اهدمي يا بغداد

من المسرح السياسي (16)

اهدمي يا بغداد*

بقلم الأديب الكبير: علي أحمد باكثير

-1-

في بغداد: ثلاثة من الشبان الشيوعيين يجتمعون ليلاً في دار أحدهم.

مسعود: (صاحب الدار) قل لي يا محمدوف هل تم إعداد العلم الأحمر الكبير؟

محمدوف: نعموف.

مسعود: وأين هو الآن؟

محمدوف: محفوظوف في منزليوف العامروف.

مسعود: محفوظ في منزلك العامر؟

محمدوف: نعموف ألا تفهمونوف لغتيوف؟

معروف: (متأففاً) من فضلك يا محمدوف لا تصدع رؤوسنا بهذه اللغة. نحن الآن في مقام جد ولسنا في موقف هزل.

محمدوف: منوف قالوف لكوف أننيوف أهزلوف؟ إننيوف في غايتوف الجدوف!

معروف: ما شاء الله ماذا يقول هذا الطمطماني الأعجم؟

مسعود: أنه قال: من قال لك أنني أهزل؟ إنني في غاية الجد.

معروف: فليخاطبنا باللغة الواضحة حتى لا تضيع وقتنا في تفهم كلامه الملفوف.

مسعود: أجل يا محمدوف دعنا من هذه اللغة.. تكلم معنا مثلما يتكلم معروف.

محمدوف: هذا معروف لا يحتاجوف إلى ذلكوف الآن اسمهوف روسيوف جاهزوف.

مسعود: ولكن الروس أنفسهم لا يضيفون هذه الزيادة إلا إلى بعض الأعلام لا إلى كل كلمة كما تفعل أنت.

محمدوف: نحنوف لا نقلدوف الروسوف. يجبوف أن نكونوف في المذهبوف الشيوعيوف أفضلوف منهموف.

معروف: أوه ما هذا الهوس؟ لقد شابني الدوار من سماع هذا الكلام.

مسعود: يا محمد يا أخي اقلع عن هذه الطريقة ولو الليلة فقط.

محمدوف: مستحيلوف أننيوف قد عاهدتوف نفسيوف ألا أتكلموف إلا بهذه اللغتوف ما عشتوف  حتى أموتوف في سبيلوف المبدأوف!

مسعود: دعه يا معروف فأنه صلب الرأس.

معروف: كيف نستطيع أن نتفاهم وهو يبلبل أفكارنا بهذه اللغة العوجاء؟

مسعود: ما رأيك يا محمدوف  أنني واثق أنك لا تحب أن تعرقل عملنا في سبيل المبدأ

محمدوف: أعرقلوف عملكموف! مستحيلوف!

مسعود: تكلم مثلنا حتى نتفاهم بسهولة.

محمدوف لا أستطيعوف ولكينوف سألزموف الصمتوف حتى تسألونيوف.

مسعود: حسناً.. أنه سيلزم الصمت يا معروف ألا نسأله فيجيب.

معروف: فأين الرئيس؟ ماذا أخره حتى الساعة عن الحضور.

مسعود: لماذا يأت معك يا محمدوف؟

محمدوف: سيأتيوف قريبوف ولعلهوف الآنوف قادموف.

مسعود: إنه يقول: سيأتي الرئيس قريباً ولعله الآن قادم.

معروف: كان على المسيو جوزيف أن يأتي في موعدنا بالضبط فأنى أخشى أن نفتح له الباب الآن فلا نجده ونجد البوليس مكانه.

مسعود: اطمئن من هذه الناحية فإن معه مفتاح الباب فلا حاجة به إلى قرعه.

(يدخل جوزيف عزرا فيحييهم ويجلس)

جوزيف: اعذروني أن تأخرت قليلاً فقد كنت أستطلع الأخبار.

مسعود: هل تأكدت الآن أنه ستقوم غداً مظاهرة؟

جوزيف: مظاهرة كبيرة جداً إن النفوس كلها ثائرة وقد زادها غليانا خوفها من أن ينجح صالح جبر وجماعته في إقناع مجلس الأعيان بمزايا المعاهدة فعلينا أن نستغل المظاهرة غداً استغلالاً تاماً.

