إسحاق أنصاري، وعبد الرحمن حللي، وكمال توفيق حطاب، وإلياس بلكا، ومصطفى الحيا، كما تضمن تقريراً عن الفقه المعاصر للأقليات المسلمة/ بريطانيا، وتعريفاً بثلاثة كتب من التراث. وجاء العدد في 225 صفحة من القطع العادي.

قراءات مسرحية في رابطة الأدب الإسلامي

من : صالح البوريني- عمان

أقامت رابطة الأدب الإسلامي في عمان أمسية أدبية قرأ فيها الأستاذ أحمد أبو شعيرة مسرحية تاريخية بعنوان  ( رائعة سمرقـنـد )  من خمسة مشاهد قصيرة ، ثم قرأ الأستاذ هاشم الكفـاوين  عددا  من   اللوحات المنتـقاة من مسرحية تاريخية استعراضيـة بعنوان ( لوحات مقدسيـة ) . وقدمهـما الأستـاذ الكاتب محمد ناصيف .

ولقد كانت الغفلةُ عن الفـرق الكبيـر بين جو المسرح

وجمهوره وجو الأمسية الأدبية وجمهورها ، وفقـدانُ حلقات الوصل بيـن الماضي والحاضر ،  والأخطـاءُ اللغويـة بالإضافـة إلى نقـد المجاملات ؛ ملاحظاتٍ سجلهـا قلم الرصـد الأدبي في الأمسيـة المذكورة والتي أقيمت مساء يوم السبت 5/6/2004  .

 فقد انتـقل بنا الأستاذ أحمد أبو شعيرة  إلى التاريخ  ، وإلى زمن الفتوحات الإسلامية في عهد الأمويين تحديدا، وأدخلنا ( سمرقـنـد )  مع جيش القائد الفاتح سعيد بن عثمان ، ولكنـه تركنا هنـاك ولم يعد بنا إلى الواقـع إلا عبر هاتف ( مبهم ) يأتـي من سمـاء سمرقند ويمر فوق دمشق وبيت المقدس ، يُـسمَـع صوت صاحبه ولا يُـرى شخصه ؛  يقـرأ علينا  بأعلى صوته مسلّـماتٍ تُـخْـبـرُ  بسقوطنا وغياب شمسنا وانطواء أشرعتنا وراياتنا وتداعي الأمم علينا ، وتتجاوز هذه القراءة  ـ في الوقت نفسه ـ كل هذا الواقع الأليم لتضعنا ـ  دفعة واحدة ـ على شاطـئ الرجاء  ؛ نلهج بابتهالات العاجزين ودعاء المستغيثيـن ،  ثم تـتـركـنا هائميـن في سكرة حلُـم  ؛  نجتر وعود الغيب ونؤكـد انتصارنا (  بعونه تعالى ) واستعادتـنا لمجدنا . بهذا الهاتف الغريب يختم الأستاذ أبو شعيرة مسرحيته ذات المشاهد الخمسة ، ويتركنا في حيرة البحث عن الروابط وعلامات الوصل بين قصة فتح ( سمرقند ) وواقعنا الراهن .

وبينما تجلت موهبة الأستاذ هاشم الكفاوين في الأداء الصوتي أثنـاء القراءة ، ومهارته اللغوية في صياغة لوحاته المسرحية بعيدا عن التكلف ، وقدرته على التركيب الفني وتجميع عناصر البناء المسرحي التي أظهرها تـشخيصه للخشبة ووصفه لشخصياته ،  بالإضافة إلى سلامة لسانه من اللحن المشين ؛ إلا أن طول السرد والقـفـز عن بعض اللوحات أضعف عامل تماسك الفكرة ، ووسع شقـة التباين بيـن جـو النص التاريخي ومقتضيات الإسقاط الواقعي ، ولكن هذا لا يمنع أن تكون المسرحية ناجحة بكل المقاييس على خشبة المسرح ، وقد عرضت من قبل ولاقـت إقـبالا واستحسانا ، ولا غرو فالأستاذ الكفاوين صاحب خبرة فنية في مجال التمثيل والإخراج المسرحي والتلفزيوني .

