الأبناء غير الشرعيين بين الزنا الفاحشة والزنا المثلية

يمثل النِّزال المزمن بين الإنسان وإبليس وجها من أوجه الصراع الأزلي بين الخير والشر، وذلك منذ عصيان إبليس أمر الله بالسجود لآدم، مما اقتضت معه الإرادة الإلهية طرده الأبدي من رحمة الله عز وجل وتيئيسه منها. وإصرارا منه على مواصلة السير في درب المعصية، أقسم بإغواء ذرية آدم جميعا إلا عباد الله المخلصين، مصداقا لقوله تعالى في سورة الحجر:﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) ﴾، وفي سورة ص:﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ﴾.

انطلاقا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ". ومن قول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)، التي ورد في خواطر الشيخ الشعراوي وهو يتدبرها، بأن فعل زُيِّن يُنسب لله تعالى إذا كان استعمال الشهوة في الحلال، أما إذا كان في الحرام فيُنسب للشيطان، مما يدل على أن الشهوات من بين أهم مداخل الشيطان، وعلى رأسها شهوة النساء للرجال وما يقابلها من شهوة الرجال للنساء، على أساس أن عملية التزيين تشمل عموم الناس بمن فيهم الرجال والنساء كما ورد في بعض التفاسير.

وإذا أمعنا النظر في تعامل الناس مع هذه الشهوة في الواقع العملي، نجد أن هناك صنفين أساسين من الناس: صنف يلتزم بضوابط الشرع، بدءا من تجنب أهم دوافع استثارتها، بالامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى، كذلك المنصوصُ عليه في سورة النور: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...﴾ وانتهاء بتحريمها في حالة إتيانها عن طريق الزنا، الذي تم النهي حتى عن الاقتراب منه، مصداقا لقوله تعالى في الآية 32 من سورة الإسراء: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾. ونظرا لأهمية هذه الشهوة في توازن شخصية الإنسان إن على المستوى الاجتماعي أو النفسي، فإن الشرع يُقرها في نفس الوقت الذي يُقيِّدها بضوابط تحول دون خروجها عن مقاصدها الشرعية، ولعل الزواج في حال الاستطاعة، والصيام في حالة العجز كفيلان بالاستجابة لمتطلبات الشريعة في هذا الشأن، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ"، ولعل من بين أهم الحوافز التي تساعد هذا الصنف من الناس على الالتزام بالضوابط الشرعية في التعامل مع هذه الشهوة، على الرغم من العَنَتِ الذي قد يصاب به المحروم منها، هو إيمانهم الراسخ بأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن لينطق عن الهوى حين قال: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ".

هذا بالنسبة للذين يعتقدون بأن تحكيمهم للشريعة في حياتهم الدنيا، يعود عليهم بالنفع في حياتهم الأخروية، أما الصنف الآخر، وهم الذين ينحصر كل همهم في الحياة الدنيا، فلا يتورعون عن إشباع شهواتهم دون قيد أو شرط، وليتهم فعلوا ذلك في استتارة عن أعين الناس، لكنهم يُشهِرون فِعْلَهم ويجتهدون في استنباته في المجتمع، حتى إذا فشا فيه، وظهرت بوادره في الواقع، اتخذوا من ذلك الواقع مبررا للمطالبة بتعميمه والتطبيع العلني معه، بل المطالبة باستصدار قوانين تحول دون تجريمه، ولعل هذا ما ينطبق على الزنا الذي اخترعوا له اسم العلاقات الرضائية، حتى يسهل إدماجه ضمن منظومة حقوق الإنسان، حسب المرجعية الغربية التي لا تَحُدُّ حدودا أخلاقية للحريات الفردية، التي يتمخض عنها مشكل أعمق من مشكل الزنا في حد ذاته، ألا وهو مشكل التعامل مع الأطفال المتخلى عنهم، لكونهم يمثلون النتيجة الحتمية لهذا النوع من العلاقات اللاشرعية. فعوض إقرارهم للحل الشرعي المتمثل في المنع الصريح لهذا النوع من العلاقات، فإنهم يفتحون جبهة أخرى لمحاربة الإسلام، من خلال المطالبة بالتسوية في الحقوق بين الأبناء الشرعيين، والغير الشرعيين، في التعديل المرتقب لمدونة الأسرة، وعلى رأسها الحق في الميراث، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى المساواة بين العلاقة الزوجية الشرعية والعلاقة الزنائية على حسب تعبير خبير الاقتصاد الإسلامي محمد طلال لحلو. ولعل تَعَمُّد مجموعة من "جمعيات المجتمع المدني" تضخيم الأرقام المتعلقة بعدد الأطفال المتخلى عنهم، وهو ما يبدو واضحا عند مقارنتها بالأرقام المصرح بها رسميا من قبل وزارة الأسرة والتضامن، من بين التقنيات التي تعتمدها هذه الجمعيات للضغط في هذا الاتجاه، في الوقت الذي كان ينبغي اعتبار تزايد أفراد هذه الشريحة مؤشرا دالا على فساد مقاربتها.