مسعود: قل لنا ما أوامرك؟

جوزيف: يجب أن يكثر جماعتنا من الهتافات الشيوعية.

معروف لكن هذه الهتافات لن تساعدنا على تحقيق ما نصبو إليه من تمزيق المعاهدة وإسقاط هذه الحكومة.

مسعود أجل يا مسيو جوزيف إنها ستمهد للحكومة عذراً في استعمال الشدة والعنف ضد المتظاهرين.

جوزيف: هذا ما نهدف إليه.

معروف لكن نخشى أن تقضى الشدة على المظاهرة.

جوزيف: كلا إن روح الثورة أقوى من ذلك وسيضطر صالح جبر إلى المضي في عنفه بدعوى أن الحركة كلها حركة شيوعية وفي ذلك كسب لنا لأن الدهماء سيلقى في روعهم أننا نحن الذين تزعمنا الحركة.

مسعود: لم لا نتصل بالأحزاب اليسارية نوحد خطتنا معهم؟

جوزيف: ليس لنا أن نثق بهؤلاء فليسوا منا ولسنا منهم.

معروف: لكنهم تقدميون مثلنا ويعتبرون شيوعيين.

جوزيف: ما منحهم هذا اللقب إلا الرجعيون ليبرروا لأنفسهم اضطهادهم.

معروف: نحن مضطهدون مثلهم فليجمعنا هذا الاضطهاد المشترك.

جوزيف: (متذمراً) قلت لكم أن هؤلاء ليسوا منا.. إنهم عرب قبل كل شيء ويهمهم أن تبقى فلسطين للرأسماليين العرب وإن كان في ذلك القضاء التام على إخواننا الشيوعيين هناك.

مسعود: الواقع أنه من الصعب جداً أن نقنع العراقيين بغير هذا فهم جميعاً شديدو التحمس لقضية إخوانهم العرب في فلسطين.

جوزيف: إن نجحنا غداً في إثبات وجودنا وتزعمنا حركة المقاومة فقد ننجح بعد ذلك في إقناع كثير  من سواد الشعب بأن فلسطين ستسودها الرجعية الاستعمارية إذا لم يحقق اليهود والشيوعيون فيها أملهم.

معروف: إن شئت الصراحة يا مسيو جوزيف فإنني لا استحسن هذا التحيز منك للصهيونيين.

جوزيف: قسماً بالفأس والمنجل وبالرابوع المقدس ماركس وانجلز ولينين وستالين ما عندي أي تحيز عنصري، فقد اقتلعت الماركسية العالمية من قلبي كل ذلك ولكني أجري على شعارنا المذهبي الشيوعي صديقنا ولو كان صهيونياً وغير الشيوعي عدونا ولو كان عربياً ألا ترون إلى هؤلاء اليهود العراقيين الذين جمعوا التبرعات لمساعدة العرب في فلسطين إنني أكرههم وامقتهم  لأنهم بعملهم هذا يساعدون الرجعية العربية على قتل الحركة التقدمية هناك.

معروف: إنني أعتقد أننا لو جارينا الشعور العام هنا بصدد قضية فلسطين لكسبنا كثيراً من الناس إلى جانبناً.

جوزيف: كلا لا يجوز لنا أن نخون مبادئنا في سبيل اكتساب الأنصار إن روسيا قد قررت مناصرة الصهيونيين وعلينا أن نتقيد بسياستها العامة أليس كذلك يا سيد مسعود؟

مسعود: هذا حق ولكنا كنا نود لو أن روسيا لم توافق أميركا في تأييد الصهيونيين.. لو أنها لزمت الحياد على الأقل. إذن لما تغيرت قلوب العرب عليها.

جوزيف: إن اليهود هم نواة الشيوعية في فلسطين فلا تستطيع روسيا إلا أن تؤيدهم أما أميركا فإنما فعلت ذلك لتستغل أصوات اليهود وأموال اليهود، وفرق كبير بين هذا الدافع وذاك. إياك والتشكك في المبدأ يا سيد مسعود.

