دروس الانقلاب التي لم نتعلم منها

حدث ما حدث و كانت ٣٠ يونيو  و تلاها انقلاب ٣ يوليو فالمجازر المتتابعة فارتفاع الحراك ثم انخفاضه ثم توقفه ، ثم وصلنا إلى اليأس من الثورة و الشعب كما أصبح يردد الكثيرين للأسف .

لكن للأسف لم نستفد من الدرس و لم نتعلم من التجربة ، و فضلنا البكاء على الأطلال ، أو العيش على الأماني الكاذبة التي تخدّر النفس و تريح الضمير و لو  إلى حين .

أول الدروس التي لم نتعلم منها هي لا تعطي فرصة لعدوك لتدميرك فإما أن تواجهه بما تستطيع  أو تنسحب من معركة لست مؤهلا لها ، و اختيار وقت الانسحاب هو حكمة في حد ذاته و الخطأ فيه يغير مجرى التاريخ لك أو عليك .

و حتى الآن لا نحن واجهناه بما يستحق و لا انسحبنا بما يليق في الوقت المناسب.

الدرس الثاني : المكر و الدهاء و الخداع و الحيلة و المناورة هي ما يقوم عليها البقاء في الحكم ، خاصة اذا كان عدوك مجرما وقحا غادرا خسيسا في عداوته .

حتى الآن لا تزال النوايا الطيبة أو الساذجة أو الحالمة هي سيدة الموقف فلا يوجد بيننا " خبّ و لا الخبّ يخدعه "

الدرس الثالث : لا يقوم حكم إلا على أسنة الرماح و تحت ظلّال السيوف ، و الرماح و السيوف في زماننا هذا تعني قوة السلاح و القوة ناعمة ، و اذا كان متفهما عدم امتلاك قوة السلاح في اعقاب الانقلاب حين ضاعت منك السلطة التي تعطيها المشروعية  ، فلا يزال كذلك  باعُنا في القوة الناعمة ضعيفا خجولا رغم أن القوة الناعمة وحدها كافية لحسم الصراع لمن يجيد استخدامها .

الدرس الرابع : الثورات لا تنتصر بالدروشة و لا بأحلام اليقظة و لكن بالعلم و التخصص و توظيفهما جيدا في إدارة الصراع ، حتى الآن لم نتعلم علوم إدارة الدول و لا الصراعات و لا علوم السلطة بأنواعها و لا توظيف التكنولوجيا و الذكاء الصناعي لصالح الثورة و لا علوم الإجتماع السياسي منها و الاقتصادي و النفسي و لا علوم الإدارة بمختلف مدارسها و مذاهبها و لا العلوم السياسية بأنواعها ، و لا التخطيط بأنواعه  ، لم نتعلم شيئا اللهم إلا الدعاء على الظالمين و رواية الأحلام و البحث عنها في تفسير ابن سيرين .

الدرس الخامس : المال هو عصب الحياة و الثورات كذلك فلا يمكنك فعل شيئ بدونه لا امتلاك القوة بنوعيها و لا تعلّم العلم و لا امتلاك الأدوات ، و لا رعاية الضعفاء و المأزومين من الانقلاب ، و حتى الآن لا توجد مؤسسات ماليه ترعى كل ما سبق فقط تعيش الثورة على الهبات التي لن تستمر مع طول أمد الصراع .

الدرس السادس : لا ثورة بدون قيادة حاضرة في حياة الناس تعيش معهم و بهم آلامهم و آمالهم لحظة بلحظة توجه و ترشد و توجه و توضح معالم الطريق و توقظ الغفلان ، ربما نكون نحن الثورة الوحيدة في التاريخ التي تقود الجماهير بالبيانات و التي لا تعرف لها قادة أو أبطالا الا في السجون أو القبور .

حتى الأحياء منهم  اعتبرناه الإمام الغائب الذي لا يرى و لا يظهر في مقاربة سنية للمفهوم الشيعي للإمام الغائب المنتظر لديهم !! .

الدرس السابع : لا تحطم مستقبلك و هم الشباب ، لكن للأسف المتتبع لوضع الشباب وقود الثورات و قادة المستقبل نجد أن تحطيمهم و تشتيتهم هو الحاصل فلا قدوة أمامهم و لا مشروع يجمعهم و لا قائد يحتضنهم ، فتاهوا وسط الزحام و عاشوا أحداث فوق أعمارهم لم يتهيئوا لها فمنهم من ثبت و تجاوز المحنة و منهم من انسحب من الثورة و ربما من الحياة و منهم من انحرف لأقصى اليمين او اليسار  بعد ان فقد المرجعية و الناصح الأمين .

الدرس الثامن : ايّاكم و مرتزقة الثورات و هم كثُر ، أحيانا يكونوا لصوص في ثياب قديسين ، لا يسرقون المال فقط و لكن أحلام الناس و آمالهم و أعمارهم بمظاهر خادعة و حكمة مصطنعة مضللة .

و بعضهم يعيش على ما يطلبه المستمعون جريا خلف وهم الشهرة دون رسالة أو مضمون أو اثباتا للحضور  و الظهور دون هدف سوى بناء المجد الشخصي ، ابحث فقط عمّن يقدم لك قيمة مضافة أو وعيا زائدا  أو حكمة مستفادة . 

الدرس التاسع : فقه المحن غير فقه العافية و قلوب المحن غير قلوب العافية ، فلا تعامل الناس بفقه العافية وقت المحنة و لا تنتظر منهم سلوكا او معاملة بفقه العافية وقت المحنة و الا ستحبط و تندم و تفقد الثقة في الجميع ، فادرك فقه زمانك و لا تحمل  نفسك أو الآخرين ما لا تطيق أو يطيقون .

الدرس العاشر : التفت لقلبك و لا تفقده وسط ضغوط الحياة و لهاثها ، و لا تنسى وسط مشاغلها أنّك عبد لله و أنّك إليه راحل طال بك الزمان او قصر ، فارضى بما قسمه الله لك ، و أعلم ان اختياره لك أفضل ألف مرة من اختيارك لنفسك ، فالتعامل مع الله لا يكون بظواهر الأمور و لكن ببواطنها و جوهرها .

حُبس سيدنا يوسف بضع سنين فكانت عاقبته حكم مصر ، و مشى قارون في عزه و سلطانه فكان عاقبته فخسفنا به و بدار الأرض ، فلا تكن من أهل "ياليت لنا مثل ما أوتي قارون انه لذو حظ عظيم"  .

هذه بعض دروس الانقلاب كما خبرتها و شعرت بها ، فهل من متعظ او معتبر ؟

وسوم: العدد 779