فإذا كان من المُسَلَّم به أن الشرع لا يقبل بهذا النوع من المنطق اللامنطقي، فمن البديهي ألا يقبل به أي عقل سليم في أي حال من الأحوال، ويكفي للبرهنة على فساده أن نفترض تطبيقه في جانب من جوانب حياتنا اليومية، فإذا تصورنا تنزيله على قانون السير على سبيل المثال لا الحصر- وإلا فإن ما يقال بالنسبة لقانون السير يسري على جميع القوانين- فإن حل مشكل عدم التزام الناس بتطبيقه في الواقع- وهم يفعلون ذلك في أحايين كثيرة- سيكون بالضرورة هو التخلي عن هذا القانون الذي من بين أهدافه الحيلولة دون وقوع حوادث السير، وإلا فإن فتح المجال أمام تفشي هذه الحوادث من خلال إلغاء القانون من جهة، ثم المطالبة بتوفير كامل الرعاية الطبية لضحاياها، حتى وإن كان ذلك على حساب المرضى العاديين أمر لا يستقيم لا اقتصاديا ولا أخلاقيا. ونفس الشيء يقال بالنسبة للنتائج الوخيمة المترتبة على إلغاء القوانين المتعلقة باستهلاك الخمور والمخدرات والرشوة والسطو على ممتلكات الغير...

هدفي من هذا المثال، هو إلقاء الضوء على مطالب كل من الصنفين المشار إليهما أعلاه، في التعامل مع الأبناء الغير الشرعيين الذين يُعتبرون بالنسبة للمطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية، حالة استثنائية يتعين التعامل معها على أنها كذلك، بحيث يتم تطبيق الحد في حق الزناة، بعد استنفاذ متطلبات الشرع في إثبات فعل الزنا، فيما يتم التعامل مع الأطفال الغير الشرعيين باستقراء النصوص الشرعية المتعلقة بالموضوع، أما بالنسبة للمطالبين بإلغاء أحكام الشريعة، فإن الأمر يخرج من كونه استثناء، إلى كونه قاعدة، بحيث تصبح معالجته الغير العادية طبيعية وعادية، وذلك بالإقرار بحرية الزناة في إتيان شهوتهم تحت اسم العلاقات الرضائية؛ ولو قدر للزانية أن تحمل جراء هذه العلاقة، فإن الحل يكون إما الإجهاض في إطار حرية التصرف في الجسد، إذا لم تكن راغبة في الإنجاب، وإما تمكين الطفل الناتج عن هذه العلاقة الغير الشرعية بنفس حقوق الطفل الشرعي دون تمييز، وهو ما سيؤدي لا محالة إلى خلق نزاعات وتوترات تضاف إلى تلك الناتجة عن تشجيع المرأة على استقلالها المادي على حساب تربية الأجيال، بحيث تكون النتيجة بالضرورة هي تفكيك الأسر بعد اختفاء العلاقات الحميمية بين أفرادها، وإحلال العلاقات المادية الصرفة محلها.

في الأخير أشير إلى أنه إذا كان الشيطان قبل النفس، هو الذي يُزين للناس إتيان الشهوات خارج الضوابط الشرعية، كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا، فإنه معني كذلك بتزيين الحياة الدنيا للكفار، ويدعوهم للسخرية بالمؤمنين، على غرار ما يقوم به هؤلاء المستأجرون لنشر الفساد طمعا في إلغاء أحكام الشريعة، وأنى لهم ذلك ما دامت الرفعة والفوقية للمتقين، وصدق الله إذ يقول في 212 من سورة البقرة:﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾، وسيبقى الزنا فاحشة حتى وإن تمت تسميته رضائية، ويبقى الأطفال الناتجون عنه غير شرعيين حتى وإن تمت تسميتهم بالأطفال الطبيعيين. والله غالب على أمره.

وسوم: العدد 1066