قطار الساعة الثامنة

قطار الساعة الثامنة

((رواية للفتيان والفتيات))

ضرغام فاضل

[email protected]

كثير من الناس يهوى تربية الحيوانات الأليفة,كالقطط والكلاب ..وبعض الناس يريد أن يتميّز عن البقية ,فيربّي حيوانات غير مألوفة, كالسناجب أو القرود ,وآخر يربّي فئران الحقل أو الفئران البيضاء. والبعض الآخر يربّي حيوانات أو حشرات تكاد تكون مقزّزة ومنفّرة لمن لايقدّر متعة هذه الهواية..كالعناكب أو السلاحف الصغيرة أو الثعابين. . أمّا (( نبيه )) ابن الرابعة عشرة ..فهو يحبّ الطيور كثيراً منذ أن كان صغيراً..وهذا ماجعله يتبنّى تربية ببغاء من فصيلة أمازونية نادرة وغالية الثمن , منذ أن كانت فرخاً صغيراً حتى كبرت ,وصار يعلّمها كلمات بسيطة .و يجعلها تقلّد أصواتاً..كصوت الجرس..أو صوت رنين الهاتف..وكثيراً ماكان يقضّي برفقتها ساعات من المتعة والفرح..لكنّ نبيه هذا صارت الأمور تتطوّر معه إلى درجة أنه صار يكلّم ببغاءه ( فوفي) كأنه يكلًم واحداً من أصدقائه..ينقل لها أخبار المدرسة..ويستشيرها في مواضيع كثيرة..يضحك معها..ويناقشها..ويسرّها بأشياء لايحكيها ربّما لوالده أو والدته ,أو حتى لأصدقائه في المدرسة. وكان نبيه يتخيّل أن فوفي تشاركه الحديث والنقاشات التي كانت تدور بينهما..رغم أنّ فوفي في الحقيقة,ليست كما يتخيّل نبيه تماماً.إذ لم يكن بمقدورها أن تتكلّم سوى ماقدّر لها الله, من تقليد الأصوات و ترديد بعض الكلمات..  ولكنّ الحب والتعلّق الكبير والمعزّة التي كان يكنّها نبيه لصديقته ورفيقة طفولته, هي التي ولّدت هذه اللغة الخاصة المشتركة بينهما,والتي لايفهما إلا هما وحدهما.

عندما حلّت أيام العطلة الربيعية.فضّل نبيه أن يقضي أيام إجازته في بيت خاله في مدينة تبعد ساعات عن المدينة التي يسكنها نبيه..لعدّة أسباب منها:أن ابن خاله عدنان بمثل عمره ,وتجمعهما أشياء مشتركة كثيرة في الهوايات والأفكار .والشيء الثاني أنه أراد أن يبتعد عن أجواء المدينة وصخبها إلى مكان أكثر هدوءا ..وجوّ أكثر نقاء.أما السبب الأخير فقد كان مفاجأة لن نبوح بها, إلا بعد أن يصارح بها فوفي.حيث ستكون رفيقته في رحلته هذه..وكالعادة طبعاً.

وفي مساء أحد الأيام,علّق نبيه حقيبة سفره الصغيرة على كتفه..بينما وقفت فوفي على كتفه الآخر,,وراحا يمشيان على رصيف الشارع, بعد أن أنزلتهما السيارة في المكان الذي حدّده نبيه.

قال نبيه:

- هل تصدقين يا فوفي.. أنّني لم أرَ خالي منذ أكثر من  ستة شهور ؟!.

أجابته فوفي:

- ياه!!... إنها فترة طويلة فعلاً .

قال نبيه:

-  إنّ المسافة التي تفصلنا عن مدينته طويلة.. وتحتاج  إلى ساعات كي نصل إليها، لذلك كنت قد أرسلت رسالة إلى عدنان ابن خالي, أعلمه فيها عن نيّتي لزيارتهم هذا اليوم.

ابتسمت فوفي وقالت:

- أعرف هذا..أنسيت؟. فأناالتي أودعتها في البريد قبل أيام قليلة.

قال نبيه ضاحكاً:

-  آه..صحيح..

ثم طارت فوفي فوق رأس نبيه .وهي تقول:

- سيكون بانتظارنا ، لأنه من المؤكّد تسلّم رسالتك.

ثم لاحظت فوفي أنها ونبيه, يمشيان في مكان لم يسبق لنبيه أن اصطحبها إليه.فسألته:

- ولكن إلى أين وجهتنا؟.ولماذا لم اخترت السفر مساء؟.

ضحك نبيه قائلاً:

- لا..هذه مفاجأة يا فوفي ولن أبوح بها إلاّعندما نكون قبالتها.

لكن فوفي لم تتحمل الانتظار.فقالت:

-  أرجوك يا نبيه... أنا لا أحتمل الصبر.

أشار نبيه بسبّابته بالنفي..فماكان من فوفي إلا أن تعود أدراجها إلى كتفه ,محاولة معرفة المفاجأة:

-  هل للمفاجأة علاقة برحلتنا هذه؟.

هزّ نبيه رأسه قائلاً:

-  طبعًا ..

ثم انتقلت من الكتف الأيسر لتقف على الكتف الأيمن..وصارت تلحّ في معرفة مايعنيه نبيه..وسألت مرة أخرى:

-  هل هي شيء يؤكل أم يشرب ؟ أم للتسلية ؟.

هزّ نبيه بسبابته قائلاً:                                                      

-  لا هذا ولا ذاك.. لاأدري لماذا أنت عجول هكذا. قلت لك إنها مفاجأة .

وبعد قليل وقف نبيه وفوفي أمام مبنى فخم, مكتوب على مقدّمته( محطة قطار ).وأشار نبيه إلى اللافتة  المعلقة فوق المبنى.قائلاً:           

-  والآن.. ما رأيك ؟.

نظرت فوفي صوب ماأشار نبيه..ثم قالت:

-  إنها محطة قطار... لاأفهم شيئًا..

 مدّ نبيه يده في جيبه..وأخرج منه تذكرتين. وراح يهزّهما قائلاً:

-  انظري... وستعرفين كلّ شيء .

راحت فوفي تتفحّص التذكرتين وهي سعيدة، ثم صرخت بسعادة:

-  إنها تذاكر !.. هل تقصد أننا...

أومأ نبيه برأسه أن ..نعم..ثم أردف قائلاً:                                       

- لقد حجزت غرفة صغيرة في القطار،لأنني أعرف مدى تشوّقك لركوب القطار.

 قفزت فوفي فرحة,وارتمت في أحضان  نبيه, الذي غطّ بالضحك .ثم صارت تحلّق بشكل دائري حول رأسه..وهي تقول:    

- ياه... ما أسعدني!!... وأخيرًا تحقّق حلمي,وسأركب القطار.. شكرًا يانبيه على هذه المفاجأة.إنها لطيفة حقًا .

توجّه نبيه وفوفي إلى المخطة..ودخلا من بوّابتها الرئيسة,تلفّت نبيه يميناً ويساراً..ثمّ قال:

- علينا أولاً أن نتأكّد من موعد المغادرة .

