قبل معركة أو معاهدة الدستور

د.إسلام بن صبحي المازني

د.إسلام بن صبحي المازني 

"نُلامُ عَلى الكَلامِ وَقَد أَصَبنا  **     وَقَد ضَلّوا الصَوابَ فَلا يُلاموا"

*الشعب هو الذي يسطر ويختار الدستور..

بصموده، بتجاهله، بصمته، بلامبالاته، بانسحاقه بانشغاله، بعلمه، بوعيه، بجهله،

بتشوه معرفته، بنصف ثقافيته ونصف وعي نخبته،  برقيه ونضاله، بتخاذله..

*البداية من وعي وفهم الناس، ثم إرادتهم وعلمهم بقيمة وبثمن التضحية

لما يريدون ..

*هل اتفق الناس-أو جلهم- على فهم للإسلام وأرادوه؟ وسيصيرون ويسيرون إليه

بأي خطى، وأي تناسب وترتيب وتأهيل؟ أم سيفرض عليهم؟

*هل تم تبيين وتفصيل وتوضيح وتبسيط أي

فهم دستوري قانوني، أو مرجعية لأي كيان كان، تشمل كل ما

يغطيه منار الشريعة بحق، أي كل واقعهم وممارساتهم،

 وهو ليس العقوبات ولا القوانين فقط، والرؤية التي تفترض أنه ينقصنا بعض

الملامح واللمسات، وسد الثغرات، وقليل من التطبيقات هنا وهناك، وبعض الأسماء واللافتات والعناوين..

*الإسلام رسالة واضحة معلومة المفاصلة والشمول في التصور، انتقص من مفهومها بعضهم لكنه يبقى محفوظا خالدا...فهل شرحنا واخترنا 

هل سيسيرون مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة الخاضعة

لرقابةالدولة لتكون حسب فهم معين؟ هل سيتحاكمون في ذواتهم

وأسرهم ويتلمسون التقاضي ولا يجدون حرجا ويسلموا تسليما؟

أم أننا سنتشاحن من أجل نموذج مشوه رمزي سطحي نخادع به أنفسنا

ومبني على فرضيات غائبة؟

*إذا كان الشعب يريد تغيير التأسيسية فليفعل

*إذا كان الشعب يريد دستورا بشكل ما فلماذا لا توجد وثيقة شعبية

يوقع عليها عشرات الملايين

وتكون واضحة بمفهومها الإسلامي

أو الليبرالي وليست مبهمة أو مجملة يختلف عليها

*ليست المشكلة في  لفظة ولا معنى الشريعة والمذاهب المعتبرة،

 بل في غياب الإسلام كمنهج كامل، وكعقيدة شاملة تمس مناحي التدين والرؤية العامة للوعي الجمعي، والمعاملات الخاصة والرسمية  بينهم،

والمواقف العامة والخاصة والمناسك والشعائر، والحياة والسياسة

والإعلام والتعليم والثقافة، والرسالة المجتمعية والدولية للكيان..الدول لها دين

وقضية، وليست مؤسسات صماء، أوماكينات خرساء بل لها هوية ثقافية -وروحية- ومعرفية تغرسها في بنيها، وتنشرها في العالم، وتطبقها على أرضها وتحفظها وتنميها.. 

ومن ثم يضع المجتمع  المرتضي لذلك -بآلية يختارها ولا تفرض عليه نمطيا- دستورا، ويضع طريقة وضع له!

والمجتمع ذاته، يفرض طريقة كتابته بتوافق وبتدافع!

بأي سبيل وبأي نسب، والمسافة بينه  وبين مرجعية الإسلام

ليست في تنقية القوانين والبدء بمسائل قبل الدين بمفهومه الشامل علما وقبولا

وانقيادا وحركة، وقد يؤدي لفتنة فضلا عن اللبس الذي يمثله حول مفهوم الإسلام والمسلم..

