مَسْخرةٌ (حَلِّلْ يا أبا البراء)

لأول مرة في حياتي يتطابق تحليلي لقضية فلسطينية كبرى مع رأي أشد المتطرفين اليمينيين الصهاينة في إسرائيل المحتلة.

قلتها مراراً، وأزعجتُ الكثيرين ممن هم شديدو الثقة بنوايا "التقيَّة" الإيرانية. ولكن هذا المتطرف الصهيوني الهرتزلي قد نال من حكومته وشعبه توبيخا شديداً؛ حتى إن زعيم المعارضة الصهيونية اليهودية (يائير لابيد) اعتبر "تغريدة" هذا المتطرف "إيتمار بن غفير" عن كلمة اختصرت العملية الإسرائيلية الأولى – وربما الأخيرة- في أصفهان / إيران بأنها "مسخرة"؛ اعتبرها تحولا كبيرا ضارا بدولتهم المسخ!

من وجهة نظري، فإني أعتبر الضربة اليهودية "الأولى والأخيرة" لإيران مسخرة من جهة البعبعة التي تتبجح بها إسرائيل العظمى من ضرب الدولة المتشيعة، نعم فهي مسخرة ليست من جهة تحقيق أهدافها، ولكنها لا تتوافق مع مستوى التهديد الصهيوني لإيران منذ زمن بعيد!!

بنغفير يعتبرها "مسخرة" لأنه كان يريد تدميرا شاملا لدولة الآيات الإيرانية، ومسحا شاملا لأصفهان حيث تقع محطات الدفاع الاستراتيجية لمفاعل "نطنز" النووي"؛ الذي شغل العالم منذ عقود ... وعلى الفاضي. وأنا أوافق هذا المتطرف الحقير رأيه في الوصف الدقيق "مسخرة".

أما إذا قارنا ضربة إيران لإسرائيل قبل أسبوع بثلاثمئة صاروخ ومسيَّرة، ففي أقل تقدير قالت القنوات العبرية إن 84% منها قد أُسقطت، فيما حققت المهمة الصهيونية في عقر دار إيران تدميرا شاملا لأهدافها المرجوة في أصفهان. أما ما هي نتائج ضربة إيران لصحراء النقب الفلسطينية؛ ففي أحسن تقدير أنه نجاحاتها كانت بمستوى 005% !!

وإسرائيل لو كان معها الضوء الأخضر الأمريكي والغربي والروسي لدمرت ما تشاء في بلاد فارس .... بعد أن تصبَّرت عشرات السنين. وهذا ما تفعله الطائرات الصهيونية في سوريا المنتهك عرضها كل يوم، وقد تزامنت الضربة الإسرائيلية لأصفهان مع أخت لها في درعا؛ فثمة أضواء خضراء كثيرة لهذه المهمات العسكرية الصهيونية!!!

إيران طبَّلت وزمرت قُبيل وبُعيد ضربتها الخُلَّبيَّة لصحراء النقب الفلسطينية، ثم هي تبنَّت ضربتها الأسطورية الساحقة الماحقة، فيما تكتَّمت إسرائيل عن التصريح عن قصف أصفهان إلى أبد الآبدين ... وهذا ما تفعله في قصفها للمنشآت الحيوية السورية والإيرانية على الأَراضي السورية من التكتم منذ ما يقارب عشر سنوات عجاف؛ وفي ذلكم سر اللعبة السياسية والعسكرية، والإعلاميَّة .... فأي الفريقين أحق بالاحترام إن كنتم تعلمون؟!

أنا لا أحترم الفريقين، ولكني أسطع الزعم وبملء فمي إن الجانب الإسرائيلي أكفأ من الإيراني عسكريا .. وسياسياً .. وإعلاميا .. وتدجيلياً... وفي كلٍّ شرٌ.

مدير قناة الجزيرة في فلسطين " وليد العمري" قال إن النتن - ياهو صار الحاكم بأمر الدولة الصهيونية الأوحد، وبذلك تكون الدولة العبرية الديموقراطية قد اقتربت من المواصفات والمقاييس العربية؛ وهذا ما يزعج الغرب والشرق الداعم لتلكم الدولة الديموقراطية بأن تتشبه بالعرب، وقد جاء في الأثر بلعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.

العمري يؤيد رأيه بأن النتِن "قد أجَّل مؤخر عدة مرات اجتماعات لمجلس الحرب دون سبب، رغم وقدة حَمْي الوطيس. ثم صار يقرب فلانا ويُبعد علَّانا من الاجتماعات المهمة الحرجة"..... فلمَ لا يقول له شعراء العبرية : "فاحكمْ فأنت الواحدُ القهَّارُ"؟ كما قيل لإله الفاطميين المزعوم في مصرَ؟!