ثمّ سار باتجاه اليسار, باحثاً عن الموظّف المختص..وعندما لمح شبّاكاً زجاجياً يقف الناس عنده على شكل طابور..اقترب منه..وعرف أنه هو مايبحث عنه..انضمّ إلى الدور..وعندما جاء دوره ..أخرج التذكرتين وسلّمها للموظف ..وسأله:

- من فضلك ياعمّ... لقد حجزت تذكرتين في قطار الساعة الثامنة هذا المساء.. هل ما يزال الحجزساريًا؟.

تفحّص الموظف التذكرتين..ثم أجاب مبتسماً:

- نعم... غرفتك في العربة رقم 12.. ولكن عليك  الركوب في القطار قبل هذا الموعد بربع ساعة في الأقل.

فراح نبيه وفوفي يتجوّلان في ردهات المحطة ومرافقها,ليقضّيا الوقت,قالت فوفي منبهرة بما حولها:

-  إنها أول مرة أرى فيها محطة قطار .

ابتسم نبيه قائلاً:   

-   أمّا أنا فقد رأيتها من قبل، عندما كنت صغيراً, حينما سافرت مع أهلي إلى بيت خالي ،  كانت رحلة جميلة بحقّ .

 كان منظر القطار بديعاً بعرباته الخضراء ..المسطّرة تباعاً..وهذا ماأغرى فوفي لأن تلقي نظرة عليه ..فأخذت الإذن من نبيه ,فوافق شريطة أن لاتتأخّر عليه. وراح ينظر للناس من حوله, إن عددهم كبير جدا..يحسبون بالمئات..فنساءل نبيه مع نفسه:

_ هل سيستوعب القطار كلّ هذا العدد ؟. 

بعد دقائق عادت فوفي فرحة من جولتها السريعة ..لتقف على الكرسي.حيث يجلس نبيه.ثم قالت:

- إنها خمسة وعشرون عربة يانبيه... عربة أجمل من عربة .

ضحك نبيه قائلا:

- تريدين أن تبرهني لي أنك تعلمت العد لأكثر من عشرة..أنا أعرف هذا لأنني أنا من علمتك ذلك.

ثم ضحكت فوفي..واستأنفت قائلة:

-ولكن يانبيه إذا كانت القاطرة تجرّ كلّ هذا العدد من المقطورات أي العربات، فكم مسافرًايسع هذا القطار؟.

أجاب نبيه بعد أن وضع رجله فوق الأخرى:                                                        

- لا أدري بالضبط، ولكن ما أعرفه أن هذه العربات مقسّمة إلى فئات. فهناك الدرجة الأولى،والثانية، وكذلك الدرجة السياحية، وهناك غرف للمنام صغيرة وكبيرة، وأيضًا هناك عربات مخصّصة للوقود ولطاقم القطار، وللمطعم ، وعربات لشحن البضائع .

فسألت فوفي:

- هذا يعني أن القطار يحمل في عرباته آلاف المسافرين؟.

أجابها:

-  نعم.. وهناك قطارات فخمة تستوعب عشرات  الآلاف، وقطارات أخرى تقطع مئات الكيلومترات في ساعات قليلة،كما أن هناك قطارات لشدّة سرعتها حفرت لها أنفاق تحت الأرض .

هزت فوفي رأسها مستحسنة ماسمعته من نبيه,ثم سألت:

- بالمناسبة يا نبيه... متى سنصل إلى المدينة التي يسكنها خالك ؟.

نظر نبيه إلى ساعة يده,وقال:

- سنصل بإذن الله تعالى في الساعة السابعة صباحًا، وسيكون عدنان ابن خالي بانتظارنا في المحطة.

وفي هذه الأثناء انبعث صوت من مكبرات الصوت المنتشرة في أرجاء المحطة.يقول:

(( على المسافرين في قطار الساعة الثامنة التّوجه إلى العربات واتّخاذ أماكنهم رجاءًا)) .

نهض نبيه حاملاً حقيبته  على كتفه.ونظف بنطلونه مما علق بها من غبار.وهو يقول

_  لقد مرّ الوقت سريعًا.

قالت فوفي:                     

- سأسبقك وأقف على العربة رقم,12 لأنني رأيتها عندما قمت بجولتي الاستطلاعية قبل قليل.

ثم طارت باتجاه عربات القطار,بينما راح نبيه يمشي بموازاتها,وهو يبحث  بين العربات عن رقم عربته المنشودة,منبهرا بمنظرها الجذاب,                                                    

- ((  هذه العربة 6، وتلك 7،.. ما يزال أمامي خمس. عربات حتى أصل إلى العربة 12)).

أما فوفي فقد وصلت قبله,وصارت تطير فوق العربة ,مرفرفة بجناحيها الملونين.منتظرة وصول صاحبها,ولكن يبدو أن شيئا ما على الأرض أثار انتباهها ,ثم مالبث أن أثار قلقها.فقررت أن تخبر نبيه بما رأته . وعندما صار نبيه قريبا من العربة,حيث تطير فوفي حواليها.هبطت إليه قلقة, وعندما لاحظ نبيه قلقها سألها:                                         

-  ما بك يا فوفي؟ .

أجابته:

- لاحظت شيئًا أثار قلقي ودهشتي..

سألها نبيه ساخرا:

ماذا لاحظت أيتها الجبانة؟.

أجابت فوفي بصوت مرتعش:

- لقد رأيت رجلين يقودان شخصًا تحت تهديد مسدّس, صوّبه أحدهما خلف ظهرالرجل.

استغرب نبيه مما سمعه,فسألها:

-  هل أنت متأكدة مما تقولينه ؟.

أجابته:

-  طبعًا.. فإن لي نظرًا حادًّا وثاقبًا كما تعرف .

راح نبيه يمسد على ظهرها مطمئناٍ"

_  ربّما يكونان من رجال الأمن، يؤدّيان واجبهما بالقبض على أحد المجرمين .لاتقلقي.

قالت فوفي:

_  أتمنّى ذلك !..

ثم صعدا إلى العربة من بابها المفتوح,وراحا يبحثان عن الرقم 4 بين الأرقام المكتوبة على أبواب الغرف المنتشرة على جانب القطار.واستطاعت فوفي أن تعثر على الرقم بسهولة,فصارت تحلق قربه منتظرة وصول نبيه,لأنها كانت قد سبقته إليه.وعندما وصل نبيه إلى باب الغرفة.قال لها مبتسماً:

- اليوم أبليت بلاء حسناً.

ضحكت فوفي ووقفت على كتف نبيه,

ودخلا إلى الغرفة الصغيرة.وعنما صارا فيها..تفحّصها نبيه معجباً بما يراه.قائلاً:

- انظري.. إنها تحوي كلّ وسائل الراحة.

ثم توجّه نحو السريرين الملتصقين بالجدار الجانبي للغرفة, وسحب السرير السفلي إليه قائلاً:

_ سريران واحد فوق الآخر، بحركة بسيطة ينقلب هذا السرير السّفلي لنحصل على كرسيّين مريحين .

تقفزت فوفي سعيدة بما تراه..وصاحت:

-  يا للروعة ...

 ثم أشارنبيه بيده نحو النافذة ,حيث  يوجد على جانبها زرّ أحمر... وقال:                       

- والآن.. اضغطي على ذلك الزّر ليفتح ستار النافذة ونرى الناس المودّعين.