مسعود: إنما يحزنني جداًَ أن تتحول قلوب العرب عن موسكو بعد أن كانت تهفو إليها.

جوزيف: لو أنهم آمنوا بالشيوعية لما تغيرت قلوبهم على موسكو ولآثروا الخير الإنساني العام على النعرة العنصرية الضيقة ما بالك يا محمدوف لا تشاركنا في الحديث؟

محمدوف: لأننيوف لا أتكلموف إلا بلغتيوف وقد منعنيوف معروف من ذلكوف.

جوزيف: لماذا يا سيدي معروف تمنعه من الكلام بلغته؟

معروف حرصاً على وقتنا أن يضيع في تفهمها

جوزيف: إنها في الواقع سهلة جداً ولا تحتاج إلا إلى تمرين يسير

معروف: هذا أمر تافه لا يستحق هذا العناء

جوزيف: إن هذا الذي تحسبه تافهاً له خطر كبير فليس أفعل في تغيير عقلية أمة من تغيير لغتها ودينها وفنها

-2-

في دار صالح جبر صالح جبر ونوري السعيد

نوري: هون عليك يا أخي فقد رأيتني في أزمات أشد من هذه فانفرجت عني بشيء من رباطة الجأش ولطف التدبير

صالح: (يتنهد) أستطيع أن أتحمل كل شيء إلا أن يتخلى عنا سمو الوصي في هذه اللحظة الحرجة فيظهر هو بمظهر المنقذ لإرادة الشعب ويظهرنا في صورة الخائنين للبلاد الخارجين على إرادة أهلها.

نوري: إنه لم يفعل شيئاً من هذا بل ترك لنا أن نتصرف كما نشاء، وهو بحكم الدستور غير مسئول.

صالح: أتريدون أن تلقوا المسئولية كلها على عاتقي؟ أتريدون أن يفترسني هؤلاء الغوغاء؟

نوري: أنت المسؤول الأول بحكم منصبك فلا تحاول التنصل من التبعة

صالح: ويلك أتريد أن تكون مثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك؟

نوري: ما كنت لأتنصل من التبعة لو كنت صاحبها.

صالح: أعلم يا نوري أن الشعب يعلم جيداً أينا أنزه يداً وأعف نفساً في استغلال السياسة لمضاعفة أرصدته في البنوك فلا تظنن أنهم سيعفونك إن أصابوني بسوء.

نوري: إنني أعلم ذلك وهذا ما يجعلني أوصيك بضبط أعصابك والاحتفاظ برباطة جأشك لكيما تكون أقدر على علاج هذه الأزمة.

صالح: فقل لي ماذا نصنع؟ ماذا تنتظر؟ ألم تسمع الجماهير تنادي بسقوطنا وحرق بيوتنا؟

نوري: أتخيفك هذه الضوضاء يا أخي وفي يدك مقاليد الأمر والنهي؟

صالح: أي شيء بقي في يدي؟ هم الآن أصحاب الموقف.

نوري: في يدك البوليس وقوات الأمن.

صالح: هؤلاء قد عجزوا أمس عن تفريق المظاهرات القائمة في كل مكان.

نوري: مرهم بإطلاق النار.

صالح: سيزيد ذلك في ثورة الشعب ولن يقوى البوليس عليهم.

نوري: عززهم بفرق من الجيش.

صالح: أستخدم جيش البلاد ضد أبناء البلاد!!

نوري: بل تستخدمهم في حفظ الأمن. هذا واجبك وإلا سادت الفوضى وفشا السلب والنهب وقتل الناس بعضهم بعضاً.

صالح ماذا يقول العالم عني إذا فعلت هذا وماذا يقول العالم العربي خاصة؟

نوري: ما شأن هؤلاء بنا؟ نحن أعرف بمصلحة بلادنا وأدرى بواجبنا نحوها.

صالح: كلا لا قبل لي بتحمل هذه التبعة.

