الخامس من حزيران / 1967، هوامش على ذكريات النكسة

في ذلك الزمان ..

كان رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي.

وكان رئيس الوزراء الدكتور يوسف زعين

وكان وزير الخارجية الدكتور إبراهيم ماخوس

وكان وزير الدفاع حافظ الأسد

وكان المحرك الخفي للمشهد السوري يومها ، صلاح جديد وبقية أعضاء اللجنة العسكرية. وكان القائد العملي للمشهد العربي جمال عبد الناصر، الرئيس الأكثر شعبية في تاريخ العرب الحديث.

وأقترح على القارئ الكريم أن يراجع حديث اللجنة العسكرية التي تشكلت في سورية على يد المثلث : جديد - عمران - الأسد ، وانضم إليها آخرون . أذكر دائما أن "العلم بوابة للفهم "

ورجعنا يمن امتحان الثانوية العامة في يومه الثاني/ الأحد 5 حزيران / 1967

وإذا الحرب قد نشبت ..وإذا المذيعون والمعلقون على الأخبار في الإذاعات العربية يزأرون .. وإذا المغنون يغنون واختفى صوت صاحبة " من قاسيون أطل يا وطني .. وأرى دمشق تناطح الشهبا ، فلم نعد نسمع غير : ميراج طيارك هرب .. والميغ طقطق واعتلى في الجو يتحدى القدر!!

و أيضا " بفيتنام ضاعت نصف أمريكا وحنا حنكمل على الباقي "

وكذلك " بكلفني نصف فرنك الليبقرب صوب حدودي" !!!

وكان الترنزيستور يومها زينة العصر ، وكان الوحيد في بيتنا ، تتخاطفه الأيدي، إلى جانب صندوق الراديو الهرم المستقيل. وكان أكبر خلاف بين الأشقاء إلى أي المحطات سنسمع ..

يصيح أحدنا: لا تستمعوا إلى إذاعة لندن ..كذابون نصابون محتالون

دعونا مع إذاعة دمشق أو مع صوت العرب ..

صوت العرب الجميل كان يحدثنا عن إسقاط أربعين طائرة للعدو ، ثم أربعين ..ثم أربعين ، وكم هو جميل للمرء أن يسمع ما يعجبه، وأن يصفق له ..كانت إذاعة لندن تحدثنا وبكل برود أعصاب عن انكسار مريع ...

سأفضح لكم من سرنا أمرا ، فلم نكن في تلك اللحظات نشعر أننا في تناقض مع عبد الناصر أو مع حزب البعث ، كنا نشعر أننا في خندق واحد .. ويا ويلنا من ذلك الشعور!!

انتهت المعركة وفهمنا كل شيء، وتعلمنا ماذا يعني الانسحاب إلى خط الدفاع الثاني،!!! كان صعبا فهمه عندما سمعناه من عبد الناصر . خط الدفاع الثاني الذي ترسمه قناة السويس . فهمنا من ثم ماذا يعني اللجوء إلى الأمم المتحدة، وماذا كان يحمل المبعوث الدولي السيد " يانغ " ، وتفهمنا معنى 242 وأن حاله مثل حال 2254 اليوم .. فككنا شفرة " غسل آثار العدوان " تعلمنا من ذلك الدرس الكثير. وعندما وصلت فلول العسكر المغدور ، الذي خذلته أو باعته قياداته إلى دمشق اخترع السويون لهم لقب " جيش أبو شحاطة " وعندما وصل قائد الجبهة السورية إلى دمشق هاربا على حمار، فهم الشعب السوري ما هو المقصود بعمليات التمويه. وتبع فلول الهاربين ، أفواج النازحين، ووقفت الشرطة العسكرية على مداخل دمشق تمنع النازحين أن يحملوا معهم ما خف من متاع بيوتهم ، فحسب النكتة السورية المنتشرة أن حافظ الأسد "باع الجولان " مفروشة "، والوفاء للمحتلين في عقيدته دين.

ثم بعد أيام خرج علينا عباقرة البعث بنظرية النصر المكعب فقالوا كما يقول بشار المنتصر اليوم : كان هدف العدو إسقاط النظام الثوري فلم ينجح وهكذا انتصرنا و نظامنا الثوري لم يسقط !! بشار الأسد اليوم يعتقد بعد أن دمر في سورية كل شيء أنه من المنتصرين!! حال بحال وقيل بقيل .