أجابته فوفي:

- يالك من ذكيّ!!... تتذكر كلّ تفاصيل الغرفة وكأنّك تركب القطار كل يوم .

 جلس نبيه وفوفي قرب النافذة المفتوحة،وراحا ينظران من خلالها إلى الناس وهم يلوّحون بأيديهم مودّعين .كان نبيه فرحا بما حوله,لكن فوفي كانت مشغولة بأمر ما,وهذا ماأثار انتباه نبيه ,وحينما سألها عما يشغل بالها أجابته:         

-  ما يزال المشهد الذي رأيته أمامي يثير قلقي .

ابتسم نبيه .وقاأجابها:

-  لا داعي للقلق.. وعليك أن تعرفي أنّ في القطار..وحدة أمنية من واجبها الحفاظ على أمن المسافرين وراحتهم ، كما يحتوي القطار على سجن صغير يودع فيه كلّ من يحدث بلبلة ويثير المشاكل أو يخرج عن القانون .

وفي هذا الأثناء بدأ القطار بالتحرك شيئا فشيئا.خافت فوفي ,فهذه هي المرة الأولى التي تركب فيها قطارا,قهرعت مرعوبة لتقف على كتف نبيه,الذي راح يضحك ويضحك .بينما قالت هي بصوت مرتعش:

-  ما هذا ؟! .. أشعر وكأنّ المحطة ترجع إلى الوراء.

استمر نبيه بالضحك,وهو يقول:

- إنها نكتة فعلاً,, إنّك تشعرين بهذا لأن القطار بدأ يتحرك رويدًا.. وسيزيد من سرعته شيئًا فشيئًا..

وبعد فليل كان القطار قد استقر في مسيره.وترك المحطة وراءه..وضع نبيه يديه خلف رأسه واستلقى على الكرسي المريح.بينما ظلت فوفي تتطاير في الغرفة الصغيرة.حتى هبطت واقفة على الكرسي الآخر.ثم قالت:

- أرجو أن تكون رحلتنا ممتعة ومفيدة..

قال نبيه بنبرة هادئة:

- السفر بالقطار بحدّ ذاته متعة حقيقية رغم .الساعات الطويلة التي سنقضّيها في الطريق .

سألت فوفي:

- بالمناسبة.. متى سنذهب إلى مطعم القطار؟ لقد بدأت أشعر بالجوع .

ابتسم نبيه قائلا:

-  أرجو أن تصبري قليلاً...فما نزال في بداية الرحلة، وأمامنا الكثير.

ثم تلفت حواليه كأنه يبحث عن شيء ما,حتى انتبه لوجود زر أحمر إلى جانب باب الغرفة فنهض إليه وهو يقول:

- على أيّة حال سأضغط على هذا الزّر ليحضر نادل العربة ويجلب لنا بعض المرطبات .

وبعد أن شرب نبيه وفوفي عصير البرتقال وأخذا قسطًا من الراحة، قرّرا القيام بجولتهما الاستطلاعية داخل عربات القطار.فخرجا من غرفتهما وراحا يتجولان في عربات القطار المتصلة ببعضها.وعندما صارا في إحدى العربات ,سألت فوفي:

-  أعتقد أن مساحة هذه الغرف أكبر من غرفتنا..

أجابها نبيه:

-  نعم.. إنها مخصّصة لأربعة أشخاص، وغرفتنا  لشخصين..

وبعد بضعة خطوات أشار نبيه إلى مكان ما قائلا:

- وهذا هو الحمّام.. وقربه المطبخ .

كانت فوفي منصتة لشرح نبيه,مشدوهة بما تراه.بينما استمر هو موضحا:

- في كل عربات القطار ومهما اختلفت فئاتها ودرجاتها، فإنّ الإدارة قد خصّصت حمّامًا ومطبخًا في كلّ عربة زيادةً في راحة المسافر .

وعندما صارا في عربة جديدة,قال نبيه:

-  وهذه الغرف كما يبدو مخصّصة لرجال الأعمال.. إنها فخمة وأنيقة ..

انبهر فوفي كما انبهر نبيه بالأناقة والفخامةالتي تميز هذه الغرف عن الغرف الأخرى.وبينما هما كذلك وإذا بأصوات جلبة تنبعث من إحدى الغرف القريبة منهما,ففزعت فوفي.واستغرب نبيه .فهرعت فوفي واقفة على كتف نبيه.وهي تقول:

فوفي  :  يا إلهي... !.  هل سمعت ما سمعته يا نبيه ؟.

أجابها نبيه:

-  نعم... لقد سمعت .

وبعد أن اطمأنت فوفي قليلا.سألت نبيه بسخرية:

-  هل قلت إنها مخصّصة لرجال الأعمال ؟ أم لرجال البناء ؟.

ضحك نبيه..ثم قال:

-  لا تبالي... وتعالي لنكمل جولتنا .

واستمرا في جولتهما الاستطلاعية.حتى دخلا في عربة جديدة..أشار نبيه إليها بيده قائلا:

- وأخيرا..   هذا هو المطعم .

تطايرت فوفي سعيدة وهي تقول:

- ياه... إنه رائع وجميل ..

فجلسا على أحد المقلعد.وتناولا وجبة طعام بسيطة. كان الصديقان سعيدين برحلتهما هذه التي طالما انتظراها بفارغ الصبر، وها قد تحقّقت ولكن.. على ما يبدو أن ما رأته فوفي قبل صعودهما إلى القطار كان مفزعًا إلى درجة أنه عكّر سعادتها .نظر نبيه من خلال النافذة,كان الظلام دامساً لايكاد أن يميز الأشياء عن بعضها .فقط كانت هناك أضواء صغيرة تبدو بعيدة عن سكة القطار.نظر إلى فوفي وسألها:

- هل أعجبك الطعام ؟.

أجابته:

-  إنه لذيذ.. والآن أفضّل الرجوع إلى الغرفة، فقد بدأت أشعر بالنعاس .

غادر الصديقان مطعم القطار متوجهين إلى غرفتهما.سالكين الطريق نفسه,ولكن عندما صارا يمشيان في إحدى العربات التي توزعت الغرف على جانبها,انتبهت فوفي إلى شيء أرعبها فارتمت واقفة على كتف نبيه .هامسة بخوف:

-  نبيه.... انظر هناك !...

نظر نبيه صوب ماأشارت إليه فوفي.فابتسم قائلاً:

-  لم أرَ سوى شخص يدخل غرفته..

أجابته بهمس:

- إنه الشخص الذي رأيته يشهر مسدّسه ويصوّبه خلف ظهر الرجل ...

توقف نبيه عن خطواته.وراح يمعن النظر في الغرفة التي دخلهغا الشخص.ثم  سار إليها بخطوات حذرة..وعندما صار بالقرب من بابها. انتبه لوجود ورقة معلقة على يد الباب مكتوب عليها ((يرجى عدم الإزعاج)) ..ثم رفع نظره إلى الأعلى ليقرأ رقم الغرفة..إنه الرقم 9. ثم ابتعد عن الباب بضعة خطوات وراح يفكر بشء ما..