ومما لا شك فيه أن جو الأمسية الأدبية لا يمكن أن يستوعب الحركة المسرحية والمؤثرات الفنية المتنوعة التي يستحيل أن يكون المسرح مسرحا بدونها ، وعليه فإن حظ المستمع في الأمسية الأدبية من المعايشة  والاستمتاع بالقراءة المسرحية يعتمد على عنصر القراءة ، وإذا أمكن أن يكون له نصيب في الاطلاع المسبق على النص فإن استكمال التفاعل يكون بقراءة مجتزأة على المنصة لما يمكن أن يسمى ببـيت القصيد في المسرحية ،  ثم يتوج اللقاء كله بالحوار المفتوح الذي يكشف ـ فيما يكشف ـ عن كثير من خفايا النص ويجلي إشراقاته الفنية وبصمات كاتبه الإبداعية .

ولقد مارس جمهور الرابطة دوره في الحوار كالعادة ، وكانت هناك مساحة مفتوحة للنقد الموضوعي ظهر فيها عدد من التعليقات النقدية انصبت على  العمل المسرحي والنص اللغوي ، ولكنها لم تسلم من بروز ظاهرة المجاملة في النقد وكيل المديح والمبالغة في إبداء الإعجاب وتوزيع أصناف الشكر على المتحدثين .

          

" الوعي الإسلامي"  تتضامن مع الأهل في فلسطين و تحتفي بذكرى الإسراء والمعراج

من : صالح البوريني- عمان

خصصت مجلة الوعي الإسلامي التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت مساحة كبيرة من عددها الأخير رجب 1425 هـ لذكرى الإسراء والمعراج . وجاء في كلمة العدد : " انطلاقا من الأوضاع المأساوية المؤلمة التي يعيشها أهلنا في فلسطين وما يعانونه من قهر وفقر وقتل وتشريد ، وتزامنا مع ذكرى الإسراء والمعراج التي تحل في هذا الشهر ، قمنا من خلال بعض موضوعات العدد بمعالجة عدد من القضايا التي أفرزها العدوان الغاصب المستمر على أرض الإسراء والمعراج منذ العام 1948 " .

وفي ملـف أرض الإسراء والمعراج الذي فتحته ( الوعي الإسلامي ) مقال للدكتور أحمد عيسـاوي  ( إلى فلسطين سيرا على الأقدام ) ومقال لمحمود النجيري ( هرمجدون عقيدة صهيونية ) وقصيدة بعنوان ( يا ليلة الإسراء ) للدكتور  رفيق الحليمي . وكتب مصطفى علي محمود مقال بعنوان ( المسجد الأقصى متى يحرر ) فقال : " منذ سقط المسجد الأقصى أسيرا في قبضة اليهود في العام 1967م والاعتداءات الصهيونية الغاشمة عليه لا تتوقف ولا تنقطع !! مرة يشعلون فيه النيران ، ومرة يقتحمون قدسيته ويقيمون شعائرهم الدينية في ساحته .. ومرة يرفعون العلم الإسرائيلي فوق مبناه الشريف ،  ومرة يحفرون تحته الأنفاق ، ويشقون في أسفله الطرق ، ومرة يزيلون الآثار الإسلامية الموجودة في منطقته ، ومرة يطلقون الرصاص العشوائي على المصلين الركع السجود ، ومرة يدنسون مبناه الطاهر ويضعون حجر أساس هيكلهم المزعوم الذي يخططون لإنشائه فوق أنقاض أولى القبلتين .. إن مسجدنا الأقصى الشريف يصرخ.. يستغيث .. يستجير بجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها !! فهل آن الأوان لكي نلبي استغاثته؟؟".

          

الدكتور مصطفى عليان يحاضر في رابطة الأدب الإسلامي عن الإسلامية والشعر العذري

من : صالح البوريني- عمان

يحتل موضوع هذه المحاضرة جانبا من كتاب " الغزل : ضوابط النظرية وظواهر العدول " الذي يأتي ضمن مشروع دراسات أدبية موسعة في سورة الشعراء للأستاذ الدكتور مصطفى عليان والكتاب في طريقه إلى الطباعة ، وقد نشر من أبحاث الكتاب بحثان أحدهما بعنوان " الشاعر وتجربته "  في مجلة إسلامية المعرفة ، والثاني بعنوان " الهجاء في ظلال سورة الشعراء " وقد نشر ضمن أبحاث جامعة الزرقاء الأهلية .

وقد دارت المحاضرة حول المحاور التالية : الإسلامية والغزل ؛ ضوابط النظرية في الغزل عند المفسرين ثم الخطاب النبوي في الغزل ثم السلطة الحاكمة وغزل المبدع ثم الفقهاء والغزل  ثم الحديث عن الغزل العـذري من محاور جديدة قد يصطدم الناس بها ؛ أولها هل شخصية الشاعر العذري شخصية إسلامية من مفهوم الشخصية الإسلامية المحدد الذي ارتضاه الباحث ، ثانيا هل هذا الغزل شامل للمجون بالمفهوم الذي يتجاوز القبح والفحش إلى قلب المفاهيم الدينية ؟؟ وهل الحب إرادة أم اختيار ؟؟ إذ يتذرع العذريون بأن  عشقهم قدر مكتوب لا مفر منه .