ومن يعشْ يرَ الصلح الذي سيُعقد للأخوين اللدودين، و"بوسة شوارب" مع فنجان قهوة سادة كفيلان بصلح ذات البَيْن؛ لأن الطلاق بينهما رجعي، وبائن بينونة صغرى، ولا بد من حَكَم من أهله، وحكم من أهلها. وهذا ما تقرره اليوم روسيا بنقلها للغرب من أن إيران لا تريد التصعيد، ولا الرد، ولا حتى الشجب، فقط تبويس!!

في هذه المسرحية بفصليها تذكرت المصارعة الأمريكية ومسرحياتها؛ وقد كنت أعشقها أوائل الثمانينيات. ولما عُقدت حلبة للمصارعة في المدرج الروماني بعمَّان، كنت في الصف الأول قبالة الحبال، ورأيت بأم عيني -وأنفي- كيف يُهيِّج المصارعون الجمهور بإسالة الدماء والضرب بالكراسي، وربما ضربوا الحكام!! "وجون سينا" قال مرارا على اليوتيوب: لا تقلدونا، فقد تؤذون أنفسكم، فنحن مدربون على التمثيل أكثر من تدريبنا على الحديد، والسقوط ربما من أربعة أمتار، أو يزيد!!!

وتذكرت كذلكم المهرج "دونالد ترمب" قبل ما يقارب عشرين سنة؛ وهو في حلبة المصارعة الأمريكية التهريجية التهيجية، وكان المصارع الأمريكي القوي " ستيف أوستن " يقول له: " اخرج من الحلبة أيها الكومبارس، وإلا ضربتك على مؤخرتك وجعلت آلاف المشجعين يضحكون عليك .. رغم علمي بامتلاكك المليارات من الدولارات " ... وقد حصل له كذلكم!

ويقال إن ترمب كان يدفع لحلبات المصارعة الملايين حتى يمثل هذا الدور التهريجي الفكاهي لمدة قد لا تتجاوز دقيقة. وأنا أناشد الشعب الأمريكي أن يعيده للبيت "الأسود" ثانية، لنسرِّي عن أنفسنا بشيء من ضحك!!

المهم في القول: إن الشعب الأمريكي مولع برؤية إسالة الدماء، ويهيج كلما رأى أنهارها وشلالاتها. أوليسوا هم من قتَّل عشرات الآلاف من الهنود الحمر الأصليين عندما حلوا على العالم الجديد بأمريكا؛ قادمين، مهاجرين من أوربا؟ وكذلك ذبَّحوا عشرات الملايين من الأفارقة الذين اقتادوهم بالسلاسل من بلادهم صاغرين إلى الأرض البِكر المكتشفَة؛ أمريكا؟!

فهذه المسرحية "المَسْخَرة بين العدوين الحبيبيْن إيران وإسرائيل قد حصلت فيها الأولى على شلوط (ضربة على المؤخرة)، والثانية نالت فركة أذن بسيطة من قبل أختها ... وفُضُّوا هالسيرة. نقطة بداية السطر.

ولترجع إسرائيل إلى دأبها في ضرب وتدمير المنشآت الحيوية (السورية والإيرانية وحزب اللاتية) على أرض الشام المباركة ... وفي عرين الأسد ثمَّة تصريح منذ الأزل لم يتغير: " سنرد في الوقت المناسب "! (أقيامُ السَّاعة موعدهُ)؟ يا أيها " العليُّ الحُصريُّ القيروانيُّ"؟!!

وعلى سيرة التكتم العسكري واللف والدوران السياسي أعود لأقول وأختم: لقد عدَّ كثير من الهواة من على سطوح منازلهم المسيرات والصواريخ التي عبرت من إيران إلى فلسطين قبل أسبوع. أما الضربة الإسرائيلية لأصفهان فقد تُركت للمنجمين والمحللين؟ هل كانت بفعل مسيرات؟ أم بطائرة شبح؟؟ أم بصواريخ؟! والدولة الكذوب لم تنبس ببنت شفة ولا بابنة أختها؛ كدأبها في الدجل الإعلامي المضلل الذي تقوم دولتهم المصطنعة المسيلمية عليها منذ عهد هرتزل ... وحللْ يا دويري إن كنت تسطع أن تحلِّل ... لا ... هذه المرة التحليل لأبي البراء.

*******************

على تخوم اليوم "المئتين" من عمر طوفان الأقصى المدمر

وسوم: العدد 1077