في هذه الأثناء تذكرت فوفي شيئا مهما فقالت هامسة مرعوبة:

- يا إلهي!!. لقد اكتشفت شيئًا آخر.. الصوت الذي سمعناه قبل قليل صدر من الغرفة التي دخلها هذا الرجل.. لأنني قرأت رقمها .

ظل نبيه واقفاً في مكانه..وقد بدأ الخوف والقلق ينتابه..بينما قالت فوفي:

-   لقد بدأ ت  أشعر بالخوف فعلاً هذه المرّة..

أشار نبيه لفوفي أن تتبعه بعد أن سبقها ..قائلاً:

- لنسرع إلى غرفتنا أولاً.. ثم نفكّر في الأمر.

وصلا إلى غرفتهما..وجلس نبيه يفكر بكل مارآه..أفكار كثيرة راودته..عكرت صفو رحلته ومتعتها.كان مشغول الذهن يفكر.حتى إنه لم يعر أهمية لكلام فوفي ..التي قالت:

-  منذ أن أخبرتني بأن هذين الرجلين هما من رجال أمن القطار، ولحدّ هذه اللحظة وأنا أحاول أن أطمئن نفسي بذلك، لكني لم أقتنع تمامًا لأن منظرهما كان يثير الشّك، ثم إنّ الارتباك كان باديًاعلى وجهيهما وتصرّفاتهما .

لاحظت فوفي أن صاحبها شارد الذهن..يفكر..حتى إنها لم ينتبه لكلامها.فاقتربت منه وسألته:         

- ما بالك لا تجيب ؟.

أجابها واجماً:

- شيء  أثار استغرابي وشكوكي. وهو أن  الغرفة التي رأيناها هي من الغرف المخصّصة  للمسافرين. فغرف الأمن والإدارة أنا أعرفهاجيدًا ..

قالت فوفي:

- من حسن حظي أنهما لم يرياني عندما كنت أراقبهما في المحطة، إلا فقد كنت الآن من عداد الأموات .

نظر إليها نبيه.وعندما لاحظ أنها ترتعش من الخوف مسد على ريشها الناعم.وطمأنها قائلا:

- لا...لن يشكّوا فيك في كلّ الأحوال، لأنك لست إنسانًا. ولوكنت كذلك لاختلف الأمر .

ثم راح مع تفكيره..وقال متمتما:

-  أخشى أن ابلّغ رجال الأمن ويتّضح بعد ذلك أن  مارأيته هي أحلام وأوهام لا وجود لها على أرض الواقع.

قالت فوفي منزعجة:

-  تقول أحلام ؟! سامحك الله يا نبيه.. على أيّة  حال .. أنا سأتصرّف.

طارت فوفي خارجة من الغرفة .نهض نبيه ليناديها,لكنه لايستطيع أن يرفع صوته.حاول أن يستوقفها..ولكن دونما فائدة..عاد أدراجه ,وجلس على الأريكة.وتمتم مع نفسه:

- ترى أين ذهبت فوفي أخشى أن يصيبها مكروه فأندم .

*   *   *

الغرفة رقم 9

 من خلف باب الغرفة رقم 9 كان حوار يدور بين ثلاثة رجال:

- (( اسمع.. لا داعي للثرثرة أكثر من ذلك.. ابنك سعد في أمان، وأظنّك سمعت صوته بالهاتف قبل أن تقرّر الموافقة على عرضنا )).

- (( لم يكن لديّ خيار آخر.. إنه ولدي الوحيد، لا أملك غيره في هذه الدنيا، وأرجو أن لا تكونوا  قد قسوتم عليه)) .

- (( إنه ينعم بالخير الآن.. حبّ.. وحنان وطعام وشراب. وكلّ وسائل الراحة)) .

وفي داخل الغرفة..كان رشيد يحتضن حقيبة سوداء يضمّها إلى صدره بشدّة, وإلى جانبه يقف رجل ذو رأس أشيب.. يحمل مسدسًا وضع فوّهته على رأس رشيد ، وقربه يقف رجل آخر يبدو وجهه عابساً على الدوام.. قال رشيد وهو يبعد المسدس عن رأسه:

- أعتقد أنه لا داعي لهذا المسدّس، فلو أردت أن أتصرّف بما يدور في بالكما, لكنت قد فعلت هذا..  قبل أن أجيء إليكما ومعي المبلغ الذي طلبتماه .

راح الرجل الأشيب يؤرجح مسدسه على راحة يده..وهو يقول بنبرة لاتخلو من الخبث:

- هذا من باب الاحتياط، ريثما تسلّمنا المبلغ وتتسلّم ابنك .

وبرغم أن ملامحه تدل على أنه عابس دوماً .إلا أن ّالرجل الآخر ضحك بسخرية قائلاً:

- والآن.. هيا افتح الحقيبة لنعدّ المبلغ، فربما يكون ناقصًا، أو تكون الأوراق النقدية مزيّفة .

هذا في داخل الغرفة,أما خارجها فقد كانت فوفي تقف قريبا من الباب.بعد أن سمعت كل مادار من حوار بين الرجال الثلاثة.تلفتت حواليها..لاأحدا موجود في الممر ..سوى أبواب غرف توزعت على جانب الممر الطويل..وصوت هدير محرك القطار..يمل المكان ضجيجا مملا..إنها خائفة حائرة.لاتعرف كيف تتصرف..ولكن يبدو أن لاحيلة أمامها سوى أن تلجأ لصاحبها نبيه ,وتطلعه على كل ماسمعته.

عادت أدراجها إلى غرفتها,لتجد أن نبيه يهم ّبالخروج منهابعد أن قلق عليها. وعندما لمحها متوجّهة إليه.توقّف بانتظار أن تقترب منه.حتى وصلت ..كانت خائفة مذعورة..وهذا مادعاها لأن تدخل الغرفة فوراً. فتبعها نبيه.وبعد أن جلسا على الأريكة.قال :

- كنت قلقاً جداً عليك..أين كنت؟,

أجابته :

-  لقد جئت إليك بأخبار مذهلة..

وراحت فوفي تحكي لنبيه كلّ ما دار من حديث في الغرفة 9 . نهض نبيه من مكانه مندهشاً لما سمعه من معلومات خطيرة:

-  ماذا تقولين ؟!..

حطّت فوفي على كتفه ,وأجابت:

-  أقول ما سمعته يا نبيه، كيف سنتصرف الآن ؟ هل نظلّ ساكتين ؟,

ضرب نبيه قبضة يده اليمنى في راحة يده اليسرى,وقال بحماس وقد عقد حاجبيه:

-  لا طبعًا... سنبلّغ رجال أمن القطار .

ثم خرج مسرعاً من غرفته ,تتبعه فوفي طائرة أمامه مرّة..وبجانبه مرّة. في الطريق..قالت فوفي لنبيه:

- أما أنافسأذهب لأراقب من بعيد ما يجري في الغرفة رقم 9.

ذهب كل إلى وجهته.فوفي إلى الغرفة المشبوهة..ونبيه إلى قسم الأمن..وهاهو يقف قبالة ضابط برتبة ملازم..استغرب الضابط ماسمعه.. فنهض من وراء مكتبه الصغير ليقف ‘اى جانب نبيه.وراح يربت على كتفه قائلا:

- ما تقوله شيء خطير.... يا ...