التفسير القرآني والغزل :

واستعرض المحاضر عددا من أقوال المفسرين في الشعراء العذريين ، فنقل عن الزمخشري قوله : " إنه لا يتبعهم على  باطلهم وكذبهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب والنسيب بالحرم والغزل والابتهار ، ومدح من لا يستحق المدح ، ولا يستحسن ذلك منهم ولا يطرب على قولهم إلا الغاوون والسفهاء والشطار " ؛ والزمخشري هنا ـ  كما يقول الدكتور عليان ـ  :  يحدد الأغراض الشعرية التي وردت في سورة الشعراء ، المقبولة والمرفوضة والغزل جزء منها .  وهذا التحديد عند الزمخشري تناوله المفسرون بعده بالحديث ومنهم ابن العربي والقرطبي والشوكاني  ولكنهم زادوا عليه أن حددوا بعض الأبيات ، ففي أحكام القرآن لابن العربي ذكر شعرا فيه فحش ومنكر للفرزدق وابن أبي ربيعة ومنه :

ألا ليت أني يوم بانوا بميتـتي      شممت الذي ما بين عينيك والفم

وليت طهوري كان ريقك كله       وليت حنوطي من مشاشـك والدم

ومن قول كثير عزة :

رهبان مدين والذين عهدتهـم       يبكون من حذر العذاب  قعودا

لو يسمعون كما سمعت كلامها      خروا لعزة ركعـا وسجــودا

وفي هذا يظهر موقف المفسرين من الشعر العذري والشعراء العذريين إذ هو موقف التحريم والاستـنكار .

الغزل في ميزان الحديث النبوي الشريف :

وأما الكلام على الخطاب النبوي في الغزل والمتمثل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر فيه ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا ) ، فالحديث محمول على من أقبل على الشعر واشتغل به عن الذكر وتلاوة القرآن وطاعة الله ، وعلى الشعر القبيح المتضمن للكذب والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيات ونحو ذلك . كما روي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشعر إذا ( أبينت فيه النساء ) ومعنى أبينـت أي ذكرت بقبح وسوء . ومرتكز النهي في الحديث عن النساء في الشعر الغزلي هو الرفث والفحش ، ويعزز ذلك ما ورد من صفة مجلس النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن أبي هالة أن مجلسه مجلس حلم وحياء ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبن فيه الحرم ، أي :  لا تذكر فيه النساء بقبيح ، ويصان مجلسه عن الرفث  وما يقبح ذكره .

ولكن الحديث النبوي الشريف لم يحرم الغزل المهذب بالشرع  والمؤطر بضوابط الشريعة .  بل إن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد عن جابر رضي الله عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة : أهديتم الجارية إلى بيتها ؟ قالت : نعم . قال : فهلا بعثـتم معهم من يغنيهم يقول :

 أتيناكم أتيناكم    فحيونا نحييكم .. فإن الأنصار فيهم غزل ) .

 وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (  ما فعلت فلانه ليتيمة كانت عندها ؟ فقلت : أهديناها إلى زوجها . قال : فهل بعثـتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ؟ قالت : تقول ماذا ؟ قال : تقول :

أتـيـنـاكـم iiأتيناكم
ولـولا  الذهب iiالحمر
ولولا الحنطة السمرا ء


 
فـحـيـونـا  نحييكم
مـا  حـلـت iiبواديكم
مـا سـمنت iiعذاريكم

فإن الأنصار قوم فيهم غزل ) .

 السلطة وشعر الغزل :

وفي محور السلطة وشعر الغزل ذكر الدكتور عليان أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد اجتهد في ضبطه إذ رصد حدا لمن جاوز الأمر الإلهي في شأن المرأة ، فقد ذكر إبراهيم بن المنذر قال :  حدثـنا محمد بن فضالة النحوي قال :  تقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشعراء ألا يشبب رجل بامرأة إلا جلد .

والخليفة عمر رضي الله عنه بهذا ناظر إلى خصوص الدلالة وعمومها في بعض الآيات القرآنية الكريمة كقوله تعالى :

( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا  وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) .

