المؤامرات السياسية بعد الحرب على غزة أخطر من تلك الحرب

كثرت الخطوات المريبة أثناء الحرب الأخيرة على غزة وبعدها . أثناءها ، كان مريبا وغريبا أن " يتبرع " النظام المصري ب500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة ، وأن يأمر بفتح حساب في المصارف المصرية ليتبرع المواطنون المصريون لذات الغاية ، ويتبع ذلك بإرسال 130 شاحنة من المواد الغذائية والأغطية والمفارش والملابس والأجهزة الكهربية .  والمعتقد أن هذا المبلغ من دولة عربية قد تكون الإمارات ، وبث موقع " الجلاء ميديا " تقريرا صوتيا أورد فيه أن المبلغ من إسرائيل لأهدافها العسكرية  والاستخبارية في غزة ، وأن النية بتكليف شركات مصرية بتنفيذ إعادة الإعمار وسيلة لتحقيق تلك الأهداف الإسرائيلية ،  وفي تقديرنا أن فتح الحساب في المصارف المصرية تمويه على مصدره المريب غير المصري ، يعني الحكومة المصرية دفعت 500 مليون دولار، وفتحت الباب لمواطنيها للتبرع إضافة إليه ، فما المريب في هذا ؟! إنه طبيعي ، تبرع أشقاء لأشقائهم . نعم الشعب المصري والشعب الفلسطيني شقيقان ، وما من ريبة في أن يتبرع أحدهما للآخر . إنما من يعرف حقيقة موقف السيسي الشديد العداء لحماس والسلبي تجاه القضية الفلسطينية  والودي نحو إسرائيل  يوقن أن سخاءه الحاتمي مريب ، وأن وراء التل  ما وراءه ، وأنه في صالح إسرائيل لا صالح غزة . وقوى الريبة في التبرع المصري  انضياف أميركا لإعادة إعمار غزة ، ولم يدع بايدن غاية بلاده  من هذا الانضياف غامضة ، فجهر بأنها لمنع  تقوية ترسانة حماس العسكرية من جديد ، أي أنها لصالح إسرائيل ، وهي ذات غاية التبرع المصري المدفوع من خزينة دولة عربية نقدر أنها الإمارات أو إسرائيل   وفق ما أورده  موقع " الجلاء ميديا "  . الخطوة الثانية انكشفت في ما نقلته وكالة الأناضول عن عمر عوض الله مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للأمم المتحدة والمنظمات الدولية عن جهود فلسطينية ومصرية لترسيم الحدود بين البلدين . والمريب في هذه الخطوة أنها ، مثلما قال عوض الله ، من ضمن اتفاق التهدئة بين غزة وإسرائيل . فما الذي يجعلها ضمن هذا الاتفاق إلا أن تكون لصالح  إسرائيل في خطة منع المقاومة في غزة من ترميم قدراتها العسكرية بعد حرب ال 11 عشر يوما  التي استنزفت منها ما يزيد على 4 آلاف صاروخ عدا قذائف الهاون ؟! والمستقر تاريخيا أن حدود فلسطين مع مصر رسمت نهائيا في 1906 بين بريطانيا صاحبة السيادة على مصر  والدولة العثمانية صاحبة السيادة الرسمية على فلسطين والاسمية على مصر تاريخئذٍ، وأعيد تأكيد هذا الترسيم في 1979 بين مصر وإسرائيل المحتلة لفلسطين ، وما اختلف عليه بين الدولتين حول شريط طابا سوي بالتحكيم الدولي بينهما ، وكسبت فيه مصر . وبداهة أن الترسيم المزعوم سيأخذ إجراءاته وتضليلاته على حدود غزة البرية ، 14 كيلومترا ، والبحرية مع مصر ، وهي محددة في الاتفاقية البريطانية _ العثمانية ، ولم يظهر يوما أي خلاف حولها من ذلك الزمان . إذن يبقى أن الترسيم المقصود فعليا هو ترسيم أمني لا جغرافي ، يحتوي إجراءات فعلية من الجانب المصري في جانب الحدود الخاص به لإعاقة تهريب  السلاح ومواد تصنيعه إلى غزة التي تمنع  إسرائيل  دخول أكثر من 400 سلعة إليها  من السلع ثنائية الاستعمال المدني والعسكري ، وقررت بعد الحرب الأخيرة منع إدخال حديد البناء  . وهذا هو المطلوب من مصر بعد الحرب والذي ستشارك فيه السلطة الفلسطينية بعد أن قرر من سيمولون إعادة الإعمار أن تكون هي لا حماس المسئولة فلسطينيا عنه . والحديث عن الحدود البحرية بين البلدين ، أو للدقة بين غزة ومصر ، ومنه الحديث عن غاز غزة مارين الذي حفرت بئره  شركة  بريتش غاز في 2000 لا يفترق في رداءة نيته  عن الحدود البرية . فمن الذي يستغله من ذلك الحين ، من 21 عاما ؟! لا أحد إلا إسرائيل ،  وليس للسلطة الفلسطينية أي اهتمام حقيقي به . المؤامرات الجارية الآن ن بين إسرائيل وأطراف عربية امتداد للحرب  الأخيرة على  غزة ، وهذه المؤامرات كبيرة وخطيرة ، وكبرها وخطورتها انبثقا من هزيمة إسرائيل النسبية في الحرب التي لو تركت توابعها تفعل أفاعيلها لصارت وبالا مصيريا عليها وعلى هذه الأطراف العربية . أحيانا تكون الحرب السياسية أخطر وأعقد  من الحرب النارية التي سبقتها حتى لتبدو كأنها حرب جديدة منفصلة عنها ، ولهذه الحرب يتحتم أن يتهيأ محور المقاومة العربية والإسلامية . إنها حرب الوجود والمصير  التي انحازت فيها أطراف عربية إلى صف  العدو ، و تمترست  في خندقه . ورحم الله جمال عبد الناصر الذي كان بعد هزيمة يونيو الرهيبة في 1967 يخصص قبل نهاية كل خطاب له جزءا منه ليخاطب  أهل غزة ، ويطمئنهم  إلى أن مصر لم تنسهم ، ويشجعهم على مقاومة الإسرائيليين ولو بالعصا .   

وسوم: العدد 930