أجاب نبيه:

- نبيه. اسمي نبيه.. و فوفي هي التي اكتشفت أمرهم قبل أن نركب في القطار . 

سأل الضابط:

- أختك؟

ضحك نبيه وقال:

- بل إنها صديقتي..

استغرب الضابط مما سمعه.وسأل:

- تسافران إذن برفقة أهلكما؟

رد نبيه:

- بل وحدي..

فأدرك نبيه أن عليه أن يوضح شيئا للضابط,بعدما لاحظ استغرابه.فقال:

- فوفي هي ببغاء ترافقني أينما ذهبت.فهي تحبني مثلما أحبها تماما.ربيتها منذ أم كانت فرخا صغيرا.ويسعدني لو نتعرفت عليها.

ضحك الضابط بعد أن سمع من نبيه ماسمعه,وقال:

- حسبتها بنتا من البشر,ولكن كيف تتفاهم مع صديقتك هذه؟.

أجاب نبيه بعد أن لاحظ أن الضابط لم يأخذ أقواله مأخذ الجد::

- أرجوك ياحضرة الضابط.هل تظن أن الوقت مناسب لمثل هذا الحديث.لقد أخبرتك عن مجرمين يحتجزون شخصا ليبتزوه.وسأكلمك عن فوفي بعد أن تقوم باتخاذ الإجراءات اللزمة.

شعر الضابط بالحرج .وأدرك أنه يقف أمام فتى ذكي ومهذب, ومن غير المعقول طبعا أن يكون فتى بمثل هذه الأوصاف أن يمزح مع ضابط.لذلك تناول القبعة الزرقاء التي كان قد وضعها على المكتب واستعد للخروج من مكتبه قائلاً:

- لقد أحسنت التّصرف بإخبارنا. إنهما مجرمان وسينالان عقابهما الصارم.

قال نبيه:

- ولكن أخشى أن يصيبوا الولد المخطوف بسوء قبل أن تعثروا على مكانه .

أجاب الضابط:

- لا سيكون بأمان..لاتقلق.فهذا واجبنا.

أما فوفي..فقد كانت تقف قريبا من باب الغرفة رقم 9  بانتظار وصول نبيه ومن معه..وعندما تأخر حضوره بدأت تشعر بالقلق.

- أرجو أن لا يتأخّر نبيه أكثر من ذلك .

وراحت تمشي تارة..وتطير قرب باب الغرفة تارة أخرى,وبينما خي كذلك وإذا بصراخ ينبعث من الغرفة:

- ((لا لا ... أرجوكم... آه...)).

ارتعبت فوفي,وبسرعة وجدت لها زاوية تختبيء فيها..وراحت تفكر مرعوبة:

- ((أيعقل أن قام المجرمان بقتل الرجل ؟)).

وفي هذه الأثناء خرج أحد الرجلين,ليطلّ برأسه بعد أن أحسّ أن صوتاً عالياً انبعث من الغرفة,وليتبيّن ويتأكّد من أنّ لاأحداً سمع شيئاً.نظر يميناّ.. ثم يساراً ,مستعرضاً الممرّ من جانبيه..وعندما اطمئن من أنّ لاأحدا سمع الصراخ الذي انبعث للتوً ..رجع إلى الغرفة, وأغلق الباب.

تنفسّت فوفي الصعداء..وقالت :

- ترى مالذي جعل نبيه يتأخر هكذا!!؟.

استلّ الرجل الأشيب المسدس من حزام بنطلونه,وقال موجهاً كلامه للرجل العابس:

- لا تقلق.. لا أظنّ أنّ أحدًا قد سمعنا، كان عليك أن تكون أكثر حذرًا .

ثم اقترب من رشيد ليتناول الحقيبة ااتي ضمها بشدة إلى صدره,بحيث إنها صارت جزءا لايتجزأ من جسمه..وصار يجرها منه عنوة,وهو يزمجر بوجه رشيد ..بكلمات تخرج من بين أسنانه المصطكّة:

- والآن.. لا تحاول المقاومة من جديد. سنعدّ . المبلغ يعني سنعدّه.. هل فهمت ؟.

دفع رشيد الرجل بكتفه ..ونجح بالتحرر من بين يديه القويتين.ثم وقف جانبا, وفتح الحقيبة قليلا..وعندما بانت الدولارات من بين ردفتي الحقيبة ,قال مطمئنا الرجلين:

- مئة ألف دولار بالتّمام والكمال... سلّماني ولدي تستلما المبلغ .

ثم أعاد غلقها بعد أن لاحظ لعاب الرجلين الذي سال بمجرد أنهما لمحا المال ..قال الأشيب لصاحبه وهو يشير بحركة من رأسه إلى الحقيبة التي انتهى رشيد من غلقها للتو:

- اسمع ياصاحبي... خذ منه الحقيبة لتتأكّد بنفسك.

وماكان من الرجل العابس إلا أن يركل الحقيبة برجله ركلة قوية,جعلت الحقيبة تسقط من بين يديّ رشيد,وبسرعة خاطفة كانت بين يديّ العابس.أما الأشيب فقد وقف إلى جانب رشيد في محاولة منه لمنعه من استرداد حقيبته..فتح العابس الحقيبة..وراح يتفحّص الدولارات..وهو يفركها بأصابعه..قائلاً:

- إنها نقود حقيقية .

أجابه الأشيب:

- إذن... ابدأ بالعدّ.. بسرعة.

قال رشيد مستسلما للأمر الواقع:

- لا تتعب نفسك.. المبلغ كامل.. مئة ألف دولار, لا ينقصه دولار واحد .عشر رزم..كلّ رزمة بعشرة آلاف دولار..

وكأنه لم يسمع شيئا.. لذلك راح العابس يحسب الرزم ..رزمة رزمة..ورقة ورقة..

ضحك رشيد بسخرية قائلاً:

- هل ستحسب مئة ألف دولار ورقة ورقة؟!..

نظر إليه العابس وقال:

- ولم لا ؟؟..فمايزال الطريق طويلاً..إنها متعة بالنسبة لي.

نبيه يأتي ومعه ضابط القطار وشرطي ومحصّل التذاكر..فوفي تقترب منهم..

نبيه  : فوفي.. أين أنت يا فوفي ؟

فوفي : نعم يا نبيه.. أنا هنا.. كنت بانتظاركم .

نبيه يعرّف الجميع على صديقته فوفي ...                              

نبيه  : هذه هي صديقتي فوفي التي حدّثتكم عنها .

الضابط : لقد تشرّفنا بمعرفتك يا فوفي. ونشكرك على حسن اهتمامك بهذا الموضوع.

فوفي : عفوًا يا حضرة الضابط...فأنا من طبعي حبّ الخير ونبذ الشّر .

نبيه يشير بيده إلى الغرفة ومن حوله الجميع ينظر إليهما. 

الضابط : والآن.. أين هي الغرفة ؟

نبيه  :  تلك التي تحمل رقم 9

فوفي :  قبل قليل سمعت صوت استغاثة يصدر منها..   

نبيه قلق.. والضابط للغرفة وخلفه المحصّل يتقدم .