في مصر استقال عبد الناصر - تقولون أو يقولون مسرحية - ولكنه استقال، وانتحر عبد الحكيم عامر ..قتل أو انتحر ولكنه أقصي ومات ..

في سورية احفظوا هذا جيدا

 لم يستقل بسبب الهزيمة الكارثة أحد ، ولم ينتحر أحد، ولم يحاسب أحد ..وخسرنا جولاننا وشرف جنودنا ، وثقتنا بأنفسنا . وعلى مستوى الأمة أجمع كان جيل ما بعد السابعة والستين ليس كالذي قبله ...

حتى اللغة نعاها أصحابها فقالوا ..

"أنعي لكم يا أصدقائي لغتنا القديمة

كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة .."

استقبلنا في دمشق وما حولها عشرات الآلاف من النازحين، ثم أردفناهم بعد ست سنين بآلاف من الوافدين ..تلك هي معاركهم للنصر وللتحرير !!

كنت أمشي أيام السابعة والستين وأنا شاب في العشرين من عمري في شوارع حلب فأرى شبابا وكهولا يبكون على الجولان...يقول شيخ كبير الذين يخسرون بسهولة لا ينتصرون أبدا ...احفظوها لتعوها فهي جميلة جدا.

 يوم ضاع الجولان بأيدي الرضاع لم يحسنوا المصاع!! أذن يومها صباح فخري "أذان الجهاد" على وقع طبل الحرب: حي على الجهاد ..حي على الجهاد ، كان أذانه يزلزل الأرض، أذيع ذاك الأذان مرة أو مرتين ، ثم جاءت الأوامر العليا بوقفه، فلم أسمعه بعدُ أبدا ولا في مسلسل تلفزيوني ..

أكتب لكم وأظنكم تعرفون بقية الحكاية، أصبح الوزير الذي خان وهان رئيسا، واللواء فريقا، أو عمادا ...وما زال للصفقة على الأرض السورية تبعات، وها أنتم اليوم ما زلتم تدفعون وفاء لشروطها منذ نصف قرن ..

وسلام على أرض الجولان في العالمين ..

والجولان هضبة استراتيجية في الجنوب السوري ، تبلغ مساحتها ، 1860 كم مربع . مساحة كبيرة بالنسبة لقطر مساحته 184 ألف كم ..

يحد الجولان من الجنوب نهر اليرموك ومن الشمال جبل الشيخ ومن الغرب بحيرة طبرية..عدد سكان الجولان يوم تم احتلاله 138 ألف نسمة.

التركيبة السكانية السورية : مسلمون سنة - ودروز - وعلويون - ونسبة كبيرة من المسلمين السنة من أصول جركسية استوطنوا هذه المنطقة بعد هجرتين جركسيتين متتاليتين ..

أهم مدن الجولان : القنيطرة - البطيحة - العال - فيق - مجدل شمس - مسعدة وفي أقصى الجنوب تقع ينابع حمامات الحمة المعدنية ..

المساحة التي استردها حافظ الأسد بعد اتفاقية فصل القوات هي 60 كم مربع فقط لكي يعلم الذي لا يعلم .

من العقوق أن لا تكون قد قرأت كتاب " سقوط الجولان " وألف رحمة لروح مؤلفه الضابط السوري الجركسي " مصطفى خليل بريز " لا تكسل، لو قرأته، وقد ألف منذ نصف قرن ، فستفهم ما يدور حولك بجلاء. وهو منشور على الشبكة في متناول كل يد ..

أوصيك ثم أوصيك ثم أوصيك بقراءة كتاب " سقوط الجولان " ومؤلفه ضابط الاستخبارات العسكرية في الجبهة السورية ، ولا ينبئك مثل خبير،

انتصار بشار الأسد اليوم يشتق من انتصار أبيه وزمرته في السابعة والستين.

نذكر الجولان اليوم ليذكر جيلٌ جيلا ، ولنجدد العزم إنا إلى دمشق وحمص وحماة وحلب ودير الزور وجولاننا الحبيب لعائدون ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 932