من نافلة القول الحديث عن ضياع هوية النخبة اللادينية أو تشوشها لدى النخبة الدينية إن صح التعبير.. غرور علمي لدى أنصاف المتعلمين من الطرفين .. ومن ثم يكون تلمس المخرج خلف دليل غير متمكن من السبيل.. وندخل معركة لصالح طرف ثالث، أو من يريد منا هدم المعبد

المطلوب مصارحة للناس، ولغير الإسلاميين كذلك، واختيار على بصيرة، وعلى ضوء الواقع الذي ستشكله المصارحة من فرز وتمحيص وصفوف

* هناك مفكرون ومفكرات ليسوا من أهل التغريب التام، ولديهم جزء من الوعي، يسمون الضلال تشوها ثقافيا! لكي يتحاشوا الحقيقة بكل أبعادها...وهناك قسم منهم يرى الإسلام كما يريد هو، كما فعل بنوا إسرائيل -في العمل وليس التنظير والتصريح!- فقال لهم الله تعالى "أفتؤمنون ببعض الكتاب" بعض الكتاب فقط لينهي الأزمة الفكرية، وحرج الصدر.. ويقلل المشقة... ولابد من المصارحة بحقيقة الدين المنشودة كاملة، ما هو من ثوابتها وأصلها ومحكماتها، وما هو محل اجتهاد، وبحقيقة الواقع والمجتمع والدنيا والطوائف.. لتتكون رؤية سوية صحيحة سالمة من التدليس أو النقص أو النقض والضلال..ومن ثم توضع ملامح مسيرة المجتمع- أو أقوامه- ما الذي يريده من كل ذلك؟ أي فهم؟ وأين هو مما ينشد وكيف يتوافق ويتعايش ...

* قضاء فشل في تطهير نفسه بنفسه داخليا, وإعلام فشل في تطهير نفسه بنفسه, وداخلية فشلت في تطهير نفسها بنفسها...فاستلزم الموضوع هيكلة ثورية ...لا هيكلة ولا استقلال ولا تطهير بدون تدخل الشرفاء بنيابة شعبية مباشرة , وبتضحيات ككل الدنيا..سطوة المال والنهب والظلم والتوحش السلطوي والتوريث والكذب والفساد في المؤسسات يستلزم قوة تكتسب الصفة, الرسمية وتفرض بمعايير وشفافية

* إلى الإخوان:

"استيعاب حقيقي للدرس وليس كسراب الوعود في اعتصام ما قبل تنصيب الرئيس, و الذي تحول لخلف ونكث وتسرب تدريجي معيب, وكم من مرة يحتشد الناس على قلب رجل واحد منادين بما عجزتم عنه, وكنتم ساعتها أول من انصرف عنهم, التحالف والوفاء والضمانات! والمعايير والمقاييس الشفافة, وتوضيح آلية العمل وانتقاء الناس, والمصارحة يوميا- وليس محض المواثيق- باتت مصيرية فالخسائر متراكبة, ليس هناك تعريفان للثورة كما يزعم, ليست هناك ثورة قانونية دستورية خاضعة لشخصيات لم تقم بها ولم ينصبهم أبناؤها..هناك معارضة متدنية نعم..معارضة وضيعة تتحالف مع الشيطان والفلول نعم, لكن هناك معارضة شريفة, وهناك كثيرون تم تجاهلهم فخسرت, وشارع لم تحسن جمعه وتوعيته وكسبه ولم تحصنه من السموم فتشقق, والعداء لم ولن يتوقف ولا تتعلل به, فكل مكاسبه وانفضاض الناس نتاج تراخيك في شكل المطلب أو توقيته, فقد تحقق مكسبا لكنك حققته منقوصا مقصورا أو معيبا أو متأخرا بعد أن فات أوانه وارتفع سقف الحلم لمداواة الخرق... التأسف واعتذار ومصارحة, هي شيمة الرجال, وآلية شراكة ورؤية واضحة...