نبيه : يبدو أنّ الرجل بحاجة للمساعدة .

الضابط : لا تقلق.. سنقوم بما يلزم يا نبيه.. والآن.. تعال معي يا حضرة المحصّل .

الضابط والمحصّل يقفان قرب  باب الغرفة  9

الضابط : هل فهمت ما ستقوم به ؟

المحصّل: نعم .

في غرفة الرجال :

صوت الباب يطرق والرجلان يقتربان من بعضهما مرتكبين  

الرجل الأشيب : هس.. الباب يطرق..

العابس : لا تفتح .

الرجلان يهمسان في أذنيّ رشيد ويهدّدانه     

الرجل الأشيب : لو تفوّهت بأية كلمة فلن ترى ابنك إلى الأبد .

العابس : لن تكون أذكى منّا أبدًا. إن لم نعد إلى زملائنا في الساعة التاسعة من صباح الغد.. فستكون نهايةلولدك .

الرجل الأول يخبيء مسدّسه تحت حزام بنطلونه وهو يتوجه  إلى الباب لفتحه .

الرجل الأشيب : خبئا الحقيبة بسرعة .

المحصّل صار داخل الغرفةوالرجلان قلقان..ورشيد يتصبّب عرقًا وهو يجلس في مكانه.

المحصّل : معذرة.. أنا قاطع التذاكر.. هل لي بتذاكركم؟

الرجل الأشيب : لحظة واحدة من فضلك ..

العابس: ها هي التذاكر معي

المحصّل ينظر إلى رشيد والرجل الأشيب يبدو الارتباك واضحًا  عليه..

المحصّل : آسف للإزعاج... هل من خدمة أقدّمها لك يا سيدي.. يبدو أنك متعب .

رشيد : ها... أنا ؟ لا لا... أنا بخير...

الرجل الأشيب يحاول إخراج المحصّل.والمحصّل يوجه كلامه لرشيد الذي ما يزال مرتبكًا وخائفًا.                                                          

المحصّل : عل أية حال..يوجد طبيب في القطار، إذاشعرت بأية وعكة صحية فلاتتردّد بمراجعته.. ما رأيك أن ترافقني لأدلّك على مكانه ؟.

رشيد : في.. ف.. في الحقيقة.. أنا.. أنا..

الرجل الأشيب : إنه بخير.. وشكرًا لك .. مع السلامة.

الرجل الأشيب يغلق الباب وهو ما يزال يقف خلفه مرتبكًا. الرجل العابس مطمئن               

العابس : كل شيء سار على ما يرام .

الرجل الأشيب : أشكّ في ذلك .

المحصّل يحدّث الضابط       

المحصّل : ان الارتباك والخوف باديين على وجهيهما.. أما الرجل الآخر..فكان واضحًا من تصرّفاته أنّهما هدّدانه بأن لا يتنفس بأية كلمة .

الضابط : توقّعت ذلك .

نبيه يتكلّم مع فوفي والضابط يوجّه أمره إلى الشرطي،والشرطي يؤدي التحية

نبيه  : صدقت يا فوفي.. إنها عصابة..

الضابط : اسمع يا أحمد.. ستبقى هنا لتراقب المكان من بعيد.

الشرطي أحمد: أمرك سيّدي ..

الضابط يمشي مسرعًاوخلفه المحصّل..                                          

الضابط : أمّا أنت يا حضرة المحصّل.. فأرجو أن تساعدنا مع زملائك في نقل الرّكاب الموجودين في  الغرفتين 8 و 10 إلى مكان آخر.. من غير أن تحدث أية ضجّة ..

المحصّل : ربع ساعة بالكثير... وسيكون كل شيء مثلما  طلبت ...

الرجلان مقتربان من بعضهما على بعد منهما يجلس رشيد مراقبًا...                   

الرجل الأشيب : اسمع.. لقد بدأت أشكّ بأمر قاطع التذاكر هذا نظراته كانت مريبة، كأنه قد أرسل إلينا عمدًا.

رشيد: بماذا تتهامسان.

رشيد: ( مع نفسه) بدأت أشكّ في صدق وعدهما لي.. يبدوان جشعين وطماعين لدرجة كبيرة، وأعتقد  أنني سأخسر المئة ألف دولار دون أن أحظى بلقاء ابني سعد.

الرجلان يتهامسان     

العابس : هل تقصد أننا نقتسم المبلغ فيما بيننا نحن الاثنين فقط ؟

الرجل الأشيب : نعم.. هذا ما أعنيه.. ستكون حصّة كلّ مناخمسين ألف دولار، وهو أكبر بكثير مما وعدنا به الريّس مردان .

رشيد يفكّر مع نفسه قلقًا   

رشيد: ( مع نفسه) أظنني كنت مخطئًا بعدم إبلاغي الشرطة حال اتصالهم الهاتفي بي.. ولكن ماذا أفعل ؟ هدّدوني بقتل أغلى ما أملك .

الرجلان يتهامسان بخبث وهما يدّبران مكيدة      

الرجل الأشيب : سنقيّده، ثم نضربه على رأسه بالمسدّس، عندها سيفقد وعيه، فنأخذ الحقيبة منه نهرب.

العابس : كلا..بل علينا أن نقتسم المبلغ قبل هربنا .

الرجل الأشيب : وهو كذلك .

الضابط يبتسم وهو يشرح     

الضابط.. هذا صحيح.. فالموضوعات التي تقوم على أساسها الأفلام السينمائية.ليست بعيدة عن الواقع ..وما على الكاتب إلاّ أن يقتبس ما يراه  مناسبًا ,ويقدّمه بأسلوبه وبشكل متناسق وشائق .

فوفي  :  أتعرف يا حضرة الضابط.. أن صديقي نبيه كان يحلم أن يكمل دراسته في كلّية الشرطة ليتخرج  فيها ضابطًا .

الضابط : هذا شيء رائع

نبيه  :  وما زالت هذه أمنيتي.. وستتحقق بإذن الله .

الرجل الأشيب : ألم يحن موعد تنفيذ خطّتنا ؟

العابس : ليس قبل أن نعرف متى سيصل القطار إلى أقرب محطة .

العابس يغلق فمه بالمنديل، والأول يقيّد يديه خلفه، رشيد يحاول الصراخ .

العابس : هذا المنديل لنغلق فمك الثرثار.

الرجل الأشيب : وهذا الحزام لنشدّ به يديك بعد أن تعبتا من احتضان الحقيبة .

رشيد : هم  ..م  م... هم ...

الشرطي يقرّب جهازه إلى  إلى فمه وهو حذر .  

صوت الجهاز: سيدي بلّغت أمرك بإغلاق جميع أبواب القطار.. وقد نفّذ الأمر..

الضابط: لن نفتح الأبواب إلاّ عند وصول القطار إلى المحطة القادمة بعد عشر قائق

صوت الجهاز: مفهوم يا سيدي...

الضابط : انتهى...

نبيه  : لم أكن أتوقّع أن تكون التدابير والاحتياطات بهذا الشكل .

فوفي تقترب من مكتب الضابط، ونبيه ينبهر بما يحدث .                 

الضابط : حفظ الأمن يا نبيه أصعب بكثير من إثارة الشغب.