فالتـشبيب بالنساء لون من ألوان قذف المحصنات وإيذاء المؤمنات ، فيه بهتان وإثم مبين ، يستحق الشاعر به الحد على ظاهر قوله القبيح وكذبه المختلق ، فضل عن الفاحشة التي يريد لها أن تسود ، والحد إنما يقام بإقرار أو بينة،  بمقتضى حكم الله الذي شرعه .

وكذلك كان موقف الخليفة عمر بن عبد العزيز من الشاعرين الأحوص وابن أبي ربيعة الذين كانا يكثران ذكر النساء في شعرهما بما لا يحمد من الوصف  ،  فأمر بنفي ابن أبي ربيعة فوعده بتجديد التوبة وعاهده أن لا يعود لذكر النساء في شعره فخلاه ، ولكنه أبقى على نفي الأحوص لأنه رأى أنه فاسق مجاهر .

الفقهاء والغزل :

وأما في  محور الفقهاء والغزل فقد عرض الدكتور عليان لعدد من الفقهاء مبينا أن الغزل كان ضمن ما تـناوله الفقه الإسلامي من المسائل والقضايا بالمعالجة وأعمل الفقهاء فيه نظرهم واجتهادهم وبينوا  موقفهم ؛ ومنهم الإمام الشافعي الذي يشترط لإباحة الغزل شرطين ؛ أولهما ألا يكون بامرأة معينة : أي معروفة لدى الناس بدال الاسم ومدلوله . وثانيهما عدم الإكثار من التشبيب المؤدي إلى إشهار المرأة به . وأما رأي الحنابلة فيعرضه ابن قدامة إذ يقول : " فما كان من الشعر يتضمن هجو المسلمين والقدح في أعراضهم أو التشبيب بامرأة بعينها ، والإفراط في وصفها ، فقد ذكر أصحابنا الحنابلة أنه محرم " . ويقول الدكتور عليان :  والنهي في هذا المجال عند ابن حزم  مركوز  في الأغزال الرقيقة ، إذ إنه نهى عن روايتها لعلوق النفس فيها كثيرا ، فهي " تحث على الصبابة وتدعو إلى الفتنة " .

 وقد ذكر الدكتور عددا من مقولات أهل العلم التي تدل على ماهية الغزل المحظور والمذموم ، لأن فيه ذكرا  للإفراط في وصف مفاتن المرأة والغزل بها كما ذكر  ابن قدامة  ، والإغراق في التغزل بامرأة معينة ممن لا تحل للشاعر بقصر الغزل عليها دون غيرها كما ذكر ابن عبد البر .

ومما نبه الفقهاء عليه  بالنهي الغزل الرقيق ، إذ يقول الإمام ابن حنبل : " إنما يكره من الشعر الهجاء والرقيق الذي يتشبب فيه بالنساء ، فتهيج له قلوب الفتيان ، فأما ما سوى ذلك فما أنفعه " . وهو كذلك عند ابن حزم . وعلة النهي عن الغزل الرقيق عنه أنه " يحث على الصبابة ويدعو إلى الفتنة ويحض على الفتوة ويصرف النفس إلى الخلاعة واللذات ويسهل الانهماك في العشق وينهى عن الحقائق حتى ربما أدى ذلك إلى الهلاك في الدين وتبذير المالك في الوجوه الذميمة وإخلاق العرض وتضييع الواجبات " .

وهكذا ارتبطت الرؤية الفقهيـة للغزل بآثاره الخلقية وانعكاسه على المجتمع . ومن المعاني المذمومة الداخلة في  الرقيق من الغزل : الخنوع والخضوع واللذة والجسارة واللهو والخسارة والسرد المستغرق لأوصاف المغازلة والمعابثة ، ومثل هذا موجود عند بشار بن برد في مثل قوله :

قد لامني في خليلتي عمر    واللوم في غير كنهه ضجـر

قال أفق قلت لا فقال بلى    قد شاع في الناس منكما الخبر

.. الخ

بين الشعر العذري والحسي :

وبعد أن ينقل الدكتور عليان باختصار المحاورة التي جرت بين أبي غسان دماذ وأبي عبيدة معمر بن المثنى في شعر بشار ومجونه يعلق قائلا : ":  على أن هذه المحاورة تذهب إلى التسوية بين شعر العذريين والحسيين المحققين والتفرقة بينهما ، بمعنى أنها تحاول أن تلتمس وجها للمشابهة بينهما في رقيق المعاني ن ووجها آخر في تجلي المعاني وخفائها ، أو في وضوح المقاصد واحتجابها ، فقد ذهب دماذ إلى التسوية بين الاتجاهين الشعريين بقوله : " ما أحسب شعر هذا أبلغ في هذه المعاني من شعر كثير وجميل وعروة بن حزام وقيس بن ذريح وتلك الطبقة " ،  بمعنى أن إغراء الفتيات بلقاء الفتيان وإغواء الرجال للنساء بخدع الشيطان ، من الكلام الرقيق والمعاني الفاسدة قاسم مشترك بين شعر العذريين والحسين .