نوري: إذن فليس أمامك إلا أن تستقيل من الحكم غير أني أذكرك –وستعلم صدق ما أقول- أن اعتزالك من الحكم لن يعفيك من سخط الشعب عليك بل سيضاعف من غضبه على الوزير المخذول، ولأم المخطئ الهبل!

صالح: لكن بأي شيء أبرر استعمال هذه الشدة؟

نوري: هذه مشكلة هينة.. مر جماعة من البوليس السري فليندسوا في الجماهير وليهتفوا هتافات شيوعية. فيكون استعمال الشدة للقضاء على الشيوعيين الفوضويين.

صالح: هذه فكرة لا بأس بها...

نوري: فاختر لنفسك ما يحلو لك إما الاستقالة ويتبعها المقت وإما إتباع هذا السبيل.

صالح: كلا لا أستقيل!

-3-

في ميدان الجنرال (مود) حيث يقوم في وسطه تمثال ضخم لهذا القائد الإنجليزي الذي فتح بغداد وحيث تقوم بجواره دار السفارة البريطانية.

تتدفق طوابير المتظاهرين يحملون الأعلام العراقية ويرددون الهتافات الوطنية حتى يغص الميدان بهم.

أصوات: (تدوي في الفضاء) يسقط تمثال العبودية! يسقط التمثال اللعين! اهدموا تمثال العبودية! حطموا صنم الاستعباد! أزيلوا هذه الوصمة القذرة!

(تتهاوى الحجارة على التمثال من كل جانب)

قائد المتظاهرين: (يقف على قاعدة التمثال) أيها المواطنون! يا أبناء الرافدين أصغوا إليّ! أعيروني أسماعكم! لا ترجموا التمثال بالحجارة فتصيبوا إخوانكم.

(يهدأ الضجيج ويكف الرجم بالحجارة)

بني وطني الأعزاء.. لا أريد أن أحمي هذا التمثال من غضبكم فإنه وصمة في جبين العراق يجب أن تزول! إنه لأكبر عار على الشعب العراقي أن يقوم في أحد ميادين عاصمته تمثال لقائد أجنبي فتح البلاد بالحديد والنار وألبسها الخزي والعار وأذاق أهلها النكال والدمار وضرب عليهم الذل والاستعمار. بيد أن لهذا التمثال فضلاً لا يجوز أن تغمضوه فهو قائم في هذا الميدان يذكركم بالليل والنهار أن الإنجليز هم عدوكم الأول مهما تنوعت أساليبهم فاعتبروا يا أولي الأبصار!

أصوات: فلنهدم تمثال العبودية! لنزل هذه الوصمة! الهدم الهدم!

القائد: كلا يا بني وطني. اهدموا القوة التي ترفع هذا التمثال أولاً ثم اهدموه! وإلا فلن تعجز تلك القوة أن تقيمه من جديد بألفي دينار تؤخذ من خزينة البلاد!

صوت: اهدموا هذا التمثال القذر! أقيموا تمثالاً لأبي العدالة ومحرر الشعوب!

القائد: (يلتفت لصاحب الصوت) هلم يا هذا.. ماذا تقول؟ أفسحوا له الطريق.. دعوني أسمع رأيه (يدنو الهاتف منه) ماذا تقول؟

الهاتف: اهدموا هذا التمثال وابنوا في مكانه تمثالاً لأبي العدالة ومحرر الشعوب.

القائد: من ذا تعني؟

الهاتف: الرفيق ستالين.

القائد: اخسأ يا لعين! أعراقي أنت؟

(يحاول الهاتف التسلل والفرار)

القائد: (اقبضوا عليه) لا تذروه (يقبضون عليه ويدفعونه ناحية القائد)

ما اسمك يا هذا؟

الهاتف: اسمي بنجـ. اسمي بنجـ .. بنجـ..

القائد: بن غوريون؟!

الهاتف: لا لا.. اسمي بنجامين.

القائد: ويلك أيها الصهيوني الأثيم!

