تعذيب مرة أخرى.. ومرات

تعذيب مرة أخرى.. ومرات

عقاب يحيى

معظم الدول، خاصة الدكتاتورية، تعتمد الاعتقال وسيلة لإسكات الخصوم، أو انتزاع المعلومات منهم باستخدام الوسائل المعروفة في التعذيب.. بينما تأبى الدول الديمقراطية اعتقال مواطن ـ أي مواطن ـ بسبب رأيه، ومعتقده، وخياره في الحياة، وقد منعت وسائل التعذيب التي تنتزع المعلومات بالقوة.. فأنتجت أساليبها" الراقية" في إخضاع المعتق

ل لمجموعة امتحانات وأسئلة، ووضعه في ظروف نفسية معينة غالباً ما ينهار ويغترف بحقيقة الجريمة التي اقترف.. باعتبار أن ذلك لا يمارس سوى على المجرمين، ثم ما أدخلوه على قاموسهم الجديد تحت عنوان : الإرهاب والإرهابيين...

ـ اما عندنا.. خاصة في نظام طغمة الحقد وزالفئوية.. فالاعتقال نوع من القتل المباشر، او البطيئ، والاعتقال إخضاع وإذلال منهجين لنزع إنسانية الإنسان وتوريثه عاهات جسدية ونفسية قد لا تزول عمره .

ـ عندنا، وعلى امتداد حكم الطاغية الأب.. ولأن الأمن عنوان، وخلاصة، وركيزة المملكة التي أقامها : مملكة الصمت والرعب والمجون.. فقد تفنن الطاغية في أنواع الحقدج ضد كل من يتجرأ على رفع الصوت، وتعز عليه كرامته فيقول لا في أمر ما.. حيث التعذيب، والإهانة، وحيث قولهم الشائع " لن يعرف فيك الدبان الأزرق" والذباب الأزرق لا يأتي إلا على الروائح القوية، الكريهة، أي الجثث.. مع ذلك فقد أقاموا سراديبهم تحت الأرض للمارسة شبقهم الحقدي.. والذي لا تصل إليه حتى أسراب الذباب الأزرق.. هناك مارسوا كل صنوف التعذيب والإخضاع. وهناك قتلوا الآلاف في مشارحهم، وتناغموا مع مجازر سورية المتنقلة، خاصة مجزرة حماة الشهيرة /شباط 1982/ ليفرضوا الإخضاع ثم يستقروا على تلال جماجم كبرياء وعزة وحقوق وآدمية السوري. حتى الرهائن من الأهل والأقرباء أخذوها، ومارسوا الاغتصاب والفجور بكل لؤم تفننهم.. واعتقدوا أنه آبدين، وأن الشعب السوري لن تقوم له قائمة.. وأنه أصبح أرنبياً، وعجينة يفعكونها ببساطيرهم الثقيلة، ويشكلونها كما يريدون.. لذلك.. لم يخطر ببالهم أن يثور هذا الشعب في واحدة من أعظم ثورات القرون.. ولذلكم أيضاً وضعوا مخططاتهم المسبقة" فيما إذا تجرأ أحد وأنشد للحرية" القائمة على القتل والتصفية والعنف الأعنف.. وكانت درهعا وأطفالها الدرس الأول.. وكان مجون الحقد المتجول بعض فيض تلك العقلية المجرمة التي لا مكان فيها لا لإنسانية، ولا لشعور بمسؤولية، بل ولا حتى لمصير من يلعبون بهم طائفياً، ولمستقبل الوطن ووحدته الجغرافية والمجتمعية..

ـ كان الاعتقال نصيحة إيرانية مختبرة.. لكن بنكهة الحقد الفئوي للطغمة.. أي : القتل المنظم للمعتقلين . والقتل أنواع، وفنون، ونهج مدروس. القتل المباشر لأبرز الناشطين تحت التعذيب . القتل البطيء الذي يلقى استحسانهم وتمتعهم.. بسلخ الجلد، وقلع الأظافر، وشلع الأسنان والأضراس، واجتثاث أعضاء من الضحية.. وتركه ينزف ويتوجع حتى الشهادة.. والقتل الجسدي والنفسي، وقتل العزة، والرجولة، والكرامة..

ـ إن مجرد تعرية إنسان في جميع مجتمعات الدنيا، خاصة في مجتمعاتنا العربية، نوع من الإذلال.. فكيف وهو يترافق مع اغتصاب بالجملة، وعلى مرأى الآخرين ؟؟.. فكيف وهو يرمي إلى الإذلال المكين واقتطاع أجزاء من جسد الإنسان؟.. فكيف وهو يذهب أبعد من ذلك في قتل الرجولة عند الشباب وإلقائهم بعدها لكل الأمراض النفسية التي منها يعانون؟؟..فكيف وهم يخططون لفعل إبادي وتطهيري بحرمان الشباب من ممارسة الجنس والزواج والإنجاب.. وكثير، كثير مما يحدث ؟؟؟..

ـ أعرف أن كل الكلمات، ومهما توغلت في الوصف صغيرة، وقزمة لا يمكنها أن تحيط بساعة واحدة مما واجهه مئات آلاف شبابنا الميمون، وان كل الوصف، والتعاطف، والتوثيق، والنشر لا يمكنه أن يدخل أعماق ما كابده شبابنا، ولا دهاليز تلك المسالخ البشرية الحقيقية، وأن ما يرد اسمهم في قائمة المفقودين هم في الغالب شهداء التعذيب.. وأن جرائم لا توصف ستكشف عنها الأيام ..

ـ نعم.. هو الحقد المنفلت يقذف بثوره ضد الثورة.. 

ـ لكن بالمقابل.. فعزيمة، وإرادة، وهمّة الشباب المعتقل هي أقوى، وأمضى.. والواقع يقول ذلك، وامتشاق السلاح، واجتراح البطولات التي تصل المعجزات تجسيد.. والاستعداد للشهادة في قائسمة مفتوحة.. بعض ردّ هؤلاء..