فوفي  : بارك الله في جهودكم الخيّرة يا رجال الشرطة الأبطال .

نبيه : هل تعرف ياعمّي الضابط.. أن الموقف الذي نمرّ به الآن، يذكّرني بمشاهد فلم سنيمائي سبق لي أن  رأيته .

الرجل العابس يمشي في ممرّ  الغرف وهو شارد الذّهن        

الرجل العابس : ( مع نفسه) السكون مخيف.. لاصوت سوى.. صوت عجلات القطار، الكلّ غارق في نوم عميق ستكون الفرصة مناسبة لتنفيذ خطّتنا..

صوت المحصّل: هل من خدمة ياسيدي ...

المحصّل أمام الرجل

العابس : يا ساتر يا ربّ..

المحصّل : آسف لم أكن أقصد إجفالك.. ولكني رأيتك تتلفّت حائرًا..

الرجل العابس : نعم.. أردت أن أسأل متى سيتوقف القطار في المحطة القادمة ..

المحصّل : المحطة القادمة هي قرية مروج..وسنصلها بعد أقل من عشر دقائق .

وفي الحال عاد الرجل ليبلّغ صاحبه المرعوب وهو يدخل غرفته ولكن...

الرجل :  يا ويلي... لقد فعلها ؟!...

الشرطي أحمد يتكلم في جهازه اللاسلكي وهو يقف في ممرّ الغرف .  

الشرطي أحمد: سيّدي.. يبدو أن أحدهما قد هرب.

صوت الجهاز : ابق مكانك وكن حذرًا.

الرجل العابس يقف مندهشًا أمام رشيد الساقط على الأرض                 

الرجل العابس : لقد خدعني إذن.. سرق الحقيبة وهرب.. ولكن لن يفلت مني..

الضابط يدخل الغرفة وهو يحمل مسدّسه وخلفه اثنان من الشرطة، الرجل العابس بحالة ذعر ورعب.               

الضابط : أنتما الاثنان لن تفلتا من قبضتي..

الرجل العابس : يا إلهي.. انتهى كل شيء...

أحد رجال الشرطة يضع القيود في يدي الرجل الضابط يتكلّم معه بعصبية . 

الضابط: ما يزال صاحبك في القطار، وسنمسك به.. بالتأكيد. وعندها ستنالان عقابكماالصارم.

الرجل العابس : هو الذي خطّط ودبّر كل شيء، وفرّ بالحقيبة  أمسكوه هو أولاً

الضابط يجلس على ركبته وهو يتفحّص رأس رشيد والشرطي خلفه يؤدي التحية.

الضابط : يبدو أنه ضُرب على رأسه ضربةً قويةً.. استدع الطبيب حالاً ..

شرطي : نعم سيّدي..

نبيه وفوفي يمشيان في إحدى عربات القطار ..                                       

فوفي  : أنا خائفة يا نبيه.. فالمجرم ما يزال حرًّا.. أخشى أن يصيبنا بمكروه .

نبيه : تحلّي بالشجاعة يا فوفي.. فإذا كان هناك من يشعر بالخوف فعلاً فهو المجرم نفسه

فوفي : أفضّل أن لا نرجع إلى غرفتنا..

نبيه  : سنذهب الآن إلى ضابط الشرطة ليقرّر ما ينبغي علينا أن نفعله .

نبيه وفوفي في مكتب الشرطة ومعهما الضابط                                    

الضابط : لا تقلقا.. سنمسك به بإذن الله، وسنحتاج إلى مساعدتكما طبعًا .

نبيه  :  هذا يسرّنا كثيرًا..

فوفي تقترب من ضابط  الشرطة..                                                 

فوفي : لقد رأيت الرجل الهارب عن كثب.. وأستطيع أن أميّزه من بين ألف رجل، لأن له ملامح لا يمكن أن أنساها أبدًا .

الضابط : شكرًا يا فوفي . ولا تنسي أن موظّف التذاكر هو  الآخر رأهما عن قرب ولفترة ليست قصيرة.

نبيه يقترب من ضابط الشرطة وهو يشعر بالقلق .                              

نبيه : حضرة الضابط. أرجو أن لا تنسى أن الولد المخطوف في خطر. وخصوصًا إذا عرفت

العصابة أن أحد أفرادها قد ألقي القبض عليه.

 الضابط : لا يمكن للعصابة أن تعرف ما حصل لأحد أفرادها.. لأن المجرم الثاني لن يستطيع الخروج من  القطار وستتأكد بنفسك .

في غرفة الطبيب: يبدو رشيد ممدّدًا على سرير في  عمق الصورة، يقف الضابط مع الطبيب وبقربهما أيضًا نبيه وفوفي                                                                    

الطبيب : لقد كانت ضربة قوية . ولكن حمدًا لله لم يصب دماغه بأي أذى، ومع هذا فإن علينا أن نسرع في نقله إلى المستشفى .

الضابط:بعد دقائق سيتوقّف القطار في محطة مروج، أرجو أن تتولى عملية نقله إلى لمستشفى

.الجميع يتحلّق حول سرير رشيد وهو يهذي ويتصبّب عرقًا...   

رشيد :  سعد ..سعد .ولدي سعد ..

الطبيب : إنه في حالة غيبوبة وهذيان.. ولم يكفّ عن ذكرهذا الاسم دقيقة واحدة .

نبيه : إنه اسم ولده المخطوف .

ينبعث صوت من الجهاز اللاسلكي للضابط..                       

صوت الجهاز: سيّدي.. وصلنا إلى قرية مروج.. وسيتوقّف  القطار في المحطة..

الضابط : حسن.. نفّذوا أوامري.. ولينتشر رجالنا في المحطة قبل نزول المسافرين .

الضابط يضع يده على كتف الطبيب     

الضابط :والآن..يمكنك أن تستعد لإجراء ما يلزم لنقل المصاب إلى المستشفى.. وسيكون برفقته أحد رجال الشرطة ريثما يفيق من غيبوبته .

الطبيب : نعم.. وسأتّصل بسيارة إسعاف .

الضابط يتحدّث إلى نبيه وفوفي وهم يمشون في إحدى ممرّات عربات القطار

الضابط : والآن... جاء دوركما أيها الصديقان .

نبيه  : نحن على أتمّ الاستعداد لأية مساعدة..

يستوقفهم المحصّل وهو متنكّر بزي ما..                      

المحصّل : أنا جاهز يا حضرة الضابط ..

الضابط : ومن أنت ؟!

المحصّل : أنا موظّف التذاكر.. هل نسيت اتفاقنا ؟

نبيه يضحك بينما المحصّل مستغرب والضابط يبتسم.    

نبيه  :  .. لم أعرفك يا عمّي...

الضابط : نعم اتّفقنا.. ولكن لم أكن أعرف أنك ستحسن  التنكّر إلى درجة أنني لم أعرفك .

الضابط يتكلّم في جهازه اللاسلكي...                                       

الضابط : من 1 إلى 3 ...

نفّذوا الأوامر المتّفق عليها حالاً. ولا تنس أن تبلغ ضابط أمن المحطة...

صوت الجهاز: حاضر سيّدي...