بنجامين: كلا.. لست بصهيوني ولا صلة لي بالصهيونية.

القائد: أردت إفساد هذه المظاهرة الوطنية!

بنجامين: كلا إنما ناديت بسقوط هذا التمثال البريطاني القذر.

القائد: وبنصب تمثال ستالين مكانه!

بنجامين: حسبت أن هذا لا يسوءكم.

القائد: اسجد لهذا التمثال القذر!

بنجامين: كيف يا سيدي؟ إني أكره بريطانيا كما يكرهها كل عراقي مخلص لوطنه.

القائد: اسجد له فهو إلهك وإله قومك!

محمدوف: (واقفاً قريباً من بنجامين) كيفوف تأمرهوف بالسجودوف لتمثالوف الاستعبادوف.

القائد: ماذا يقول هذا المخبول؟

محمدوف: لستوف مخبولوف اننيوف عاقلوف كاملوف!

القائد: اطردوا هذا المخبول من هنا!

أحد المتظاهرين: (رفيق محمدوف) هذا ليس بمخبول لقد قال كلمة الحق. لا يجوز لك أن تأمر مواطناً عراقياً بالسجود لهذا التمثال.

القائد: لو كان عراقياً مخلصاً لما هتف باسم ستالين ليفسد علينا روعة هذا اليوم الوطني المشهود.

الرفيق: إن اسم ستالين يجب أن يهتف به في كل مكان!

القائد: ويلك أنت إذن من الطابور الخامس.

الرفيق: كل من يعادي بريطانيا تعدونه من الطابور الخامس.

القائد: اخسأ ويلك لا تغالط! أنتم لا تكرهون بريطانيا من أجل بغداد بل من أجل موسكو!

الرفيق: موسكو صديقة بغداد! موسكو قبلة أحرار العالم!

القائد: بل قبلة العبيد المأجورين أمثالك!

الرفيق: أنت المأجور!

القائد: أيها الكلب الأحمر. (ينقض عليه بمسدسه فيرديه صريعاً) إلى جهنم الحمراء!!

أصوات: مرحى! مرحى! يسقط الدساسون! يسقط الطابور الخامس!

اقتلوا الصهيوني اللعين! اقتلوا بنجامين!

بنجامين: (لا يزال مقبوضاً عليه) ارحمني يا سيدي من هؤلاء (يبكي) أتوسل إليك.. أقبل قدميك.

القائد: هو الإله لذي جلب قومك المجرمين إلى فلسطين.. اسجد له وإلا..

بنجامين: سمعاً يا سيدي.. سأسجد له نزولاً على أمرك (يسجد للتمثال).

القائد: هذا إلهكم الأول. أما إلهكم الثاني فلن تسجد لتمثاله إلا في موسكو!

أصوات: اقتلوا الصهيوني! اقتلوه!

القائد: لو كان خائناً عربياً لقتلناه ولكنه يهودي واليهود هنا في ذمتنا وهم جميعاً مثله فدعوه يذهب لسبيله.. دعوه يخبر جماعته بما حدث. أيها العراقيون! خذوها كلمة مني مدوية! إن هؤلاء المأجورين يريدون أن يشوهوا جمال هذه الحركة القومية الرائعة ويبرزوكم في صورة العاملين لحساب دولة أجنبية أخرى فاحذروا دسائسهم وطهروا منهم صفوفكم.

اذكروا دائماً أننا إذ نثور اليوم لتمزيق هذه المعاهدة الجديدة لا نثور لتخليص العراق وحدها من تلك المؤامرة الاستعمارية الكبرى بل لتخليص أقطار العروبة كلها من أجل وادي النيل المجيد.. من أجل سوريا ولبنان وشرق الأردن من أجل ليبيا وأقطار المغرب الثلاثة وقبل كل شيء لإنقاذ فلسطين الباسلة وحفظها للعرب إلى الأبد!.

بني وطني الأعزاء هيا إلى دار البرلمان!!

تتحرك الجموع شمالاً ليعبروا جسر المأمون إلى الشاطئ الآخر (الرصافة) وهم يهتفون:

إلى دار البرلمان تسقط معاهدة بورتسموث!

