إخوان ولو كانوا شيوعيين

قطوف

د. حسين مؤنس

كتاب باشورات وسوبر باشوات

المفكرون والكتاب والعلماء والفنانون، وهؤلاء هم عيون الشعب التي ترى وعقوله التي تفكر وألسنته التي تتكلم، فإذا أخفيت الحقائق عن هؤلاء، وإذا حيل بينهم وبين الوصول إلى الحق، وحرم عليهم الكلام والكتابة أصبح الشعب كله بلا قيادة حقيقية، وأصبحنا لا نعرف ماذا يريد الشعب أو ماذا لا يريد، لأن جماهير الشوارع طيبة وساذجة، وهي قوة ضخمة ولكن لا قيمة لها إلا إذا كانت على نور، والزعيم الذي يعتمد على تصفيق الشوارع يعتمد على هواء، لأن رجل الشارع لا يفكر في العادة وإنما هو يتصرف تصرفاً جماعياً ويسير مع التيار وواجب الحكومة الصالحة أن تنوّر هذا الشعب بالحقائق وألا تكذب عليه أبداً حتى لا يتحول الشارع إلى قوة مخربة.

إخوان ولو كانوا شيوعيين؟!!

في الخمسينيات والستينيات كان مجرد شبهة الانتساب للإخوان المسلمين تعني ضياع الإنسان أو اختفاءه ونفيه إلى الناحية المظلمة من القمر؟ واتسع الأمر واستشرى حتى كان الرجل يُلقى في السجن بلا أمل في الخروج، لمجرد أن إنساناً وشى به، وقال: إنه قال في حق الثورة كلمة، وشمل الاضطهاد الشيوعيين، وبلغ أمر الاستهانة بحقوق الناس أنهم قبضوا مرة على ناس وألقوا بهم في السجن دون أن يقولوا للقائمين بالأمر في السجن شيئاً عن جريمتهم؟! فكتبوا في الدفاتر أمام سبب الحبس أنهم إخوان شيوعيين، ولما نبههم رؤساؤهم بعد ذلك إلى تناقض التهمتين قالوا: وماذا نعمل؟ ما دمتم لم تقولوا لنا شيئاً: كتبنا التهمتين فإذا لم تصح واحدة صحت الأخرى؟!!

ص 80/ د. حسين مؤنس (باشورات وسوبر باشوات) صورة مصر في عصرين

الطغاة شركاء اللصوص

ما دمتَ قد كممت الأفواه، وكبّلتَ الصحافة والرأي، فكأنك أطفأت الأنوار، وأطلقت اللصوص وقطاع الطرق، وجرأتهم على النهب، ودفعتهم إليه، وشاركتهم فيه، وفي إخفاء جرائمهم عن الناس؟! ولا يكتم الحقائق عن الناس، ويتستر على المجرمين والمعتدين إلا من كان شريكاً لهم؟! (باشورات وسوبر باشوات) صورة مصر في عصرين/ ص 155

البعث السوري ولد ميتاً؟!

د. حسين مؤنس

هذه الأموال التي يقدمها العرب لسوريا، لن ينال منها الشعب السوري شيئاً على أي حال، لأنها تدخل خزانة رئيس الحزب ولا تخرج منه؟! وخزانة الحزب هي خزانة رئيس الحزب وأسرته، وحزب البعث السوري مات من زمن طويل، أو قل هو وُلد ميتاً فلا وجود لشيء اسمه البعث..... ولكنهم في سوريا، لأمر ما لا يدفنون الموتى بل يعبدونهم.. ص 165

الأمس لم يمت، لا ولا مات أول أمس.. إن الماضي لا وجود له، فكل التاريخ حاضر وكله مستقبل.

199/ باشورات وسوبر باشوات

إن الثورة إذا قامت يكون لها هدف واضح يشترك فيه القادة والشعب، ولكن الذي لا يكون واضحاً هو الطريق إلى تحقيق هذه الأهداف، وبعد انتصار الثورة يتبين قادة الشعب والثورة أن هناك أكثر من طريق ويبدأ الخلاف بين القادة على الطريق، وهنا ينتصر الأذكى والأجرأ والأقسى والأسرع والأعنف، وليس من الضروري أن الذي ينتصر هو صاحب الطريق الأسلم والأقرب أو الأكثر استقامة.. هنا تتلاشى الأهداف والمثل العليا في زحمة الصراع، وقد يكون المنتصر في النهاية هو أبعد الناس عن الغايات الأساسية والمثل العليا.

ص 178- 179/ باشورات وسوبر باشوات

ومن طبع الفساد أن يستشري كالمرض المعدي إذا لم يوقف استمر ينتشر وينتشر حتى يعم الجميع. ص 178

في القرن الهجري الرابع، العاشر الميلادي، تولى أمر بغداد رجل داعر من البويهيين، فاتفق مع عدد كبير من قطاع الطرق في بغداد على أن يتقاسما النهب، وكان البويهي معدوم الحياء أصلاً، فزعم لرؤسائه أنه إذا عهد بالشرطة إلى كبير قطاع الطرق كف أذاه عن الناس، وكان هذا اللص يسمى حمدي (بفتح الحاء والميم) فأقيم رئيساً لشرطة بغداد، وتقاسم الحاكم غنائم النهب والسطو مع اللص باسم القانون، والقصة مشهورة رواها أبو الحسن علي بن مسكويه في "تجارب الأمم" وهو تاريخ الخلافة العباسية في عصر الانحدار، وهذا التاريخ مرسل في صورة أخبار وحكايات قصيرة.

قال ابن مسكويه: إن مصيبة اللص رئيس الشرطة تعاظمت، واشتدت البلوى والبهويهي يتعامى ويتصامم، وفي ذات صباح خرجت أخت الحاكم واسمها "لطيفة" في جواريها وخدمها إلى الحمام، وتأخرن فيه حتى المغيب، فإذا كن في طريقهن إلى القصر كبسهن اللصوص ونهبوا الجمل بما حمل، ووقعت لطيفة في المغنم وطلب الحاكم إلى شريكه اللص أن يعيد إليه أخته وجواريها، فلم يستطع، فما كان من الحاكم الخسيس إلا أن أعلن أن أخته لم تخطف ولم تختف، بل هي لم تكن في الرفقة أصلاً، وها هي ذي في دارها مصون، فلما سمعت لطيفة ذلك أعماها الغضب على أخيها، وكانت قد وقعت في يد لص زنيم يسومها الخسف، ويصر على أن ينزلها دار البغايا، وبلغ غيظ لطيفة من أخيها الذي أماتها بالحياة أن استجابت لما طلب منها اللص، وصارت تبذل نفسها للرجال وتقول: أنا لطيفة أخت زفت الدولة، فتهافت عليها أهل الفسق، ووجدت نسوة الدار أن هذه الدعوة تجلب المال فصارت كل منهن تقول أنها لطيفة.

ويكمل القصة أبو حامد الغرناطي في "تحفة الألباب" فيقول إن البويهي عندما دبر قتل أخته لطيفة لم يستطع، لأن كل بغي في البلد أصبح اسمها لطيفة، يقول أبو حامد: فلم يبق في بغداد داعر إلا أصاب من شرف الوالي الخسيس بالاسم أو بالوهم.