ثم يقول : " والحق أننا لا نعدم وجود بعض اللوحات الماجنة ذات القبح في شعر العذريين غير أنها تظل دون شعر الحسيين في هذا الباب من حيث معياري الديانة والمروءة " .

هل الشعر العذري إسلامي ؟

ويسجل الدكتور عليان للكفراوي ريادته في رفض انتساب الشعر العذري للإسلام لأن العذريين لم يكونوا زهادا في حياتهم الخاصة ولا في غزلهم ، ولأن الغزل الحسي والعذري يتفقان في اتجاه الاتصال بالمحبوب وأن الاختلاف بعد ذلك هو في الوسائل فحسب وأن الشاعر العذري أقل جرأة من الشاعر الحسي ولأن هذا الغزل كان موجودا في الجاهلية ولأن أثر الإسلام في شعرهم لم يزد على المظهر اللغوي واستخدام بعض معانيه وتوظيفها لخدمة الغرض الشعري الغزلي .

أسئلة جوهرية :

بعد ما تقدم عرضه من الإسلامية والضوابط التي تمهد للحديث عن الغزل العذري ، طرحت المحاضرة عددا من الأسئلة الجوهرية منها : هل شعر العذريين يتـفلت من قيود الفقه الإسلامي وخاصة مذهب الشافعية ؟  وهل شخصية الشاعر العذري شخصية إسلامية ؟ وهل هذا الغزل شامل للمجون بالمفهوم الذي يتجاوز القبح والفحش إلى قلب المفاهيم الدينية ؟؟ وهل الحب إرادة أم اختيار ؟؟ إذ يتذرع العذريون  بأن عشقهم قدر مكتوب لا مفر منه .

طرح جريء :

وخلافا لما ارتآه كثير من الناس أن الشعر العذري شعر إسلامي وأنه متأثر بالإسلام ، فقد قررت المحاضرة أن الشعر العذري فيما عدا  شعر الصمة القشيري وابن الدمينة وذي الرمة ليس من الشعر الإسلامي ؛ لأنه خرج عن الأحكام الشرعية المنصوص عليها في القرآن والسنة وتجاوز الآداب الإسلامية التي أقرها منهج الأخلاق والمروءة عند المؤمنين ، وأن شخصية الشاعر العذري ليست شخصية إسلامية لأنها فقدت توازنها واتساقها مع الإسلام ، وأن توازن شخصية الشاعر يكون بغلبة عقله على هوى نفسه وعاطفته ، كما كان التحول إلى الجهاد عند الصمة القشيري شاهدا على القوة في شخصيته ، وأن المجون في الغزل ليس مقتصرا على التغزل بمحاسن المرأة والخمر فحسب بل إن تزوير المعاني وقلب المفاهيم وابتذال النصوص وإهدار القيم كل ذلك من المجون ، وأن العذريين لا حجة لهم في أن حبهم قدر مكتوب بل إن الأمر فيه اختيار وإرادة ، وأن الشعر العذري ليس شعرا عاطفيا روحيا  في المقام الأول بل هو شعر يعلي من قيمة الجسد  ، بل إن الجسد هو مرتكز الشرارة التي أوقدت الحب عند كل العذريين بإتقان صورته بالتجسيم والتجسيد ، وإن الحب من أول نظرة هو من الشهوة لأن النظرة الأولى موجهة في الحقيقة للجسد .

وأخيــرا :

لقد كانت هذه الآراء النقدية بمستـندها الأصولي ومرجعيتـها الفقهية  مثيرة للحيرة عند بعض المستمعين ومفاجئة مستغـربة عند آخرين ، حتى إن بعض المعلقين من الحاضرين رأى أن الدكتور قد أغلـق الباب على الشعـراء ولم يترك لهم سبيلا للتعبير عن زفرات حبهم ومكنونات عواطفهم وعشقهم ،  بينما وقف معلقون آخرون عند عدد من القضايا التي أثارتها المحاضرة ، وقام بإدارة النقاش الدكتور مأمون فريز جرار رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية  .