يسقط الخونة! يسقط صالح جبر! يسقط نوري السعيد!. الويل للخونة! الويل لأعوان الاستعمار!

- 4 -

عند جسر المأمون: جموع المتظاهرين تقف عن السير – قائد المتظاهرين يعتلى مصطبة الجسر مما يلي الكوخ ليخطب فيهم.

هتافات: تحيا ذكرى الشهداء، يسقط الجناة، يسقط الجلادون، الثأر لدماء الشهداء، تسقط بريطانيا، يسقط أعوان الاستعمار.

القائد: "يشير إليهم ليسكتوا" "فتهدأ الأصوات" يا أبناء العراق، وقفة خاشعة على هذا الجسر لنقضي بعض الحق لأولئك الشهداء الأبرار من إخوانكم وأخواتكم الذين سقطوا صرعى ببنادق رجال الشرطة ورجال الجيش ومدافعهم الرشاشة فسالت دماؤهم على هذا الجسر حتى تخضبت بها مياه هذا النهر اذكروا تلك الفتاة الصغيرة الباسلة يوم سارت فوق هذا الجسر تحمل العلم وتتقدم الصفوف هاتفة بحياة العراق وسقوط الاستعمار وأعوانه فاخترق الرصاص صدرها رصاص الجناة، فسقطت وهي تحتضن العلم، ثم اذكروا أخاها اليافع الشجاع كيف انحنى عليها وأخذ من يدها العلم المخضب فرفعه عالياً يتقدم به الصفوف، فما أمهله الجناة أن مزقوه برصاصهم فسقط إلى جانب أخته شهيداً، اذكروا خمساً وعشرين من أخواتكم المتعلمات الباسلات حصدهن رصاص الجناة فكان مصاب الوطن فيهن عظيماً. اذكروا هذا كله، لا لتأسفوا على ما قدمتم للوطن من الضحايا، ولكن لتشكروا الله على أن تلك الدماء لم تذهب سدى، فقد برهنتم للجناة أن بنادقهم ومدافعهم ليس في وسعها أن تخمد هذه الجذوة المتأججة في صدوركم العامرة بالإيمان بحق العراق في حياة حرة كريمة!.

هتافات: يحيا العراق.. يحيا الشعب الأبي..

القائد: ها أنتم أولاء قد أحرزتم نصف النصر، فلم يجرؤ أولئك الجنود أن يتعرضوا لكم كما فعلوا في الأيام الماضية، فامضوا في جهادكم حتى يسقط أصدقاء الاستعمار وأعداء الشعب، ويلوذوا بالفرار من هذا الوطن الذي خانوه!.. هيا إلى دار البرلمان.

"ينزل عن المصطبة وتتحرك الجموع لتعبر الجسر بينما تتعالى الهتافات الوطنية".

- 5 -

أمام دار البرلمان: يغص الشارع والشوارع المتصلة به بجموع المتظاهرين.

هتافات: "لا تنقطع" يسقط صالح جبر، تسقط حكومة الخونة يسقط أعوان الاستعمار، يسقط أعداء الشعب، الويل للجناة، يسقط معاهدة بورتسموث.. لا صداقة مع بريطانيا، بريطانيا العدو الأكبر، يسقط نوري السعيد، بسقط صالح جبر.

"يخرج قائد المتظاهرين من باب البرلمان فتهدأ الأصوات ويتطلع الجميع إليه".

القائد: أبشروا يا بني وطني الأعزاء، فقد تم لكم النصر، لقد قرر مجلس البرلمان رفض معاهدة بورتسموث وسقطت حكومة الاستعمار، وانتصرت إرادة الشعب.

أصوات: يحيا البرلمان العراقي، يحيا البرلمان العراقي، تحيا إرادة الأمة، لا استعمار بعد اليوم.

"تتعالى هتافات الفرح وتختلط الأصوات".

 "ستار"

         

*جريدة الإخوان المسلمون المصرية في 29/2/1948