المهرج والحكيم(10)

عبد الله عيسى السلامة

حواريات

عبد الله عيسى السلامة

بيع وشراء

سأل المهرج الحكيم: أخبرني يا سيدي الحكيم، أي الأمرين أجدى لنا –نحن العرب-، أن ندفع أموالنا لكسب رضى صناع القرار في أمريكا (أي شراء رضاهم) أم أن ندفعها لشرائهم هم (بوصفهم بشراً ذوي مصالح وحاجات إنسانية)؟

قال الحكيم مقطباً حاجبيه: أوضح

قال المهرج: إننا – كما ترى يا سيدي الحكيم - ندفع القسم الأعظم من ثرواتنا النفطية وغيرها، لمؤسسات أمريكا، السياسية منها، والعسكرية، والأمنية، والاقتصادية.. لنشتري رضى هذه المؤسسات، فتبيعنا شيئاً من أسلحتها التي نظنها متطورة، وفي الوقت ذاته لتثبتنا في كراسي الحكم – أعني تثبت أصحاب الكراسي منا..-  والمؤسسات – كما تعلم يا سيدي الحكيم - إنما هي مجموعات من البشر، وكل فرد فيها قابل للبيع والشراء، ولكل فرد منهم في موقعه ثمن..

فلو فرضنا مثلاً، أن المطلوب دفعه من دولة نفطية لإحدى المؤسسات، مليار دولار، لتبيعها سلاحاً قيمته الحقيقية مئتا مليون.. وكان صناع القرار الحقيقيون في هذه المؤسسة عشرة أشخاص، يمكن شراء ستة منهم، كل واحد بعشرة ملايين دولار نقداً، أو بما يعادلها من هدايا وهبات عينية.. ليصنعوا القرار الذي يخدم مصلحة الدولة الدافعة، نقول: لو كان الأمر بهذه الصورة، فأي البديلين أمام الدولة الدافعة، أفضل من الآخر..!؟

ضحك الحكيم، وقال للمهرج: ويحك.. أراك بدأت تتذاكى علي! وهل هذا سؤال يطرح، إذا كان الأمر كما تفترض!؟ لا شك أن دفع ستين مليونا لستة أشخاص أفضل وأجدى، بل إنّ دفع خمسة أمثالها (ثلاثمئة مليون) أفضل من دفع مليار.. فضلاً عن أن هؤلاء الذين تشتريهم بصفتهم أشخاصاً – بشراً - يكونون هم بحاجة إلى رضاك، ولا يستطيعون أن يضغطوا عليك بشيء لتوجه قراراتك لخدمة مؤسساتهم، ما دمت قد وجهت دولاراتك لخدمة جيوبهم.. وهذا لا ينسحب على صناع القرار بشأن بيع السلاح وحسب، بل على سائر صناع القرار، سياسياً كان، أم اقتصادياً، أم فنياً.. لكن: من قال لك – ويحك - إن صناع القرار في أمريكا يباعون ويشترون!؟

ضحك المهرج وقال: أما هذا يا سيدي الحكيم، فسرّ خاص، لا أطلعك عليه، إلا بعد أن تتابع حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية.. وإلا بعد أن تتابع ما تنقله وسائل الإعلام العالمية، عن عمليات الرشاوي، الظاهرة والمقنعة، لكبار صناع القرار في العالم – أمريكا، أوربا، اليابان..- وإلا بعد أن تسأل صناع القرار اليهود، كيف يشترون صناع القرارات في دول العالم.

قال الحكيم جاداً: ولكن هل تعتقد يا عزيزي المهرج، أن من اعتاد في بلادنا على بيع القرارات، يسهل عليه أن يفكر –ولو من ناحية نفسية- بشراء قرارات الآخرين!؟

قال المهرج: أما أنا فقد وضعت المعادلة بين يديك يا سيدي الحكيم، وانتهت مهمتي بشأنها. ومهمتك أنت، أن تلتمس لها حلا.. فأنت الحكيم.. لا أنا.

قال الحكيم باسماً: لله درّ القائل: خذوا الحكمة من أفواه المجانين..

وقياساً عليه أقول: خذوا السياسة من أفواه المهرجين.