المراهنة على الشعب لا تكون بالقطعة ولا بالقطارة ولا بدون شفافية تامة وشراكة...الفلول رهانهم انقسام الشعب وانفضاضه وهي فرصتهم الوحيدة..أداء الرئاسة والجماعة يجب أن يستوعب ذلك ويتغير بصدق ومعايير.... وبالطبع يختار أحد الطرفين..و معلوم أنه لدينا فلول وأنصاف فلول...والثورة ليست تطويرا حكوميا ولا عراكا قانونيا أو سياسيا..هناك منطق للتغيير يجب أن يسود ويحترم فوق الدستور والعرف والقانون..

الثورات لا تلتزم بالقضاء القائم قبلها, ولا بالقانون والدستور الذي خرجت لتغييرهما وهدمهما, ولا تقف على باب صراع سياسي انتخابي وتغير تدريجي بل تطوي صفحة بحسم, وتبدأ صفحة جديدة شاملة, والمراهنون على بقايا هيكل نخر السوس فيه ستطويهم معنويا أول موجة..من تصدي لتلبية مطالب الطوفان فليعلم أن الخارجين كانت طموحاتهم كبيرة, وأنهم يتأملون ويتململون, وأن السيل يشق مساره لو لم يجد من يستغله ويضع له مصرفا...

على بطانة الرئاسة المصارحة بالمخاوف من تأبي الأجهزة, بفرض أنه المانع...وبثمن التطهير والهيكلة الشاملة, ليعلن الشعب دعمه ورضاه عن التضحيات, وإقرار عمل هيكلة داخلية واستحداث آليات رقابية دائرية , وعدم التدرج في بقية المناصب الواجب توسيدها للشرفاء, ومعه الشرعية الثورية لمنع التعلل بالدستور والقانون, ليمر بالمحكمة الدستورية والنائب والأزهر وبقية المنظومة فلن نظل في القوقعة نجني الغد ثمرة تراخينا اليوم

* لا لتقديم المصلحة على القيمة, ولا على التضحية, ولا للتسرع لتحصيل الغاية! بالتنازل, حتى لو رجعت وتراجعت خطوات لتظل مستقيما نقيا نديا ودعوتك غضة لم تلوث بأدائك, شرف اتباعك يجعل أمرك كله خيرا, حتى لو هزمت, بين صبر وشكر, وشهادة ونصر, الشرف ليس صعبا, لا تكن كمن قال فيهم سبحانه, " بعدت عليهم الشقة" و"نار جهنم أشد حرا"...الشرف ليس مثالية مستحيلة, بل هو تكليف قدر استطاعتك, وممكن وفي مقدورك, لكن الشيطان يصوره كذلك, ومن يتصبر يصبره الله...ولعلنا بحاجة لمراجعة عقلية ونفسية تربوية لتكوين وعي جماعي جمعي جديد, وخلق جماعي يتغلغل ويظهر في اختيار وفهم المنهج, وفي ممارساتنا تجاه القادة, وبعضنا, وفي خلوتنا ومحاسبتنا لذواتنا, وعي علمي عميق, يضع العقل حيث وضعه ربه سبحانه, دون بخس أو شطط, ويضع الشخصية حيث أراد لها بارئها, دون خسف أو تذويب أو جموح, وعي فردي وفئوي يتفاعل مع نفسه للنقد والتقييم والتقويم, و ينظر لغيره بعين تبصر بالقرءان والحكمة...

"مَن صَيَّرَ الأَغلالَ زَهرَ قَلائِدٍ ** وَكَسا القُيودَ مَحاسِنَ الأَوضاحِ..

إِنَّ الَّتي تَبغونَ دونَ مَنالِها ** طولُ اِجتِهادٍ وَاِضطِرادُ كِفاحِ...

سيروا إِلَيها بِالأَناةِ طَويلَةً ** إِنَّ الأَناةَ سَبيلُ كُلِّ فَلاحِ...

وَخُذوا بِناءَ المُلكِ عَن دُستورِكُم ** إِنَّ الشِراعَ مُثَقِّفُ المَلّاحِ...

أحمد شوقي "