الضابط مسرع وخلفه نبيه وفوفي مسرعان        

الضابط : أمّا أنت يا نبيه... وأنت يا فوفي..فسترافقاني إلى بوّابة المحطة... هيا بسرعة...

رقيب بملابس الشرطة يؤدي التحية للضابط وهما أمام بوّابة المحطة, وفي عمق الصورةيظهر رجال الشرطة منتشرين

رقيب الشرطة: سيّدي.. لقد انتشرت قوّتنا في أرجاء المحطة بإمرة ضابط المحطة، أما رجالنا الذين حواليك فهم بإمرتي.. وأنا جاهز لسماع أمركم .                                         

الضابط : بارك الله فيكم جميعًا.. سنكون على استعداد للقبض عليه في حالة هروبه من أيدي رجالنا في باحة المحطة .

نبيه وفوفي يقفان قرب لضابط     

نبيه : ولكن.. كيف ستتعرفون عليه ياحضرة  الضابط ؟

الضابط : أنتما اللذان ستتعرفان عليه.. إنّه دوركما في المشاركة بالقبض عليه .

نبيه يشير بيده صوب رجال الشرطة..فوفي مذعورةا ولضابط يتحدث إليهما بجدية.

نبيه  : إذن.. كل هؤلاء الرجال من الشرطة بانتظارإشارة من صديقتي فوفي..

فوفي : ماذا ؟!.. هذا مستحيل !

الضابط : ما يقوله نبيه صحيح.. لأنك تعرفين المجرم الهارب ورأيته عن قرب، بينما لم يرَ نبيه سوى الشخص  المقبوض عليه .

فوفي تفكّر مع نفسها..   

فوفي  :  ( مع نفسها ) يا لها من مسؤولية كبيرة !!.

الضابط يقرب جهاز  اللاسلكي إلى فمه:

صوت الجهاز : سيّدي إن مجموع ما نزل من المسافرين سبعة فقط. ولم يشك موظف التذاكر بأي منهم .

الضابط : إذن... دعوهم وشأنهم .

الضابط مستغرب ونبيه كذلك.. وتقف فوفي تراقب مدخل المحطة  .            

الضابط : شيء عجيب.. هذا يعني أن المجرم ما يزال في القطار .

نبيه : هذا إذا تأكد لنا أنه فعلاً ليس من الأشخاص السبعة .

الضابط يشير بيده إلى مدخل المحطة، وفوفي تمشي باتجاه المسافرين الخارجين من المحطة.

الضابط : لقد خرج المسافرون السبعة .

نبيه  : إلى أين تذهبين يا فوفي ؟

فوفي  :  لأداء واجبي ..

فوفي تقفز فوق ثلاثة رجال.   

أحد المسافرين : ما هذا ؟ ماذا يجري اليوم ؟

فيفزعون ويحاولون إبعادها ..                                    

الآخر : الشرطة في كل مكان ! يبدو أن الأمر خطير ..

تقفز فوفي لتحاول أن تنزل    

فوفي :  من فضلك أنزل اللثام لأرى وجهك .

فوفي تفكّر مع نفسها وهي تنظر إلى شخص تقدّم المسافرين وصار أمامهم سيدة وهي تحمل حقيبة.

فوفي  : ( مع نفسها ) لم يبق سوى الشخص الذي تقدّمهم مسرعًا...

فوفي تقفز فوق رأس السيدة. السّيدة تبعد فوفي عن وجهها (  الرجل الأشيب متنكّرًا)

سيّدة  : ابتعدي عني...ما هذا ؟ ماذا يحصل ؟

فوفي : معذرة يا سيدتي... أريد التّأكّد من شيء ما.

فوفي تنزل من على رأس السيدة. (الرجل الأشيب المتخفي بزيّ سيدة )يسقط الشعر المستعار الموضوع على رأسه وفوفي تلحظ ذلك ,ولكن....

الرجل الأشيب : يا ويلي...لقد افتضح كل شيء .

فوفي  : ها ؟!...

الرجل الأشيب يفرّ هاربًا حاملاً حقيبته.. بينما تنادي فوفي باتجاه الشرطة....

فوفي : تعالوا إلى هنا بسرعة... إنه المجرم... لقد هرب من هنا....

وانتشررجال الشرطة في كل مكان..وأضاؤا الكشافات الضوئية الفخمة..لذلك كان صيدًا سهلاً بالنسبة لهم...

الرجل الأشيب المقبوض عليه من قبل الشرطة مقيّد اليدين  يصير قريبًا من نبيه وفوفي     

الرجل الأشيب :أعترف بشجاعتك أيها الفتى.. لقد كنت أنت ،وببغاؤك هذه السبب في إفشال جميع مخطّطاتي.

نبيه : أرأيت نتيجة أعمالك ومخطّطاتك الدنيئة ؟ سيكون مصيرك السجن ...

الضابط ينخسه بمسدّسه والمجرم يستغيث..بينما يقترب نبيه منه.

الضابط :هيا أمامي لتودع في سجن القطار مع زميلك...ريثما نصل إلى المدينة..وعندهاستنالون عقابكماالصارم.

الرجل الأشيب : الرّحمة يا سيدي...

نبيه:من لا يَرْحَم لا يُرْحَم...

الضابط يصافح نبيه وفوفي ويشكرهما,وهم يقفون عند باب النزول في إحدى عربات لقطار. وسارالقطار بسلام،ووصل إلى المدينة التي يسكنها خال نبيه وعائلته. وقبل أن ينزل نبيه وفوفي في في المحطة.. شكرهما الضابط على كل ما أبدياه من مساعدة في منع حدوث جريمة كان من الممكن أن تحدث لولاهما .

نبيه  : تشرّفنا بمعرفتك يا عمّي الضابط .

في محطة المدينة القطار..            

وفي المحطة..كان عدنان بانتظار وصول  ابن عمته نبيه .نبيه يعانق نبيه وقربهما فوفي الذي تأخر عن موعده أكثر من ساعة..

عدنان:وأخيرً وصلتما.حمدًا لله على سلامتكما ياصديقيّ العزيزين.لقد قلقت عليكماكثيرًا.

عدنان يسير معهما وهو يحتضن نبيه.. وفوفي تتقافز قربهما...       

نبيه : كيف حالك يا عدنان ؟ وكيف حال خالي ؟ إننا مشتاقون لكم كثيرًا ..

عدنان :ليس أكثر منا.وأنت يافوفي.هل ما زلت مصرّة على مرافقة نبيه في كل مكان ؟

فوفي : لا... يبدو أنني سأعيد النظر في هذا الموضوع  بعد الذي حصل ...

عدنان  : ما الذي حصل معكما يا نبيه ؟

فوفي : كنا بطلين لفلم سينمائي .

نبيه : قصة طويلة..لن نحكيها لك قبل أن تدلّنا على أقرب سرير لنغطّ في نوم عميق..

وهكذا..كانت رحلة صديقينا نبيه وفوفي.. رحلة متعبة، وصعبة، وشاقة.. لكنها بالتأكيدكانت متعة بالنسبة لكم أيها القراء الأعزاء.لأنها مليئة بالمغامرات الشائقة،وستكون كذلك بالنسبة لصديقينا عندما يستذكرانها مستقبلاً....

[تمت]